المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بد أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم - النبوات لابن تيمية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌فصل أصول الدين

- ‌فصل الحجة على من أنكر قدرة الله وحكمته

- ‌فصل الدليل هو الآية والبرهان

- ‌فصل الدليل ينقسم إلى قسمين:

- ‌فصل القسم الثاني الدلالة القصدية

- ‌فصل الدليل مستلزم للمدلول

- ‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة

- ‌فصل آيات الأنبياء دليل وبرهان

- ‌فصل الله تعالى سماها آيات وبراهين ولم يسمها معجزات

- ‌فصل خوارق الكهان والسحرة ليست من خوارق العادات وإنما من العجائب الغريبة

- ‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بدّ أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم

- ‌فصل مسمى العادة

- ‌فصل اشتقاق كلمة النبي

- ‌فصل دلالة المعجزة على نبوة النبي

- ‌فصل سنة الله وعادته في الكذاب أن ينتقم منه ويظهر كذبه

- ‌فصل الاستدلال بالحكمة

- ‌فصل حكمة الله وعدله في إرسال الرسل

- ‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب

- ‌فصل آيات الأنبياء يلزم من وجودها وجود الأنبياء

- ‌فصل خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس

الفصل: ‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بد أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم

‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بدّ أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم

..

فالذين سمّوا هذه الآيات: خوارق للعادات، وعجائب، ومعجزات، إذا جعلوا ذلك شرطاً فيها، وصفة لازمة لها، بحيث لا تكون الآيات إلا كذلك، فهذا صحيح1، وإن كانت هذه الأمور قد تجعل أمراً عاماً؛ [فتكون] 2 متناولة لآيات الأنبياء، وغيرها؛ كالحيوان3 الذي ينقسم إلى إنسان، وغير إنسان.

وأما إذا جعلوا ذلك حدّاً لها، وضابطاً، فلا بُدّ أن يُقيّدوا كلامهم؛ مثل أن يقولوا: خوارق [العادات] 4 التي تختص الأنبياء، أو يقولوا: خوارق عادات الناس كلّهم غير الأنبياء؛ فإن آياتهم لا بد أن تخرق عادة كلّ أمة من الأمم، وكل طائفة من الطوائف، لا تختص آياتهم يخرق عادة بلد معين، ولا من أرسلوا إليه، بل تخرق عادة جميع الخلق إلا الأنبياء؛ فإنها إذا كانت

1 سبق أن أوضح شيخ الإسلام رحمه الله أقوال الناس في مسمّى خرق العادة، ومن يشترطه، ممن لا يشترطه. انظر ص 990 من هذا الكتاب.

2 في ((خ)) : فيكون. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

3 الحيوان: كلّ ذي روح، ناطقاً كان أو غير ناطق، مأخوذ من الحياة، يستوي فيه الواحد والجمع، لأنه مصدر في الأصل. المصباح المنير ص 160.

4 في ((م)) ، و ((ط)) : للعادات.

ص: 848

معتادة للأنبياء؛ مثل الخبر الصادق بغيب الله تعالى الذي لا يُعرف إلا من جهتهم.

فما كان معتاداً للأنبياء دون غيرهم فهو من أعظم آياتهم وبراهينهم، وإن كان معتاداً لهم، فإن الدليل هو: ما يستلزم المدلول عليه.

فإذا لم يكن ذلك معتاداً إلا لنبيّ، كان مستلزماً للنبوة، وكان من أتى به لا يكون إلاّ نبياً، وهو المطلوب.

بل لو كان مستلزماً للصدق، ولا يأتي به إلا صادق، لكان المخبر عن نبوة نبيّ؛ إمّا نبوةُ نفسه، أو نبوةٌ غيرها.

وإذا كان كاذباً، لم يحصل له مثل ذلك الدليل الذي [هو] 1 مستلزم للصدق.

ولا يحصل أيضاً لمن كذّب بنبوة نبيّ صادق؛ إذ هو أيضاً كاذب، وإنما يحصل لمن أخبر بنبوّة نبيّ صادق.

وحينئذٍ فيكون ذلك الدليل مستلزماً للخبر الصادق بنبوّة النبي، وهذا هو المطلوب؛ فإن مدلول الآيات سواء سميت معجزات، أو غيرها، والخبر الصادق بنبوة النبي، ومدلولها: إخبار الله، وشهادته بأنه نبي، وأنّ الله أرسله؛ فقول الله:{محمّد رسول الله} 2، وقوله:{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} 3، وقول كل مؤمن: إنه رسول الله4؛ كلّ ذلك خبرٌ عن

1 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

2 سورة محمد، الآية 29.

3 في سورة الأعراف، الآية 158:{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} .

