المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب - النبوات لابن تيمية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌فصل أصول الدين

- ‌فصل الحجة على من أنكر قدرة الله وحكمته

- ‌فصل الدليل هو الآية والبرهان

- ‌فصل الدليل ينقسم إلى قسمين:

- ‌فصل القسم الثاني الدلالة القصدية

- ‌فصل الدليل مستلزم للمدلول

- ‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة

- ‌فصل آيات الأنبياء دليل وبرهان

- ‌فصل الله تعالى سماها آيات وبراهين ولم يسمها معجزات

- ‌فصل خوارق الكهان والسحرة ليست من خوارق العادات وإنما من العجائب الغريبة

- ‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بدّ أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم

- ‌فصل مسمى العادة

- ‌فصل اشتقاق كلمة النبي

- ‌فصل دلالة المعجزة على نبوة النبي

- ‌فصل سنة الله وعادته في الكذاب أن ينتقم منه ويظهر كذبه

- ‌فصل الاستدلال بالحكمة

- ‌فصل حكمة الله وعدله في إرسال الرسل

- ‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب

- ‌فصل آيات الأنبياء يلزم من وجودها وجود الأنبياء

- ‌فصل خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس

الفصل: ‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب

‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب

وأمّا الاستدلال بسنته وعادته، فهو أيضاً طريق برهاني ظاهرٌ لجميع الخلق1.

1 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "انخراق العادات أمر معلوم بالحس والمشاهدة بالجملة، وقد أخبر في غير موضع أنه سبحانه لم يخلق العالم عبثاً وباطلاً، بل لأجل الجزاء، فكان هذا من سنته الجميلة، وهو جزاؤه الناس بأعمالهم في الدار الآخرة؛ كما أخبر به؛ من نصر أوليائه، وعقوبة أعدائه. فبعث الناس للجزاء هو من هذه السنة. وهو لم يُخبر بأن كل عادة لا تُنتقض، بل أخبر عن السنة التي هي عواقب أفعال العباد بإثابة أوليائه، ونصرهم على الأعداء. فهذه هي التي أخبر أنه لن يوجد لها تبديل ولا تحويل، كما قال:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} .

ثمّ قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عند هذه الآية، وهي قوله جل وعلا:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [سورة فاطر، الآية 43] : (وذلك لأنّ العادة تتبع إرادة الفاعل، وإرادة الفاعل الحكيم هي إرادة حكيمة، فتسوي بين المتماثلات، ولن يوجد لهذه السنة تبديل ولا تحويل، وهو إكرام أهل ولايته وطاعته، ونصر رسله والذين آمنوا على المكذبين. فهذه السنة تقتضيها حكمته سبحانه، فلا انتقاض لها، بخلاف ما اقتضت حكمته تغييره، فذاك تغييره من الحكمة أيضاً، ومن سنته التي لا يوجد لها تبديل ولا تحويل، لكن في هذه الآيات ردّ على من يجعله يفعل بمجرد إرادة ترجح أحد المتماثلين بلا مرجّح؛ فإنّ هؤلاء ليس عندهم له سنة لا تتبدّل، ولا حكمة تقصد، وهذا خلاف النصوص والعقول؛ فإنّ السنة تقتضي تماثل الآحاد، وأنّ حكم الشيء حكم نظيره، فيقتضي التسوية بين المتماثلات، وهذا خلاف قولهم) . الرد على المنطقيين ص 391.

ص: 958

وهم متفقون عليه؛ من يقول بالحكمة1؛ ومن يقول بمجرد المشيئة2؛ فإنّه قد علم عادته سبحانه في طلوع الشمس، والقمر، والكواكب، والشهور، والأعوام، وعادته في خلق الإنسان، وغيره من المخلوقات، وعادته فيما عرفه الناس؛ من المطاعم، والمشارب، والأغذية، والأدوية، ولغات الأمم؛ كالعلم بنحو كلام العرب وتصريفه، والعلم بالطب وغير ذلك.

سنة الله في نصر الأنبياء وأتباعهم وإهلاك من كذبهم أو كذب عليهم

كذلك سنته تعالى في الأنبياء الصادقين وأتباعهم، وفيمن كذّبهم، أو كذب عليهم؛ فأولئك ينصرهم ويعزّهم، ويجعل لهم العاقبة المحمودة، والآخرون يهلكهم ويذلهم، ويجعل لهم العاقبة المذمومة3؛ كما فعل [بقوم] 4 نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، وفرعون

1 وهم أهل السنة والجماعة الذين يثبتون الحكمة لله سبحانه وتعالى.

