المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك - المفيد في مهمات التوحيد

[عبد القادر عطا صوفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات

- ‌المسألة الأولى: في بيان معنى العقيدة

- ‌المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التى أطلقت على العقيدة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد

- ‌الوقفة الثانية: مع مسمى "أصول الدين

- ‌الوقفة الثالثة: مع مسمى "السنة

- ‌الوقفة الرابعة: مع مسمى "الفقه الأكبر

- ‌المسألة الثالثة: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الإسلامية

- ‌الوقفة الأولى: أهل السنة والجماعة

- ‌الوقفة الثانية: السلف

- ‌الوقفة الثالثة: أهل الحديث

- ‌المبحث الثاني: مصادر العقيدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌المسالة الأولى: من خصائص العقيدة الإسلامية: أنها توقيفية

- ‌المسألة الثانية: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها غيبية

- ‌المسألة الثالثة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها شمولية

- ‌المسألة الرابعة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها وسطية

- ‌الباب الأول: التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: أنواع التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثالث: توحيد الألوهية

- ‌الفصل الثاني: دراسة بعض التفصيلات عن توحيد العبادة الإلهية

- ‌المبحث الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المطلب الأول: معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثاني: أركان "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث: شروط "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع: نواقض "لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: العبادة، وأنواعها، وأركانها

- ‌المطلب الأول: معنى العبادة في اللغة والاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: مفهوم العبودية الشامل في ضوء النصوص الشرعية

- ‌المطلب الثالث: أنواع العبادة

- ‌المطلب الرابع: أركان العبادة وأصولها

- ‌الباب الثاني: ما يضاد هذا التوحيد أو ينافي كماله

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: الشرك، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الشرك

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الشرك الأكبر

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الثالث: وسائل الشرك المنافية للتوحيد، أو لكماله

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه

- ‌المطلب الثاني: اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الرابع: الأعياد والاحتفالات البدعية من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌الفصل الثاني: الكفر، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الجحود

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأكبر الكفر بدعوى علم الغيب

- ‌المبحث الثالث: أنواع الكفر الأصغر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأصغر كفر النعمة

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأصغر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأصغر قتال المسلم

- ‌الفصل الثالث: النفاق، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى النفاق

- ‌المبحث الثاني: النفاق الأكبر الاعتقادي

- ‌المبحث الثالث: النفاق الأصغر العملي

- ‌الباب الثالث: عقيدة الولاء والبراء

- ‌الفصل الأول: نصوص الولاء والبراء في القرآن والسنة

- ‌أولا: من نصوص الولاء والبراء في القرآن الكريم

- ‌ثانيا: من نصوص الولاء والبراء في السنة النبوية

- ‌الفصل الثاني: مفهوم الولاء والبراء، ومنزلته في الدين

- ‌المبحث الأول: معنى الولاء والبراء في اللغة والشرع

- ‌المبحث الثاني: منزلة الولاء والبراء في الدين الإسلامي

- ‌الفصل الثالث: لمن يكون الولاء

- ‌الفصل الرابع: ممن يكون البراء

- ‌الفصل الخامس: حكم الولاء والبراء

- ‌فهرس المصادر والمراجع:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك

‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك

تمهيد:

أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الأمة الوسط، وهي الأمة المجانبة للغلو والإجحاف، فلا إفراط عندها ولا تفريط. وقد نهيت هذه الأمة عن الغلو على لسان رسولها صلى الله عليه وسلم، في قوله:"إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"1.

والنهي عن الغلو نهي عن الشرك؛ لأن الغلو مطية الشرك باله عز وجل، والشرك بالله أعظم ذنب عصي الله عز وجل به.

لذلك يجب على أبناء هذه الأمة الحذر منه، لئلا يهلكوا كما هلك من كان قبلهم، فيخسروا دنياهم، ويوبقوا أخراهم.

ومن مظاهر الغلو الذي نهينا عنه: الغلو في الأنبياء والصالحين؛ فإن الشياطين ما اجتالت البشرية عن فطرتها التي فطرها الله عليها، إلا بالغلو في رجال صالحين، حتى قال قائلها:{لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] .

وبيان هذا المظهر من مظاهر الغلو الذي نهينا عنه يمكن في المسائل التالية:

المسألة الأولى: المبالغة في مدح الأشخاص

المخلوق له منزلة لا يتعداها. فإن جاوز الناس فيها حدها؛ فقد غلوا فيه. وإنما حدثت عبادة الأصنام بسبب الغلو في المخلوق، وإنزاله فوق منزلته، حتى جعل فيها حظ من الإلهية، وشبه بالله تعالى. وهذا هو التشبيه الذي أبطله الله عز وجل، وبعث رسله بإنكاره، والرد على أهله2.

1 أخرجه النسائي في السنن، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى. وابن ماجه في السنن، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 176-177.

2 الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 445.

ص: 162

ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، وأفضل الأنبياء والمرسلين، وأول شافع وأول مشفع قد حذرنا من الغلو فيه، والإسراف في مدحه، حتى قال صلى الله عليه وسلم:"لا تطروني1 كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله رسوله"2.

وحين جاءه ناس فقالوا له: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال:"يا أيا الناس! قولو بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، وأنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل"3.

فإذا كان هذا النهي في حقه صلى الله عليه وسلم: أن لا يزاد في مدحه، فغيره أولى أن لا يزاد في مدحهم.

وليست المبالغة في مدحه صلى الله عليه وسلم دليلا على محبته، فإن المحبة إنما تعلم بالاتباع، ولو كان هؤلاء المسرفين في المدح صادقين في حبه صلى الله عليه وسلم، لامتنعوا عن الغلو فيه؛ لأنه نهى عن ذلك، وأمرنا أن ننتهي عما نهانا عنه. يقول صلى الله عليه وسلم:"فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"4.

ونحن نحبه صلى الله عليه وسلم، وهو أحب إلينا من أنفسنا، وآبائنا، وأبنائنا، وأهلينا، وأموالنا.

ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. فلا نفعل ما نهانا عنه من الغلو فيه، ومجاوزة الحد في شخصه الكريم.

المسألة الثانية: تصوير الأنبياء والصالحين، واتخاذ تماثيل لهم:

لقد كان سبب وقوع أول شرك في بني آدم، هو الغلو في الأشخاص وتقديسهم، واتخاذ تماثيل لهم؛ فقد روى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس رضي الله عنهما

1 الإطراء: المدح والزيادة في الثناء. "المعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين ص556".

2 صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} .

3 أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 153، 241.

4 صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 163

قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمذان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع؛ أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحي الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا. فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت"1.

فـ "أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح عليه السلام، وكانت البناء تبر الآباء، فمات رجل منهم، فجزع عليه، فجعل لا يصبر عنه؛ فاتخذ مثالا على صورته، فكلما اشتاق إليه نظره، ثم مات ففعل به كما فعل، حتى تتابعوا على ذلك. فمات الآباء، فقال الأبناء: ما اتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم. فعبدوها2.

فكان تساهلهم في تصوير هؤلاء الصالحين وتعليق صورهم في مجالسهم، من أسباب عبادة ذريتهم لهذه التماثيل من دون الله عز وجل. يقول الإمام القرطبي رحمه الله:"إنما فعل ذلك أوائلهم ليأتنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله تعالى عند قبورهم؛ فمضت لهم بذلك أزمان. ثم إنه خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها. فعبدوها. فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك، وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك"3.

وقد دلت الأحاديث الكثيرة على تحريم التصوير، خشية أن يؤدي تعليقها، والافتتان بها إلى عبادتها من دون الله عز وجل، ومن هذه الأحاديث:

1 صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} .

2 فتح الباري لابن حجر 8/ 669.

