الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: أنواع العبادة
ذكرنا في المطلب السابق أن دائرة العبادة تتسع بقدر امتداد النية لتشمل حياة الإنسان كلها، ما دام العمل موافقا لشرع الله سبحانه وتعالى، وما دامت نية العامل: ابتغاء وجه الله عز وجل. فأعمال الإنسان كلها عبادة إذا جمعت شرطي قبول العمل.
وهذه الأعمال التي حملت اسم "العبادة" يمكن تصنيفها ضمن أنواع متعددة:
أولا: عبادات اعتقادية: وهي اعتقاد ما أخبر الله عز وجل به عن نفسه، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه؛ من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وما اشبه ذلك1.
ودليل هذا النوع، قول الله عز وجل:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] .
ثانيا: عبادات قلبية: وهي أعمال القلوب؛ كمحبة الله، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، ورجائه، وإخلاص الوجه له، والصبر على أوامره ونواهيه وأقداره، والرضا به وله وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والإخبات إليه، والطمأنينة به، ونحو ذلك من أعمال القلوب التي لا يجوز أن يقصد بها إلا الله عز وجل2.
ومن أدلة هذا النوع: قول الله عز وجل: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، وقوله سبحانه وتعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه} [الزمر: 54]، وقوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .
ثالثا: عبادات قولية: ومن أجلها: النطق بكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله"، والدعاء إلى الله والذب عنه، والقيام بذكره عز وجل، وتبليغ دينه، وقراءة القرآن، ونحو ذلك3.
ومن أدلة هذا النوع: قول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقوله سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، وقوله عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} [غافر: 60] .
1 انظر تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص117.
2 انظر المصدر نفسه.
3 انظر المصدر نفسه.
رابعا: عبادات بدنية: وتشمل اعمال الجوارح؛ من صلاة، وجهاد، وحج، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك1.
ومن أدلة هذا النوع: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، وقوله جل جلاله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} بالحج: 29] ، وقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] .
خامسا: عبادات مالية: وتشمل إخراج الزكاة من المال، امتثالا لأمر الله، والوفاء بالنذر، والجهاد بالمال في سبيل الله عز وجل.
ومن أدلة هذا النوع: قول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110]، وقوله سبحانه وتعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]، وقول الله عز وجل:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] .
إذًا العبادة تشمل جميع مجالات الحياة، بل تشمل الحياة بأسرها؛ فالحياة، والمحيا، والممات لله رب العالمين لا شريك له، كما قال سبحانه:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163] .
1 انظر المصدر نفسه ص118.