الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لك، والله بذلك شهيد وكفيل، ومراع ووكيل، والسلام عليك (1).
النظرة الرابعة
الصحابة رضي الله عنهم لا يرون الخروج: والخروج نريد به هنا أمرين:
1 ـ الخروج على يزيد وخلع الطاعة وهذا لم يوافق الحسين رضي الله عنه عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم إلا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
وتقدمت مبررات الحسين رضي الله عنه لهذا الخروج، وإن وافقه على كونها صحيحة لكنها، غير كافية لخلع طاعة يزيد ومحاربته.
2 ـ خروج الحسين رضي الله عنه من مكة إلى الكوفة، لم يوافقه عليه أحد حتى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
أما مبرر الحسين رضي الله عنه لهذا الخروج فإنه قال: لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل بي مكة (2)، فأصر على
(1) تاريخ الطبري 6/ 312.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 15/ 95.
الخروج مؤمنا بالمواجهة مع يزيد، وبادر بالخروج خوفا أن يعاجله يزيد بمن يقتحم عليه مكة فتستباح أرض الحرمين، فظن أن خروجه أقدر له على مواجهة جيش يزيد بعيدا عن الحرمين، ولم تكن نظرة الحسين رضي الله عنه أبعد من هذا.
قال ابن خلدون رحمه الله: ظن الحسين رضي الله عنه القدرة على ذلك، ظنها من نفسه بأهليته وشوكته ـ الموعود بها ـ فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة، وأما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها، لأن عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية، تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس، ولا ينكرونه وإنما نُسي ذلك أول الإسلام لِمَا شغل الناس من الذهول بالخوارق، وأمر الوحي وتردد الملائكة لنصرة المسلمين، فأغفلوا أمور عوائدهم، وذهبت عصبية الجاهلية ومنازعها ونُسيت، ولم يبق إلا العصبية الطبيعية في الحماية والدفاع، ينتفع بها في إقامة الدين وجهاد المشركين، والدين فيها محكّم والعادة معزولة، حتى إذا انقطع أمر النبوة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد، فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصبحت
مضر أطوع لبني أمية من سواهم بما كان لهم من ذلك قبل (1).
وهذا في نظري تحليل جيد لهذه الفقرة، ولذا خاف الصحابة رضي الله عنهم والتابعون رحمهم الله على الحسين رضي الله عنه الهلاك، فكرروا النصح للحسين، واجتهدوا في ثنيه عن مراده لما فيه من خطورة عليه وعلى أهل بيته بالدرجة الأولى، ولمعرفتهم بغدر الشيعة، ولمخالفتهم إياه في قضية الخروج على يزيد ولو كان فاسقا في نظرهم، فإن ابن عم الحسين عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم توقع له الهلاك في هذا الأمر، وليس هذا من علم الغيب، ولكنه من العلم بغدر القوم فهم عبيد دنيا كما قال أبو بكر، ولم ير عبد الله بن جعفر رضي الله عنه الهلاك قاصرا على الحسين رضي الله عنه بل قد يستأصل أهل بيته، فكتب إليه كتابا أرسل به ابنيه محمد وعون فقال: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفق عليك من الوجه التي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك (2)، وقال ابن جده:
(1) مقدمة ابن خلدون 1/ 113.
(2)
تاريخ الطبري 6/ 311.