4 نطق المؤمن بأنّ محمّداً رسول الله في مواطن كثيرة، منها على سبيل المثال: في الأذان، وبعد الانتهاء منه، وبعد الوضوء، وعند الدخول إلى المسجد، وفي التشهد الأول والثاني من الصلاة، وبعد الخروج من المسجد. وفي أماكن كثيرة، ليس هذا مكان حصرها.

وقد جمع الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى المواضع التي يُصلّى فيها على رسول الله، ويُذكر في كتاب مستقلّ، اسمه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام (مطبوع) .

وقال الشاعر:

لو لم يقل إني رسول لكا

ن شاهد في هديه ينطق.

زاد المعاد 4245.

ص: 849

رسالته، وهذا هو مدلول الآيات.

وقد يكون مدلول الآيات نفس النبوة، التي هي مخبر هذا الخبر، ويكون الدليل مثل خبر من الأخبار، وهذا من جنس الأول1.

فما دلّ على نفس النبوة، دلّ على صدق المخبر بها، وما دلّ على صدق المخبر بها، دلّ عليها2.

وأمّا نفس إخبار الربّ بالنبوة، وإعلامه بها، وشهادته بها؛ قولاً، وعملاً، فهو إخبارٌ منه بها، وهو الصادق في خبره؛ فإخباره هو دليلٌ عليها؛ فإنّه لا يقول إلا الحق، ولا يُخبر إلا بالصدق.

وأيضاً: فهو الذي أنشأ الرسالة، وإرساله بكلامه قد يكون إنشاءً للرسالة، وقد يكون إخباراً عن إرساله؛ كالذي يرسل رسولاً من البشر، قد يرسله والناس يسمعون، فيقول له: اذهب إلى فلان فقل له كذا وكذا. وقد يرسله بينه وبينه، ثم يقول للناس: إني قد أرسلته، ويرسله بعلامات وآيات، يعرف بها المرسَل إليه صدقَه.

1 أي الخبر الصادق بنبوة النبيّ، الذي هو المدلول للآيات.

2 أي نفس النبوة. والمقصود التلازم بين النبوة، وصدق النبيّ.

ص: 850

وكذلك: إذا وُصفت1 بأنّها معجزات، فلا بد أن يعجز كلّ من ليس بنبيّ، ولم يشهد للنبيّ بالنبوة؛ فيعجز جميع المكذبين للرسول، والشاكّين في نبوته من الجنّ والإنس.

وكذلك: إذا قيل: هي عجائب، والعجب2: ما خرج عن نظيره، فلم يكن له نظير، فلا بُد أن يكون من العجائب التي لا نظير لها أصلاً عند غير الأنبياء؛ لا من الجن، ولا من الإنس.

[أما إذا] 3 كان [ليست] 4 لها نظير في شيء آخر، فهذا يؤيّد أنها من خصائص الأنبياء، ومن آياتهم.

الفرق بين النبي والمتنبئ

فهذا الموضع من فهمه فهماً جيّداً، تبيَّن له الفرقان في هذا النوع5؛ فإنّ كثيراً من الناس6 يصفها بأنها خوارق، ومعجزات، وعجائب، ونحو

1 أي الآية والعلامة والبينة والبرهان. وقد سبق أن ذكر المؤلف رحمه الله أن التسمية بالمعجزات حادثة، ولم تعرف في الكتاب والسنة بهذا الاسم. انظر ص 942 من هذا الكتاب.

2 سبق توضيح العجب. انظر ص 994 من هذا الكتاب.

3 في ((م)) ، و ((ط)) : فإذا.

4 في ((م)) ، و ((ط)) : ليس.

5 أي من الفرق بين النبي والمتنبئ، وبين الصادق والكاذب. فالشيخ رحمه الله يؤكّد أنّ ما يخصّ الأنبياء من خوارق ومعجزات وعجائب، لا بُدّ أن يكون خارقاً ومعجزاً لغيرهم، فلا يستطيع الجنّ والإنس أن يأتوا بمثله. هذا هو الفرق الذي يُعرف به الأنبياء، وتُعلم به معجزاتهم.

6 وهم الأشاعرة، حيث جعلوا جنس ما يأتي به النبيّ والوليّ والساحر واحداً، إلاّ أنّ النبيّ يدّعي به النبوة ولا يعارض، والولي والساحر لا يدّعيان النبوة بذلك الخارق. والفرق بين الولي والساحر أنّ السحر لا يظهر إلا على فاسق، والكرامة لا تظهر على فاسق.

وقد سبق بيان ذلك مراراً. انظر ص 956-958 من هذا الكتاب. وانظر: البيان للباقلاني ص 47-49. والإرشاد للجويني ص 319، 322-323، 328.

ص: 851

ذلك، ولا يحقق الفرق بين من يجب أن يخرق عادته ومعجزه، ومن لا [يجب] 1 أن [تكون] 2 في حقه كذلك.

