الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
فصل أصول الدين
…
فصل أصول الدين
قد ذكرنا في غير موضع1 أن أصول الدين الذي بعث الله به رسوله محمّداً صلى الله عليه وسلم قد بيّنها في القرآن أحسن بيان، وبيّن دلائل الربوبية والوحدانية، ودلائل أسماء الرب وصفاته، وبيّن دلائل نبوة أنبيائه، وبيّن المعاد بين إمكانه وقدرته عليه في غير موضع، وبيَّن وقوعه بالأدلة السمعية والعقلية؛ فكان في بيان الله أصول الدين الحقّ؛ وهو دين الله؛ وهي أصول ثابتة، صحيحة، معلومة؛ فتضمّن بيان العلم النافع، والعمل الصالح؛ الهدى، ودين الحق.
وأهل البدع الذين ابتدعوا أصولَ دينٍ يخالف ذلك، ليس فيما ابتدعوه؛ لا هدى، ولا دين حقّ؛ فابتدعوا ما زعموا أنّه أدلّة وبراهين على إثبات الصانع، وصدق الرسول، وإمكان المعاد أو وقوعه.
وفيما ابتدعوه ما خالفوا به الشرع. وكلّ ما خالفوه من الشرع، فقد خالفوا فيه العقل أيضاً؛ فإنّ الذي بعث اللهُ به محمّداً، وغيرَه من الأنبياء: هو حقّ، وصدق، وتدلّ عليه الأدلة العقلية؛ فهو ثابت بالسمع، و [بالعقل]2.
1 انظر ص 286 من هذا الكتاب. وانظر: نقض تأسيس الجهميّة 1246. وشرح الأصفهانية 141. ودرء تعارض العقل والنقل 1188-199. وكتاب الصفدية 1295-296. ودقائق التفسير 5263.
2 في ((م)) ، و ((ط)) : العقل.
الذين خالفوا الرسل ليس معهم سمع ولا عقل
والذين خالفوا الرسل ليس معهم [سمعٌ] 1، ولا عقل؛ كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ في ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقَاً لأَصْحَابِ السَّعِير} 2.
وقال تعالى لمكذّبي الرسل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ [قُلُوبٌ] 3 يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُور} 4، ذكر ذلك بعد قوله:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ [قَوْمُ] 5 نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ للكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِير فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [أَهْلَكْنَاهَا] 6 وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ [خَاوِيَةٌ عَلَى] 7 عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} 8، ثم قال:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ} الآية9، ثم قال:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِير} 10؛ فذكر إهلاك من أهلك، وأملاه لمن أملى؛ لئلاّ يغترَّ المغتر؛ [فيقول] 11: نحن لم يهلكنا.
1 في ((م)) ، و ((ط)) : لا سمع.
2 سورة الملك، الآيات 8-11.
3 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
4 سورة الحج، الآية 46.
5 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
6 في ((خ)) : أهلكتها.
7 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
8 سورة الحج، الآيات 42-45.
9 سورة الحج، الآية 46.
10 سورة الحج، الآية 48.
11 في ((خ)) : فتقول. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع1.
ما جاء به الرسول يدل عليه السمع والعقل
والمقصود هنا: أنّ ما جاء به الرسول يدلّ عليه السمع والعقل، وهو حقّ في نفسه؛ كالحكم الذي يحكم به؛ فإنه يحكم بالعدل؛ وهو الشرع. فالعدل هو الشرع، والشرع هو العدل.
ولهذا يأمر نبيه أن يحكم بالقسط، وأن يحكم بما أنزل الله. والذي أنزل الله هو القسط، والقسط هو الذي [أنزله] 2 الله. وكذلك الحق، والصدق هو ما أخبرت به الرسل، وما أخبرت به فهو الحق، والصدق.
ذم السلف لأهل الكلام
[والسلف] 3 والأئمة ذموا أهل الكلام المبتدعين؛ الذين خالفوا الكتاب، والسنّة4. ومن خالف الكتاب والسنة لم يكن كلامه إلا باطلاً؛ فالكلام الذي ذمّه السلف يُذمّ لأنّه باطل، ولأنّه يُخالف الشرع5.
الشافعي وأحمد ذمّا كلام الجهمية
من الناس من ظن أن السلف أنكروا كلام القدرية فقط
ولكنّ لفظ الكلام لمّا كان مجملاً، لم يعرف كثيرٌ من الناس الفرق بين الكلام الذي ذموه، وغيره؛ فمن الناس من يظن أنّهم إنّما أنكروا كلام القدرية فقط؛ كما ذكره البيهقي6،
1 انظر: درء تعارض العقل والنقل 7394.