3 المفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي 2/ 931-932. وانظر: الجامع لأحكام القرآن له 18/ 198-199. والمجموع الثمين للشيخ ابن عثيمين 2/ 249.

ص: 164

1-

ما تقدم عن أبي الهياج الأسدون، من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه له: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته"1.

2-

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" 2، وفيه حرمة تصوير الحيوان.

قال النووي: قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره، فصنعه حرام3.

3-

وجاء رجل إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: يا أبا عباس! إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير؛ فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:"من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدا" فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه.

فقال ابن عباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع؛ فعليك بهذا الشجر؛ كل شيء ليس فيه روح4.

4-

وقد دخل أبو هريرة رضي الله عنه إلى دار مروان بن الحكم، فرأى فيها تصاوير. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة"5.

1 تقدم تخريجه ص159 من هذا الكتاب.

2 صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة. وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه.

3 نقله عنه ابن حجر في فتح الباري 10/ 384.

4 صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك.

5 صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب نقض الصور. وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان. واللفظ لمسلم.

ص: 165

المسألة الثالثة: التبرك بآثار الأنبياء والصالحين

التبرك: طلب البركة، والبركة: كثرة الخير، وزيادته، واستمراره1.

والشيء الذي يتبرك بهن قد يكون فيه بركة دينية، وقد يكون فيه بركة دنيوية، وقد يكون فيه بركة دينية ودنيوية معا.

فمثال الأول: المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، لما فيها من الأجر العظيم لمن صلى فيها، وغير ذلك.

ومثال الثاني: الماء واللبن، لما فيهما من المنافع الدنيوية الكثيرة.

ومثال الثالث: القرآن؛ ففيه منافع دينية ودنيوية كثيرة. ويكفي أن من تمسك به أفلح في الدنيا والآخرة، وهو شفاء للقلوب والأبدان2.

والتبرك المقصود في هذه المسألة، هو التبرك بالأشخاص، وهو ينقسم إلى قسمين:

1-

تبرك بذواتهم.

2-

وتبرك بآثارهم.

وكلا النوعين يكون شركا إذا اعتقد المتبرك أن المتبرك به يهب البركة بنفسه؛ فيبارك في الأشياء استقلالا، أو يطلب منه الخير والنماء فيما لا يقدر عليه إلا الله.

وإنما قلنا بأنه شرك لأن الله موجد البركة وواهبها، والعباد سبب، يقول صلى الله عليه وسلم حين تفجر الماء من بين أصابعه:"البركة من الله" 3، ويقول عليه الصلاة والسلام مخاطبا مولاه عز وجل:"والخير كله في يديك"4.

أما إذا لم يعتقد المتبرك في المتبرك به أنه واهب البركة، بل نسب ذلك إلى الله عز وجل، فالأمر فيه تفصيل؛ لأن المتربك به قد يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون غيره من الأولياء والصالحين.

أولا: المبترك به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن كان المتبرك به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن رسولنا صلى الله عليه وسلم مبارك في ذاته وآثاره، كما كان مباركا في أفعاله5.

1 انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 230. وتهذيب اللغة للأزهري 10/ 231.

2 انظر: التبرك: أنواعه وأحكامه للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع ص43. ومذكرة العقيدة الإسلامية للدكتور عبد الله بن جبرين ص93.

3 صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب شرب البركة، والماء المبارك.

4 صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

5 انظر التبرك: أنواعه وأحكامه للدكتور ناصر الجديع ص243.

ص: 166

ولقد تبرك صحابته رضي الله عنهما بذاته صلى الله عليه وسلم، وبآثاره الحسية المنفصلة منه صلى الله عليه وسلم في حياته، وأقرهم صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر عليهم. ثم إنهم رضي الله عنهم تبركوا ومن أتى بعدهم من سلف هذه الأمة الصالح بآثاره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، مما يدل على مشروعية هذا التبرك1.

