الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقْدِيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن سيدنا ونبيّنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده. فجزاه الله خير ما جزى نبيًا عن أمته.
وبعد:
فمن الأمور المسلّمة في فكر المسلمين وقلوبهم أن الإِسلام هو الدّين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده، وأنه جاء مكتملًا مكمِّلًا للرسالات التي جاء بها رسل الله لعباده، متتابعين داعين إلى فكرة واحدة هي إخلاص العبادة لله ونبذ الطواغيت والأصنام {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
جاء الإِسلام وقد وصلت البشرية لرشدها وأصبحت حاجتها ماسّةً لدين سماويّ جامعٍ كاملٍ لا يختص بأمة دون أخرى ولا بمكان دون آخر ولا بزمان دون زمان. فكانت رسالة سيدنا محمد الرسالة الخاتمة الشاملة التي ارتضاها الله لعباده {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وكمال الرسالة وعموميتها تقتضي استمرارها في كمالها وسموِّها سليمة بعيدة عن التحريف، محافظة من الضياع، سالمة من النقص، لأن الرسالة قد وصلتنا كما هي وكما أنزلت على خاتم الرسل والنبيين؛ فكان من حق الأجيال علينا أن ننقلها إليهم كاملة صحيحة حتى نلزمهم الحجة ويتحملوا تبعات التكليف ومسؤوليات الرسالة ونتائج العمل من ثواب وعقاب نتيجة وصول التكليف إليهم بصورة صحيحة سليمة، فالله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
وهدف المسلمين في هذه الحياة أن يحققوا معنى العبودية لله سبحانه وتعالى قيامًا بأعباء الاستخلاف في الأرض وتعمير الكون، وسيادة منهجه فيه، وأداء الأمانة المسؤولية التي حملها الإِنسان بعد أن أبَتِ السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72].
ومن هنا كانت أهمية هذا الكتاب عن "أهل الفترة" وهو بحث نال به مؤلفه درجة الماجستير في جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية في الرياض.
وأهمية هذا الكتاب في أنه يلبي حاجة ماسّة في الفقه الإِسلامي المعاصر، وفي المكتبة الإِسلامية، فالمسلمون اليوم -وبعد أن زالت الفوارق بين الأمم والشعوب بفضل وسائل الإِعلام والتطور في مجال النقل والمواصلات- يواجهون بمشكلات مختلفة يحتاجون لرأي الإِسلام فيها ووضوح الرؤية في شأنها، ومن هذه المشكلات مشكلة الذين لم تصلهم الدعوة؛ ما مصيرهم؟ وما حكمهم؟.
وقد أشار الباحث إلى الأسباب التي دعته للكتابة في هذا الموضوع، فذكر جدة الكتابة فيه، حيث لم يفرد الموضوع ببحث مستقل أو كتاب يتناوله بالتفصيل، إضافة إلى اختلاف آراء الفقهاء في مصير من لم تصلهم
الدعوة، ثم أهمية الأحكام المترتبة على من لم تبلغهم الدعوة.
وأهمية هذا الموضوع أنّ أناسًا كثيرين في إفريقيا وآسيا والدول الأوروبية لم تصلهم دعوة الإِسلام، وكثير من المسلمين الذين أسلموا في أمريكا يتحدثون عن سماعهم بالإِسلام مصادفة أو في فترة متأخرة، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
- تقصير المسلمين في تبليغ دعوتهم للناس واستغلال الوسائل التي أتاحتها الحضارة المعاصرة والتي يستغلها المبشرون في هدم الإِسلام وتنصير المسلمين.
- ومنها ضعف إمكانات المنظمات والأجهزة والجمعيات التي تعمل في مجال الدعوة الإِسلامية لإِحجام المسلمين عن بذل أموالهم وإمكاناتهم في سبيل الدعوة إلى الله إلا من رحم الله، إضافة إلى أن المسيحية لها دولة في العالم تعمل لها وتنشرها، ولها دول تساندها وأجهزة تقويها ورؤوس أموال ضخمة تستثمر وتوجَّه لها، والإِسلام في حاجة إلى دول تساند، وحكومات تخلص، وأثرياء يسخون، ودعاة يتجرّدون إلى الله ويعملون لنشر دينه ومُثُله وتعاليمه ومنهجه الذي ارتضاه لعباده.
- ومنها محاربة قوى الكفر مجتمعة للإِسلام والمسلمين وتسخير إعلامهم وأقلامهم، وأموالهم وجيوشهم دون وصول الإِسلام إلى أممٍ وشعوب لو علمت بالإِسلام لآمنت به واتخذته نظامًا لحياتها ومنهجًا لوجودها.