2 في ((م)) ، و ((ط)) : أنزل.
3 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
4 سبقت الإشارة إلى ذلك ص 320-324.
5 قال الإمام البربهاري رحمه الله: "اعلم أنها لم تكن زندقة، ولا كفر، ولا شكوك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا من الكلام، وأهل الكلام والجدل والمراء والخصومة والعجب". شرح السنة للبربهاري ص 48.
6 انظر تبيين كذب المفتري لابن عساكر 341، 344-352؛ حيث نقل كلام البيهقي في أنّ الشافعيّ إنّما قصد بذمّه لأهله الكلام القدرية، ومنهم حفص الفرد.
والبيهقي هو: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعيّ، شيخ خراسان، ومن أئمة المحدثين. ولد سنة 384 ?، وتوفي سنة 458 ?. قال عنه إمام الحرمين الجويني:"ما من شافعيّ إلا وللشافعي في عنقه منّة، إلا البيهقي؛ فإنّه له على الشافعي منّة؛ لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله".
انظر: طبقات الشافعية 48-16. وشذرات الذهب 3304-305.
وابن عساكر1 في تفسير كلام الشافعيّ، ونحوه؛ ليُخرجوا أصحابهم عن الذمّ، وليس كذلك؛ بل الشافعي أنكر كلام الجهمية؛ كلام حفص الفرد، وأمثاله2، وهؤلاء كانت منازعتهم في الصفات، والقرآن، والرؤية، لا في القدر. وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكلام هم الجهمية3
1 انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص 336.
وانظر رد شيخ الإسلام على مقولته: درء تعارض العقل والنقل 7246-251.
وابن عساكر هو: علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر. محدث، حافظ، فقيه، مؤرخ، رحل إلى ديار كثيرة، وسمع فيها، وحدّث. توفي سنة 571 ?.
انظر: طبقات الشافعية 7215-223. والبداية والنهاية 12294. ومعجم المؤلفين 769، 70.
2 سبق نقل كلام الشافعي في حفص الفرد. انظر ص 321 من هذا الكتاب، وانظر ترجمة حفص الفرد في الصفحة نفسها.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقد بيَّنّا أنّ ذمّ الشافعيّ لكلام حفص وأمثاله لم يكن لأجل إنكار القدر؛ فإنّ حفصاً لا يُنكره، وإنّما كان لإنكار الصفات والأفعال المبني على دليل الأعراض". درء تعارض العقل والنقل 7275. وانظر: المصدر نفسه 7146، 245، 246، 250.
3 ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير ما موضع من كتبه أنّ المحنة التي وقعت للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والمناظرة التي حدثت لم تكن مع المعتزلة فقط، بل كانت مع جنس الجهميّة.
ومن النصوص التي وقفت عليها في ذلك: قول شيخ الإسلام رحمه الله عن فتنة خلق القرآن التي وقعت زمن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "ولم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط، بل كانت مع جنس الجهمية؛ من المعتزلة، والنجارية، والضرارية، وأنواع المرجئة؛ فكلّ معتزليّ جهميّ، وليس كلّ جهميّ معتزلياً
…
الخ". منهاج السنة النبوية 2603-604.
وقال رحمه الله في موضع آخر يحكي عن الإمام أحمد وما جرى له مع ابن أبي دؤاد: "
…
وكان أحمد بن أبي دؤاد قد جمع له نفاة الصفات القائلين بخلق القرآن من جميع الطوائف؛ فجمع له مثل أبي عيسى محمد بن عيسى بن برغوث، ومن أكابر النجارية؛ أصحاب حسين النجّار.
