الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلى لعلع (1). ثم أصدر أوامره إلى الحصين بن تميم بأن يقبض على كل من ينكره، ثم أمر ابن زياد بأخذ كل من يجتاز بين واقصة (2)، إلى طريق الشام، إلى طريق البصرة فلا يترك أحدا يلج ولا يخرج (3)، وبهذا الإجراء ضرب ابن زياد طوقا أمنيا بين الكوفة والحسين رضي الله عنه، فكان الحسين في مسيره في عزلة تامة عن أخبار أنصاره في الكوفة.
النظرة الثالثة عشرة
مقابلة الحسين رضي الله عنه للحر بن يزيد:
لم يكتف عبيد الله بن زياد بذلك الطوق الأمني بل بعث الحر بن يزيد في ألف فارس ليقابل حسينا رضي الله عنه في الطريق، وما زال الحسين رضي الله عنه سائرا في طريقه إلى الكوفة من غير علم بما يجري لاستقباله، ولما بلغ الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر
(1) موضع قرب الكوفة مما يلي البصرة.
(2)
موضع بطريق مكة.
(3)
أنساب الأشرا رضي الله عنه ف 3/ 166، 573.
الصيداوي إلى الكوفة، وكتب معه إليهم برسالة يخبرهم فيها بقدومه (1)، ولكن الحصين بن تميم قبض على قيس بن مسهر مبعوث الحسين حين وصوله إلى القادسية (2)، ثم بعث به إلى ابن زياد فقتله مباشرة (3)، ثم بعث الحسين مبعوثاً إلى مسلم فوقع في يد الحصين بن تميم وبعث به إلى ابن زياد فقتله (4).
هذا الطوق الأمني لم ينتج من فراغ بل من قوة في العمل السياسي، ودقة في التنفيذ، ولذلك العقاب الشنيع، وبتلك السرعة المدهشة، أثر في ضرب قلوب شيعة الحسين رضي الله عنه بالرعب الشديد، ومن رأى أو علم بذلك العقاب لا بد أن يحسب لمناصرة الحسين رضي الله عنه ألف حساب، ولاسيما والقوم أهل غدر لا وفاء لهم، ولم يدرك الحسين رضي الله عنه إلا بعد أن أخبره
(1) البداية والنهاية 11/ 512.
(2)
مواقف المعارضة: ص 266.
(3)
الطبقات 5/ 376.
(4)
أنساب الأشراف 3/ 168.
الأعراب أن أحداً لا يلج ولا يخرج من الكوفة مطلقاً (1)، واستمر التحذير من بعض رجال القبائل الذين مرّ بهم، وبينوا له ذلك الخطر الذي يقدم عليه، ولقد بان الصبح لذي عينين، فالحسين رضي الله عنه لم يأخذ الحذر ابتداء، ولن ينجو من القدر في نهاية المطاف، وأنى له ذلك وقد قال الله تعالى:{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (2).
قرب الحسين رضي الله عنه من الكوفة، وأمر بالتزود من الماء، بعد أن تفرق الناس عنه ولم يبق معه إلا أهله وبنو عمه، وسار حتى منتصف النهار فإذا بطلائع خيل ابن زياد عليها الحر بن يزيد، وكان عددها ألف فارس، وقد أدرك الحر بن يزيد الحسين ومن معه قريباً من شراف (3)، وفعلا قابل الحسين رضي الله عنه ولم ينازله، وأخذ الحُرُ يساير الحسين رضي الله عنه وينصحه بعدم المقاتلة
(1) أنساب الأشراف 3/ 168.
(2)
الآية (154) من سورة آل عمران.
(3)
شراف بين واقصة والقرعاء على ثمانية أميال (معجم البلدان 3/ 331، 356، والعباب الزاخر 1/ 444).
ويذكّره بالله، وبيّن له أنه إذا قاتل فسوف يقتل، وكان الحسين رضي الله عنه يصلي بالفريقين إذا حضرت الصلاة (1)، وهنا نلاحظ أن الحسين رضي الله عنه أدرك خطأه فيما أقدم عليه، وطلب من الحُر بن يزيد أن يرجع إلى المدينة، ولكن سبق السيف العذل، فإنه ذكر له أنه مأمور بملازمته حتى الكوفة، وقام الحسين رضي الله عنه وأخرج خرجين مملوءين بالكتب التي تطلب منه القدوم إلى الكوفة، فأنكر الحُر والذين معه أي علاقة لهم بهذه الكتب، وهنا رفض الحسين رضي الله عنه الذهاب مع الحُر بن يزيد إلى الكوفة وأصر على ذلك، فاقترح عليه الحُر أن يسلك طريقاً يجنبه الكوفة ولا يرجعه إلى المدينة، وذلك من أجل أن يكتب الحُر إلى ابن زياد بأمره، وأن يكتب الحسين رضي الله عنه إلى يزيد بأمره، وبالفعل تياسر الحسين رضي الله عنه عن طريق العذيب (2)
(1) تاريخ الطبري 6/ 326، 329.
(2)
من أرض العراق بعد القادسية بأربعة أميال (معجم لغة الفقهاء 1/ 55).
والقادسية (1) واتجه شمالاً على طريق الشام، وكانت خيل الحُر بن يزيد الدفعة الأولى ولم تكن الأخيرة لملاقاة الحسين رضي الله عنه ومن بقي معه وهم أهل بيته فقط، وعدد قليل مقابل ألف فارس من جند ابن زياد، وفي ذلك لفت نظر للحسين أن الخصوم أعدوا للأمر عدته، ولاسيما والوالي على الكوفة عبيد الله بن زياد المعروف بالمكر والدهاء، وقوة البطش ولو بالحسين نفسه، ولا أدل على ذلك من قوله: أما حسين فإنه لم يردنا، ولا نريده، وإن أرادنا لم نكف عنه (2)، وكان ابن زياد جهز الجيش الذي يقوده عمر بن سعد بن أبي وقاص مكوناً من أربعة آلاف مقاتل وكان موجها في الأصل إلى الري لجهاد الديلم، فلما طلب ابن زياد من عمر أن يذهب لمقاتلة الحسين رفض في البداية، ولكن ابن زياد هدده بالعزل إن لم ينفذ
(1) قادسية الكُوْفَة قَرْيَة على مرحلة منها، في طريق الحاج، ذاتُ نخل ومزارع (الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الامكنة 1/ 101) ..
(2)
تاريخ الطبري 6/ 302.