الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل آيات الأنبياء يلزم من وجودها وجود الأنبياء
آيات الأنبياء كما قد عُرف1 هي مستلزمة لثبوت النبوة، وصدق المخبر بها، والشاهد بها؛ فيلزم من وجودها وجود النبوة، وصدق المخبر بها، ويمتنع أن تكون مع التكذيب بها، وكذب المخبر بها؛ فلا يجوز وجودها لمن كذّب الأنبياء، ولا لمن أقرّ بنبوة كذّاب؛ سواء كان هو نفسه المدعي للنبوة، أو ادعى نبوّة غيره.
وهذان الصنفان هما المذكوران في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قَال أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ الله} 2.
وهؤلاء كلهم من أظلم الكاذبين، كما قال:{فَمَنْ أَظْلَم مِمَّن كَذبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوَى للكَافِرِين} 3، ثم قال:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلئِكَ هُمُ المُتَّقُون} 4.
فالمخبر بالنبوّة مع ثبوتها هو الذي جاء بالصدق وصدّق به، والمخبر بها مع انتفائها هو الذي كذب على الله، والمكذّب بها مع ثبوتها هو الذي كذّب بالحق لما جاءه.
1 انظر ما سبق في هذا الكتاب: ص 187، 249، 869، 886، 897، 898، 929، 942، 989، 1064، 1095.
2 سورة الأنعام، الآية 93.
3 سورة الزمر، الآية 32.
4 سورة الزمر، الآية 33.
الدليل مستلزم للمدلول
فدلائل النبوة هي مستلزمة لصدق من أثبت نبوة هي نبوّة حق، يمتنع أن تكون لمن نفى هذه، أو أثبت نبوّة ليست بنبوة.
وكذلك كل دليل على إثبات الصانع، دلّ على صدق المؤمنين به، المخبرين بما دل عليه الدليل، وعلى كذب من نفى ذلك.
ويمتنع أن تكون تلك الأدلة دالّة على نفي ذلك، أو على صدق الخبر بنفي ذلك، أو على صدق من جعل صفات الرب ثابتة لغيره.
وما دلّ على أن هذه الدار ملك لزيد، يدلّ على صدق المخبر بذلك، وكذب النافي له، ويمتنع أن يدل مع انتفاء الملك.
وما دلّ على علم شخص وعدله، فإنه مستلزم لذلك، ولصدق المخبر به. وكذلك النافي له يمتنع أن يدلّ على صدق النافي، أو يدل مع انتفاء العلم والعدل؛ فإنّ ما استلزم ثبوت شيء وصدقه، استلزم كذب نقيضه، وكان عدم اللازم مستلزماً لعدم الملزوم؛ فما كان مستلزماً لثبوت النبوة، وصدق المخبر بها، كان مستلزماً لكذب من نفاها. فامتنع أن يكون موجودا مع من نفاها، وامتنع أن يكون موجوداً مع انتفائها؛ فإنّ ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين.
فدليل كل مدلول عليه يمتنع ثبوته مع عدم المدلول عليه؛ فإنه مستلزم لثبوته. فلو وجد مع عدمه، للزم الجمع بين النقيضين.
التلازم بين نبوة العين وجنس النبوة
فما كان دليلاً على نبوة شخص، فهو دليل على جنس النبوة؛ فإن نبوة الشخص لا [تثبت] 1 إلا مع ثبوت جنس النبوة؛ فيمتنع وجود ذلك الدليل مع عدم النبوة.
1 في ((خ)) : يثبت. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
وثبوت أحد النقيضين مستلزم لنفي الآخر؛ فثبوت صدق المخبر بثبوتها، مستلزم لكذب المخبر بانتفائها.
دليل عقلي
فهذا أمر عقلي مقطوع به، معلوم بالبديهة بعد تصوره في جميع الأدلة؛ أدلة النبوة وغيرها1، فلا يجوز أن يكون ما دلّ على النبوة، وعلى صدق
1 هذا دليل عقلي، يستخدمه الشيخ رحمه الله، وهو دليل الملازمة، كما سبق تعريفه ص 617-618.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "إنه إذا كان صحة الشرع لا تعلم إلا بدليل عقلي، فإنه يلزم من علمنا بصحة الشرع علمنا بالدليل العقلي الدالّ عليه، ويلزم من علمنا بذلك الدليل العقلي علمنا بصحة الشرع. وهكذا الأمر في كل ما لا يعلم إلا بدليل. ويلزم أيضاً من ثبوت ذلك الدليل المعقول في نفس الأمر، ثبوت الشرع، ولا يلزم من ثبوت الشرع ثبوت ذلك الدليل
…
والمتلازمان يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه". درء تعارض العقل والنقل 5271.