2 وهم من ينفي الحكمة من أمثال الأشاعرة.

3 وقال شيخ الإسلام رحمه الله موضّحاً هذا المعنى: "كذلك سنته في الأنبياء الصادقين، وأتباعهم من المؤمنين، وفي الكذابين والمكذبين بالحقّ: أنّ هؤلاء ينصرهم، ويُبقي لهم لسان صدق في الآخرين، وأولئك ينتقم منهم، ويجعل عليهم اللعنة. فبهذا وأمثاله يُعلم أنه لا يؤيد كذّاباً بمعجزة لا معارض لها؛ لأنّ في ذلك من الفساد والضرر بالعباد ما تمنعه رحمته، وفيه من سوء العاقبة ما تمنعه حكمته، وفيه من نقض سنته المعروفة وعادته المطردة ما تُعلم به مشيئته". شرح الأصفهانية 2615.

فالشيخ رحمه الله يُبيِّن أنّ الطرق كثيرة ومتنوعة في معرفة النبيّ من المتنبئ، والصادق من الكاذب. ومن هذه الطرق ودلائل النبوة على صدقهم: دلالة عاقبة الأنبياء ومتبعيهم، ونصرهم على أعدائهم، وإهلاك الله لمكذّبيهم. ولأهمية هذا الطريق، ودلالته على صدق الأنبياء، أكثر الشيخ رحمه الله من إيراده في كتبه.

انظر: الجواب الصحيح؛ فقد عقد فصلاً كاملاً في ذلك 6387-425. وشرح الأصفهانية 2492-496، 500. وانظر ما سبق في كتاب النبوات، ص: 239-248، 596، 612-617، 618-621، 783-786.

4 ما بين المعقوفتين مكرّر في ((خ)) .

ص: 959

وقومه؛ وكما فعل بمن كذّب محمداً؛ من قومه قريش، ومن سائر العرب، وسائر الأمم غير العرب؛ وكما فعل [بمن] 1 نصر أنبياءه وأتباعهم؛

قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ} 2.

وقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشْهَاد} 3.

وقال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيد وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتهُم الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيب} 4

وقال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قومُ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيتُ للكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِير} 5.

وقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [كَانُوا أَشَدَّ] 6 مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا [السُّوْأَى] 7 أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} 8.

1 في ((خ)) : من. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

2 سورة الصافات، الآيات 171-173.

3 سورة غافر، الآية 51.

4 سورة هود، الآيتان 100-101.

5 سورة الحج، الآية 44.

6 في ((خ)) : كانوا هم أشدّ.

7 رسمت في ((م)) ، و ((ط)) : السوء.

8 سورة الروم، الآيتان 9-10.

ص: 960

وقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ [كَانَ] 1 عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارَاً في الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاق ذَلِكَ [بِأَنَّهُمْ] 2 كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيّ شَدِيدُ العِقَابِ} 3.

وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوه وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب} 4.

وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارَاً في الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ [بِالبَيِّنَاتِ] 5 فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا [بِهِ] 6 يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ [يَكُ] 7 يَنْفَعُهُمْ إِيْمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا] 8 سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُون} 9.

وقال تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيَّاً وَلا

1 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.

2 في ((خ)) : بأنه.

3 سورة غافر، الآيتان 21-22.

4 سورة غافر، الآية 5.

5 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

6 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) .

7 في ((خ)) رسمت: يكن.

8 ما بين المعقوفتين مكرّر في ((خ)) .

9 سورة غافر، الآيات 82-85.

ص: 961

نَصِيراً سُنَّة اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً} 1.

وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَاّ نُفُورَاً اسْتِكْبَارَاً في الأَرْضِ وَمَكْر السَّيِّءِ وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلَاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً} 2.

وقال تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذَاً لا يَلْبَثُونَ [خِلافَكَ] 3 إِلَاّ قَلِيلاً} 4.

[وقال تعالى] 5: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَن الَّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذَاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئَاً قَلِيلاً إِذَاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينَا نَصِيرَاً} 6.

وقد قيل: آية الحاقة7، وآية الشورى8 تُبيِّن أنه لو افترى عليه [لعاقبه9] 10، فهذه سنته في الكاذبين.

1 سورة الفتح، الآيتان 22-23.

2 سورة فاطر، الآيات 42-43.