فالواجب أن يخرق عادة كل من لم يُقرّ بنبوة الأنبياء؛ فلا يكون لمكذّب بنبوته و [ليست] 3 لشاك.

وقولنا: يخرق عادتهم، هو من باب العادة التي تثبت بمرّة، ليس من شرط فسادها أن تقع غير مرّة، مع انتفاء الشهادة بالنبوة. بل متى وقعت مرّة واحدة مع انتفاء الشهادة بالنبوة، لم [تكن] 4 مختصة بشهادة النبوة، ولا بالنبوة، فلا يجب أن تكون آية.

وقولنا: ولا يجب أن تخرق عادات الأنبياء، ولم [نقل] 5: ولا يجوز أن تخرق عادات الأنبياء. بل قد تكون خارقة أيضاً لعادات الأنبياء.

أنواع آيات الأنبياء

وقد خُصّ بها نبي واحد؛ مثل أكثر آيات الأنبياء6؛ فإنّ كلّ نبيّ خُصّ بايات، لكن لا يجب في آيات الأنبياء أن تكون مختصة بنبيّ7، بل ولا يجب أن يختص ظهورها على يد النبي، بل متى اختصت به، وهي من

1 في ((ط)) : يحب - بالحاء المهملة.

2 في ((م)) ، و ((ط)) : يكون.

3 في ((م)) ، و ((ط)) : لا.

4 في ((خ)) : (يكن) . وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

5 في ((خ)) : (يقل) . وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

6 فإبراهيم عليه السلام خُصّ بالنار، وصالح خصّ بالناقة، وموسى بالعصا واليد، ونبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم خُصّ بالقرآن الكريم

والأمثلة على ذلك كثيرة.

7 فمثلاً إحياء الموتى: اشترك فيه أكثر من نبيّ. كما سبق بيانه في ص 594-611، 733 من هذا الكتاب. وانظر: الجواب الصحيح 3351، 417، 5434.

ص: 852

خصائصه، كانت آية له سواء وجدت قبل ولادته، أو بعد موته، أو على يد أحد من الشاهدين له بالنبوة1، فكل هذه من آيات الأنبياء.

الرد على من قال من شرط آيات الأنبياء أن تقارن دعوى النبوة

والذين قالوا: من شرط الآيات أن تقارن دعوى النبوة2: غلطوا غلطاً عظيماً، وسبب غلطهم: أنّهم لم يعرفوا ما يخص بالآيات، ولم يضبطوا خارق العادة بضابط يميّز بينها وبين غيرها، بل جعلوا ما للسحرة والكهّان، هو أيضاً من آيات الأنبياء، إذا اقترن بدعوى النبوة، ولم يُعارضه معارض.

وجعلوا عدم المعارض هو الفارق بين النبيّ وغيره، وجعلوا دعواه النبوة جزءاً من الآية3، فقالوا: هذا [الخارق] 4 إن وجد مع دعوى

1 هذه تُعدّ من الكرامات التي للأولياء. وقد سبق أن أوضح المؤلف رحمه الله أنّ كلّ كرامة حصلت لوليّ تابع لنبيّ، فهي معجزة لذلك النبيّ، لأنّ ذلك ما حصل له إلا باتباعه لذلك النبيّ.

ويجب أن نوضّح هنا: أنّ الأولياء لا يحصل على يديهم إلا آيات الأنبياء الصغرى. أما الكبرى فلا؛ مثل معراج الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم. ولكن الصغرى؛ مثل جنس تكثير الطعام والشراب فتحصل، لكن ليس بالمقدار والكيفية التي حصلت للنبيّ.

وانظر ما سبق من كلام المؤلف رحمه الله ص 987 من هذا الكتاب.

2 يقصد هنا الأشاعرة، كما هو واضح من تعليل المؤلف رحمه الله فيما بعد، وإلا فالمعتزلة يشترطون أنّ الخارق يقارن دعوى النبوة.

وقد تقدم ذلك. انظر ص 987 من هذا الكتاب.

وانظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 569. والإرشاد للجويني ص 314، 320. والبيان للباقلاني ص 46-47. وأصول الدين للبغدادي ص 171.

3 يقول الجويني: "المعجزة لا تدلّ لعينها، وإنما تدلّ لتعلقها بدعوى النبي والرسالة". الإرشاد ص 319. وانظر البيان للباقلاني ص 47-49.

4 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

ص: 853

النبوة، كان معجزة، وإن وجد بدون دعوى النبوة، لم يكن معجزة1، فاحتاجوا لذلك أن يجعلوه مقارناً للدعوى.

قالوا: والدليل على [ذلك: أنّ مثل] 2 آيات الأنبياء يأتي في آخر الزمان، إذا [جاءت] 3 أشراط الساعة، ومع ذلك ليس هو من آياتهم4.

وكذلك قالوا في كرامات الأولياء5.