ويقول أيضاً: "جميع الأدلة ترجع إلى أن الدليل مستلزم للمدلول". الرد على المنطقيين ص 296.
وقال رحمه الله أيضاً: "فمن المعلوم أن الدليل يجب طرده، وهو ملزوم للمدلول عليه، فيلزم من ثبوت الدليل ثبوت المدلول عليه، ولا يجب عكسه؛ فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه. وهذا كالمخلوقات؛ فإنها آية للخالق، فيلزم من ثبوتها ثبوت الخالق، ولا يلزم من وجود الخالق وجودها. وكذلك الآيات الدالات على نبوة النبي. وكذلك كثير من الأخبار والأقيسة الدالة على بعض الأحكام، يلزم من ثبوتها ثبوت الحكم، ولا يلزم من عدمها عدمه؛ إذ قد يكون الحكم معلوماً بدليل آخر، اللهم إلا أن يكون الدليل لازماً للمدلول عليه، فيلزم من عدم اللازم عدم الملزوم. وإذا كان لازماً له أمكن أن يكون مدلولاً له؛ إذ المتلازمان يمكن أن يستدل بكل منهما على الآخر، مثل الحكم الشرعي الذي لا يثبت إلا بدليل شرعي، فإنه يلزم من عدم دليله عدمه". درء تعارض العقل والنقل 5269-270.
وانظر استخدام شيخ الإسلام رحمه الله لدليل الملازمة هذا في إثبات التلازم بين العقل والنقل في: درء تعارض العقل والنقل 5136، 137، 150، 151، 268-272، 275، 8530-531، 1073، 120، 122-124، 128، 130، 132، 137، 139، 144، 148، 150، 196. والرد على المنطقيين ص 296-298، 348-349. والجواب الصحيح 65.
المخبر بها، وكذب المكذب بها، دليلاً للمكذب بها، ولا دليلاً مع انتفائها؛ كالمتنبي الذي يدعي النبوة ولا نبوة معه، فلا يتصور أن يكون معه ولا مع المصدق بنبوته شيء من دلائل النبوة.
وأما كون دليل من دلائل النبوة مع المصدق بها كائناً من كان، فهذا حقّ، بل هذا هو الواجب. فمن صدّق بها بلا دليل، كان متكلماً بلا علم. فكلّ من صدّق بالنبوة بعلمٍ فمعه دليل من أدلتها.
العلم الضروري والنظري
وأخبار أهل التواتر بما جاءت به الأنبياء من الآيات: هو من أدلة ثبوتها؛ فكل من آمن بالرسول عن بصيرة، فلا بُدّ أن يكون في قلبه علمٌ بأنّه نبيّ حقّ؛ إمّا علمٌ ضروري1، أو علم نظريّ2 بدليل من الأدلة.
1 العلم الضروري: هو ما علم الإنسان من غير نظر ولا استدلال. وقد قيل: ما لا يدخل عليه الشك والارتياب.
وهو يحصل من أربعة أشياء:
الأول: ما يعلمه الإنسان من حال نفسه؛ مثل الغم، والسرور، والصحة، والسقم، والقيام، والقعود، والهبوط، والصعود.
ومنه: ما يعلمه بطريق العقل، وهو مثل علمه باستحالة اجتماع الضدين، وكون الجسم في مكانين، وأن الواحد أقل من الاثنين.
ومنه: ما علمه بالحواس الخمس؛ وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس.
ومنه: ما يعلمه بأخبار التواتر، فيقع له به العلم ضرورة؛ وهو مثل إخباره بالبلاد النائية، والقرون الخالية، والرسل الماضية.
وقولنا (ضرورة) : هو ما يلزمه العلم به ضرورة، لا يمكنه دفعه من نفسه بحال، ولا يمكنه إدخال الشك فيه) . التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 142-43. وانظر: التمهيد للباقلاني ص 26. ومجموع الفتاوى 276.