وأئمة السنة؛ كابن المبارك، وأحمد بن إسحاق، والبخاريّ، وغيرهم يُسمّون جميع هؤلاء جهمية. وصار كثير من المتأخرين؛ من أصحاب أحمد، وغيرهم يظنّون أنّ خصومه كانوا المعتزلة، ويظنون أنّ بشر بن غياث المريسي وإن كان قد مات قبل محنة أحمد، وابن أبي دؤاد، ونحوهما كانوا معتزلة. وليس كذلك؛ بل المعتزلة كانوا نوعاً من جملة من يقول: القرآن مخلوق. وكانت الجهمية أتباع جهم، والنجارية أتباع حسين النجار، والضرارية أتباع ضرار بن عمرو، والمعتزلة، هؤلاء يقولون: القرآن مخلوق". مجموع فتاوى ابن تيمية 14352.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضاً: "وهذه المعاني مما ناظروا بها الإمام أحمد في المحنة، وكان ممن احتج على أنّ القرآن مخلوق بنفي التجسيم: أبو عيسى محمد بن عيسى؛ برغوث؛ تلميذ حسين النجار، وهو من أكابر المتكلمين؛ فإنّ ابن أبي دؤاد كان قد جمع للإمام أحمد مَنْ أمكنه من متكلمي البصرة، وبغداد، وغيرهم؛ ممن يقول: إنّ القرآن مخلوق. وهذا القول لم يكن مختصاً بالمعتزلة كما يظنّه بعض الناس؛ فإنّ كثيراً من أولئك المتكلمين، أو أكثرهم لم يكونوا معتزلة. وبشر المريسي لم يكن من المعتزلة، بل فيهم نجاريّة، ومنهم برغوث، وفيهم ضراريّة، وحفص الفرد الذي ناظر الشافعيّ كان من الضرارية؛ أتباع ضرار بن عمرو، وفيهم مرجئة. ومنهم بشر المريسيّ، ومنهم جهمية محضة، ومنهم معتزلة. وابن أبي دؤاد لم يكن معتزلياً، بل كان جهمياً ينفي الصفات. والمعتزلة تنفي الصفات؛ فنفاة الصفات الجهميّة أعمّ من المعتزلة
…
". مجموع الفتاوى 17299-300.
الذين ناظروه في القرآن؛ مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث؛ صاحب حسين النّجّار، وأمثاله1. ولم يكونوا قدريّة، ولا كان النزاع في مسائل
1 سبق كلام الإمام أحمد رحمه الله في برغوث ص 322 من هذا الكتاب، وقد ذكرت ترجمة برغوث، وترجمة صاحبه حسين النجار في الصفحة نفسها.
وانظر في ذم السلف لأهل الكلام: شرح الأصفهانية 2318-323. ولزيادة إيضاح هذا الموضوع، انظر: درء تعارض العقل والنقل 1230-231، 249، 7257، 275، 276، 278.
القدر. ولهذا يُصرّح أحمد، وأمثاله من السلف بذمّ الجهميّة، بل يكفرونهم أعظم من سائر الطوائف1.
أصول أهل الأهواء
وقال عبد الله بن المبارك2، ويوسف بن أسباط3، وغيرهما: أصول أهل الأهواء أربع: الشيعة4، والخوارج5، والمرجئة6،
1 وللسلف كتب مستقلة في فضح وذمّ الجهميّة. انظر على سبيل المثال: الردّ على الجهمية للإمام أحمد، وللإمام الدارمي، وللجعفي شيخ البخاريّ، وبيان تلبيس الجهميّة لشيخ الإسلام ابن تيمية، واجتماع الجيوش الإسلامية، والصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة؛ كلاهما لابن قيم الجوزية رحمه الله.
وهناك كتب جمعها السلف فيها ذمّ للجهمية، وردّ عليهم. انظر: كتاب الردّ على الجهمية في صحيح البخاري، وخلق أفعال العباد "الجزء الثاني منه" للإمام البخاري. وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي. وكتاب السنة لابن أبي عاصم. وسميّه لعبد الله بن الإمام أحمد، وكذلك للخلاّل، وغيرهم كثير.
2 سبقت ترجمته.
3 سبقت ترجمته.
4 سبق التعريف بهم.
5 سبق التعريف بهم.
6 قال الشهرستاني: "الإرجاء على معنيين: أحدهما: بمعنى التأخير؛ كما في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف، 111] ؛ أي أمهله وأخّره. والثاني: إعطاء الرجاء. وأما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة". الملل والنحل للشهرستاني 1139.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المرجئة ثلاث أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة
…
ومنهم من لا يدخلها في الإيمان؛ كجهم ومن اتبعه كالصالحي. وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه.
والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول باللسان. وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.
والثالث: تصديق القلب، وقول اللسان. وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم". مجموع الفتاوى 7195. وانظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 202-207. ومقالات الإسلاميين للأشعري 1213-234. والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2111-112، 4204. والملل والنحل للشهرستاني 1139-146.
والقدرية1. فقيل لهم: الجهمية2؟ فقالوا: الجهمية ليسوا من أمّة محمد3. ولهذا ذكر أبو عبد الله بن حامد4 عن أصحاب أحمد في الجهمية: هل هم من الثنتين وسبعين فرقة؟ وجهين5؛ أحدهما: أنّهم ليسوا منهم؛ لخروجهم عن الإسلام.
