الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث عشر
في ذكر المغارة التي دفن فيها الخليل هو وأبناؤه الأكرمون وذكر شرائها من مالك ذلك الموضع، وهو عفرون، وأول من دفن في تلك المغارة وذكر علامات القبور التي بها
، وما استند به على صحتها وكم دفع لبناء الحيز الذي بناه سليمان عليه السلام، وذكر آداب زيارة القبور المشار إليها، وبيان موضع قبر يوسف عليه السلام وتسميته
حرمًا وإقطاع لقيم الداري رضي الله عنه الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم له وحلف وقد معه عليه من الداريين ونسخة ما كتب لهم في ذلك.
وروى أبو المعالي شرف بن المرجا المحدث المقدسي، بسنده إلى كعب الأحبار، أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم خرج من كوثا هاربا حتى نزل الشام من ناحية فلسطين في الموضع الذي يعرف اليوم بوادي السبع، وهو شاب ولا مال له، فأقام حتى كثر ماله، ومواشيه، فقالوا له: ارحل عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح وكانوا يسمونه بذلك فقال لهم: صلى الله عليه وسلم نعم فلما هم بالرحيل قال بعضهم لبعض جاءنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال كله فلو قلنا له أعطنا شطر مالك وخذ الشطر فقالوا له ذلك فقال لهم:
نعم صدقتم جئتكم وكنت شابا فردوا علي شبابي وخذوا ما شئتم من مالي فخصمهم ورحل، فلما كان وقت ورود الغنم الماء جاءوا يستقون، فإذا الآبار قد جفت، فقال بعضهم لبعض ألحقوا الشيخ الصالح، واسألوه الرجوع إلى موضعه فإنه إن لم يرجع هلكنا، وهلكت مواشينا، فلحقوه فوجدوه بالموضع الذي يعرف بالمغار، فقالوا: غار الماء فلذلك سمي المغار وسألوه أن يرجع فقال إني لست براجع ودفع إليهم سبع شياه من غنمه، وقال: أوقوفوا كل شاه على بئر؟ فإنه يرجع الماء وإنما سمي ذلك الوادي وادي السبع لأنه دفع إليهم فيه سبع شياه من غنمه وقال: اذهبوا بها معكم فإنكم إذا أوردتموها البئر ظهر الماء حتى يكون عينا معينًا كم كان؟ واشربوا، ولا تقربها امرأة حائض، فرجعوا بالأعنز فلما وقفت على البئر ظهر الماء وكانوا يشربون منها وهي على تلك الحالة، حتى أتت امرأة حائض واغترفت منها فغارت ماؤها، ورحل إبراهيم عليه السلام ونزل اللجون، وأقام بها ما شاء اللَّه تعالى، ثم أوحى اللَّه إليه أن أنزل ممري فرحل ونزل جبريل وميكائيل عليهما السلام بممري وهما يريدان قوم لوط عليه السلام فخرج إبراهيم عليه السلام ليذبح العجل فانفلت منه، ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون فنودي يا إبراهيم سلم على عظام أبيك آدم عليه السلام فوقع ذلك في نفسه ثم ذبح العجل وقربه إليهم وكان من شأنه ما نص عليه اللَّه عز وجل في كتابه العزيز، فمضى معهم إلى قرب ديار قوم لوط فقالوا له: اقعد ههنا فقعد وسمع
صوت الديكة في السماء فقال هذا هو الحق اليقين فأيقن بهلاك القوم، فسمي ذلك الموضع: مسجد اليقين وهو على نحو فرسخ من بلد الخليل عليه السلام ثم رجع إبراهيم وطلب من عضرون المغارة واشتراها منه بأربعمائة درهم كل درهم وزن خمسة دراهم، وكل مائة ضرب ملك، فصارت مقبرة له، ولمن مات من أهله.
وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى كعب الأحبار أنه قال: أول من مات ودفن [بجوار](*)
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (بحرى) وعلق في الهامش بقوله (غير مقروءة)
سارة وذلك أنه لما ماتت خرج الخليل عليه السلام يطلب موضعا يقبرها فيه ورجا أن يجد بقرب مري موضعا فمضى إلى عضرون، وكان مالك الموضع وكان مسكنه بحري، فقال له إبراهيم عليه السلام بعني موضعا أقبر فيه من مات من أهلي فقال له عضرون الملك قد أبحت لك ذلك حيث شئت من أرضي، قال: إني لا أحب إلا بالثمن، فقال له: أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت فأبى عليه وطلب منه المغارة فقال له: أبيعكها بأربعمائة درهم كل درهم وزن خمسة دراهم وكل مائة ضرب ملك وأراد بذلك التشديد عليه كيلا يجد فرجع إلى قومه وخرج من عنده فإذا جبريل عليه السلام فقال له: إن اللَّه تعالى قد سمع مقالة الجبار لك وهذه الدراهم ادفعها إليه فأخذها إبراهيم عليه السلام ودفعها إلى الجبار فقال له: من أين لك هذه الدراهم؟ فقال من عند إلهي وخالقى ورازقى فأخذها منه، وحمل إبراهيم سارة ودفنها في المغارة فكانت أول من دفن فيها، ثم توفي الخليل صلى الله عليه وسلم فدفن بحذائها ثم توفيت ريقة زوجة إسحاق فدفنت فيها، ثم توفي إسحاق عليه السلام فدفن بحذاء زوجته، ثم توفي يعقوب عليه السلام فدفن عند باب المغارة، ثم توفيت زوجته ليفا فدفنت بحذائه، فاجتمع أولاد يعقوب، والعيص وأخوته، وقالوا: ندع باب المغارة مفتوحًا وكل من مات منا دفناه فتشاجروا، فرفع أحد إخوته العيص وقيل أحد أولاد يعقوب، يده ولطم العيص لطمة فسقط رأسه في المغارة فحملوا جثته ودفن بغير رأس، وبقي الرأس في المغارة، وحوطوا عليها حائط وعملوا عليها علامة القبور في كل موضع وكنبوا عليها هذا قبر إبراهيم، هذا قبر سارة، هذا قبر إسحاق، هذا قبر ريقا، هذا قبر يعقوب، هذا قبر زوجته، وخرجوا عنه وأطبقوا بابه فكل من جاء إليه يطوف به ولا يصل إليه أحد حتى جاء الروم بعد ذلك
ففتحوا له بابًا ودخلوا إليه، وبنوا فيه كنيسة ثم إن اللَّه تعالى أظهر الإِسلام بعد ذلك وملك المسلمون الديار وهدموا الكنيسة وفي رواية عن عبد المنعم عن أبيه، عن وهب بن منبه، قال: أصبت على قبر إبراهيم عليه السلام مكتوبًا خلفه.
في حجر غير جهولا أمله
…
بموت من جاء أجله لم تغن عنه حيله
زاد بعض أهل العلم
…
والمرء لا يصحبه في القبر إلا عمله
قال: وحدث محمد بن الخطب خطب مسجد إبراهيم عليه السلام، قال: سمعت محمد بن إسحاق النحوي يقول: خرجت مع القاضي أبي عمر، وعثمان بن جعفر بن شادان، إلى قبر إبراهيم عليه السلام: فأقمنا ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع، جاء إلى النقش المقابل لقبر ريقة زوجة إسحاق عليه السلام، فأمر بغسله حتى ظهرت كتابته وتقدم وأمر أبي بأن أنقل ما هو مكتوب في الحجر إلى درج كان معنا على التمثيل فنقلته ورجعنا إلى الرملة فأحضر أهل كل لسان ليقرؤوه عليه، فلم يكن فيهم أحد يقرؤه لكنهم أجمعوا أن هذا بلسان اليوناني القديم، وأنهم لا يعلمون أن أحدًا بقي يقرؤه غير شيخ بحلب فعمل على إحضاره إليه، فلما حضر عنده أحضرني فإذا هو شيخ كبير فأملى على الشيخ المحضر من حلب فأنقل في الدرج في التمثيل باسم إلهى وإله العرش القاهر الهادي الشديد البطش، العلم الذي بحذا هذا قبر ريقة زوجة إسحاق، والذي بإزائه قبر إسحاق، والعلم الأعظم الذي يوازيه قبر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، والعلم الذي بحذائه من الشرق قبر زوجته سارة، والعلم الأقصى الموازي لقبر إبراهيم قبر يعقوب، والعلم الذي يليه من الشرق قبر ليقا زوجة يعقوب، صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين، وكتب العيص بخطه، قال: واسم زوجة يعقوب إليا، وفي بعض الكتب ليا، والمشهور ليقا واللَّه أعلم.