2 العلم النظري: هو ما حصل من طريق النظر والاستدلال.... وهو على ضربين: علم من طريق العقل، وعلم من طريق الشرع.
فأما العلم الذي يحصل من طريق العقل، فهو مثل علمه بحدوث العالم، وإثبات محدثه، وتصديق الرسل عند ثبوت المعجزة.
فأما الذي يحصل من طريق الشرع، فهو ما علمناه بالكتاب والسنة والإجماع، وقول واحد من الصحابة في إحدى الروايتين) . التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 142-43. وانظر: التمهيد للباقلاني ص 27. والتعريفات ص 310. ورسالة الفرقان بين الحق والباطل ضمن مجموعة الرسائل الكبرى 153.
والعلوم النظرية مع أدلّتها تبقى ضروريّة1، وقد تكون في نفس الأمر علوم ضرورية، ولا يمكنه التعبير عما يدلّ عليها؛ كالذي يجده الإنسان في نفسه ويعلمه من العلوم البديهية والضرورية وغير ذلك؛ فإنّ كثيراً من الناس لا يمكنهم بيان الأدلة لغيرهم على وجود ذلك عندهم.
وإذا عُرف هذا، فقولنا: دلائل النبوة مختصة بالأنبياء لا تكون لغيرهم: له معنيان:
أحدهما: أنّه لا يشاركهم فيها من يكذّب بنبوتهم، ولا من يدّعي نبوّة كاذبة. وهذا ظاهرٌ بَيِّنٌ؛ فإنّ الدليل على الشيء لا يكون دليلاً على وجوده وعلى عدمه، فلا يكون ما يدلّ على النبوة أو غيرها، وعلى صدق المخبر بذلك دليلاً على كذب المخبر بذلك، ولا دليلاً على النبوة مع انتفاء النبوة.
والمعنى الثاني: أنها لا توجد إلا مع النبيّ.
1 يقول شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر: "المعقول الضروري الذي هو أصل العلوم النظرية موافق للأدلة الشرعية مصدق لها، لا مناقض معارض لها". درء تعارض العقل والنقل 5312.
ويقول رحمه الله أيضاً: "النظريات لا تعارض الضروريات، بل ما عارضها كان من باب السفسطة". درء تعارض العقل والنقل 611.
فهذا إن أريد به أنها لا توجد إلا والنبوة ثابتة، فهو صحيح، وإن كانت مع ذلك دليلاً على نبيّ، فلا يمتنع أن يكون الشيء الواحد دليلاً على أمور كثيرة، لكن يمتنع أن يوجد مع انتفاء مدلوله.
فما دلّ على النبوة قد يدلّ على أمور أخرى من أمور الرب تبارك وتعالى، لكن لا يمكن أن يدل مع انتفاء النبوة؛ أي مع كون النبوة المدلول عليها باطلة لا حقيقة لها، ولكن قد يدلّ مع موت النبي ومع غيبته؛ فإن موته وغيبته لا ينفي نبوته.
وليس من شرط دليل النبي أن يكون [موجوداً] 1 في محل المدلول عليه، ولا في مكانه ولا زمانه.
وقول من اشترط في آيات الأنبياء أن تكون مقترنة بالدعوى: في غاية الفساد والتناقض، كما قد بُسط2، لا سيما والآيات قد تكون مخلوقة [نائية] 3 عن النبي، وعن مكانه، وكذلك سائر الأدلة، لا سيّما ما يجري مجرى الخبر.
فالأخبار الدالة على وجود المخبر به لا يجب أن تكون مقارنة للمخبر به؛ لا في محله، ولا زمانه، ولا مكانه.
آيات الأنبياء شهادة من الله بنبوتهم
وآيات الأنبياء: هي شهادة من الله، وإخبار منه بنبوتهم، فلا [يجب] 4 أن تكون في محلّ النبوة، ولا زمانها ولا مكانها، لكن يجوز ذلك؛ فلا يمتنع أن يكون الدليل في محل المدلول عليه، [ولا] 5 في زمانه، [ولا] 6 في
1 في ((خ)) : وجود. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
2 وهم الأشاعرة.