السلف لم يذموا جنس الكلام
وطائفة تظنّ أنّ الكلام الذي ذمّه السلف: هو مطلق النظر، والاحتجاج، والمناظرة6،
1 والمقصود بهم القدرية النفاة. وهو من ألقاب المعتزلة الذين ينفون الإرادة والقدرة عن الله ويثبتون للعبد قدرة يفعل بها ما اختار فعله. فكل إنسان عندهم يخلق فعل نفسه.
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 114-116. والفصل لابن حزم 322. والملل والنحل للشهرستاني 143-45، ودرء تعارض العقل والنقل 8405.
2 سبق التعريف بهم.
3 سبق تخريج هذا الأثر.. انظر ص 498 من هذا الكتاب.
4 سبقت ترجمته.
5 انظر ص 694؛ فقد سبق تخريج هذا الأثر.
6 السلف رحمهم الله انصبّ ذمّهم على الكلام الباطل؛ بسبب مخالفته للنصوص الشرعيّة.
ويزيد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى إيضاحاً؛ فيقول: "السلف رحمهم الله لم يذمّوا جنس الكلام؛ فإنّ كلّ آدميّ يتكلّم، ولا ذمّوا الاستدلال، والنظر، والجدل الذي أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال بما بيَّنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل ولا ذمّوا كلاماً هو حقّ، بل ذمّوا الكلام الباطل، وهو المخالف للكتاب والسنّة، وهو المخالف للعقل أيضاً، وهو الباطل، فالكلام الذي ذمّه السلف هو الكلام الباطل، وهو المخالف للشرع والعقل، ولكن كثير من الناس خفي عليه بطلان هذا الكلام".
الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية ص 96.
وانظر: مجموع الفتاوى 3306-307، 13147-148، 16473. ودرء تعارض العقل والنقل 1178، 232-237، 7170، 181. والفتاوى المصرية 1136، 137، 6560. وجامع الرسائل 236 رسالة في الصفات الاختيارية.
ويزعم من يزعم [من] 1 هؤلاء أنّ قوله: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هي أَحْسَن} 2، و {جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِي أَحْسَن} 3: منسوخٌ بآية السيف4.
1 في ((خ)) : أن. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
2 سورة العنكبوت، الآية 46.
3 سورة النحل، الآية 125.
4 انظر: زاد المسير لابن الجوزي 4506، 9254.
وآيات السيف، مثل قوله تعالى:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} سورة التوبة. ومثل قوله: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} سورة محمد.
ونقل الحافظ ابن كثير رحمه الله عن ابن أبي حاتم بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف؛ سيف في المشركين من العرب، قال تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} . هكذا رواه مختصراً.
وعقّب الحافظ ابن كثير بقوله: وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب، لقوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، والسيف الثالث: قتال المنافقين، في قوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} الآية. والرابع: قتال الباغين في قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} . تفسير ابن كثير 2336-337.
وهؤلاء أيضاً غالطون؛ فإنّ الله تعالى قد أخبر عن قوم نوح، وإبراهيم بمجادلتهم للكفار؛ حتى:{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} 1، وقال عن قوم إبراهيم:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} 2، إلى قوله:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} 3، وذكر محاجّة إبراهيم للكافر.
[والقرآن] 4 فيه من مناظرة الكفار، والاحتجاج عليهم ما فيه؛ من [شفاء] 5، وكفاية.
وقوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هي أَحْسَن إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} 6، وقوله:{جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِي أَحْسَن} 7: ليس في القرآن ما ينسخهما، ولكنّ بعض الناس يظنّ أنّ من المجادلة ترك الجهاد بالسيف. وكلّ ما كان متضمنا لترك الجهاد المأمور به فهو منسوخ بآيات السيف والجهاد.
متى تكون المجادلة؟
والمجادلة قد [تكون] 8 مع أهل الذمّة، والهدنة، والأمان، ومن لا يجوز قتاله بالسيف، وقد [تكون] 9 في ابتداء الدعوة؛ كما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُجاهد الكفّار بالقرآن، وقد [تكون] 10 لبيان الحقّ، وشفاء القلوب من الشبه، [مع من] 11 يطلب الاستهداء والبيان.
1 سورة هود، الآية 32.
2 سورة الأنعام، الآية 80.
3 سورة الأنعام، الآية 83.
4 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
5 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
6 سورة العنكبوت، الآية 46.
7 سورة النحل، الآية 125.
8 في ((خ)) : يكون. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
9 في ((خ)) : يكون. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
10 في ((خ)) : يكون. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
11 في ((خ)) رسمت: معمن.