المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة - النبوات لابن تيمية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌فصل أصول الدين

- ‌فصل الحجة على من أنكر قدرة الله وحكمته

- ‌فصل الدليل هو الآية والبرهان

- ‌فصل الدليل ينقسم إلى قسمين:

- ‌فصل القسم الثاني الدلالة القصدية

- ‌فصل الدليل مستلزم للمدلول

- ‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة

- ‌فصل آيات الأنبياء دليل وبرهان

- ‌فصل الله تعالى سماها آيات وبراهين ولم يسمها معجزات

- ‌فصل خوارق الكهان والسحرة ليست من خوارق العادات وإنما من العجائب الغريبة

- ‌فصل الذين سموا آيات الأنبياء خوارق لا بدّ أن يخصوا ذلك بالأنبياء دون غيرهم

- ‌فصل مسمى العادة

- ‌فصل اشتقاق كلمة النبي

- ‌فصل دلالة المعجزة على نبوة النبي

- ‌فصل سنة الله وعادته في الكذاب أن ينتقم منه ويظهر كذبه

- ‌فصل الاستدلال بالحكمة

- ‌فصل حكمة الله وعدله في إرسال الرسل

- ‌فصل الاستدلال بسنة الله وعادته في معرفة النبي الصادق من المتنبئ الكاذب

- ‌فصل آيات الأنبياء يلزم من وجودها وجود الأنبياء

- ‌فصل خوارق السحرة والكهان مناقضة للنبوة ولا تخرج عن مقدور الجن والإنس

الفصل: ‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة

‌فصل الله سبحانه دل عباده بالدلالة العيانية والدلالات المسموعة

والله سبحانه دلّ عباده بالدلالات العيانية المشهودة، والدلالات المسموعة1؛ وهي كلامه. لكنّ عامّتهم تعذَّر عليهم أن يسمعوا كلامه منه، فأرسل إليهم بكلامه رسلاً، وأنزل إليهم كتباً.

والمخلوق إذا قصد إعلام من يتعذَّر أن يسمع منه، أرسل إليه رسلاً، وكتب إليه كتباً؛ كما يفعل الناس؛ ولاة الأمور، وغيرهم: يُرسلون إلى من بَعُد عنهم رسولاً، ويكتبون إليه كتباً.

1 سبق أن بيّن شيخ الإسلام رحمه الله قبل ذلك أنّ آيات الله الكونية الفعليّة؛ مثل: المعجزات، والقولية؛ مثل القرآن الكريم. انظر ص 792 من هذا الكتاب.

ص: 777

ثم إنّه سبحانه جعل مع الرسل آيات؛ [هنّ] 1 علامات وبراهين؛ هي أفعال يفعلها مع الرسل، يخصُّهم بها، لا [توجد] 2 لغيرهم؛ فيعلم العباد - لاختصاصهم بها - أنّ ذلك إعلام منه للعباد، وإخبار لهم أنّ هؤلاء رسلي؛ كما يُعلّمهم بكلامه المسموع منه، ومن رسوله.

ولهذا قد يعلم برسالة رسول بإخبار رسولٍ أخبر عنه3. وقد يُخبر عن إرساله بكلامه، لمن سمع كلامه منه؛ كما أخبر موسى، وغيره بالوحي الذي يوحيه إليهم.

تعريف المعجزة عند شيخ الإسلام

فآيات الأنبياء هي علامات وبراهين من الله، [تتضمّن] 4 إعلام الله لعباده وإخباره. [فالدليل] 5؛ وهو الآية، والعلامة: لا تدل إلا إذا كان مختصّاً بالمدلول عليه، مستلزماً له؛ إمّا مساوٍ له، وإما أخصّ منه، لا يكون أعمّ منه غير مستلزم له، فلا يتصوّر أن يوجد الدليل بدون المدلول عليه.

فالآيات التي أعلم الله بها رسالة رسله، وصدّقهم، لا بُدّ أن تكون مختصةً بهم، مستلزمةً لصدقهم؛ فإنّ الإعلام والإخبار بأنّ هذا رسول، وتصديقه في قوله: إنّ الله أرسلني، لا يُتصوّر أن يوجد لغير رسول.

1 في ((ط)) : هي.

2 في ((م)) ، و ((ط)) : يوجد.

3 ومن ذلك إخبار عيسى عليه الصلاة والسلام بنبوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} . [سورة الصف، الآية 6] .

4 في ((خ)) : يتضمّن. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

5 في ((خ)) : الدليل. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

ص: 778

والآيات التي جعلها الله علامات: هي إعلامٌ بالفعل الذي قد يكون أقوى من القول، فلا يُتصوّر أن تكون آيات الرسل إلا دالّة على صدقهم، ومدلولها أنّهم صادقون، لا يجوز أن توجد بدون صدق الرسل البتة.