3 في ((خ)) رسمت: ثابتة. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
4 في ((م)) ، و ((ط)) : تجب.
5 في ((م)) ، و ((ط)) : أو.
6 في ((م)) ، و ((ط)) : أو.
مكانه، لكن [يجوز] 1 ذلك فيه؛ فالإنسان قد تقوم به أمور تدل على بعض الأمور التي فيه، وقد [تُعلم] 2 أموره بخبر غيره، وببعض آثاره المنفصلة عنه.
فإذا أريد بأن آيات الأنبياء مختصة بهم، وأنها لا تكون لغيرهم: أنّها لا تكون مع انتفاء النبوة المدلول عليها: فهذا صحيح؛ لأنه يستلزم الجمع بين النقيضين.
وأما إذا أريد أنها لا توجد إلا في ذات النبي، أو مقترنة بخبره عن نبوته، أو في المكان الذي كان فيه، أو في الزمان: فهذا كله غلطٌ وخطأ ممّن ظنّه، وجهلٌ بَيِّنٌ بحقائق الأدلة، إن كان من الأدلة وآيات النبوة ما [يكون] 3 في ذات النبي، ويكون مقترناً بقوله: إني رسول الله، ويكون في المكان الذي هو فيه، وفي زمانه، فهذا يمكن، وهو الواقع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الأنبياء كان في نفس أقوالهم وأفعالهم وصفاتهم وأخلاقهم [وسيرهم] 4 أمور كثيرة تدل على نبوتهم5.
1 في ((خ)) : يجب. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
2 في ((خ)) : يعلم. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
3 في ((خ)) تكون. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
4 في ((خ)) : وسترهم. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
5 انظر: الشفا للقاضي عياض 177-209. والجواب الصحيح لشيخ الإسلام 5437-482، 680، 365-380، 387. وشرح الأصفهانية 2472- 485، 492-499، 500-502. ودقائق التفسير 1159-164. وشرح الطحاوية 1141-154.
وكذلك لما قال: إنِّي رسول الله، [أتى] 1 مع ذلك بآيات دلّت على صدقه.
وكذلك في مكانه وزمانه، ظهر من انشقاق القمر وغيره ما دلّ على نبوته.
لكنّ آيات الأنبياء أعمّ من ذلك، كما أن دليل كلّ شيء أعمّ من أن يختص بمعنى المدلول وزمانه ومكانه.
وبهذا يظهر خطأ كثير من الناس في عدم معرفتهم بجنس آيات الأنبياء، لعدم تحقيقهم جنس الأدلة والبراهين2.
وإنّ خاصة الدليل: أنّه يلزم من تحقّقه تحقّق المدلول عليه فقط، سواء كان مقارناً للمدلول عليه، أو كان حالاً في محله، أو مجاوزاً لمحله، أو لم يكن كذلك.
هل النبوة صفة ثبوتية أم لا؟
والنبوّة قد قال طائفة من الناس: إنّها صفة في النبي3.
1 في ((خ)) : أي. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
2 قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن ما يعلم بالدليل إنما يعلم إذا علم أن الدليل مستلزم له ليكون دليلاً عليه، وهذه هي الآية والعلامة. وكذلك الاسم إنما يدل على المسمى إذا عرف أنه اسم له، وذلك مشروط بتصور المدلول عليه اللازم، وبأن هذا ملزوم له. ولهذا قيل: إن المقصود بالكلام ليس هو تعريف المعاني المفردة، لأن المعنى المفرد لا يفهم من اللفظ حتى يعرف أن اللفظ دال عليه، فلا بدّ أن يعرف أن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى حتى تعرف دلالتها عليه". درء تعارض العقل والنقل 8530.
3 والذين قالوا ذلك هم المعتزلة والفلاسفة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن المعتزلة: إنهم يقولون: "إن النبوة أو الرسالة جزاء على عمل متقدم، فالنبي فعل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن يجزيه الله بالنبوة. وهؤلاء القدرية في شق، وأولئك الجهمية الجبرية في شق". منهاج السنة النبوية 215.
وقال طائفة: ليست صفة ثبوتية في النبي، بل [هي] 1 مجرد تعلق الخطاب الإلهي به2؛ يقول الرب: إني أرسلتك، فهي عندهم صفة إضافية كما يقولونه في الأحكام الشرعية إنها صفات إضافية للأفعال لا صفات حقيقية3.