3 في ((خ)) : خلفك.

4 سورة الإسراء، الآية 76.

5 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .

6 سورة الإسراء، الآيات 73-75.

7 قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [سورة الحاقة، الآيات 44-47] .

8 قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة الشورى، الآية 24] .

9 انظر تفسير ابن كثير 4114-117.

10 في ((ط)) : لعاقبة.

ص: 962

وحقيقة الاستدلال بسنته وعادته: هو اعتبار الشيء بنظيره؛ وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين؛ وهو الاعتبار المأمور به في القرآن؛ كقوله تعالى:{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقَاتِلُ في سَبِيل اللهِ وَأُخْرَى كَافِرةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَينِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولِي الأَبْصار} 1، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولي الأَبْصَار} 2، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرة لأُولي الأَلْبَابِ} 3.

وإنما تكون العبرة [به] 4 بالقياس والتمثيل؛ كما قال ابن عباس في دية الأصابع: هنّ سواء5، واعتبروها بدية الأسنان.

1 سورة آل عمران، الآية 13.

2 سورة الحشر، الآية 2.

3 سورة يوسف، الآية 111.

4 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.

5 أخرجه عن ابن عباس: البيهقي في السنن الكبرى 893، كتاب الديات، باب الأصابع كلها سواء. وأخرجه أبو داود عن ابن عباس يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء". سنن أبي داود 2494، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.

وأخرجه البخاري في صحيحه - مختصراً - 62526-2527، كتاب الديات، باب دية الأصابع. والترمذي في جامعه 413-14، كتاب الديات، باب ما جاء في دية الأصابع. وابن ماجه في سننه 2885، كتاب الديات، باب دية الأسنان ودية الأصابع. والدارمي في سننه 2194، كتاب الديات، باب في دية الأصابع. وانظر المغني لابن قدامة 12132، 148-151.

ص: 963

فإذا عرفت قصص الأنبياء، ومن اتبعهم، ومن كذَّبهم، وأنَّ متبعيهم كان لهم النجاة [والعاقبة] 1 والنصر والسعادة، [ولمكذّبهم] 2 الهلاك والبوار، جعل الأمر في المستقبل مثلما كان في الماضي؛ فعلم أنّ من صدّقهم كان سعيداً، ومن كذَّبهم كان شقياً. وهذه [سنة الله] 3 وعادته.

ولهذا يقول سبحانه في تحقيق عادته وسنته، وأنه لا ينقضها ولا يبدلها:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ في الزُّبُر} 4؛ يقول: فإذا لم يكونوا خيراً منهم، فكيف ينجون من العذاب، مع مماثلتهم لهم، هذا بطريق الاعتبار والقياس، ثم قال:{أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} : أي معكم خبر من الله بأنه لا يعذبكم؟؛ فنفى الدليلين: العقلي، والسمعي، ثم ذكر قولهم: نحن جميعٌ منتصر، وإنَّا نغلب من يغالبنا، فقال تعالى:{سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر} 5، وهذا ممّا [أنبأ به] 6 من الغيب في حال ضعف الإسلام، واستبعاد عامة الناس ذلك7، ثم كان كما أخبر.

1 في ((م)) ، و ((ط)) : العافية.

2 في ((م)) ، و ((ط)) : ولمكذّبيهم.

3 في ((خ)) : الله سنة - تقديم وتأخير -. والمثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

4 سورة القمر، الآية 43.

5 سورة القمر، الآية 45.

6 في ((م)) ، و ((ط)) : أنبأه.

7 نقل الطبري بسنده عن عكرمة أن عمر قال: لما نزلت: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} جعلتُ أقول: أيّ جمع سيهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} تفسير الطبري 27108.

وكذلك نقله ابن كثير عن ابن أبي حاتم بسنده إلى عكرمة، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال في آخره: فعرفت تأويلها يومئذ. تفسير ابن كثير 4266.

وروى البخاري في صحيحه عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ قالت: (لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} . صحيح البخاري 41846، كتاب التفسير، باب:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} .

ص: 964

وقد قال للمؤمنين في تحقيق سنته وعادته: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب} 1، وقال لمحمد:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} 2، وقال:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} 3، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَة كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} 4.

وفي الصحيحين: عن [أبي هريرة] 5 [رضي الله عنه] 6، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لتركبنّ سُنَنَ من كان قبلكم حذو القذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: نعم"7.

1 سورة البقرة، الآية 214.