أشراط الساعة من آيات الأنبياء

وليس الأمر كذلك، بل أشراط الساعة هي من آيات الأنبياء6، من وجوه؛

منها: أنهم أخبروا بها قبل وقوعها، فإذا جاءت كما أخبروا، كان ذلك من آياتهم.

ومنها: أنهم أخبروا بالساعة، فهذه الأشراط مصدّقة لخبرهم بالساعة، وكلّ من آمن بالساعة آمن بالأنبياء، وكلّ من كذب الأنبياء كذّب الساعة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوَّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ

1 انظر: البيان للباقلاني ص 47-49. والإرشاد للجويني ص 324، 331.

2 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

3 في ((ط)) : جاتئت.

4 وعلل التفتازاني ذلك بقوله: "لأنّ ما يقع في الآخرة من الخوارق ليست بمعجزة، ولأنّ ما يظهر عند ظهور أشراط الساعة وانتهاء التكاليف لا يشهد بصدق الدعوى، لكونه زمان نقض العادات وتغير الرسوم". شرح المقاصد للتفتازاني 513. وانظر: البيان للباقلاني ص 47-48. وأصول الدين للبغدادي ص 170.

5 انظر: الإرشاد للجويني ص 319. وأصول الدين للبغدادي ص 174-175.

6 سبق أن أوضح شيخ الإسلام ذلك في ص 597 من هذا الكتاب.

وانظر عن إخباره صلى الله عليه وسلم بالكثير من الغيوب الماضية والحاضرة والمستقبلة، ودلالة ذلك على نبوته، في الجواب الصحيح 680-158.

ص: 854

إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَولِ غُرُورَاً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلتَصْغَى إِليهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَليَرْضَوْهُ وَليَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} 1.

وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤمِنُونَ بِهِ} 2.

فكلّ من آمن بالآخرة فقد آمن بالقرآن، فإذا جاءت أشراط الساعة، كانت دليلاً على صدق [خبرهم أنّ الساعة حقّ، وأنّ القرآن حقّ، وكان هذا من الآيات الدالة على صدق ما جاء به الرسول] 3؛ من القرآن، وهو المطلوب.

كل ما يكون خرق عادة لجميع الناس فهو من آيات الأنبياء

فلا يوجد خرق عادة لجميع الناس، إلا وهو من آيات الأنبياء4.

وكذلك الذي يقتله الدجال، ثم يحييه، [فيقوم] 5، فيقول: أنت الأعور الكذّاب الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة. فيريد الدجال أن يقتله، فلا يقدر على ذلك.

الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم

فهذا الرجل بعد أن قتل وقام، يقول للدجال: أنت الأعور الكذّاب، الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ازددت فيك بهذا القتل إلا بصيرة. ثم يريد الدجال أن يقتله، فلا يقدر عليه6.

1 سورة الأنعام، الآية 111-113.

2 سورة الأنعام، الآية 92.

3 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

4 هذه قاعدة وضابط في معرفة خصائص معجزات الأنبياء.

5 في ((ط)) : فيقول.

6 رواه الإمام البخاري في صحيحه 62608-2609، كتاب الفتن، باب لا يدخل الدجال المدينة. والإمام مسلم في صحيحه 42256، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب صفة الدجال وتحريم المدينة عليه، وقتله المؤمن وإحيائه.

ص: 855

فعجزه عن قتله ثانياً، مع تكذيب الرجل له بعد أن قتله، وشهادته للرسول محمّد بالرسالة، هو من خوارق العادات، التي لا توجد إلاّ لمن شهد للأنبياء بالرسالة. وهذا الرجل هو من خيار أهل الأرض المسلمين.

فهذا الخارق الذي جرى فيه، هو من خصائص من شهد لمحمّد بالنبوة؛ فهو من اعلام النبوة، ودلائلها.

وكونه قُتِل أوّلاً أبلغ في الدلالة؛ فإنّ ذلك لم يزغه، ولم يُؤثّر فيه، وعلم أنّه لا يُسلّط عليه مرة ثانية، فكان هذا اليقين والإيمان، مع عجزه عنه، هو من خوارق الآيات.

ومعلومٌ أنّ قتله ممكنٌ في العادة، فعجزه عن قتله ثانياً، هو الخارق للعادة.

ودلّ ذلك على أن إحياء الله له، لم يكن معجزة للدجال، ولا ليبين بها صدقه، لكن أحياه ليكذّب الدجال، وليبين أنّ محمّداً رسول الله، وأنّ الدجّال كذّاب، وأنّه هو الأعور الكذاب، الذي أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:"ما من نبي إلَاّ وقد أنذر أمته الأعور الدجال، وسأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لأمته: إنّه أعور، وإنّ الله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر [ك ف ر] 1، يقرأه كلّ مؤمن؛ قارىء، وغير قارىء"2.