1 في ((م)) ، و ((ط)) : هو.
2 الذين قالوا ذلك هم الجهمية والأشعرية، ومن وافقهم، كما سيأتي بيان ذلك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وانظر من كتب الأشعرية: أصول الدين لعبد القاهر البغدادي ص 156-157. ونهاية الإقدام في علم الكلام للشهرستاني ص 462. وغاية المرام في علم الكلام للآمدي ص 317.
ومن كتب شيخ الإسلام: منهاج السنة النبوية 2413-416، 5436-439.
فالنبوة عندهم ليست صفة ثبوتية في النبي، بل هي صفة إضافية.
وثمّة طامّة أوقعوا أنفسهم بها، حتى لا يُزيلوا صفة النبوة عن النبيّ بعد وفاته، وهي قولهم بأنّه حيّ في قبره حياة دنيوية.
وقد أورد شيخنا د أحمد بن عطية الغامدي في مقدمته لكتاب (حياة الأنبياء) للبيهقي أن سبب قول الأشاعرة بحياة الأنبياء حقيقة بعد وفاتهم، هو ما يلزمهم على أصلهم الفاسد (العرض لا يبقى زمانين) ، فعلى هذا يلزم القول بفناء الروح. والقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس رسولاً الآن، ولكنه كان رسولاً، ففروا إلى القول بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره حياة دنيوية، حتى لا يلزمهم هذا الأصل.
وقد ردّ عليهم شيخنا فضيلة الدكتور أحمد عطية فأجاد وأفاد وفقه الله. انظر: ص 50-56 من الكتاب المذكور.
وانظر المراجع التالية: الفصل لابن حزم175. وطبقات الشافعية للسبكي3406، 4130-133. وسير أعلام النبلاء 1796. والقصيدة النونية شرح ابن عيسى 2150-155.
3 قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "فمن نفى الحكم والأسباب في أفعاله، وجعلها معلقة بمحض المشيئة، وجوّز عليه فعل كل ممكن، ولم ينزهه عن فعل من الأفعال، كما هو قول الجهم بن صفوان، وكثير من الناس كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من مثبتة القدر، فهؤلاء يجوزون بعثة كل مكلف. والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إليه، والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه. وليست النبوة عندهم صفة ثبوتية، ولا مستلزمة لصفة يختص بها، بل هي من الصفات الإضافية، كما يقولون مثل ذلك في الأحكام الشرعية". منهاج السنة النبوية 2414. وانظر ما سبق في هذا الكتاب ص 731.
قال الإيجي من الأشعرية في كتابه المواقف: "إذا ثبت أن الحاكم بالحسن والقبح هو الشرع، ثبت أن لاحكم للأفعال قبل الشرع". المواقف للإيجي ص 327. وانظر: البرهان في أصول الفقه للجويني
قول أهل السنة في النبوة
والصحيح: أن النبوة تجمع هذا وهذا1؛ فهي تتضمن صفة ثبوتية في
1 وهذا هو قول الجمهور. ف"الذي عليه جمهور سلف الأمة وأئمتها وكثير من النظار: أن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، والله أعلم حيث يجعل رسالته؛ فالنبي يختص بصفات ميزه الله بها على غيره، وفي عقله ودينه، واستعد بها لأن يخصه الله بفضله ورحمته". منهاج السنة النبوية 2416.
وشيخ الإسلام رحمه الله تعالى قد فصّل القول في هذه المسألة تفصيلاً رائعاً في العديد من مصنّفاته الرائعة، وذكر الأقوال الثلاثة فيها..
فمن ذلك قوله في كتاب الصفدية: "إن الناس تنازعوا في النبوة: هل هي مجرد صفة قائمة بنفس النبي، كما يقوله من يقوله من أهل الكلام والفلسفة. أو مجرد تعلق خطاب الله بالنبي، كما يقوله من يقوله من أهل الكلام الأشعرية ونحوهم. أو مجموع الأمرين، كما يقوله الجمهور. على ثلاثة أقوال. كما اختلفوا على هذه الأقوال الثلاثة في الأحكام الشرعية....." إلى آخر كلامه الطويل في هذه المسألة. انظر كتاب الصفدية 1225-229.