قال الحافظ ابن عساكر، قرأت في بعض الكتب لأصحاب الحديث ونقلت منها، قال محمد بن أبي بكر إن ابن محمد الخطب خطيب مسجد إبراهيم عليه السلام، وكان قاضيا بالرملة في أيام الراضي باللَّه تعالى في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وما بعدها وله رواية في الحديث وسمع من جماعة، وحدث عنه جماعة من أهل العلم، قال:
سمعت محمد بن أحمد بن علي بن جعفر الأنباري، يقول:
سمعت أبا بكر الإسكافي يقول: صح عندي أن قبر إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الموضع الذي هو الآن فيه، لما رأيت وعانيت وذلك أني وقفت على السدنة وعلى الموضع وقوفًا كثيرة بنحو أربعة آلاف دينار، رجاء ثواب اللَّه تعالى، وطلبت أن أعلم صحة ذلك، حتى ملكت قلوبهم بما كنت أعمل معهم من الجميل والكرامة والملاطفة والإحسان إليهم، وأطلب بذلك أن أصل إلى ما صح وجال في صدري، فقلت لهم يومًا من الأيام وقد جمعتهم عندي بأجمعهم: أسألكم أن توصلوني إلى باب المغارة كي أنزل إلى الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وأشاهدهم فقالوا إن أجبناك إلى ذلك لأن لك علينا حقًا واجبًا ولكن ما يمكن في هذا الوقت لأن الطارق لنا كثير فاصبر حتى يدخل الشتاء فلما دخل كانون الثاني خرجت إليهم فقالوا: أقم عندنا حتى يقع الثلج؟ فأقمت عندهم حتى وقع الثلج وانقطع الطارق عنهم فجاءوا إلى موضع ما بين قبر إبراهيم الخليل، وقبر إسحاق عليهم السلام، فعلقوا البلاطة التي هناك، ونزل رجل منهم يقال له صعلوك، وكان رجلًا صالحًا فيه خير ودين ونزلت معه، ومشى وأنا من ورائه فنزلنا في اثنتين وسبعين درجة فإذا عن يميني دكان عظيم من حجر أسود، وإذا عليه شيخ خفيف العارضين طويل اللحية ملقى على ظهره وعليه ثوب أخصر، فقال لي صعلوك، هذا إسحاق عليه السلام، ثم سرنا غير بعيد فإذا دكان أكبر من الأول وعليه شيخ ملقى على ظهره، له شيبة قد أخذت ما بين منكبيه أبيض الرأس واللحية والحاجبين وأشفار العينين، وتحت شيبته ثوب أخصر، قد جلل بدنه والرياح تلعب بشيبته يمينًا وشمالًا، فقال صعلوك: هذا إبراهيم الخليل عليه السلام فسقطت على وجهي ودعوت اللَّه تعالى بما حضرني من الدعاء، ثم سرنا فإذا دكان لطيفة عليها شيخ آدم شديد الأدمة، كث اللحية، وتحت منكبيه ثوب أخضر قد جلله فقال لي صعلوك، هذا يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إننا عدلنا يسارًا لننظر إلى الحرم، فخلف
أبو بكر الإسكافي أن تممت الحديث، قال: فقمت من عنده في الوقت الذي حدثني فيه وخرجت من وقتي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام، فلما وصلت إلى المسجد سألت عن صعلوك فقيل لي الساعة يحضر فنظر إلى بعين منكر للحديث الذي سمع مني،
فأومأت إليه بلطف لخلصت به من الإثم والحرج، ثم قلت له: إن أبا بكر الإسكافي عمي فالتفت إليَّ عند ذلك فقلت يا صعلوك، باللَّه ما عدلتم إلى نحو الحرم ماذا كان؟ وما الذي رأيتما؟ فقال لي: ما حدثك أبو بكر فقلت أريد أسمعه منك أيضًا، فقال: سمعنا من نحو الحرم صائحًا يصيح تجنبوا الحريم رحمكم اللَّه، فوقعنا مغشيًا علينا: ثم إنا بعد وقت أفقنا وقمنا، يئسنا من الحياة، وأيست الجماعة منا قال: فقال لي الشيخ: ما عاش أبو بكر الإسكافي؟ ما حدثني أيامًا يسيرة؟ توفي وكذلك صعلوك رحمهما اللَّه، وروى الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي قال: قدم أبو زرعة قاضي فلسطين إلى مسجد إبراهيم عليه السلام فحيث أسلم عليها، وقد عقد عند قبر سارة عليها السلام في وقت الصلاة فدخل شيخ فدعاه وقال: يا شيخ أين هو قبر إبراهيم عليه السلام من هؤلاء فأومأ إليه الشيخ إلى قبر إبراهيم عليه السلام ومضى فجاء شاب فدعاه وقال له: مثل ذلك فأشار إليه ومضى، فجاء صبي فدعاه فقال مثل ذلك، فأومأ إليه. قال أبو زرعة: أشهد أن هذا قبر إبراهيم لا شك فيه نقل الخلف عن السلف، كما قال مالك بن أنس رضي الله عنه: إن نقل الخلف عن السلف أصح من الحديث لأن الحديث ربما يقع فيه الخطأ والنقل لا يقع فيه الخطأ ولا يطعن في ذلك إلا صاحب بدعة مخالف ثم قام ودخل إلى داخل [المسجد](*) فصلى
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ليست بالمطبوع
الظهر ثم رحل من الغد، وقال أبو عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي في كتاب البديع في تفضيل مملكة الإسلام، وحبرى هي قرية إبراهيم عليه السلام فيها حصن عظيم يزعمون أنه من بناء الجن من حجارة عظيمة منقوشة ووسطه قبة من الحجارة الإسلامية على قبر إبراهيم عليه السلام، وقبر إسحاق قدام في المغطى، وقبر يعقوب في المؤخر حدى كل نبي امرأته، وقد جعل الحيز مسجدًا وبنى حوله دور المجاورين فيه واتصلت العمارة به من كل جانب ولهم قناة ماء ضغينة وهذه القرية إلى نصف مرحلة من كل جانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إلى مصر. وفي هذه القرية ضيافه دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون يقدمون العدس بالزيت لكل من يحضر من الفقراء ويدفع إلى الأغنياء إذا أخذوا.
وعلى ذكر سليمان بن داود عليه السلام الحيز على المغارة بوحي من اللَّه تعالى أقول: روى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى كعب الأحبار قال: إن سليمان بن داود عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس، أوحى اللَّه تعالى إليه أن ابن علي قبر خليلي بناء ليعرف به، فخرج سليمان عليه السلام فبنى في موضع يسمى الرامة، فأوحي إليه ليس هو هذا ولكن انظر إلى النور المتوفى من السماء إلى الأرض فنظر فإذا النور على بقعة من بقاع حبرى، فعلم أن ذلك المقصود، فبنى ذلك الحيز على البقعة، وروى الحافظ المكي المقدسي عن مكحول عن كعب أنه قال: أول من مات ودفن في حبرى سارة زوجة إبراهيم عليه السلام ولما ماتت خرج إبراهيم يطلب موضعًا يقبرها فيه فقدم على عفرون وكان على دينه، وكان مسكنه وناحيته حبرى، فاشترى منه الموضع كما تقدم، ودفن فيه سارة، ثم توفي إبراهيم ودفن لزيقها، ثم توفيت ريقة زوجة إسحاق ثم توفي إسحاق ودفن لزيقها ثم توفي يعقوب فدفن في ذلك الموضع ثم توفيت زوجته فدفنت معهم صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين فأقام ذلك الموضع على ذلك إلى زمن
سليمان عليه السلام فلما بعثه اللَّه تعالى أوحى إليه يا ابن داود ابن علي قبر خليلي حيزًا حتى يكون لمن يأتي بعدك علما لكي يعرف، فخرج سليمان وبنو إسرائيل، من بيت المقدس، حتى قدم أرض كنعان، وطاف فلم يصبه فرجع إلى بيت المقدس، فأوحى اللَّه إليه يا سليمان خالفت أمري قال: يا رب غاب عني الموضع فأوحى اللَّه تعالى أن امض فإنك ترى نورًا من السماء إلى الأرض فهو موضع قبر خليلي إبراهيم فخرج سليمان ثانية فنظر وأمر الجن فبنوا على الموضع الذي يقال له الرامة فأوحى اللَّه تعالى إليه ليس هو الموضع، ولكن إذا رأيت النور التصق بعنان السماء إلى الأرض فابْنِ عليه الحيز.
