الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: شروط "لا إله إلا الله
"
معنى الشروط في اللغة:
شروط جمع، مفردها شرط، والشرط: إلزام الشيء، والتزامه؛ يقال: شرط له أمرا: التزمه، وشرط عليه أمرا: ألزمه إياه1.
المراد بشروط "لا إله إلا الله":
يراد بشروط "لا إله إلا الله": الأمور التي يجب على الإنسان أن يلزمها، حتى يحقق "لا إله إلا الله"، أو: ما لا تصح شهادة "لا إله إلا الله" إلا بوجودها، ويجب اجتماعها.
منزلة هذه الشروط من شهادة "لا إله إلا الله":
هذه الشروط بمثابة الأسنان للمفتاح، فلا يفتح إلا بوجودها.
وقد أشار إلى ذلك عدد من علماء الأمة؛ منهم الإمام الحسن البصري رحمه الله، حين قال للشاعر الفرزدق -وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال الفرزدق: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. فقال الحسن: نعم العدة، إن لـ "لا إله إلا الله شروطا"؛ فإياك وقذف المحصنات2.
وقيل لوهب بن منبه رحمه الله: أليس "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة؟ فقال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك3.
ذكر شروط "لا إله إلا الله":
ذكر العلماء لكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" سبعة شروط، فعظمها بعضهم بقوله4:
علم، يقين، وإخلاص، وصدقك مع
…
محبة، وانقياد، والقبول لها
وزاد بعضهم شرطا ثامنا، ونظمه بقوله:
وزيد ثامنها الكفران منك لما
…
سوى الإله من الأنداد قد ألها
ويمكن بيان هذه الشروط في الوقفات التالية:
1 انظر: القاموس المحيط للفيروز أبادي ص869. والمعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين ص478.
2 انظر: كتاب التوحيد لابن رجب الحنبلي ص39. والدين الخالص لصديق حسن خان 1/ 157.
3 أخرجه البخاري تعليقا في صحيحه، كتاب الجنائز، باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله. وقد وصله في تاريخ 1/ 95، وأبو نعيم في حيلة الأولياء 1/ 66.
4 انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منها للشيخ ابن جبرين ص77.
الوقفة الأولى: مع الشرط الأول: العلم المنافي للجهل:
المراد بهذا الشروط:
يراد بهذا الشرط: أن نعلم معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ومدلولها، علما منافيا للجهل، في النفي والإثبات؛ فننفي الألوهية عن غير الله عز وجل، ونثبتها له وحده؛ بأن نعلم أنه لا معبود بحق غيره.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عزوجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: من الآية19] .
والعلم هنا لا بد فيه من إقرار القلب، ومعرفته بما طلب منه علمه.
2-
قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون} [الزخرف: من الآية86] .
أي: إلا من شهد بـ "لا إله إلا الله"، وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم1.
3-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"2.
الوقفة الثانية: مع الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك:
المراد بهذا الشرط:
حتى يكون العلم كاملا، يجب أن لا يكون فيه شك ولا ريب؛ فمن علم أن معنى "لا إله إلا الله": لا معبود بحق إلا الله، يجب أن لا يرد عل علمه شك ولا ريب، ويجب أن لا يتردد في الإيمان بمدلولها، وعليه أن يعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله تعالى، وبطلان إلهية غير الله عز وجل بأي نوع من التأله.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] ؛ فاشترط لصدق إيمانهم بالله ورسوله: كونهم لم يرتابو؛ أي لم يشكو، فعلم أنه لا بد من البعد عن الشك في معنى "لا إله إلا الله".
1 انظر أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص40.
2 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة.
2-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"1.
3-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "اذهب بنعلي هاتين، فمن رأيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة"2.
الوقف الثالثة: مع الشرط الثالث: القبول المنافي للرد:
المراد بهذا الشرط:
يراد من هذا الشرط: قبول ما اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان، وتجنب ردها؛ لأن من الناس من يعلم معنى "لا إله إلا الله"، ويوقن بمدلولها؛ ولكنه يردها كبرا وحسدا؛ فالمشركون كانوا يعرفون معنى "لا إله إلا الله"، ولكنهم كانوا يستكبرون عن قبوله، كما حكى عز وجل ذلك عنهم بقوله:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]، وقوله:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: من الآية33]3.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51] .
2-
قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] .
3-
قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا؛ فكانت منها طئافة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا. وأصاب
1 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه، دخل الجنة.
2 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه، دخل الجنة.
3 انظر: الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما للشيخ ابن جبرين ص80-81.
طائفة منها أخرى؛ إنما هي قيعان، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين الله، وشنفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" 1.
الوقفة الرابعة: مع الشرط الرابع: الانقياد المنافي للترك:
المراد بهذا الشرط:
الانقياد من مستلزمات القبول. ولعل الفرق بينه وبين القبول: أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال، والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول. ويلزم منهما جميعا الاتباع، ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله2.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان آية22] .
2-
قول الله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: من الآية125] .
3-
قول الله عز وجل: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: من الآية54] .
4-
قول رسول الله صلى الله علي وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"3.
الوقفة الخامسة: مع الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب:
المراد بهذا الشرط:
أن يكون صادقا في قول "لا إله إلا الله" واعتقاد مدلولها، صدقا ينافي الكذب ظاهرا، ويمنع من النفاق باطنا؛
1 صحيح البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم. وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدي والعلم. واللفظ لمسلم.
2 انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما للشيخ ابن جبرين ص81.
3 انقسم العلماء في هذا الحديث بين مصحح ومضعف؛ لأن آفته كما ذكروا هو نعيم بن حماد. فانظر كلامهم الطويل عن هذا الحديث في: جامع العلوم والحكم لابن رجب 2/ 393-395. ومشكاة المصابيح للألباني 1/ 59. وظلال الجنة بتخريج السنة له ص12.
