الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوفق إلى خير، فقبل ابن زياد مشورة شمر، فكان شمر هذا بابا من أبواب الشر، ومشورته وبال يحمل وزرها بين يدي الله عز وجل، فقد استبدل الخير بالشر، ومال إلى إشعال الفتنة.
أخذ ابن زياد برأي شمر المشئوم، وعرض على الحسين رضي الله عنه النزول على حكمه، فقال: لا والله لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد أبدا (1)، وقال لأصحابه الذين معه أنتم في حل من طاعتي، ولكنهم أصرّوا على مصاحبته والمقاتلة معه حتى الشهادة (2).
النظرة الخامسة عشرة
الفاجعة الكبرى:
تحقق ما أجمع عليه كل من نصح الحسين ـ حتى من لم ير بأساً برفضه بيعة يزيد ـ على أن لا يخرج للعراق ولا يثق في أهل الكوفة، فقد كتب إليه المسور بن مخرمة رضي الله عنه بأن لا يغتر
(1) تاريخ الطبري 6/ 342.
(2)
تاريخ الطبري 6/ 346.
بكتب أهل العراق، ونصحه بأن لا يبرح الحرم فإن كانت لهم حاجة فسيضربون إليه آباط الإبل حتى يوافوه فيخرج في قوة وعدة (1)، وتحقق ما توقعوا من هلاك الحسين رضي الله عنه وأهل بيته، وما تضمنت عبارات وداعهم له، اعتنقه ابن عمر رضي الله عنهما وقال: استودعك الله من قتيل (2)، غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير (3)، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك (4)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فو الله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع
(1) مختصر تاريخ دمشق 7/ 140.
(2)
السير 3/ 292.
(3)
مختصر تاريخ دمشق 7/ 138.
(4)
تهذيب الكمال (6/ 461)، الطبقات (1/ 445)
علي وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك (1).
ولم يكن هذا الإصرار من الناصحين إلا عن علم وتجربة، فالعلم: عدم جواز الخروج على من عقد المسلمون له البيعة على وجه لا يرفضه الشرع، وهذا حاصل في بيعة يزيد، والتجربة: ما شهدوا منها في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وما وقع فيها من استغلال لتحقيق مآرب وأهواء، وما نتج عن ذلك من فرقة ودمار حتى العقيدة وقع فيها من الخلل ما وقع بسبب ذلك الطيش، وتلك الأهواء.
حدثت الفاجعة الكبرى استشهاد الحسين رضي الله عنه في صباح يوم الجمعة سنة (61 هـ) حيث نظم الحسين رضي الله عنه أصحابه وعزم على القتال وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنته وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي، وجعل البيوت وراء ظهورهم، وأمر الحسن بحطب وقصب فجعله من وراء البيوت، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم.
(1) الكامل في التاريخ (2/ 546).
وأما عمر بن سعد فقد نظم جيشه، وجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، بدلاً من الحر بن يزيد الذي انضم إلى الحسين، وجعل على الميسرة شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجال شبت بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذويداً مولاه.
وبدأت المعركة سريعة وكانت مبارزة في بداية الأمر، وجُوبه جيش عمر بن سعد بمقاومة شديدة من قبل أصحاب الحسين رضي الله عنه، حيث أن مقاتلتهم اتسمت بالفدائية فلم يعد لهم أمل في الحياة (1)، وكان الحسين رضي الله عنه في البداية لم يشترك في القتال، وكان أصحابه يدافعون عنه ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله وتمنوا أن يستسلم، ولكن الحسين رضي الله عنه لم يبد شيئاً من الليونة، بل كان رضي الله عنه يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ خشي شمر بن ذي الجوشن من انفلات زمام الأمور فصاح بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زرعة بن شريك
(1) تاريخ الطبري 6/ 349 ـ 350.