1 ما بين المعقوفتين ليس في ((م)) ، ولا ((ط)) .

2 رواه البخاري في صحيحه 62607-2608، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، مع اختلاف يسير. ومسلم في صحيحه 42245، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد، و 42247-2248، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه.

ص: 856

وفي بعض الأحاديث الصحيحة: "واعلموا أنّ أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت"1.

فذكر لهم آيات ظاهرة يشترك فيها الناس، تبيّن لهم كذبه، فيما يدعيه من الربوبية؛ إذ كان كثير من الناس يجوّزون ظهور الإله في البشر؛ النصارى2 وغير النصارى3.

وما يأتي به الدجال، إنّما يحار فيه، ويراه معارضاً لآيات الأنبياء: من لم يحكّم الفرقان.

من أنكر خوارق الدجال وقال إنما هي خيال

فقومٌ يكذّبون أن يأتي بعجيب، ويقولون: ما معه إلا التمويه4؛ كما

1 رواه الإمام مسلم في صحيحه 42245، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد. والترمذي في جامعه 4508، كتاب الفتن، باب ما جاء في الدجال.

2 كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة التوبة، الآية 30] .

3 مثل ملاحدة الصوفية الذين يقولون بالحلول والاتحاد؛ كقول ابن الفارض في ديوانه:

لها صلواتي بالمقام أقيمها

وأشهد فيها أنها لي صلّت

كلانا مصلّ واحد ساجد

إلى حقيقته بالجمع في كلّ سجدة

وما كان لي صلى سواي ولم تكن

صلاتي لغيري في أدى كلّ ركعة

ديوان ابن الفارض ص 34.

وهم أخبث من النصارى واليهود كما صرّح بذلك شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأنّ اليهود قالوا بالحلول الخاص، وهؤلاء قالوا بالحلول المطلق. انظر: جامع الرسائل والمسائل 193، 94. والجواب الصحيح 4315، 497-500.

4 التمويه: هو التلبيس. ومنه قيل للمخادع: مموه. وقد موّه فلان باطله: إذا زيّنه وأراه في صورة الحقّ. والمموهة هي التي يكون ظاهرها مخالفاً لباطنها.

تهذيب اللغة 6474. ولسان العرب 13544. والتعريفات ص 297.

ص: 857

قالوا في السحر والكهانة؛ مثل كثيرٍ من المعتزلة، والظاهرية؛ كابن حزم1.

وقومٌ2 يقولون: لما ادعى الإلهية، كانت الدعوى معلومة البطلان، فلم يظهر الخارق؛ كما يقول ذلك القاضي أبو بكر3، وطائفة. ويدّعون أن

1 ونقل ابن كثير رحمه الله عن ابن حزم والطحاوي وغيرهما: (أن الدجال ممخرق مموه لا حقيقة لما يُبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه، بل كلها خيالات عند هؤلاء. وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبيّ) . النهاية في الفتن والملاحم 1164.

وممن أنكر حقيقة خوارق الدجال: الماوردي انظر كتابه أعلام النبوة ص 62.

ومن المتأخرين الذين أنكروا حقيقة خوارق الدجال: الشيخ محمد رشيد رضا. انظر تفسيره تفسير المنار 9490.

وقد ردّ على من أنكر حقيقة هذه الخوارق كثيرٌ من العلماء: منهم القاضي عياض، والنووي، وابن كثير، وابن حجر رحمهم الله تعالى.

انظر: النهاية في الفتن والملاحم 1164-165. وفتح الباري 13103-105. وشرح النووي على مسلم 1858-59.

2 وهم الأشعرية. انظر: أصول الدين للبغدادي ص 170، 174.

3 انظر: البيان للباقلاني ص 104 - 105.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "والدجال لما ادعى الإلهية لم يكن ما يظهر على يديه من الخوارق دليلاً عليها؛ لأن دعوى الإلهية ممتنعة، فلا يكون في ظهور العجائب ما يدلّ على الأمر الممتنع". الجواب الصحيح 3351.

وقال أيضاً: "ولهذا أعظم الفتن فتنة الدجال الكذاب، لما اقترن بدعواه الإلهية بعض الخوارق، كان منها ما يدلّ على كذبه من وجوه، منها: دعواه الإلهية وهو أعور، والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كلّ مؤمن قارئ وغير قارئ، والله تعالى لا يراه أحد حتى يموت، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلامات الثلاث في الأحاديث الصحيحة، فأما تأييد الكذاب ونصره وإظهار دعوته دائماً، فهذا لم يقع قط. فمن يستدلّ على ما يفعله الرب سبحانه بالعادة والسنة فهذا هو الواقع، ومن يستدلّ على ذلك بالحكمة، فحكمته تناقض أن يفعل ذلك؛ إذ الحكيم لا يفعل هذا، وقد قال تعالى:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [سورة الفتح، الآيتان 22-23] . فأخبر أن سنة الله التي لا تبديل لها: نصر المؤمنين على الكافرين، والإيمان المستلزم لذلك يتضمّن طاعة الله ورسوله، فإذا نقض الإيمان بالمعاصي كان الأمر بحسبه كما جرى يوم أحد

) . الجواب الصحيح 6419-420. وانظر: المصدر نفسه 5187، ومجموع الفتاوى 2045، وشرح الأصفهانية 2477، 608.