2 سورة فصلت، الآية 43.

3 سورة الذاريات، الآيتان 52-53.

4 سورة البقرة، الآية 119.

5 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

6 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((ط)) . وفي ((م)) : صلى الله عليه وسلم.

7 الحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما 31274، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. مع اختلاف في ألفاظه.

وكذلك أخرجه في 62669، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم".

وأخرجه مسلم 42054، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.

وابن ماجه في سننه 21422، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم. وأحمد في المسند 2327، 450، 511، 527، 384، 89، 94.

ص: 965

وفي الصحيحين: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليأخذن أمتي ما أخذ الأمم قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع. قالوا: يا رسول الله! فارس والروم؟ قال: ومن النَّاس إلا هؤلاء"1.

وفي السنن: لما قال له بعض أصحابه: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: الله أكبر قلتم كما قال [قوم] 2 موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. ثم قال: إنه السنن لتركبن سنن من كان قبلكم"3.

وقال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} 4.

ولهذا احتج من احتج بسنة الله وعادته في مكذبي الرسل5؛ كقول

1 أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، 62669، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم"، مع اختلاف في الألفاظ.

وأخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 42054، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.

2 ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.

3 أخرجه الترمذي في جامعه 4475، كتاب الفتن، باب ما جاء:"لتركبن سنن من كان قبلكم"، وقال: حسن صحيح. وأحمد في المسند5218. وابن حبان (الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 8248) . والحاكم في المستدرك 4455، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي.

4 سورة آل عمران، الآية 137.

5 كأنّ الشيخ رحمه الله يُشير إلى احتجاج عثمان بن عفان رضي الله عنه بهذه الآية؛ وهو ما أورده ابن كثير عن ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن أبي ليلى الكندي، قال: كنت مع مولاي أمسك دابته، وأحاط الناس بعثمان بن عفان إذ أشرف علينا من داره فقال:{وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} ، يا قوم لا تقتلوني، إنكم إن قتلتموني كنتم هكذا. وشبّك بين أصابعه. تفسير ابن كثير 2457.

ص: 966

شعيب: {ويَا قَوم لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَومَ صَالِح وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيد} 1.

وقال مؤمن آل فرعون: {يَا قَومِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ مِثْلَ دَأبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمَاً لِلْعِبَاد} 2.

وقال تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} 3.

معنى الدأب

والدأب: العادة في ثلاثة مواضع4، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَاب} 5.

قال ابن قتيبة6 وغيره7: الدأب: العادة، ومعناه: كعادة آل فرعون، يريد كفر اليهود8 كلّ فريق بنبيّهم.

1 سورة هود، الآية 89.

2 سورة غافر، الآيتان 30-31.

3 سورة آل عمران، الآية 11. وكذلك سورة الأنفال في الآيتين 52، 54.

4 في سورة آل عمران، الآية 10، وفي سورة الأنفال، الآيتان 52، 54، وفي سورة غافر، الآية 31.

5 سورة آل عمران، الآيتان 10-11.

6 هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد. من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد، وسكن الكوفة، ثم ولي قضاء الدينور مدة، فنسب إليها، وتوفي ببغداد. وله كتب كثيرة مثل: تأويل مختلف الحديث، وعيون الأخبار، ومشكل القرآن، وتفسير غريب القرآن. ولد سنة 213، وتوفي سنة 276 ?. انظر: سير أعلام النبلاء 13296. والأعلام 4137.

7 قال ابن الأنباري: والكاف في {كدأب} : متعلقة بفعل مضمر، كأنه قال: كفرت اليهود ككفر آل فرعون. زاد المسير 1355.

8 زاد المسير 1355. وقال ابن قتيبة بعد هذه العبارة: ككفر من قبلهم. وهذا المعنى الأول.

ص: 967

وقال الزجاج1: هو الاجتهاد، معناه: أي دأب هؤلاء، وهو اجتهادهم في كفرهم وتظاهرهم على النبي، كتظاهر آل فرعون على موسى2.

وقال عطاء3، والكسائي4، وأبو عبيدة5: كسنّة آل فرعون6.

1 هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السري الزجاج البغدادي الإمام، نحوي زمانه. له تآليف جمة، وكان من ندماء المعتضد، ومن أهل الفضل والدين المتين. توفي سنة 311 ?. انظر: الفهرست 90-91. وتاريخ العلماء النحويين ص 38-40. وسير أعلام النبلاء 14360.

