الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: حكم الولاء والبراء
قد أخبرنا مولانا سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] ، وأخبرنا جل جلاله أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، فقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] ، فقطع سبحانه وتعالى بذلك الموالاة بين المؤمنين والكافرين، وبين أن الكفار بعضهم أولياء بعض، كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
وموالاة المؤمنين تستلزم معاداة الكافرين. ومعاداتهم واجبة، كما أن موالاة المؤمنين واجبة؛ فمن قال أحب المؤممنين، لكني لا أعادي الكافرين، أو أعاديهم ولا أكفرهم، فلم يوال المسلمين حقا؛ لأن من شرط موالاة الله ورسوله والمؤمنين بغض أعدائهم، ومحبة أوليائهم.
فمعاداة الكفار -إذا- واجبة على كل مسلم، وموالتهم محرمة على المسلمين:
يقول الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق رحمه الله: فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم، وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده1. ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله: يجب أن تعلم: أن الله افترض على المؤمنين عداوة الكفار والمنافقين، وقطع الموالاة بين المؤمنين وبينهم، وأخبر أن من تولاهم فهو منهم2. ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله3:
أتحب أعداء الحبيب وتدعي
…
حبا له ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه
…
أين المحبة يا أخا الشيطان
شرط المحبة أن توافق من تحـ
…
ـب على محبته بلا نقصان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافـ
…
ـك ما يحب فأنت ذو بهتان
لو كان حبهم لأجل الله ما
…
عادوا أحبته على الإيمان
1 سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك للشيخ حمد بن عتيق ص31.
2 أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد الله ص26-27.
3 انظر النونية لابن القيم /بشرح الهراس- 2/ 125.
والمؤمن له أعداء يبغضهم في الله، وأولياء يحبهم في الله؛ لأن الأرض لا تخلو من أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين؛ فما خلت منهم زمن الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فكيف بأوقات الفتنة في آخر الزمان. يقول عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، ويقول سبحانه وتعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31] .
تنبيه: لا تعني البراءة من الكفار والمشركين أن نسيء إلى أهل الملة الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، وتحت حمايتها؛ بل لهم من المسلمين حسن المعاملة، والتسامح معهم، وعدم إكراههم على الدخول في دين الإسلام، ووصلهم بقسط من المال على وجه البر والصلة، كما قال مولانا عز وجل:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] ؛ فهذا إحسان وبر ظاهري يندب إليه، شريطة أن لا يصل إلى المودة الباطنية التي نهينا عنها؛ من محبتهم، ونصرتهم، وإعانتهم على المسلمين. والمسلم المؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، يستطيع أن يجمع بين ما أمر به، وما نهي عنه؛ فإن برهم والإحسان إليهم مأمور به. وودهم وتوليهم منهي عنه؛ فهما قاعدتان: إحداهما محرمة، والأخرى مأموره بها1. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: إن الله لا ينهى المؤمنين عن بر من لم يقاتلهم وأما موالاتهم ومحبتهم وإكرامهم، فلم يرخص الله تعالى في ذلك2.
نسأل الله أن يعصمنا بالتقوى، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أفضل صلاة وأتم تسليم، والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله
1 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية لعثمان جمعة ضميرية ص374.
2 أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد الله ص64-65.