ص: 858

النصارى اعتقدت في المسيح الإلهية؛ لكونه أتى بالخوارق، مع إقراره بالعبودية. فكيف بمن يدّعي الإلهية؟

ولكن هذا الخارق الذي يُظهره الله في هذا الرجل الصالح الذي طلب منه الدجّال أن يؤمن به، فلم يفعل، بل كذّبه، وقال: أنت الأعور الدجال الذي أخبرنا به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقتله، ثمّ أحياه الله، فقال له: أنت الأعور الدجّال، فكذّبه قبل أن قُتِل، وبعد ما أحياه الله، وأراد الدجال قتله ثانية، فلم يُمكّن.

فعجزه عن قتله ثانياً: من أعظم الخوارق، مع تكذيبه. وأما إحياؤه، مع تكذيبه له أولاً، وعجزه ثانياً عن قتله، فليس بخارق.

فهذا إحياء معين، معه دلائل معدودة، تُبيّن أنّه من الآيات الدالة على صدق الرسول، لا على صدق الدجال، وتُبيّن بذلك أنّ الآيات جميعها تدلّ على صدق الأنبياء؛ فإنّ آيات الله مرة أو مرتين أو ثلاثاً، لا يشترط في ذلك تكرار، بل شرطها: أن لا يكون لها نظير في العالم لغير الأنبياء، ومن يشهد بالنبوة، ولم يوجد لغيرهم، كان [هذا] 1 دليلاً على أنّها مختصة بالأنبياء.

1 في ((ط)) : ذها.

ص: 859

ومن أطلق خرق العادة1، ولم يفسّره ويبينه، فلم يعرف خاصتها، بل ظن أن ما وجد من السحر والكهانة خرق عادة، أو ظن أنّ خرق [العادة] 2 أن لا يعارضها معارض من المرسل إليهم.

خوارق المتنبئين من جنس خوارق السحرة

وكثير من المتنبئين الكذّابين أتوا بخوارق من جنس خوارق السحرة والكهّان، ولم يكن من أولئك القوم من أتى بمثلها، لكن قد عُلم أن في العالم مثلها، في غير ذلك المكان، أو في غير ذلك الزمان، وإنّما الخارق كما قال في القرآن:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرَاً} 3.

التحدي بالقرآن الكريم

ولهذا قال في آيات التحدي: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفتريَات وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 4، وقال في تلك الآية:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} 5.

فلم يكتف بعجز المدعوين، بل أمرهم أن يدعوا إلى معاونتهم كلّ من استطاعوا أن يدعوه من دون الله. وهذا تعجيز لجميع الخلق؛ الإنس، والجنّ، والملائكة.

وقال في البقرة: {وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 6؛ أي: ادعوا كلّ

1 وهم الأشاعرة الذين يجعلون جنس الخارق ليس هو المعجزة، وإنما

المعجز هو دعوى النبوة، وعدم المعارضة، كما سبق بيانه ص 152-153، 586-587 من هذا الكتاب.

2 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .

3 سورة الإسراء، الآية 88.

4 سورة هود، الآية 13.

5 سورة هود، الآية 14.

6 سورة البقرة، الآية 23.

ص: 860

من يشهد لكم، فيوافقكم على أنّ هذا ليس من عند الله؛ ادعوا كل من لم يُقرّ بأنّ هذا منزّل من الله، فهذا تعجيزٌ لكل من لم يؤمن به. ومن آمن به، وبقي في ريب، [بل] 1 قد عُلم أنّه من عند الله.

وهذا التحدي في البقرة، وهي مدنية بعد يونس وهود. ولهذا قال:{وَإِنْ كُنْتُم في رَيْب} ، وهناك2 قال:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ؛ فهذا3 تحدّي لكل مرتاب، وذاك4 تحدي لكلّ مثل مكذب. ولهذا قيل في ذاك5:{مَن اسْتَطَعْتُمْ} فإنه أبلغ، وقيل في هذا6:{شُهَدَاءَكُم} .

وقد قال بعض المفسرين7: {شُهَدَاءَكُم} : آلهتكم، وقال بعضهم8: من يشهد أنّ الذي جئتم به مثل القرآن.

والصواب: أن شهداءهم الذين يشهدون لهم؛ كما ذكره ابن اسحق9

1 في ((م)) ، و ((ط)) : قل.