2 انظر زاد المسير 1355، وهذا المعنى الثاني.

3 هو عطاء بن أبي رباح القرشي، مولاهم. من كبار التابعين، كان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث. نشأ بمكة، وفاق أهلها في الفتوى. توفي سنة 114 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 578-88. والبداية والنهاية 9306-309. وتهذيب التهذيب 7199-203. والأعلام 4235.

4 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي. شيخ القراءة والعربية. كان من أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وهو مؤدب الرشيد وابنه الأمين. توفي سنة 189 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 9131-134. وتهذيب التهذيب 7313-314. وشذرات الذهب 1321. والأعلام 4283.

5 هو معمر بن المثنى التميمي، مولاهم البصري. الإمام، العلامة، البحر، النحوي، صاحب التصانيف. ولم يكن صاحب حديث، وإنما له علم باللسان وأيام الناس. قال عنه الجاحظ:(لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه، وكان أباضياً شعوبياً) توفي سنة 209، أو 210 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 9445-447. وتهذيب التهذيب 10246-248. وشذرات الذهب 224-25. والأعلام 7272.

6 انظر: تفسير البغوي 1281. وتفسير ابن عطية 890-91.

ص: 968

وقال النضر بن شميل1: "كعادة آل فرعون2؛ يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسل وجحود الحق كعادة آل فرعون".

وقال طائفة3: "نظم الآية: إنّ الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم عند حلول النقمة والعقوبة، مثل آل فرعون، وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم".

وفي تفسير أبي روق4: عن الضحاك5، عن ابن عباس:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} : قال: كصنيع آل فرعون6.

1 هو النضر بن شميل بن خَرَشَة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن. أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة. ولد بمرو، وانتقل إلى البصرة مع أبيه سنة 128 وأصله منها، فأقام زمناً، وعاد إلى مرو، فولي قضاءها، واتصل بالمأمون، فأكرمه وقربه، وتوفي بمرو. له كتب، منها: الصفات في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم والطير والكواكب والزروع. توفي سنة 203 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 9328. والأعلام 833.

2 انظر: تفسير البغوي 1281.

3 انظر: تفسير الطبري 3190. وتفسير ابن كثير 1349.

4 عطية بن الحارث، أبو روق الهمداني الكوفي، صاحب التفسير، صدوق، من الخامسة. تقريب التهذيب 1677.

5 هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد صاحب التفسير. كان من أوعية العلم، وليس بالمجود لحديثه. وهو صدوق في نفسه. توفي سنة 102?، وقيل: بعدها.

انظر: سير أعلام النبلاء 4589-600. وتهذيب التهذيب 4453-454. والبداية والنهاية 9223. وشذرات الذهب 1124-125. والأعلام 3215.

6 انظر: تفسير الطبري3190. وتفسير البغوي 1281. وتفسير ابن كثير 1349 وفتح القدير 1322.

ص: 969

قال ابن أبي [حاتم] 1: وروي عن مجاهد، والضحاك، وأبي مالك، وعكرمة، نحو ذلك2.

قال: وروي عن الربيع بن أنس3 كشبه آل فرعون4.

وعن السدي قال: ذكر الذين كفروا كمثل الذين من قبلهم في [التكذيب] 5 والجحود6.

قلت: فهؤلاء جعلوا الشبيه في العمل؛ فإن لفظ الدأب يدلّ عليه:

قال الجوهري7: دأب فلان في عمله، أي: جدَّ، وتعب دَأْبَاً ودُؤوباً، فهو دَئِبٌ. وأدأبتُه أنا. والدائبان: الليل والنهار. قال: والدَّأْبُ يعني بالتسكين: العادة والشأن، وقد يُحَرَّكُ8.

1 في ((ط)) : حاحم.

2 انظر: تفسير الطبري3190. وتفسير البغوي 1281. وتفسير ابن كثير 1349 وفتح القدير 1322.

3 هو الربيع بن أنس بن أبي زياد البكري الخراساني المروزي. كان عالم مرو في زمانه، وقد سجن ثلاثين سنة. توفي سنة 139 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 6169-170. وتهذيب التهذيب 3238-239.

4 انظر: تفسير الطبري 3190. وتفسير ابن كثير 1349. وفتح القدير 1322.

5 في ((ط)) : اتكذيب.

6 تفسير الطبري 3190-191.

