الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين. والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيطيب لي أن أقدم لهذه الرسالة لمكانة صاحبها ومنزلته من نفسي، ولأهمية الموضوع الذي تعرض له بالبحث والدرس والتحليل وهو: أهل الفترة ومَن في حكمهم.
والرسالة صدرت عن جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية وبإشراف عالم فاضل: الأستاذ/ عبد العزيز الراجحي. وهذا يزيد في مكانتها العلمية، وقيمتها الإِسلامية والأدبية. ولقد كان الأخ الفاضل الأستاذ موفق أحمد شكري
…
موفقًا في اختياره لهذا الموضوع الذي يكثر السؤال عنه.
فجزاه الله خيرًا على إلقائه الضوء على هذا الجانب، وقد أشار في مقدمته إلى الأسباب التي دعته لاختياره لهذا الموضوع، ومنها -عدم الكتابة فيه كتابة مستقلة، واختلاف الناس فيه، ووجود أقوام لم تبلغهم الدعوة ونريد أن نعرف مصيرهم وحكمهم، ومسؤولية الأمة عن تبليغ الرسالة.
وقد تحدث في الباب الأول عن حاجة البشرية للرسل وأشار إلى قصور العقل البشري، وأنه لابد له من وحي إلهي يقوده ويهديه سواء
السبيل وبيّن أن حاجة الناس إلى الرسالة والرسل أكثر من ضرورية {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
ثم تحدث في الفصل الثاني عن خصوصية دعوة الرسل الذين سبقوا خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم وهي خاصة بأقوام معنيين وبزمان محدد.
تجمعهم جميعًا الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبودية له وإفراده سبحانه بالألوهية والربوبية، ثم دعوتهم إلى اجتناب الأصنام والأوثان، والإِيمان باليوم الآخر. قال الله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
فشاءت حكمته تعالى ورحمته بالناس أن يبعث إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين، وشاء الحق سبحانه ألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والبيان والتبليغ قال الله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن عموم رسالة سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ويقول سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158].
وتحدث المؤلف عن عالمية الرسالة المحمدية التي انبثقت من جزيرة العرب، وهي تحمل العقيدة الصحيحة والعبادة السليمة. والأخوة والمساواة. والحرية لكل بني آدم بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو اللغة.
وتضمّن الباب الثاني عدة فصول. تدور كلها حول موضوع الكتاب: بيان المقصود بأهل الفترة، وحكم مطالبتهم بأحكام الأنبياء السابقين. ثم أشار إلى الملحقين بأهل الفترة في الحكم؛ وهم أطفال المشركين، والمجانين وذوو العاهات، وأفاض المؤلف في بيان أهل الفترة وذكر أقوال العلماء وناقش أدلتهم ورجح ما جاء في جمع الجوامع للسبكي؛ أن أهل الفترة من كانوا بين رسولين لم يرسل إليهم الأول ولم يدركوا الثاني
…
وهذا التعريف يجعلها عامة لا تخصص بقوم من الأقوام ولا بزمان من الأزمنة، بل كل من انطبق عليهم هذا التعريف فهم أهل فترة.
وأوضح هذه الفترات وأبرزها هي التي كانت بين سيدنا عيسى عليه السلام وسيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار المؤلف إلى أقوال العلماء في حكم أهل الفترة وأشار إلى الحكم الشرعي، وهو خطاب الله المتعلق بأحكام المكلَّفين وشروط المكلَّف: أن يكون قادرًا على فهم الدليل، وأن يكون أهلًا للتكليف، وأن يكون عالمًا بما كُلِّف به ليستطيع الفعل أو الترك.
ثم تحدث عن أقسام أهل الفترة: من بلغته الدعوة ووحّد ولم يشرك، ومن بلغته ولكنه غيّر وأشرك. وأورد أمثلة لكل نوع وحكمه وأقوال العلماء فيه.
ثم رجح القول: أن أهل الفترة يُمتحَنون في عرصات يوم القيامة، فمن أطاع الله نجا. وأشار إلى هذا القول بأنه المختار وهو الذي قال به السلف وجمهور الأئمة. واختيار الإِمام ابن تيمية وابن كثير وابن حجر.
وحكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وقد عدّد أدلّتهم من الأحاديث الصحيحة ومنها ما رواه أحمد في مسنده .. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة.
فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإِسلام وما أسمع شيئًا.
وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإِسلام والصبيان يخوفونني بالبحر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإِسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني كتاب ولا رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار. فوالذي نفس محمَّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا. وفي رواية: "ومن لم يدخلها سُحب إليها".
وبعد أن أفاض في هذه المسألة واستوفى أدلتها قال: "وبعد التأمل والنظر أرى أن أقرب الأقوال إلى الصواب هو القول الثالث وهو أن أهل الفترة يُمتحنون".
ثم تحدث عن الملحقين بأهل الفترة من أطفال المشركين والمجانين وذوي العاهات. وأشار إلى نظرة الإِسلام إليهم وأقوال العلماء وأدلتهم. ثم رجح القول أنهم في الجنة.
وتضمن الباب الثالث: حكم من لم تبلغهم الدعوة المحمدية وعلى من تقع مسؤولية عدم تبليغهم. وما هي الطرق التي تؤدي إلى إيصال الدعوة إلى جميع الناس مؤيدًا كل ذلك بالدليل الواضح من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
وأشار إلى أن خيرية هذه الأمة تكمن في قيامها بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله وحده، والبراءة من الشرك بألوانه وأنواعه، والواجب على كل مسلم أن يقف على ثغرة من ثغور الإِسلام.
وحين سُئل الإِمام ابن تيمية عن قوله تعالى: {قل هذه سبيلي} فقال الدعوة واجبة على كل من اتبع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أمته، وعليهم أن يدعوا إلى الله كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الواجب واجب على مجموع الأُمة، وهو فرض كفاية إذا قام به
البعض سقط عن الباقين، فالأمة كلها مخاطبة بفعل ذلك.
ثم تحدث عن الطرق المؤدية لإِيصال الدعوة إلى جميع الناس؛ فتحدث عن الإعلام بمعناه الصحيح. وهو إيصال الحقائق والأخبار والمعلومات الصحيحة إلى الناس، والتوجيه السليم الذي يتناسب مع عقيدتنا وشريعتنا حتى يصل صوتنا إلى العالم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وأشار إلى أنواع الإِعلام المختلفة من مسموعة ومقروءة ومرئية. وتحدث عن القدوة الحسنة وأثرها في الدعوة، وعن الجهود الشخصية وما لها من أثر كبير في نشر الدعوة. وتحدث عن المحاضرة والخطبة والدرس والجدال المثمر البناء للوصول إلى الحق بأسلوب وضوابط الإِسلام. وتحدث عن أثر الدعوة الفردية، وتوجيه الدراسات الإِعلامية إلى الإِصلاح. وختم كلامه: بضرورة الجهر بالحق، والإصرار على عالمية الدعوة الإِسلامية، وتوجيه كل وسيلة صالحة للإِعلام النظيف إلى سلطان الدعوة تمكينًا لها من الذيوع والانتشار وتوضيحًا لسموّها وتفوّقها.
وجاء الفصل الأخير في الكتاب عن الخلاصة، وقد تضمن موجزًا لما ورد في البحث من آراء ومسائل حول هذا الموضوع الهام والحيوي.
وأرى أن المؤلف حفظه الله قد وُفِّق في بحثه هذا، وجمع من الأدلة والبراهين حول المسألة الواحدة ما يكفي لتوضيحها، كما وُفِّق أيضًا وهو يخرج الآيات والأحاديث، ويثبت المصادر التي استقى منها، وهي أمانة علمية طيبة.
وإني لأدعو إخواني من طلاب العلم أن يهتموا بهذا الموضوع وأن يستفيدوا كثيرًا مما كتبه الأستاذ الفاضل الشيخ موفق، فهذا الموضوع يسأل عنه الناس كثيرًا، وعلى العالِم أن تتضح هذه المسألة وغيرها في ذهنه -حتى يتمكن من تفهيم غيره بالدليل المقنع والحجة والبرهان ....
ولقد سعدت كثيرًا وأنا أراجع هذه الرسالة واستفدت كثيرًا مما ورد فيها من علم نافع ورأي سديد.
جزى الله الأخ موفق كل خير وجعل هذا في ميزان حسناته يوم يوزن دم الشهداء بمداد العلماء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمَّد عبد الله الخطيب