2 أي في سورة يونس، الآية 38، وسورة هود، الآية 13.

3 الذي في سورة البقرة الآية 23.

4 الذي في سورة يونس 38، وهود 13.

5 في سورة يونس، وسورة هود.

6 في سورة البقرة.

7 انظر: زاد المسير لابن الجوزي 151. وتفسير ابن كثير 159.

8 انظر: تفسير الطبري 1167. وزاد المسير لابن الجوزي 151. وتفسير ابن كثير 159.

9 هو محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي بالولاء، المدني. من أقدم مؤرخي العرب من أهل المدينة. له السيرة النبوية، هذبها ابن هشام، زار الاسكندرية، وسكن بغداد، ومات بها. قال ابن حبان:"لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه، أو يوازيه في جمعه، وهو من أحسن الناس سياقاً للأخبار". وكان جده يسار من سبي عين التمر. وقال عنه ابن حجر: "نزيل العراق، إمام المغازي، صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومائة، ويقال بعدها". انظر: تقريب التهذيب لابن حجر 254. والأعلام للزركلي 628.

ص: 861

بإسناده المعروف عن ابن عباس، قال:{شُهَدَاءَكُم} : من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه1.

وقال السدي2، عن أبي مالك:{شُهَدَاءَكُم من دون الله} : أي شركاءكم3؛ فإنّ هؤلاء هم الذي يُتصوّر منهم المعارضة إذا كانوا في ريب منه.

أمّا من أيقن أنه من عند الله، فإنه يمتنع أن يقصد معارضته؛ لعلمه بأنّ الخلق عاجزون عن ذلك. والله تعالى شهد لمحمد بما أظهره من الآيات، فادعوا من يشهد لكم. وهؤلاء يشهدون من دون الله، لا يشهدون بما شهد الله به، فتكون شهادتهم [مضادة] 4 لشهادة الله؛ كما قال:{لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} 5.

1 انظر: تفسير الطبري 1166. وزاد المسير 151. وتفسير ابن كثير 159.

2 هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير، أبو محمد القرشي الكوفي. له أقوال في تفسير القرآن، اختلف في توثيقه، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق يهم، ورمي بالتشيع من الرابعة، تابعي حجازي الأصل، سكن الكوفة، مات سنة 128 ?.

انظر: تقريب التهذيب 196، وتهذيب التهذيب 1213، وسير أعلام النبلاء 5264-265، والأعلام 1317، والتفسير والمفسرون 179.

3 انظر: تفسير ابن كثير 159.

4 في ((خ)) : بأربعة. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

5 سورة النساء، الآية 166.

ص: 862

وقال: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدَاً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَاب} 1.

كما قال: {شَهِدَ اللهُ أنَّه لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالملائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ} 2.

وقد قلنا: يجوز أن تكون آياتهم خارقة لعادة جميع الخلق، إلَاّ للنبيّ، لكن لا يجب هذا فيها3.

اعتراض وجواب المؤلف عليه

فإن قيل: قد ذكرتم أن آيات الأنبياء هي الخوارق التي تخرق عادة جميع الثقلين، فلا تكون لغير الأنبياء، ولغير من شهد لهم بالنبوة. وهذا كلامٌ صحيحٌ فصلتم به بين آيات الأنبياء، وغيرهم بفصلٍ مطّرد منعكس4، بخلاف من قال: هي خرق العادة5، ولم يُميّز بينها وبين غيرها، وتكلّم في خرق العادة بكلامٍ متناقضٍ؛ تارة يمنع وجود السحر والكهانة، وتارة يجعل هذا الجنس من الآيات، ولكن الفرق عدم المعارضة. لكن لم يذكروا الفرق في نفس الأمر، ونفس كونها معجزة، وخارقاً، وآية: لماذا كان؟ وما هو الوصف الذي امتازت به، حتى صارت آية ودليلا دون غيرها؟ فذكرتم الدليل، لكن لم تذكروا الحقيقة التي بها صار الدليل دليلاً.

قيل: لا بُد أن تكون مما يعجز عنها الإنس والجن؛ فإنّ هذين الثقلين بُعث إليهم الرسل؛ كما قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا

1 سورة الرعد، الآية 43.

2 سورة آل عمران، الآية 18.

3 تقدم ذلك مراراً، في أول هذا الكتاب، وانظر ص 992 منه.

4 سبق ذلك. انظر ص 301 من هذا الكتاب.

5 وهم الأشاعرة، كما سبق بيانه في ص 151-153.

ص: 863

وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} 1.

وقال تعالى: { [وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا] 2 أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ} 3.

والإنس والجنّ منهم من آمن بالرسل، ومنهم من كذّبهم، فلا بُد أن يكون مما لا يقدر عليها جنس الإنس والجنّ.