7 هو إسماعيل بن حماد التركي الجوهري، أبو نصر. إمام اللغة. كان يحب الأسفار والتغريب. مات متردياً من سطح داره سنة 393 ? لأنه حاول الطيران، وصنع جناحين من خشب، وصعد داره، فخانه اختراعه، فسقط إلى الأرض قتيلاً.

انظر: سير أعلام النبلاء 1780-82. ولسان الميزان 1400-402. وشذرات الذهب 3142-143. والأعلام 1313.

8 انظر الصحاح للجوهري 1123-124.

ص: 970

قال الفراء1: أصله من دأبت، إلا أن العرب حوّلت معناه إلى الشأن2.

قلت: الزَّجَّاج جعل ما في القرآن من الدأب، الذي هو الاجتهاد3. والصواب: ما قاله الجمهور؛ أنَّ الدأب - بالتسكين -: هو العادة، وهو غير الدأب بالتحريك؛ إذا زاد اللفظ زاد المعنى، والذي في القرآن مُسَكَّنٌ، ما علمنا أحداً قرأه بالتحريك، وهذا معروف في اللغة؛ يقال: فلانٌ دَأْبُهُ كذا وكذا: أي هذا عادته وعمله اللازم له، وإن لم يكن في ذلك تعبٌ واجتهاد، ومنه قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 4، والدائب نظير الدائم، والباء والميم متقاربتان؛ ومنه: اللازب واللازم. قال ابن عطية5: "دائبين، أي: متماديين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى وأجهش إليه: "إنَّ هذا الجمل شكى إلي أنك تُجيعه وتُدئبُه6"7؛ أي

1 هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسدي، مولاهم الكوفي، النحوي العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا. له مشاركات في علوم كثيرة. توفي سنة 207 ?. انظر: سير أعلام النبلاء 10118-121. والبداية والنهاية 10261. وتهذيب التهذيب 11212-213. والأعلام 8145-146.

2 انظر: الصحاح للجوهري1123-124. ولسان العرب1369. وانظر: تفسير الطبري 3191 - ونقله عن السدي -. والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 295.

3 انظر: زاد المسير 1355. وانظر ما سبق، ص 1185 من هذا الكتاب.

4 سورة إبراهيم، الآية 33.

5 هو أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي. كان إماماً في الفقه وفي التفسير وفي العربية، قوي المشاركة، ذكياً فطناً مدركاً، من أوعية العلم. ولد سنة 480 هـ. وتوفي سنة 541 هـ، وقيل: 542 هـ. سير أعلام النبلاء 19587-588.

6 في تفسير ابن عطية: وتديبه.

وقال ابن الأثير عند شرح غريب هذا الحديث: "أي تكده وتتعبه، دأبَ يدأبُ دأباً ودُؤوباً وأدأبته أنا". النهاية في غريب الحديث 295.

7 أخرجه الإمام أحمد في المسند 1204، وكذلك في ص 205. وأبو داود في سننه 349-50، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم.

ص: 971

تديمه في العمل [له] 1 والخدمة2". قال3: "وظاهر الآية أن معناه دائبين في الطلوع والغروب، وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثيرة4"5.

قال6: "وحكى الطبري عن مقاتل بن حيان يرفعه إلى ابن عباس أنه قال: معناه دائبين في طاعة الله"7.

قال8: "وهذا قول إن كان يراد به أن الطاعة: [انقيادهما للتسخير] 9، فذلك موجود في [طاعة] 10 قوله: [و] 11 {سخَّر} . وإن كان يراد أنها طاعة [مقدورة] 12، كطاعة العبادة من البشر، فهذا [بعيد] 13"14.

1 في ((خ)) : والشرك. بدلاً من: له. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

2 في تفسير ابن عطية: في الخدمة والعمل.

3 يعني ابن عطية في تفسيره.

4 في تفسير ابن عطية: كثرة.

5 تفسير ابن عطية 1086.

6 القائل هو ابن عطية.

7 تفسير ابن عطية 1086. وانظر تفسير الطبري 13225.

8 القائل هو ابن عطية.

9 في تفسير ابن عطية: انقيادٌ منهما في التسخير.

10 ما بين المعقوفتين لا يُوجد في تفسير ابن عطية. وحذفه أولى.

11 لا توجد الواو في تفسير ابن عطية.

12 في تفسير ابن عطية: مقصودة.

13 في تفسير ابن عطية: جيد. وقال محققه: "وفي نسخة: بدل جيد: بعيد. وهذا ما تقتضيه المقابلة، فلعل في هذه النسخة تصحيفاً".