وعن ذكر آداب زيارة القبور المشار إليها، وما يستحب من الزائر من الآداب عند قصد الزيارة في الباب الحادي عشر، أما بيان موضع قبر يوسف عليه السلام فقد قال الترمذي أن قبره في البقيع الذي خلف الحيز وهو حدى قبر يعقوب عليه السلام. وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى إبراهيم بن أحمد الخلنجي أن جارية المقتدر باللَّه وكانت
تعرف بالعجوز سألته وكانت مقيمة ببيت المقدس، الخروج إلى الموضع الذي روي أن قبر يوسف عليه السلام فيه وإظهاره والبناء عليه، قال: فخرجت مع العمال لكشف الموضع في البقيع الذي روي خارج الحيز قال فاشترى البقيع من صاحبه، وأخذ في كشفه فخرج في الموضع الذي روي فيه حجر عظيم، وأمر بكسره فكسر منه قطعة وقلعوها فإذا يوسف على صفته من الحسن والجمال وصار رائحة الموضع مسكًا عبيقًا ثم جاء ريح عظيم فأطبق العمال الحجر كما كانت ثم بنيت عليه القبة التي هي عليه الآن على صحة من رؤيته وكان الذي رأى الرؤيا رجلًا صالحًا من ولد تميم
الداري وكان إمام مسجد إبراهيم عليه السلام، قال: وكنت أضع رأسي على الدرجة السفلى من المنبر وأنام فيأتيني هاتف يقول: أظهر قبر يوسف عليه السلام وأراني البقيع، والمكان ثلاث مرات عند طلوع الفجر قال فعند ذلك دخلت إلى بيت المقدس، وعرفت العجوز جارية المقتدر باللَّه فكتبت إلى مواليها فجاء الأمر بالكشف عن الموضع والبناء عليه، وبيان ذلك دليل الصحة فيه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السلام أن احمل يوسف إلى بيت المقدس إلى عند آبائه فلم يدر أين هو فدلته عجوز بني إسرائيل فاستخرجه من النيل وحمله إلى عند آبائه كما قدمناه، قال: أبو عبد اللَّه بن أحمد وأبو بكر البناء المقدسي، في كتاب البديع: سمعت عمي أبا الحسن وأبا بكر البناء يقولان: كان قبر يوسف عليه السلام دكة يقال إنها قبر بعض الأسباط حتى جاء رجل من خراسان وذكر أنه رأى في المنام قائلًا يقول له: اذهب إلى بيت المقدس وأعلمهم أن ذاك يوسف الصديق فجاء وأخبر رؤياه قال: فأمر السلطان والدي بالخروج فخرج فخرجت معه فلم تزل الفعلة يحضرون حتى انتهوا إلى خشب العجلة وإذا بها قد نخرت، ولم أزل أرى عجائزها من تلك التجارة يستشفون بها في الرمد وأما تسميته داخل المحوط مسجدا، وجواز الدخول، وإلى ثبوت أحكام المسجد له، وتسميته حيزا فقد تقدم إلى صاحب باعث النفوس نقل عن الفقيه أبي المعالي المشرف أنه سماه مسجدًا وأكده بقوله يستحب أن يصلى ركعتين تحية المسجد، وتقدم عند ذكر آدم عليه السلام عن ابن عمر أنه قال: رجلاه يعني آدم عليه
السلام عند مسجد الخليل عليه السلام فسماه مسجدًا، وفي رواية أن قبره في مغارة بين بيت المقدس، ومسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وإذا كان مسجد جاز الدخول إليه وسماه السبكي وكتب بخطه في آخر جزء حديثين يسمى تحفة أهل الحديث فيه سماع على الشيخ برهان الدين الجعبري، وذكر جماعة سمعوا معه بالحرم ثم قال: صح وثبت في يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعمائة بحرم الخليل -صلى اللَّه
