الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصْل الثالث
الملحقون بأهل الفترة
المبحث الثاني
المجانين وذوو العاهات
قبل أن نبدأ الكلام في هذا البحث لابد لنا من تمهيد نبين فيه أهلية المجنون وذي العاهة للتكليف. فقد سبق أن ذكرنا أن من شروط التكليف أن يكون ذا أهلية تامة، وهذه الأهلية "صلاحية الإِنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه"(1).
وملاك هذه الأهلية الذمّة، وهي خصوصية ميّز الله سبحانه وتعالى بها الإِنسان على غيره، وهذه الأهلية قد تعترضها عوارض، والعارض هو المانع حيث أنه إذا حصل مانع لا يستطيع الإِنسان أن يقوم بعمل من الأعمال.
والعوارض نوعان:
(1) الأهلية وعوارضها ص 3 أحمد إبراهيم بك.
أ- عوارض سماوية: وهي تكون من الله سبحانه وتعالى ولا دخل للإِنسان فيها مثال ذلك "الجنون".
ب- عوارض مكتسبة: وهي تكون من الإِنسان ذاته ومثال ذلك "السكر".
فقد عرفنا أن الجنون هو عارض سماوي أي ليس للإِنسان دخل فيه، فإذا حصل هذا العارض للإِنسان سقطت عنه التكاليف المشروعة التي عليه مثل الأحكام الشرعية إلى أن يرجع إليه رشده.
والجنون: هو فقدان العقل، معنى ذلك أنه لا يدرك ولا يعي ما يقال له وما يؤمر به، فما حكمه في الآخرة هل هو مؤاخذ أم لا.
تحرير محل النزاع:
1 -
من كان في أول عمره مجنونًا ثم فاق، وهذا ليس محلًا للنزاع.
2 -
من كان في أول عمره عاقلًا ثم جن في آخره، وهذا كذلك ليس محلًا للنزاع.
3 -
من خلق مجنونًا ومات على ذلك، وهذا الأخير هو محل نزاع بين العلماء.
اختلف العلماء في حكم هذه المسألة "مسألة المجنون" إلى قولين:
أ- أنهم يمتحنون بنار توقد لهم يوم القيامة فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن أبى بقي فيها. وممن قال بهذا القول ابن حجر (1).
ب- هم تبع لآبائهم. وممن قال بهذا القول شيخ الإِسلام ابن تيمية (2).
(1) انظر (فتح الباري 3/ 346 كتاب الجنائز باب أطفال المشركين).
(2)
الفتاوى لشيخ الإِسلام ابن تيمية 10/ 431.
أدلة الفريق الأول:
1 -
حديث الأسود بن سريع: "أربعة يحتجون
…
ورجل أحمق" (1).
2 -
حديث أنس بن مالك: "يؤتى بأربعة
…
وبالمعتوه" (2).
3 -
حديث أبو سعيد الخدري: "يؤتى بالهالك
…
والمعتوه" (3).
4 -
حديث معاذ بن جبل: "يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلًا"(4).
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث أن المجنون يمتحن بنار في عرصات يوم القيامة.
أدلة الفريق الثاني:
استدل الفريق الثاني القائلون أنهم تبع لآبائهم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن شرط التكليف: العقل، وهؤلاء المجانين لا عقل لهم، وليس لديهم أعمال لأن العمل مناط بالتكليف، لذا يلحقون بآبائهم.
الترجيح:
والناظر في أدلة الفريقين يرى أن أدلة الفريق الأول أكثر وضوحًا من أدلة الفريق الثاني، وذلك لأن النصوص التي استدلوا بها صريحة واضحة على أنهم يمتحنون. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح (5):"أنه قد صحت مسألة امتحان المجنون وصاحب الفترة". والله أعلم.
…
(1، 2، 3، 4) سبق تخريجها ص 78 - 79.
(5)
انظر (فتح الباري 3/ 446 كتاب الجنائز، باب أطفال المشركين).