14 تفسير ابن عطية 1086.

ص: 972

قلت1: ليس هذا ببعيد، بل عليه دلت الأدلة الكثيرة، كما هو مذكور في مواضع2.

وقالت طائفة، منهم البغوي: وهذا لفظه دائبين يجريان فيما يعود إلى مصالح [عباد] 3 الله لا يفتران.

قال ابن عباس: دؤوبهما في طاعة الله4.

ولفظ أبي الفرج: "دائبين في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، لا يفتران. قال: ومعنى الدؤوب: مرور [الشيء على] 5 عادة جارية فيه"6.

قلت: وإذا كان دأبهم هو عادتهم وعملهم الذي كانوا مصرين عليه، فالمقصود أن هؤلاء أشبهوهم في العمل، فيشبهونهم في الجزاء، فيحيق بهم ما حاق بأولئك. هذا هو المقصود ليس المقصود التشبيه في [الجزاء كقوله] 7: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً

1 القائل هو شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

2 قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [سورة الحج، الآية 18] .

وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدري أين تذهب هذه الشمس"؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر، فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت". الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير، باب في تفسير قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، حديث رقم 4428. ومسلم في صحيحه 1138-139، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان.

3 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .

4 انظر تفسير البغوي 336.

5 في ((خ)) : الشيء في على. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

6 زاد المسير 4364.

7 في ((خ)) : الجزاء مقصود كقوله. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

ص: 973

وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار [كَدَأْبِ] 1 آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَاب} 2؛ أي فهؤلاء لا [تدفع] 3 عنهم أموالهم وأولادهم عذاب الله إذ جاءهم، كدأب آل فرعون.

وكذلك قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيق ذَلكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ للعَبِيد} 4، [إلى قوله:] 5 {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} 6. فهذا كله يقتضي التشبيه في العذاب.

وأما الطائفة الأخرى: فجعلوا الدأب نفس فعل الرب بهم، وعقوبته لهم:

قال مكي بن أبي طالب7: "الكاف [في] 8 (كدأب) في [مواضع] 9

1 في ((خ)) رسمت: كذاب.

2 سورة آل عمران، الآيتان 10-11.

3 في ((خ)) : يدفع. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

4 سورة الأنفال، الآيتان 50-51.

5 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .

6 سورة الأنفال، الآية 54.

7 مكي بن أبي طالب، حموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي، أبو محمد. مقرئ، عالم بالتفسير والعربية، من أهل القيروان. ولد فيها، وطاف في بعض بلاد المشرق، ثم سكن قرطبة، وخطب وأقرأ بجامعها، وتوفي فيها. له كتب كثيرة، منها: مشكل إعراب القرآن، والكشف عن وجوه القراءات وعللها. ولد سنة 355، وتوفي سنة 437 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 17591. والأعلام 7286.

8 في زاد المسير: من.

9 في زاد المسير: موضع.

ص: 974

نصب نعت لمحذوف تقديره: [غيّرناهم] 1 [كما] 2 غيّروا تغييراً، مثل عادتنا في آل فرعون. ومثلها الآية الأولى، إِلَاّ أنّ الأولى للعادة في العذاب، تقديره: فعلنا بهم ذلك فعلاً مثل عادتنا في آل فرعون"3.

وقد جمع بعضهم بين المعنيين، فقال أبو الفرج:" {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} : أي كعادتهم، والمعنى: [كذّب هؤلاء كما] 4 كذَّب أولئك، فنزل بهم العذاب، كما نزل بأولئك"5.

قلت: الدأب: العادة، وهو مصدر يُضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول أخرى، فإذا أضيف إلى الفاعل، كان المعنى: كفعل آل فرعون، وإذا أضيف إلى المفعول، كان المعنى: كعادتهم في العذاب والمصائب التي نزلت بهم؛ يقال: [هذه] 6 عادة هؤلاء لما فعلوه، ولما يصيبهم، وهي عادة الرب وسنته فيهم.

والتحقيق: أنّ اللفظ يتناول الأمرين [جميعاً]7.

وقد تقدم عن الفراء والجوهري: أنَّ الدأب: العادة والشأن8، وهذا كقوله:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِين} 9:

1 في زاد المسير: غيّرنا بهم.

2 في زاد المسير: لمّا.

3 زاد المسير 3371.

4 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . وهو من زاد المسير.

5 زاد المسير 3371.