وقد بسط شيخ الإسلام رحمه الله القول في هذه المسألة في العديد من مصنفاته.
انظر: منهاج السنة النبوية 2413-416، 5436-439. ومجموع الفتاوى 8282-283، 18367، 369-370. والجواب الصحيح 3380-387، 5324.
النبي1، وصفة إضافية هي مجرد تعلق الخطاب الإلهي، به2.
لكن على الأقوال الثلاثة: ليس من شرط أدلتها أن تكون حالة في ذات النبي، ولكن يجوز أن تكون لها أدلة قائمة بذات النبي، كما كان في محمد صلى الله عليه وسلم عدة أدلة من دلائل النبوة، كما هو مبسوط في دلائل نبوته3؛ إذ المقصود هنا الكلام على جنس آيات الأنبياء، لا على شيء معين، [و] 4 لا دليل معين، ولا نبيّ معيّن.
فإذا عرف أن دلائل النبوة يمتنع ثبوتها لشخص لا نبوة فيه إذا ادّعاها، أو ادعيت له كذباً، ويمتنع ثبوتها مع المكذب بالنبوة الصادقة، وأنها لا توجد إلا والنبوة ثابتة، وأنها دليل على صدق المخبر بالنبوة من جميع الخلق.
1 في ((خ)) زيادة: بل هي مجرّد تعلق الخطاب. (ولا محل لذكرها) .
2 في ((م)) ، ((ط)) زيادة، ولعلها مكرّرة، وهي قوله:" [يقول الرب إني أرسلتك فهي عندهم صفة إضافية كما يقولونه في الأحكام الشرعية أنها صفات إضافية للأفعال لا صفات حقيقية] ".
3 ومن كتب دلائل النبوة المطبوعة التي توضّح هذا:
(1)
- دلائل النبوة لأبي القاسم قوام السنة الأصبهاني.
(2)
- علامات النبوة للبوصيري.
(3)
- دلائل النبوة للبيهقي.
(4)
- دلائل النبوة لأبي بكر الفريابي.
(5)
- تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار.
(6)
- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني مطبوع المنتقى منه.
(7)
- أعلام النبوة للماوردي.
(8)
- الصحيح المسند من دلائل النبوة للوادعي.
وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى تصانيف العلماء في آيات النبوة في كتابه الجواب الصحيح 6361-365.
4 ما بين المعقوفتين ساقط من ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
فكلّ من آمن [بأنّ] 1 محمداً رسول الله، فقد أخبر عن نبوته؛ كما أخبر هو عن نبوّة نفسه بما أمره الله به؛ حيث قال:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكُمْ جَمِيعَاً} 2.
فهذا الخبر؛ وهو الشهادة بأنه رسول الله إلى الناس جميعاً، سواء وجد منه، أو من غيره، هو مدلول عليه لجميع دلائل النبوة.
فإذا وُجد هذا الخبر في غير النبيّ، ووجد ما يدلّ على صدق هذا الخبر، كان ذلك من دلائل النبوة، كما وجد هذا في خلق كثير من المؤمنين.
ومن دلائل النبوة: وجود العلم الضروري بخبر أهل التواتر، الذين أخبروا بالآيات. فهذا العلم الضروري هو بمنزلة المشاهدة [للآيات]3.
وكذلك ما يوجد لأهل الإيمان مما يستلزم صدق خبرهم بأنّ محمّداً رسول، كما يوجد لأمته من الآيات الكثيرة عند تحقيق [أمره] 4 ونصره وطاعته، والجهاد عن دينه، والذبّ عنه، وبيان ما أرسل به، كما وجد أمثال ذلك للصحابة، والتابعين، وسائر المؤمنين إلى يوم القيامة5.
1 في ((م)) ، و ((ط)) : أن.
2 سورة الأعراف، الآية 158.
3 في ((خ)) : الآيات. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
4 في ((خ)) : به. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
5 أي من الكرامات التي يكرم الله بها سبحانه وتعالى عباده المؤمنين.
انظر: كتاب الكرامات للالكائي تحقيق د أحمد سعد حمدان. والبداية والنهاية 5266-267، 285، 296-297. والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 300-320. وقاعدة في المعجزات والكرامات ص 19-21.