فقد تبركت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بيده الشريفة؛ فكانت تقرأ عليه بالمعوذات حين اشتد وجعه، وتمسح عليه بيده نفسه، رجاء بركتها، كما قالت2.

وكان الصحابة رضي الله عنهم يمسحون بيديه صلى الله عليه وسلم، ويضعونها على وجوههم رجاء بركتها3.

وكانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم، وقد أقرهم على ذلك، بل إنه وزعه عليهم4.

وكانوا يتبركون بعرقه5 وبريقه6 صلى الله عليه وسلم، وبنخامته فيدلكون بها وجوههم وجلودهم7.

وكتب السنة مليئة بتبرك أولئك الأخيار بسيد المصطفين الأطهار صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد وفاته8.

ولقد كانت أعظم بركة نالوها: اتباعه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، والسير على منهاجه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كما كان أهل المدينة لما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في بركته لما آمنوا به وأطاعوه. فببركة ذلك حصل لهم سعادة الدنيا والآخرة.

بل كل مؤمن آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم وأطاعه حصل له من بركة الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب إيمانه وطاعته من خير الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله9.

1 انظر المرجع نفسه ص244.

2 تقدم تخريج حديثها في ص138، ح"4" من هذا الكتاب.

3 انظر صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب قرب النبي عليه السلام من الناس وتبركهم به.

4 انظر صحيح مسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السنة يوم النحر: أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق.

5 انظر صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به.

6 انظر صحيح البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه، وصحيح مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته.

7 انظر صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب.

8 انظر تفصيل ذلك في كتاب: التبرك: أحكامه وأنواعه للدكتور ناصر الجديع ص243-26.

9 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 113.

ص: 167

ثانيا: المتبرك به غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من الأولياء والصالحين:

لم يرد دليل صحيح يجيز التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعل التبرك بأجساد الصالحين وآثارهم يدخل في دائرة التبرك البدعي؛ لذلك لم يرد عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من التابعين أنهم تبركوا بأحد من الصالحين؛ فلم يتبركوا بأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولا بغيره من العشرة المبشرين بالجنة، ولا بأحد من أهل البيت، ولا غيرهم. ولو كان خيرا لسبقونا إليه؛ لحرصهم الشديد على فعل جميع أنواع البر والخير1.

وقد أمعوا كلهم رضي الله عنهم على ترك التبرك بجسد أو آثار أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم2.

فدل ذلك على عدم مشروعية هذا التبرك.

ولا يجوز أن يقاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من البشر لوجوه3؛ منها:

1-

عدم المقاربة؛ فضلا عن المساوة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة؛ فليس أحد من الأولياء أو الصالحين يقاس برسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله أو بركته.

2-

عدم تحقق الصلاح؛ فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب. وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص؛ كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، ومن اشتهر بصلاح ودين، كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأئمة بالصلاح. أما غيرهم؛ فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون، فنرجو لهم.

3-

لو ظننا صلاح شخص، فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء. والأعمال بالخواتيم. فلا يكون أهلا للتبرك بآثاره.

4-

أن الصحابة رضي الله عنه لم يكونوا يفعلون ذلك مع غير رسولنا صلى الله عليه وسلم لا في حياته، ولا بعد موته ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

إذا ليس لأحد أن يتبرك بجسد أو آثار أحد كائنا من كان، لإجماع الصحابة على ترك التبرك بأجساد أو آثار غيره صلى الله عليه وسلم من الأولياء والصالحين.

1 مذكرة في العقيدة الإسلامية للدكتور عبد الله بن جبرين ص95.

2 ممن نقل إجماعهم على ذلكك الإمام الشاطبي في الاعتصام 2/ 8-9. والعلامة صديق حسن خان في الدين الخالص 2/ 249-250، والشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ص186. والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد ص188، وغيرهم.

3 انظرها في تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ص186.

ص: 168