6 في ((ط)) : هذا.

7 ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

8 انظر: الصحاح للجوهري 1123.

9 سورة آل عمران، الآية 137.

ص: 975

روى ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن مجاهد: " {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} : [من] 1 الكفار، والمؤمنين [في] 2 الخير والشر"3.

وعن أبي إسحاق4: "أي: قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك [بي] 5 عاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين، [فَرُؤُوا6 مثلات] 7 قد مضت [مني] 8 فيهم" 9؛ فقد فسّرت السنن: بأعمالهم وبجزائهم.

قال البغوي: "معنى الآية: قد مضت، وسلفت مني [سنن] 10 فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي [واستدراجي] 11 إياهم، حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم وإدالة أنبيائي [عليهم] 12، {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} : أي

1 في تفسير الطبري: في.

2 في تفسير الطبري: و.

3 تفسير الطبري 4100. وانظر: تفسير البغوي 1354.

4 هو عمرو بن عبد الله، من بني ذي يحمر بن السبيع، الهمداني الكوفي، أبو إسحاق السبيعي. من أعلام التابعين الثقات. كان شيخ الكوفة في عصره. أدرك علياً، ورآه يخطب، وقال: رأيته أبيض الرأس واللحية. وكان من الغزاة المشاركين في الفتوح. عمي في كبره. ولد سنة 33، وتوفي سنة 127 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء 5392. والأعلام 581.

5 في تفسير الطبري: في.

6 في ((م)) ، و ((ط)) : فروا.

7 في تفسير الطبري: (فسيروا في الأرض تروا مثلات) .

8 ما بين المعقوفتين ليس في تفسير الطبري.

9 تفسير الطبري 4100.

10 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . وهو في تفسير البغوي.

11 في ((ط)) : واستندراجي.

12 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . وهو في تفسير البغوي.

ص: 976

[آخر] 1 المكذبين [منهم]2. قال: وهذا في [حزب واحد] 3، يقول [عز وجل] 4: فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي [أجلت من] 5 نصرة النبي [صلى الله عليه وسلم] 6 وأوليائه، وهلاك أعدائه) 7.

قلت: ونظير هذا: قوله تعالى: { [أَفَلَمْ] 8 يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكون لَهُمْ قُلُوبٌ [يَعْقِلُونَ] 9 بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُور} 10، وقوله:{أَوَ لَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ [كَانُوا] 11 أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 12، وقوله في الآية الأخرى: {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارَاً في الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا

1 عند البغوي: اخرنا من.

2 ما بين المعقوفتين ليس في تفسير البغوي.

3 عند البغوي: حرب أحد.

4 ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . وهو في تفسير البغوي.

5 عند البغوي: أجلته في.

6 زيادة من تفسير البغوي.

7 تفسير البغوي 1354.

8 في ((خ)) : أو لم.

9 في ((خ)) : يعللون.

10 سورة الحج، الآية 46.

11 ما بين المعقوفتين ساقط من ((م)) ، و ((ط)) .

12 سورة الروم، الآية 9.

ص: 977

رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيْمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُون} 1.

فهذا كلّه يُبيِّن أن سنة الله وعادته مطردة، لا تنتقض في إكرام مصدقي الرسل، وإهانة مكذّبيهم2.

1 سورة غافر، الآيات 82-85.

2 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يردّ على الفلاسفة في علومهم الفلسفية، مبيّناً أن العاديات التي هي عامة علومهم الكلية منتقضة. أما سنة الله سبحانه وتعالى فلا تنتقض بحال من الأحوال، يقول رحمه الله:"ولكن العادة التي لا تنتقض بحال: ما أخبر الله أنها لا تنتقض، كقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب، 60-62] . وقال: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح، 22-23] . وقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر، 42-43] . فهذه سنة الله وعادته في نصر عباده المؤمنين إذا قاموا بالواجب على الكافرين، وانتقامه وعقوبته للكافرين الذين بلغتهم الرسل بعذاب من عنده أو بأيدي المؤمنين هي سنة الله التي لا توجد منتقضة قط. ولما قال قبل هذا: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب، 38] لم يقل هنا ولن تجد؛ لأن هذه سنة شرعية لا ترى بالمشاهدة، بل تعلم بالوحي بخلاف نصره للمؤمنين، وعقوبته للمنذَرين، فإنه أمر مشاهد، فلن يوجد منتقضاً". الرد على المنطقيين ص 390.

ص: 978