الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد الله العظيم المنان، خالق الإنسان، ومدبر الأكوان، له الملك وله والحمد، وهو على كل شيء قدير، أو ضح لعباده طريق الحق والهدى، وحذرهم من الشر والردى، فقال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) وصلى الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا، محمد بن عبد الله القائل «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنهما إلا هالك» (2)، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطاهرين الحنفاء، وأصحابه الطيبين النجباء، وعلى تابعيهم الأئمة والعلماء، صلى الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين، عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته ورضا نفسه.
أما بعد: فإن الباعث على هذه النظرات وتدوينها ما شاهدت
(1) من الآية (103) من سورة آل عمران.
(2)
ابن ماجه حديث (45) وهو حديث صحيح.
وسمعت عبر الفضائيات، من رفع شعار الدعوة إلى الأخذ بثأر الحسين رضي الله عنه، وإقامة مجالس عزاء، بالإضافة إلى ما يكون في العاشر من صفر من كل عام، وما أشبه الليلة بالبارحة، بالأمس البعيد يقول الخوارج: لا حكم إلا لله، فيقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، واليوم يرفع الشيعة شعار الأخذ بثأر الحسين رضي الله عنه، وإقامة مجالس عزاء، وهو كذلك كلمة حق أريد بها باطل، هي حق إن سيأخذون الثأر من أنفسهم، فآباؤهم الأقدمون هم قتلة الحسين، على الأقل بالسببية لا بالمباشرة، أغروه واستقدموه إلى الكوفة، وأسلموه للموت، ولو جرت الأرض أنهارا بدموعهم، ما كفر عن قطرة من دم الحسين رضي الله عنه، فضلا عن دماء من قتل معه، والباطل جملة وتفصيلا أن يريدوا الأخذ بثأر الحسين من الأبرياء من دمه، ولله الأمر فإن ربي فعال لما يريد، اصطفى من خلقه ما شاء، وأرسل إلينا سيد الأنبياء، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، بلغنا نبينا الرسالة، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، أوصانا بكتاب ربنا وسنة نبينا فقال: «إني قد خلفت فيكم
ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما، أو عملتم بهما: كتاب الله وسنتي» (1)، وجعل الأيام دولا بين عباده ليحق الحق ويبطل الباطل فقال تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (2) ويستمر الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولم يكن هذا الأمر قاصرا على العهد بعد النبوة المحمدية على صاحبها أتم الصلاة وأكمل التسليم، بل عهد النبوة لقي من الأعداء ما ابتلى به الله سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ن وأصحابه رضي الله عنه، وكان رأس المنافقين عبد الله بن أبي مثير كل فتنة وشقاق ضد الإسلام وأهله، فلا غرو أن يخرج بعد ذلك في عهد الخلافة الراشدة، وما بعدها من يعادي الإسلام وأهله، أو يخالف غيره لأمر رآه يخدش الإسلام، أو يجتهد في الوصول إلى حق يراه فيخطئ في الاجتهاد أو غير ذلك من الدوافع، ومن الأحداث التي انقسم المسلمون بسببها
(1) السنن الكبير للبيهقي حديث (20834).
(2)
من الآية (140) من سورة آل عمران ..
وأثرت تأثيرا كبيرا في حياة المسلمين، ولاسيما في العقيدة، التي يجب أن لا تستقى إلا من الكتاب والسنة، ومما ترك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة بعد أن قال الله تعالى له:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) فلا تستقى من الأحداث الحياتية، وما يعتريها من أسباب ودوافع، ولكن لله في خلقه شئون، ومن ذلك أن يصب عليهم البلاء بأصنافه في هذه الحياة ليختبر صبرهم وثباتهم على الحق وصدق إيمانهم، قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) وجعل نهار الحق أبلجا، وليل الباطل مظلما لجلجا، فسبحان من بيده مقاليد الأمور، وهو على كل شيء قدير.
(1) من الآية (3) من سورة المائدة.
(2)
الآيتان (1، 2) من سورة الملك.