- ومنها تفرُّق المسلمين واختلاف كلمتهم وتباين أفكارهم ومناهجهم، وابتعادهم عن دينهم ونبذهم شريعة ربهم، إضافة إلى ابتعادهم عن جعل الإِسلام نظامًا لحياتهم ونشره بين شعوبهم ليكون نبراس حياتهم ومجتمع كلمتهم وتوحُّد دولهم في دولة واحدة.
وقد قسم الباحث بحثه إلى مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، وقد فصّل
ذلك في مقدمته بما لا يحتاج معه إلى تكرار لما ذكر، غير أننا نشير إلى قضايا هامة مهّد بها لخدمة موضوعه، أهمها: حاجة البشرية للرسل وحكمة الله في إرسالهم، وكيفية الرسالات السابقة لرسالة خاتم الأنبياء، حيث كانت البشرية في مراحل التطور والنضوج، مما جعل للرسالات خصوصية سواء في الناحية الزمانية أو المكانية، وعندما بدأت مراحل النضوج البشري، جاءت رسالة سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة وللإنسانية عامة، تحمل في طبيعتها ومنهجها ومتطلباتها ووسائلها طبيعة الرسالة الخاتمة والكلمة الأخيرة من خالق الكون لعباده، لتستمر هذه الرسالة موجهة للبشر قائدة للإِنسان ما دامت الحياة على الأرض، لذلك كله جاءت رسالةً كاملةً شاملةً دائمةً تلبي حاجة الإِنسان في الأرض، وتوجِّه سلوكه فيه، وتقوِّي صلته بالله، وتلبي أيضًا حاجات الإِنسان فيما بعد الحياة الأولى. وهذا ما عالجه في الفصل الثالث من الباب الأول.
وفي الباب الثاني عالج الباحث قضية بحثه بادئًا بتحديد مصطلح أهل الفترة، ذاكرًا مدلوليه اللغوي والإِصطلاحي، مبيِّنًا آراء العلماء من الفقهاء والمفسرين، مرجِّحًا ومفاضلًا بين هذه الآراء، متَّبعًا الطريقة العلمية في آرائه، ثم أشار الباحث إلى قضايا هامة تتعلق بموضوع البحث ويتعلق بالملحقين بأهل الفترة من أطفال المشركين والمجانين وذوي العاهات.
وهو في كل القضايا التي أثارها يلتزم ببيان الحكم الشرعي، مبيِّنًا آراء العلماء، مرجحًا بينهم؛ الأمر الذي يظهر شخصية الباحث في بحثه واستيعابه لموضوعه وحرصه على أن يقدم خلاصة الآراء للقارىء.
في الباب الثالث ناقش قضيةً هامةً أيضًا، وهي حكم من لم تبلغه دعوة محمَّد صلى الله عليه وسلم في عصرنا متناولًا مسؤولية الأمة في تبليغ الرسالة إذ بها تتميز هذه الأمة بالخيرية التي ربطها الله سبحانه وتعالى بوظيفة البلاغ المبين والأمر بالمعروف الأكبر، وهو سيادة منهج الله وشرعه ودينه، والنهي عن المنكر الأكبر وهو أن تكون الحاكمية لغير الله، والمناهج من صنع البشر.
حيث أن واجب الدعوة واجب على المسلمين وجوب كفاية حتى تقوم به جماعة تحقق قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122].
وقد بيّن الباحثُ الوسائلَ التي أتاحها الله للمسلمين في عصرنا والتي تسهل لهم مسؤولية البلاغ وإيصال الحقائق للبشر عن طريق وسائل الإِعلام والأقمار الصناعية والكلمة المقروءة والمسموعة وعمليات الاتصال الجماعي والفردي.
ولم ينس الباحث أن يقدم في نهاية بحثه مقترحات عملية للمنظمات والحكومات والجامعات الإِسلامية، حتى تقوم كل جهة بواجبها المقدس الذي يبرِّئها أمام الله سبحانه وتعالى، ومنطلَق ذلك كله معرفة الإِسلام معرفة صحيحة بعيدة عن البدع والأهواء.
والبحث بصورة عامة يلبي كما قلتُ حاجةً في المكتبة الإِسلامية، ويمثل لبنةً من لبنات البناء الفكري للإِنسان المسلم.
وإذا كان الباحث قد سُبق إلى طرح كثير من القضايا التي تناولها في كتب الفقه والتفسير والدعوة؛ فإن الفضل له بعد الله سبحانه وتعالى وهدايته في إفراد هذا الموضوع ببحث يكون مرجعًا لطلاب العلم وناشدي الحقيقة، أسال الله أن يجزيَه خيرَ الجزاء وأن يعمّنا معه بفضله وإحسانه ومغفرته إنّه سميع مجيب.
د. عبّاس محجوب