عليه وسلم- فأطلق على المشهد المذكور حرما وكلامه صريح في أنه دخله هو والشيخ برهان الدين الجعبري، والسامعون معه فدل على جواز دخوله وعمل الناس اليوم على دخوله وزيارة القبور الشريفة، والوقوف عند الإشارات التي عليها وصلاة الجمعة والجماعات هناك بعد وضع منبر كبير عال هناك عن يمين المحراب، وإذا علمت ما يقول من جواز دخوله وأنه يطلق عليه مسجد علمت أنه ثبت له أحكام المساجد كنية الاعتكاف فيه وتحريم المكث على الجنب فيه والتحية إذ لا تعويل على أنه مقبرة وأما إقطاع تميم الداري رضي الله عنه الذي قطعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولمن وفد معه عليه من الداريين ونسخة ما كتب به له في ذلك قال صاحب باعث النفوس، روي عن أبي هند الداري قال (قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر تميم بن أوس وأخوه نعيم ويزيد بن قيس وأبو عبد اللَّه بن عبد اللَّه -وهو صاحب الحديث وأخوه الطيب بن عبد اللَّه فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن- وقال ابن النعمان: فأسلمنا وسألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشام فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيث شئتم قال أبو هند الداري رضي الله عنه فنهضنا من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى موضع نتشاور فيه أين نسأل؟ فقال تميم أرى أن نسأل بيت المقدس وكوتها فقال أبو هند رأيت ملك المعجم اليوم أليس هو بيت المقدس قال تميم: نعم فقال أبو هند: فكذلك يكون ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا فقال تميم فنسأله بيت جبريل فقال أبو هند: هذا أكبر وأكثر فقال تميم فأين ترى أن تسأله؟ قال: أرى أن نسأله القرى التي تصنع فيها حصرنا مع ما فيها من آثار إبراهيم عليه السلام فقال: تميم أصبت ووفقت.
قال: فنهضنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا تميم أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو
أخبرك؟ فقال تميم بل تخبرنا يا رسول اللَّه فنزداد إيمانًا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أردت يا تميم أمرًا وأراد هذا غيره
ونعم الرأي رأي أبو هند، قال: فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقطعة من أدم وكتب لنا فيها بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الداريين إذا أعطاه اللَّه الأرض وهب لهم بيت عينون، وحبرون، والمرطوم، وبيت إبراهيم، ومن فيهم إلى أبد الآبدين، شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس بن حسنة وكتب قال ثم دخل بالكتاب إلى منزله فعاج في زاوية الرقعة بشيء لا يعرف وعقده من خارج الرقعة عقدتين وخرج إلينا به مطويًا وهو يقول:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68]، ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا أني قد هاجرت قال أبو هند: فانصرفنا فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه وسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتابًا نسخته بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وأصحابه إني أعطيتكم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم يد منهم وجميع ما فيهم عطية بت ونفدت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الآبدين فمن آذاهم فيه آذاهم اللَّه تعالى شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب، فلما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وجند جنود إلى الشام كتب لنا كتابًا نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه تعالى الذي لا إله إلا هو أما بعد فامنع من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها وإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك انتهى واللَّه أعلم.