وكون الرب أراد بها إعلام عباده بصدقهم، وصدَّقهم بها في إخبارهم أنه [أرسلهم] 1، وكونها آية وعلامة على صدقهم: أمرٌ يُعلم؛ كما [تعلم] 2 دلالة سائر الأدلة؛ كما يَعْلَمُ [مِنَ] 3 [الرَّجُلِ أصدقاؤُهُ] 4، ووكلاؤه أنّه [أرسل] 5 هذا بهذه العلامات؛ فتارة يعلم ذلك بالضرورة بعد تصور الأمر، وتارة يحتاج إلى نظر: هل هذه العلامة منه، أو من غيره؟ وهل هو أرسله بها، أو غيره؟ وهل قصد بها الإعلام، [والتصديق، أم لا] 6؟ وهل يعلم من حال الذاكر أنّه أرسله أنّه صادق؟ فقد يُرسل من يعلمون هم صدقه، وأنّه لا يكذب؛ فيعلمون صدقه بمجرّد قوله: هو أرسلني، من غير آية، ولا علامة.

ولهذا إذا قال مَنْ صَدَّقه: إنّه رأى رؤيا: صدّقه، وجزم بصدقه من قد خَبَرَ7 صدقه. والرؤ يا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوّة8.

1 في ((ط)) : أرسلها.

2 في ((خ)) : يعلم. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

3 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .

4 في ((خ)) : الرجل وأصدقاؤه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

5 في ((خ)) : أرسله. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

6 في ((خ)) : والتصديق أو لا؟ وتارة يحتاج إلى نظر: هل هذه العلامة منه، أو من غيره؟ وفيها تكرار لجملة سابقة، وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

7 عَرَفَ.

8 يُشير إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة".. الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 62562، كتاب التعبير، باب رؤيا الصالحين. ومسلم في صحيحه 41773، كتاب الرؤيا. وأحمد في المسند 218، 50، 229. وانظر كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12390) على هذا الحديث.

ص: 779

وكذلك لو أخبر بغير ذلك؛ كما أخبر عمران بن حصين1 أنّ الملائكة تسلم عليه2، فلم يشكّ الذين أخبرهم في صدقه، من غير آية.

فمن كان يعلم صدق موسى، والمسيح، ومحمد، وغيرهم، وأنّهم لا يكذبون في أخفّ الأمور، فكيف بالكذب على الله؟ إذا أخبرهم أحدهم بما جاءه من الوحي والرسالة، وما غاب من الملائكة؛ فإنّه قد يجزم بصدقه، من غير آية، لا سيما إن كان ما يقوله لهم مما يؤيّد صدقه.

ولهذا لم يكن من شرط الإيمان بالأنبياء وجود الآيات، بل قد يعلم صدقهم بدون ذلك؛ كما قد بُيِّن في موضعٍ آخر3.

وتارة يحتاجون إلى العلامة، وتارة يعلمون كذبه بأن يذكر عن صاحبهم ما يعلمون هم خلافه، ويصفه بما علموا نقيضه. وقد يظهر لهم من قصده أنّه كذّاب، ملبِّس، طالب أغراض له؛ إمّا مال يعطونه، أو ولاية يولّونه، أو

1 هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد. أسلم عام خيبر، وروى أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضلاء الصحابة. تحوّل إلى البصرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي قضاءها، وكان يُفقّه أهلها. وكان مجاب الدعوة. ولما حصلت الفتنة اعتزلها. توفي في البصرة سنة 52 ?.

انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2508. والأعلام للزركلي 570.

2 ابن الجوزي صفة الصفوة 1681، وابن الأثير في أسد الغابة رقم (796) ص 548. انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص 301.

3 سبق ذلك مراراً في كتب شيخ الإسلام رحمه الله؛ سيما كتابه النبوات؛ فقد ذكر فيه رحمه الله طرقاً كثيرة في الدلالة على صدق الأنبياء، غير طريق المعجزة. وانظر: الجواب الصحيح 56.

ص: 780

امرأة يزوجونه بها، أو غير ذلك من أغراض النفوس؛ فيسألونه عن مقصوده، فإذا عرفوا مقصوده، فقد يعلمون كذبه أو صدقه.

ومثل هذا كثيرٌ في عادات الناس؛ فكثيراً ما يجيء الرجل بما يزعم أنّه علامة، وتكون مشتركة1. فيقال له: ما تريد؟ فيذكر مراده، فيعلمون كذبه.

فدلائل الصدق والكذب لا تنحصر كدلائل الحب والبغض، هي كثيرة جداً، وهذا يعرفه من جرَّب عادات الناس.

1 يأتي بها النبيّ، وغير النبيّ.

ص: 781