الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقفة الثانية: مع مسمى "أصول الدين
"
من مسميات هذا العلم: أصول الدين.
المراد بأصول الدين:
نلاحظ أن مصطلح "أصول الدين" مركب من مضاف، ومضاف إليه. فهو إذًا مركب إضافي.
ولا يمكن التوصل إلى معنى المركب إلا بتحليل أجزائه المركب منها، وهي "أصول"، و"دين".
أما الأصول: فمفردها أصل. ومعناه لغة: أساس الشيء1. أو ما يبتنى عليه غيره؛ كأساس المنزل، وأصل الشجرة، ونحو ذلك2. والأصل اصطلاحا: ما له فرع؛ لأن الفرع لا ينشأ إلا عن أصل3.
والدين في اللغة: الذل والخضوع. والمراد به دين الإسلام، وطاعة الله، وعبادته وتوحيده، وامتثال المأمور، واجتناب المحظور، وكل ما يتعبد الله عز وجل به4.
فتكون أصول الدين -على هذا: القواعد والأسس التي تصح بها العبادة، وتتحقق بها طاعة الله ورسوله بامتثال المأمور، واجتناب المحظور؛ لأن الاعتقاد هو الأصل الذي ينبني عليه قبول الأعمال وصحتها.
فأصول الدين: هي ما يقوم وينبني عليه الدين. والدين الإسلامي يقوم على عقيدة التوحيد. ومن هنا سمي علم التوحيد أو علم العقيدة بـ"علم أصول الدين".
1 انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 109. والمعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين ص20.
2 انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 1/ 122-123.
3 انظر شرح الكوكب المنير لابن النجار 1/ 38.
4 انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ص1546.
الحقيقة الشرعية لأصول الدين:
المفهوم الحق لمصطلح أصول الدين، هو أصول الإيمان الستة المذكورة في قوله سبحانه وتعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: من الآية 177]، وفي قوله عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، وهي التي أجاب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان، فقال:"الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"1. فهذه الأصول الستة هي التي يقوم عليها إيمان العبد، وتصح بها عبادته.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى "أصول الدين":
لعل أول من استخدم هذا المصطلح لعلم العقيدة -وإن لم يشتهر وقتها- هو الإمام الشافعي رحمه الله "ت204هـ"؛ حيث قال في مفتتح كتابه "الفقه الأكبر": "هذا كتاب ذكرنا فيه ظواهر المسائل في أصول الدين، التي لا بد للمكلف من معرفتها، والوقوف عليها.
1-
وهذه التسمية استخدمها أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري "ت329هـ"، حين وسم كتابه الذي أبان فيه عن عقيدة أهل السنة والجماعة بـ"الإبانة عن أصول الديانة".
2-
وكذا استخدمها أبو حاتم الرازي "ت327هـ" في كتابه "أصل السنة والاعتقاد الدين".
3-
ومن بعدهما عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري "ت387هـ" في كتابه: "الشرح والإبانة عن أصول الديانة"، وهو الكتاب الذي يعرف بـ"الإبانة الصغرى".
4-
وعبد القاهر البغدادي "ت429هـ" في كتابه "أصول الدين". وغيرهم.
ملاحظة: يلاحظ أن العقيدة -ههنا- سميت بـ"أصول الدين" تمييزا لها عن الفروع.
وينبغي أن لا يرد على بالك أن الأصول هي التي تؤخذ ويعمل بها فحسب، ويمكن الاستغناء عن الفروع. فهذا الفهم خطأ؛ لأن الدين كل لا يتجزأ. وقد عاب الله على أهل الكتاب أنهم يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعضه الآخر، فقال:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: من الآية 85] .
1 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان.