المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الشرك الأكبر - المفيد في مهمات التوحيد

[عبد القادر عطا صوفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات

- ‌المسألة الأولى: في بيان معنى العقيدة

- ‌المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التى أطلقت على العقيدة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد

- ‌الوقفة الثانية: مع مسمى "أصول الدين

- ‌الوقفة الثالثة: مع مسمى "السنة

- ‌الوقفة الرابعة: مع مسمى "الفقه الأكبر

- ‌المسألة الثالثة: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الإسلامية

- ‌الوقفة الأولى: أهل السنة والجماعة

- ‌الوقفة الثانية: السلف

- ‌الوقفة الثالثة: أهل الحديث

- ‌المبحث الثاني: مصادر العقيدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌المسالة الأولى: من خصائص العقيدة الإسلامية: أنها توقيفية

- ‌المسألة الثانية: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها غيبية

- ‌المسألة الثالثة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها شمولية

- ‌المسألة الرابعة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها وسطية

- ‌الباب الأول: التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: أنواع التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثالث: توحيد الألوهية

- ‌الفصل الثاني: دراسة بعض التفصيلات عن توحيد العبادة الإلهية

- ‌المبحث الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المطلب الأول: معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثاني: أركان "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث: شروط "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع: نواقض "لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: العبادة، وأنواعها، وأركانها

- ‌المطلب الأول: معنى العبادة في اللغة والاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: مفهوم العبودية الشامل في ضوء النصوص الشرعية

- ‌المطلب الثالث: أنواع العبادة

- ‌المطلب الرابع: أركان العبادة وأصولها

- ‌الباب الثاني: ما يضاد هذا التوحيد أو ينافي كماله

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: الشرك، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الشرك

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الشرك الأكبر

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الثالث: وسائل الشرك المنافية للتوحيد، أو لكماله

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه

- ‌المطلب الثاني: اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الرابع: الأعياد والاحتفالات البدعية من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌الفصل الثاني: الكفر، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الجحود

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأكبر الكفر بدعوى علم الغيب

- ‌المبحث الثالث: أنواع الكفر الأصغر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأصغر كفر النعمة

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأصغر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأصغر قتال المسلم

- ‌الفصل الثالث: النفاق، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى النفاق

- ‌المبحث الثاني: النفاق الأكبر الاعتقادي

- ‌المبحث الثالث: النفاق الأصغر العملي

- ‌الباب الثالث: عقيدة الولاء والبراء

- ‌الفصل الأول: نصوص الولاء والبراء في القرآن والسنة

- ‌أولا: من نصوص الولاء والبراء في القرآن الكريم

- ‌ثانيا: من نصوص الولاء والبراء في السنة النبوية

- ‌الفصل الثاني: مفهوم الولاء والبراء، ومنزلته في الدين

- ‌المبحث الأول: معنى الولاء والبراء في اللغة والشرع

- ‌المبحث الثاني: منزلة الولاء والبراء في الدين الإسلامي

- ‌الفصل الثالث: لمن يكون الولاء

- ‌الفصل الرابع: ممن يكون البراء

- ‌الفصل الخامس: حكم الولاء والبراء

- ‌فهرس المصادر والمراجع:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌المطلب الأول: الشرك الأكبر

‌المطلب الأول: الشرك الأكبر

أولا: تعريف الشرك الأكبر: يعرف الشرك الأكبر بأنه: إثبات شريك لله عز وجل في خصائصه؛ فيجعل الإنسان ندا لله في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته1.

ثانيا: حكم الشرك الأكبر، مع الدليل:

1-

الشرك الأكبر يخرج من الملة، وصاحبه حلال الدم والمال، يقول الله سبحانه عن المشركين:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]، ويقول عنهم:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"2.

2-

الشرك الأكبر يحبط جميع العمل. يقول الله عز وجل: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]، ويقول سبحانه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] .

3-

الشرك الأكبر لا يغفر لصاحبه إن مات عليه، يقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] . أما إن تاب قبل الموت، فإن الله يتوب عليه، ما قال سبحانه:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [لأنفال: 38] .

4-

صاحب الشرك الأكبر في الآخرة خالد مخلد في النار. يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: من الآية72] .

1 انظر: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي 2/ 483. وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 516-517.

2 صحيح البخاري، كتاب الإيمان باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. واللفظ للبخاري.

ص: 111

ثالثا: أقسام الشرك الأكبر: ينقسم الشرك الأكبر إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أنواع التوحيد:

1-

شرك في الربوبية.

2-

شرك في الأسماء والصفات.

3-

شرك في الألوهية.

وبيان هذه الأقسام يمكن في المسائل التالية:

المسألة الأولى من أقسام الشرك الأكبر: الشرك في الربوبية

الشرك في الربوبية أحد أقسام الشرك الأكبر، وهو شرك يتعلق بذات الله عز وجل.

أولا: تعريفه

هو صرف خصائص الربوبية كلها، أو بعضها لغير الله عز وجل، أو تعطيله عز وجل عنها بالكلية.

وخصائص الربوبية هي: التفرد بالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والإعطاء والمنع، والضر، والنفع، وغير ذلك.

ثانيا: نوعاه

الشرك في الربوبية نوعان؛ شرك تعطيل، وشرك تمثيل.

1-

شرك التعطيل:

عريفه: هو تعطيل المصنوع عن صانع، وتعطيل الصانع عن أفعاله ويكون ذلك بتعطيل خصائص الربوبية، وإنكار أن يكون الله رب العالمين1.

ومن الأمثلة عليه2: شرك فرعون الذي عطل الربوبية ظاهرا؛ {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين} [الشعراء: 23]، وقال لهامان:{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36-37] .

ومن هذا الشرك3: شرك أهل وحدة الوجود؛ كابن عربي، وابن سبعين، وغيرهم الذين يقولون: إن الخالق عين المخلوق؛ فعطلوا لله عز وجل عن أن يكون رب العالمين، ولم يفرقوا بين رب، وعبد.

1 انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ص231.

2 انظر تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص69.

3 انظر الدين الخالص لصديق حسن خان 1/ 315.

ص: 112

2-

شرك التمثيل:

عريفه: هو التسوية بين الله وخلقه في شيء من خصائص الربوبية، أو نسبتها إلى غيره عز وجل1.

ومن الأمثلة عليه2: شرك النصارى الذين اتخذوا معه أربابا، فجعلوه ثالث ثلاثة؛ وشرك المجوس القائلين بأن للعالم ربين أحدهما خالق للخير، والآخر خالق للشر؛ وشرك الصابئة الذين زعموا أن الكواكب هي المدبرة لأمر العالم؛ وشرك القدرية "مجوس هذه الأمة" القائلين بأن كل إنسان يخلق فعل نفسه؛ وشرك عباد القبور الذين يزعم أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فتقضى الحاجات، وتفرج الكربات، وتنصر من دعاها، وتحفظ من لاذ بحماها. ومثلهم مزاعم غلاة الصوفية في الأولياء: أنهم ينفعون، ويضرون، ويتصرفون في الأكوان إلخ.

المسألة الثانية من أقسام الشرك الأكبر: الشرك في الأسماء والصفات

أولا: تعريفه

هو التسوية بين الله والخلق في شيء من الأسماء والصفات؛ بأن يجعل لله عز وجل ندا في أسمائه وصفاته؛ فيسميه بأسماء الله، أو يصفه بصفاته3.

ثانيا: نوعاه

الشرك في الأسماء والصفات نوعان؛ شرك تشبيه، وشرك اشتقاق.

1-

شرك التشبيه:

تعريفه: هو أن يثبت لله تعالى في أسمائه وصفاته من الخصائص، مثل ما يثبت للمخلوق من ذلك4.

ومن الأمثلة عليه: قول القائل: إن يدي الله مثل أيدي المخلوقين، واستواءه على عرشه كاستوائهم، ونحو ذلك4.

1 انظر المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للدكتور إبراهيم البريكان ص147.

2 انظر: تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص55-57، 70. والجواب الكافي لابن القيم 231-232.

وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 1/ 38. وتوحيد الربوبية لمحمد إبراهيم الحمد ص21-25.

3 انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 516. والمدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص147.

4 انظر فتح رب البرية بتلخيص الحموية للشيخ ابن عثيمين ص20-21.

ص: 113

2-

شرك الاشتقاق:

تعريفه: هو أن يشتق من أسماء الله عز وجل المختصة به اسما، ويسمى به غيره.

وهذا من الإلحاد في أسمائه سبحانه وتعالى1.

ومن الأمثل عليه: ما فعله المشركون من اشتقاق أسماء لآلهتهم الباطلة من أسماء الإله الحق سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، فـ "يلحدون": أي يشركون2، قال ابن عباس رضي الله عنهما:"اشتقوا العزى من العزيز، واشتقوا اللات من الله"3.

المسألة الثالثة من أقسام الشرك الأكبر: الشرك في الألوهية والتعبد

أولا: تعريفه: هو أن يجعل لله ند في العبادة، أو في التشريع؛ فيصرف العبد لغير الله شيئا من أنواع العبادة التي تصرف لله، أو يتخذ غيره مشرعا من دونه، أو شريكا له عز وجل في التشريع4.

ثانيا: أنواعه: الشرك في الألوهية والتبعد على أنواع، منها:

1-

شرك الدعاء.

2-

شرك الشفاعة.

3-

شرك النية والإرادة والقصد.

4-

شرك الطاعة.

5-

شرك المحبة.

6-

شرك الخوف.

1 انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/ 516.

2 أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة بن دعامة السدوسي. "انظر الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي 3/ 272".

3 أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس. "الدر المنثور 3/ 271".

4 انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/ 516.

ص: 114

من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد:

أولا: شرك الدعاء

أولا: تعريفه: هو دعاء غير الله؛ من الأنبياء، والأولياء، وغيرهم، فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ فمن دعا، أو استغاث1، أو استعان2، أو استعاذ بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ من طلب رزق، أو شفاء مريض، أو إحياء ميت، أو غير ذلك؛ فقد أشرك مع الله غيره، سواء أكان ذلك الغير نبيا، أو وليا، أو جنيا، أو غير ذلك من المخلوقات3.

يقول العلامة ابن القيم معددا أنواع الشرك الأكبر: "ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم. وهذا أصل شرك العالم؛ فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؛ فضلا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته"4.

ثانيا: من الأدلة على أن دعاء غير الله شرك:

1-

قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] ؛ فهذا سيقدم على ربه، فيجازيه بأعماله، ولا ينيله من الفلاح شيئا؛ لأنه كافر5.

2-

قول الله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر: 8] ؛ فلا يغنيك ما تتمتع به، إذا كان المآل النار6.

1 استغاث: أي طلب الغوث؛ وهو إزالة الشدة. والفرق بينها وبين دعا؛ أن الاستغاثة تكون من المكروب، والدعاء يكون من المكروب وغيره. "انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص214".

2 الاستعانة: طلب العون. وقد تكون في جلب منفعة، أو دفع مضرة.

3 انظر: تيسير ذي الجلال والإكرام للقحطاني ص26، وبيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة لمحمد بن عبد الرحمن الخميس ص14.

4 مدارج السالكين لابن القيم 1/ 375.

5 انظر تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي 5/ 386.

6 انظر المرجع نفسه 6/ 453.

ص: 115

ثالثا: نوعاه

قبل التعرض لنوعي الشرك في الدعاء، يستحسن ذكر نوعي الدعاء؛ لأن الشرك يقع فيهما؛ فالدعاء نوعان: دعاء مسألة وطلب، ودعاء عبادة وثناء1. وفي النوعين طلب التوصل والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ سواء أكان على وجه السؤال لله عز وجل، والاستعاذة به، رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار، وهذا دعاء المسألة والطلب. أم كان على وجه عبادته عز وجل، طاعته، وامتثال أمره، والانتهاء عن نهيه، وهذا دعاء العبادة والثناء2.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذين النوعين: "إن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر؛ فهو يدعى للنفع والضر دعاء مسألة، ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة؛ فعلم أن النوعين متلازمان"3؛ فمن صلى، أو صام، أو توجه إلى الله عز وجل وسأله دعاء طلب ومسألة؛ فهو راج له، خائف منه4.

والله عز وجل يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] ؛ فجعل سبحانه الدعاء عبادة.

والآن، وبعد أن عرفنا نعي الدعاء، نقول: إن شرك الدعاء يقع في هذين النوعين؛ إما شرك في المسألة والطلب، أو شرك في العبادة والثناء.

رابعا: كيف يقع الشرك في هذين النوعين؟

إذا توجه الإنسان بواحد من هذين النوعين لأحد غير الله عز وجل؛ فقد أشرك.

فيقع الشرك في النوع الأول؛ دعاء العبادة؛ إذا صرف العبد شيئا من العبادة لغير الله عز وجل، يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفرا مخرجا عن الملة؛ فلو ركع

1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية 2/ 778. وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص223.

2 انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/ 778.

3 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 15/ 10-11.

4 انظر فتاوى العقيدة للشيخ ابن عثيمين ص398.

ص: 116

إنسان، أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركا خارجا عن الإسلام1. ويقول الإمام أحمد بن علي المقريزي: فالشرك به في الأفعال: كالسجود لغيره سبحانه، والطواف بغير البيت المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره2.

لأن ذلك من خصائص الألوهية؛ فمن سجد لغيره عز وجل، أو صرف له لونا من ألوان العبادة فقد جعله لله ندا3، كذا لو ذبح لغير الله تعظيما له، وتقربا إليه، فقد أشرك شركا أكبر؛ لأن الذبح عبادة أمر الله عز وجل بها في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} [الكوثر: 2]4.

ويقع الشرك في النوع الثاني؛ دعاء المسألة والطلب، إذا كان المدعو ميتا، أو كان السؤال في شيء لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ فلو "كان المدعو حيا قادرا على ذلك فليس بشرك؛ كقولك: اسقني ماء لمن يستطيع ذلك5.

أما إن كان المدعو ميتا، فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة6.

على هذا يقال: ليس دعاء المسألة والطلب كله شركا؛ بل دعاء الإنسان لغيره ينقسم إلى ثلاثة أقسام7: الأول: أن يدعو مخلوقا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة؛ كسؤال الفقير. فهذا جائز.

والثاني: أن تدعو مخلوقا مطلقا -سواء كان حيا أو ميتا- فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ مثل: يا فلان! اجعل ما في بطن امرأتي ذكرا؛ فهذا شرك أكبر؛ لأن هذا من فعل الله عز وجل الذي لا يستطيعه البشر، ولا يقدرون عليه.

والثالث: أن تدعو مخلوقا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة؛ كدعاء الأموات؛ فهذا شرك أكبر أيضا؛ لأن هذا لا يقدر عليه المدعو. ولا يقع مثل هذا النوع من الدعاء إلا إذا اعتقد الداعي في المدعو شيئا سريا يدبر به الأمور.

1 فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص398.

2 تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص58-59.

3 انظر المصدر نفسه ص73.

4 انظر المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/ 148-149.

5 فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص398.

6 المرجع نفسه ص399.

7 انظر المرجع نفسه ص393.

ص: 117

من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد:

ثانيا: شرك الشفاعة

تمهيد:

هذا اللون من الشرك نتيجة لازمة لشرك العبادة -أحد نوعي شرك الدعاء؛ فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله عز وجل؛ فهو إنما يفعل ذلك كي يشفع له هذا الغير عند الله عز وجل، في التجاوز عن الذنوب والسيئات، أو في تحقيق الآمال، ونيل الرغبات، ظنا منه أن الأصنام، أو الأولياء، أو غيرهم يملكون الشفاعة.

أولا: تعريف الشفاعة

تعرف الشفاعة بأنها انضمام شيء إلى آخر، ناصرا له، وسائلا عنه1؛ فهي مأخوذة من شفع الشيء شفعا، إذا ضم مثله إليه، وجعله زوجا2.

ثانيا: الشفاعة المعنية هاهنا

الشاعة المرادة هنا هي تلك التي تتعلق بالآخرة؛ كطلب الشفيع مغفرة ذنوب المشفوع له، او التجاوز عن سيئاته، أو غير ذلك.

ثالثا: كيف يقع شرك الشفاعة؟

يقع هذا الشرك إذا اتخذ العبد من دون الله أندادا، فصرف لهم نوعا من أنواع العبادة، أو كلها، وتوجه بهم، وتقرب بعبادتهم إلى الله، زاعما أن معبوداته هذه تشفع له عند الله، وتقربه منه زلفى.

رابعا: من أدلة هذا النوع

1-

قول الله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] ؛ فحكم الله عز وجل بالشرك على من عبد الشفعاء، أو دعاهم بقصد الشفاعة3.

2-

قول الله عز وجل: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر: 43-44] ؛ فنفى سبحانه وتعالى أن تشفع لهم هذه الأنداد عند الله، وأخبر أن الشفاعة لله وحده؛ فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.

3-

قول الله عز وجل {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] ؛ فكذبهم وكفرهم بذلك4.

1 انظر: الدين الخالص لصديق حسن خان 2/ 171.

3 انظر المعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين 487.

3 انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص276.

4 انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/ 369.

ص: 118

4-

قول الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22] ؛ فقطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون قطعا؛ لأن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع.

والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه؛ فإن لم يكن مالكا، كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له، كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا، كان شفيعا عنده؛ فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى ما دونه؛ فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه1.

خامسا: ما هي الشفاعة التي يقبلها الله عز وجل؟ الشفاعة التي تقدمت هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين المتخذين من دون الله شفعاء، وهي التي نفاها الله عز وجل.

ولكنه سبحانه لم ينف الشفاعة مطلقا؛ بل أخبر ان هناك شفاعة مقبولة عنده؛ وهي الشفاعة الصادرة عن إذنه، لمن وحده؛ فالشفاعة التي يقبلها عز وجل هي التي جمعت شرطين: أحدهما: إذنه سبحانه وتعالى بالشفاعة؛ لأن الشفاعة كلها له وحده، كما قال:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44]، وقال:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ؛ فلا يشفع أحد؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا بإذنه عز وجل. والشرط الثاني: أن يرضى سبحانه وتعالى عن المشفوع فيه، وهذا يتطلب أن يكون من أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء، كما قال سبحانه:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ؛ فلا يشفع أحد؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا بإذنه عز وجل، والشرط الثاني: أن يرضى سبحانه وتعالى عن المشفوع فيه. وهذا يتطلب أن يكون من أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء، كما قال سبحانه:{ولا يشفعون الا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه" 2؛ فشفاعته صلى الله عليه وسلم -بعد إذن الله عز وجل له بها- لا ينالها إلا أهل التوحيد الخالص، وهذا عكس ما عند المشركين الذين زعموا أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله3.

فالشفاعة المثبتة المقبولة -إذا- هي التي جمعت شرطين؛ إذن الله عز وجل للشافع أن يشفع، ورضاه سبحانه وتعالى عن المشفوع

. يقول عز وجل: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] .

1 مدارج السالكين لابن القيم 1/ 372. وانظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص285.

2 تقدم تخريجه ص74 من هذا الكتاب.

3 انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/ 396-370.

ص: 119

من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد:

ثالثا: شرك النية والإرادة والقصد

أولا: المراد بهذا النوع

هو أن ينوي العبد ويريد ويقصد بعمله جملة وتفصيلا غير الله عز وجل.

أو هو العمل الصالح للدنيا فقط. أو هو الذي يعمل العمل من غير إيمان، أو كان غرضه وهدفه الحياة الدنيا فقط1؛ فمن كان غرضه الدنيا لا غير، لا يريد إلا إياها، ولا يحب ولا يبغض إلا من أجلها، ولا يوالي ولا يعادي إلا عليها؛ فليس له في الدنيا إلا ما قدر لهن وهو في الآخرة من أهل النار.

ثانيا: دليل هذا النوع

يدل على هذا النوع قول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16] ؛ فهؤلاء لم يعملوا إلا للحياة الدنيا وزينتها فقط؛ فليس لهم في الآخرة ثواب؛ لأنهم لم يريدوا بعملهم الآخرة، وإنما أرادوا الدنيا2.

من أنوع الشرك في الألوهية والتعبد:

رابعا: شرك الطاعة

تمهيد:

سبق أن ذكرنا أن توحيد الألوهية يعني: إفراد الله عز وجل بالعبادة3. ومن العبادة: الخضوع له عز وجل في الحكم، وتنفيذ أوامره ظاهرا وباطنا4، كما قال سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] ؛ فالحكم حق له.

ولا يتم الإيمان إلا بتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، كما قال:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .

1 انظر: تجريد التوحيد للمقريزي ص67. وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص537.

وبيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة للخميس ص14.

2 انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله ص535. وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص540.

3 انظر ص59 من هذا الكتاب.

4 أضواء البيان للشنقيطي 1/ 396-397.

ص: 120

أولا: تعريفه

يعرف شرك الطاعة بأنه: مساواة غير الله بالله في التشريع والحكم1. أو طاعة العلماء والأمراء في المعصية، مع استحلال ذلك2؛ فكل من أطاع مخلوقا في تحريم الحلال، أو تحليل الحرام؛ فهو مشرك شرك طاعة. يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم3.

ثانيا: من أدلة هذا النوع

يدل لهذا النوع أدلة كثيرة؛ منها:

1-

قول الله عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ؛ فهؤلاء اتخذوا علماءهم، ومشايخهم وقراءهم سادة لهم من دون الله، يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم، ويحرمون ما يحرمونه عليهم، مما قد أحله الله لهم4.

2-

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] ؛ فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لسنا نعبدهم! قال صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه"؟ قال عدي: بلى.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك عبادتهم"5.

3-

قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] ؛ فسمى سبحانه الاحتكام إلى غير شرعه تحاكما إلى الطاغوت6.

1 انظر المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص155.

2 انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص553. وبيان الشرك ووسائله عند علماء الحنابلة للخميس ص15.

3 أضواء البيان للشنقيطي 4/ 83-84.

4 انظر جامع البيان للطبري 6/ 354.

5 أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب التفسير، باب: ومن سورة التوبة. وحسنه.

6 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص567.

ص: 121

4-

قول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] ؛ فنفى عز وجل الإيمان عن المعرضين عن الاحتكام إلى شرعه، وأقسم بنفسه سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن أحد حتى يحكم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى ينتفي عن صدره الضيق والحرج من ذلك.

ثالثا: من الأمثلة على هذا النوع

1-

الطاعة في تحكيم القوانين الوضعية بدلا من الشريعة الإسلامية، والاحتكام إليها.

2-

الطاعة في تحليل ما علم تحريمه من دين الإسلام بالضرورة؛ مثل الربا، والزنا، والتبرج، والسفور، والقمار، ونحو ذلك من سائر المعاملات المنصوص على تحريمها، ولا مجال للاجتهاد فيها.

3-

الطاعة في تحريم ما أحل الله وأباحه؛ مثل أكل اللحوم، وتعدد الزوجات، والملكية الفردية، وغير ذلك.

وعن هذه الأمثلة يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله؛ فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله -عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه-، كفر بواح، لا نزاع فيه"1.

خاتمة لهذا النوع:

علماء الأمة الإسلامية اتفقوا على أن الحكم لله عز وجل وحده؛ لأنه المالك للخلق وحده؛ فله الحكم والأمر فيهم بما شاء.

يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: "أما استحقاق نفوذ الحكم؛ فليس إلا لمن له الخلق والأمر. فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه، ولا مالك إلا الخالق عز وجل، فلا حكم ولا أمر إلا له. أما النبي صلى الله عليه وسلم، والسلطان، والسيد، والأب، والزوج، فإذا أمروا وأوجبوا، لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم؛ لولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا، كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب؛ إذا ليس أحدهما أولى من الآخر.

فإذا: الواجب طاعة الله تعالى، وطاعة من أوجب الله طاعته2.

1 أضواء البيان للشنقيطي 7/ 162.

2 المستصفى لأبي حامد الغزالي 1/ 83.

ص: 122

من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد:

خامسا: شرك المحبة

تمهيد:

سبق أن شكرنا أن العبادة تقوم على ثلاثة أركان، أحدها المحبة1. وهي محبة العبودية التي تستلزم الذل لله، والخضوع له، وتعظيمه، ومال طاعته، وإيثاره على غيره عز وجل.

وهذه المحبة هي المحبة الواجبة؛ إذ المحبة ثلاثة أنواع:

أولا: أنواع المحبة: المحبة ثلاثة أنواع:

1-

محبة واجبة: وهي التي سبقت الإشارة إليها؛ محبة طاعة الله، والانقياد له2؛ وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع، وكمال الطاعة، وإيثار المحبوب على غيره؛ فهذه المحبة خالصة لله، لا يجوز أن يشرك معه فيها أحد3.

2-

محبة محرمة، أو شركية: وهي صرف تلك المحبة الواجبة لله عز وجل، إلى غيره؛ فمن أحب غير الله حب ذل وخضوع، فقدم طاعته على طاعة الله، وآثر محابه على محاب الله، فقد جعله ندا لله.

وعنها يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله، فهو الشرك الأكبر4. وهذه المحبة: قليلها وكثيرها ينافي في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم5.

3-

محبة طبيعية، أو جبلية: وهذه مباحة، ما لم تصل إلى تعظيم المحبوب إلى الحد الذي لا يليق إلا بالله عز وجل. ومن أمثلة هذه المحبة: حب الإنسان لوطنه، والوالد لولده، والزوج لزوجه، وذي المال لماله، وغير ذلك. وعنها يقول مولانا عز وجل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14] .

ثانيا: كيف يقع الشرك في المحبة؟ تقدم أن الإنسان إذا صرف المحبة الواجبة لله سبحانه وتعالى، لغير الله عز وجل، فقد اشرك في المحبة.

1 انظر ص97 من هذا الكتاب.

2 انظر: الوسيط في تفسير القرآن للواحدي 1/ 136. والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للفوزان ص74.

3 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان ص74.

4 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص487.

5 انظر المرجع نفسه ص478.

ص: 123

ثالثا: دليل هذا النوع: من الدلة على هذا النوع: قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: من الآية 165] . وقد تقدم معناها1.

شبهة والرد عليها:

يعترض بعض الواقعين في هذا النوع من الشرك: بأنهم يحبون الله حبا شديدا، ربما أشد من حبهم لأندادهم، فأين الشرك في ذلك؟.

وعلى شبهتهم هذه رد العلامة ابن القيم رحمه الله بقوله: وترى المشرك يكذب حاله وعمله قوله؛ فإنه يقول: لا نحبهم كحب الله، ولا نسويهم بالله، ثم يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم مما يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، ويتبشبش به، سيما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم؛ من إغاثة اللهفان، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات، وأنهم الباب بين الله وبين عباده؛ فإنك ترى المشرك يفرح، ويسر، ويحن قلبه، وتهيج منه لواعج التعظيم والخضوع لهم والموالاة، وإذا ذكرت له الله وحده، وجردت توحيده، لحقته وحشتة، وضيق، وحرج، ورماك بنقص الإلهية التي له، وربما عاداك2.

من أنواع الشرك في الألوهية والتعبد:

سادسا: شرك الخوف

تمهيد:

سبق أن ذكرنا أن العبادة تقوم على ثلاثة أركان، أحدها الخوف3. وهو عبدية القلب التي لا يجوز تعلقها بغير الله عز وجل؛ فيخاف العبد مولاه سبحانه وتعالى أن يصيبه بما يشاء من العقوبات، والمصائب، والأوصاف؛ ويخاف مما توعد به العصاة في الآخرة من النكال والعذاب.

وهذا هو الخوف الواجب صرفه لله عز وجل، ولا يجوز أن يصرف لكائن من كان سوى الله جل جلاله.

أنواع الخوف: الخوف أنواعه ثلاثة، كما المحبة:

1-

خوف واجب: وقلنا هو الخوف من الله عز وجل أن يصيبك بما يشاء والمطلوب فيه:

1 انظر ص75 من هذا الكتاب.

2 مدارج السالكين لابن القيم 1/ 371.

3 انظر ص97، 100 من هذا الكتاب.

ص: 124

أن يحملك على فعل المأمورات، واجتناب المنهيات والمحظورات. وهذا الخوف يجب أن يكون مقترنا بالرجاء والمحبة؛ بحيث لا يكون خوفا باعثا على القنوط من رحمة الله، أو اليأس من روح الله عز وجل؛ فالمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء؛ بحيث لا يذهب مع الخوف فقط حتى يقنط من رحمة الله، ولا يذهب مع الرجاء فقط حتى يأمن من مكر الله؛ لأن القنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله ينافيان التوحيد. قال تعالى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وقال تعالى:{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] "1.

2-

خوف طبيعي2: وهو الخوف مما يخاف منه طبعا؛ كالخوف من السبع، كالأسد ونحوه، والعدو المبغت، وغير ذلك، مع اعتقاد أن النفع والضر بيد الله وحده. وهذا الخوف مباح، وهو غير مذموم. وقد وقع لموسى عليه السلام، يقول تعالى حاكيا عنه:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21] .

3-

الخوف المحرم: وهو قسمان:

الأول: الخوف السري "الاعتقادي"، وسمي اعتقاديا لأن محله القلب وهو: الخوف من غير الله أن يؤثر فيه، أو يصيبه لما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ من مرض، أو منع رزق، أو إصابة بفقر، أو نحو ذلك بقدرته ومشيئته، كما قال الله عن قوم هود عليه السلام إنهم قالوا له:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [هود: 54]3.

وهذا الخوف هو الخوف الشركي؛ فمن وقع فيه وقع في الشرك الأكبر.

1 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان ص69-70.

2 انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص489. والإرشاد للفوزان ص67.

3 انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص488. والأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم ص39. والإرشاد للشيخ صالح الفوزان ص66.

ص: 125

الثاني: الخوف العملي1: وهو الخوف من الناس المؤدي إلى ترك الواجب، أوالمؤدي إلى عمل المحرم.

وهذا الخوف حرام، وينافي كال التوحيد، وهو خوف أصغر.

ودليله: قول الله عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] ؛ فاخشوهم: أي واتركوا الجهاد، ويشهد لهذا القسم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تغيره؟ فيقول: رب خشية الناس؛ فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى"2.

خاتمة:

أنواع الشرك في الألوهية كثير تتعلق بعبادته عز وجل ومعاملته؛ فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله عز وجل؛ فقد وقع في هذا النوع من أنواع الشرك، سواء أكانت العبادة المصروفة لغير الله: نذرا، أو ذبحا، أو سجودا، أو حبا، أو ذلا، أو توكلا، أو رجاء، أو خوفا، أو دعاء، أو غير ذلك.

1 انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص489. والأسئلة والأجوبة في العقيدة للشيخ صالح الأطرم ص39. والإرشاد للشيخ صالح الفوزان ص66.

2 أخرجهألأحمد في مسنده 3/ 27، 29، 77، وابن ماجه في السنن، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم 1814. وانظر فتح المجيد ص489.

ص: 126