فلا يخالف ظاهره باطنه؛ بل يتواطأ ظاهره مع باطنه، وما في داخل قلبه مع ما يقوله بلسانه، ويجري على جوارحه من الأعمال. وهذا هو الصدق الذي يمنع من النفاق باطنا.
كذلك لا يظهر على جوارحه ما يناقض ما في قلبه من الاعتقاد بمدلول "لا إله إلا الله" ومقتضاها، واليقين به. وهذا هو الصدق الذي ينافي الكذب ظاهرا.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عز وجل: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1-3] .
2-
قول الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] ؛ فالمنافقون يقولون بألسنتهم؛ لكنهم ينكرون مدلول الشهادة بقلوبهم. لذلك حكم الله عليهم بالكذب، وبأن مجرد القول باللسان لا ينجيهم، بل هم في الدرك الأسفل من النار.
3-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه، إلا حرمة الله على النار"1.
4-
حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي شرائع الإسلام، وقال له الأعرابي: والله لا أزيد عليها، ولا أنقص منها، قال رسول صلى الله عليه وسلم:"أفلح إن صدق"2.
الوقفة السادسة: مع الشرط السادس: الإخلاص المنافي للشرك
المراد بهذا الشرط:
يراد بهذا الشرط: تصفية القلب وتخليصه من كل ما يضاد معنى "لا إله إلا الله"، وتصفية العبادة، وتخليصها من شوائب الشرك والرياء. والإخلاص أن تكون العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شيء لغير الله عز وجل، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل3.
1 صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم.
2 صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
3 انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما للشيخ ابن جبرين ص83-84.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عز وجل: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} [الزمر: من الآية3] ؛ أي لا يقبل الله من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له.
2-
قول الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] .
3-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"1.
4-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"2.
الوقفة السابعة: مع الشرط السابع: الحب المنافي للبغض
المحبة هي مواطأة القلب على ما يرضي الله عز وجل؛ فيحب ما أحب الله، ويكره ما كره.
المراد بهذا الشرط:
أن يحب هذه الكلمة، ويحب العمل بمقتضاها، ويحب أهلها العاملين بها.
ومن هنا قيل: "كل من ادعى محبة الله، ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة"3.
و"ليس بصادق من ادعى محبة الله، ولم يحفظ حدوده"4.
فالعبد يحب الله عز وجل، ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب كل ما يحبه من الأعمال والأقوال، ويحب أولياءه وأهل طاعته4.
ومتى استقرت كلمة "لا إله إلا الله" في القلب؛ فإنه لا يفضل عليها شيء؛ إذ حبها يملأ القلب، فلا يتسع لغيرها، وعندئذ يجد العبد حلاوة الإيمان.
1 صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب المساد في البيوت، وكتاب الرقاق، باب العمل الذي أبتغي به وجه الله.
2 صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار.
3 ذكره ابن رجب الحنبلي في كتاب التوحيد ص61.
4 انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما للشيخ ابن جبرين ص84.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: من الآية165]، وللمفسرين في أفعل التفضيل "أشد حبا لله" قولان: أحدهما: الذين آمنوا أشد حبا لله من حب المشركين لله؛ لأن محبة المؤمنين خالصة، ومحبة المشركين مشتركة.
وثانيهما: الذين آمنوا أشد حبا لله من محبة المشركين لأندادهم1.
2-
قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: من الآية54] ؛ فالله يحبهم بسبب تمسكهم بدينه وشرعه، وهم يحبونه، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه.
3-
قول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] . يقول الحسن البصري رحمه الله عن هذه الآية: "قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنا نحب ربنا حبا شديدا، فأحب الله أن يجعل لحبه علما، فأنزل الله تعالى هذه الآية"2.
4-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"3.
واجتماع هذه الشروط يحقق حلاوة الإيمان؛ فيستلذ العبد الطاعات، ويحتمل المشاق، إذا كان ذلك في سبيل رضا الله عز وجل، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.
1 انظر الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 359.
2 ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 177-178، وعزاه إلى ابن جرير، وابن المنذر عن الحسن البصر.
3 صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.
الوقفة الثامنة: مع الشرط الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله
المراد بهذا الشرط:
أن يعتقد بطلان عبادة من سوى الله عز وجل، وأن كل المعبودات سوى الله باطلة، وجدت نتيجة جهل الشمركين وضلالهم؛ فمن أقرهم على شركهم، أو شك ففي بطلان ما هم عليه؛ فليس بموحد، ولو قال لا إله إلا الله، ولو لم يعبد غير الله1.
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الكفر بما يعبد من دون الله:
"وهذا من اعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله؛ فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال؛ بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يرحم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله. فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه"2.
من الأدلة على هذا الشرط:
1-
قول الله عز وجل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] .
2-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله"، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" 3.
وبعد: فهذه هي شروط "لا إله إلا الله"، ولا بد من اجتماعها، والمداومة عليها كي يختم للعبد بخاتمة حسنة؛ لأن الأعمال بالخواتيم.
فمتى حقق المسلم هذه الشروط، كان من أهل "لا إله إلا الله" القائمين بها علما وعملا واستحق محبة الله وثوابه، والتنعم في جنات النعيم4.
1 انظر الشهادتان: معناهما، وما تستلزمه كل منهما للشيخ ابن جبرين ص78.
2 كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص33.
3 صحيح مسلم، كتاب افيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
4 انظر للاستزادة عن هذه الشروط: تيسير الإله بشرح أدلة شروط لا إله إلا الله لعبيد الجبري.