ثمّ الكرامات [يخص] 4 بها المؤمنين من الطائفتين5، وأمّا آيات الأنبياء التي بها تثبت نبوتهم، وبها وجب على الناس الإيمان بهم، فهي أمرٌ [يخص] 6 الأنبياء، لا يكون للأولياء، ولا لغيرهم، بل يكون من المعجزات الخارقة للعادات الناقضة لعادات جميع الإنس والجن غير الأنبياء.

فما كان الإنس أو الجن يقدرون عليه، فلا يكون وحده آية للنبي. أمّا ما تقدر عليه الملائكة: فذاك قد يكون من آياتهم؛ لأنهم لم يرسلوا إلى الملائكة7، والملائكة لا تفعل شيئا إلا بإذن الله؛ فما تفعله الملائكة معهم، فهو بإذن الله، وهو ما خص به الأنبياء بخلاف الإنس والجن.

1 سورة الأنعام، الآية 130.

2 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

3 سورة الزمر، الآية 71.

4 في ((خ)) : يختص. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

5 أي من الإنس والجنّ.

6 في ((خ)) : يختص. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

7 انظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله المتقدم في هذا الكتاب، ص 171. وانظر: البيان للباقلاني ص 102، 105.

ص: 864

كل ما استلزم نبوة الأنبياء فهو آية لهم

وخاصتها التي تمتاز بها عن غيرها: أن يكون آيةً، ودليلاً على نبوتهم؛ فكلّ ما استلزم نبوّتهم، فهو آية لهم، وما لا يستلزم نبوتهم، فليس بآية1، وليست مختصة بجنس من الموجودات، بل تكون في جنس العلم، والإخبار بغيب الرب الذي اختص به، و [تكون] 2 في جنس القدرة، والتصرف، والتأثير في العالم3، وهي مقدورة للرب، فله سبحانه أن يجعلها في أي جنس كان من المقدورات.

تنوع آيات الأنبياء

ولهذا تنوعت آيات الأنبياء، بل النبيّ الواحد تتنوع آياته، فليس القرآن الذي هو قول الله وكلامه من جنس انشقاق القمر، ولا هذا وهذا من جنس تكثير الطعام، والشراب؛ كنبع الماء من بين الأصابع.

وهذا كما أنّ آيات الرب الدالّة على قدرته، ومشيئته، وحكمته، وأمره، ونهيه، لا تختص بنوعٍ، فكذلك آيات أنبيائه. فهذا مما ينبغي أن يعرف. ولكن خاصتها أنها لا تكون إلا مستلزمة لصدق النبي، وصدق الخبر بأنه نبي4، فلا تكون لمن يكذّبه قط.

كرامات الأولياء من آيات الأنبياء الصغرى

ولا يقدر أحدٌ من مكذبي الرسل أن يأتي بمثل آيات الأنبياء، وأمّا

1 هذا ضابط به تميّز الآية من غيرها.

2 في ((خ)) : (يكون) . وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

3 أشار الشيخ رحمه الله تعالى إلى أنواع المعجزات. انظر ما سبق ص 171. وانظر: مجموع الفتاوى 11298-299، 323-324.

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله آيات الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالقدرة والفعل والتأثير، وذكر لها أنواعاً كثيرة، مؤيداً ذلك بكثرة الأمثلة. وقد أطال النفس في سرد ذلك وتوضيحه. انظر الجواب الصحيح 6159-323. وانظر أيضاً قاعدة في المعجزات والكرامات ص 9-21.

4 من خاصة المعجزة.

ص: 865

مصدّقوهم1 فهم معترفون بأن ما يأتون به هو من آيات الأنبياء، مع أنه لا تصل آيات الأتباع إلى مثل آيات المتبوع مطلقاً2، وإن كانوا قد يشاركونه في بعضها؛ كإحياء الموتى، وتكثير الطعام، والشراب3؛ فلا يشركونه في القرآن، وفلق البحر، وانشقاق القمر4؛ لأن الله فضل الأنبياء على غيرهم، وفضل بعض النبيين على بعض. فلا بُد أن يمتاز الفاضل بما لا يقدر المفضول على مثله؛ إذ لو أتى بمثل ما أتى، لكان مثله، لا دونه.

1 أي مصدّقوا أتباع الأنبياء، وهم الأولياء.

2 كما مرّ معنا أنّ كرامات الأولياء هي من آيات الأنبياء الصغرى، لا يصلون إلى الكبرى، وحتى الصغرى تكون من جنس آيات الأنبياء، لكن ليس بالقدر والكيفية. انظر ص 151، 857-860 من هذا الكتاب. وانظر ما سيأتي ص 1219.

3 مرّ معنا فيما سبق. انظر ص 150-151.

4 لأنها من آيات الله الكبرى التي يختص بها الأنبياء.

ص: 866