الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: حكم رجوع الزوج في هبته لزوجته ورجوعها في هبتها له
إذا وهب الرجل زوجته هبة فإنه لا يجوز له أن يرجع في هبته لها هذا ما اتفق عليه أهل العلم، وعليه المذاهب الأربعة 1.
ودليل هذا الاتفاق ثابت في السنة من ذلك:
1-
ما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده
…
" فالحديث نص على حرمة الرجوع في الهبة ولم يستثن إلا الوالد.
2-
ما تقدم من حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه".
وهذا التشبيه يدل على تحريم الرجوع في الهبة؛ لأن القيء حرام، فالمشبه به مثله 2 وهو ذم عام يدخل فيه الزوج إذا وهب لزوجته 3.
أما حكم رجوع الزوجة في الهبة إذا وهبت زوجها ففيه خلافٌ لأهل العلم على أقوال ثلاثة:
القول الأول: لا رجوع للزوجة إذا وهبت زوجها كما إذا وهبها، وعليه
1 البداية وشرحها الهداية مع شرح فتح القدير 9/444، تحفة الفقهاء 3/167، المنتقى 6/116، المعونة 3/1614، الذخيرة 6/266، القوانين الفقهية، ص 315، المهذب مع المجموع 15/381، حلية العلماء 6/54، المنهاج ومغني المحتاج 2/401، المقنع شرح مختصر الخرفي 2/779، المحرر 2/375، المغني 8/278.
2 تكملة المجموع 15/382.
3 انظر: فتح الباري 5/217.
الأحناف والمالكية والشافعية وأحمد في رواية. وقال به عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة والثوري وأبو ثور وعطاء وقتادة 1.
القول الثاني: يجوز للزوجة إذا وهبت زوجها شيئاً أن ترجع فيه مطلقاً، هذا القول رواية عن أحمد 2.
القول الثالث: إذا لم تطب نفسها بالهبة فلها الرجوع، هذا القول رواية عن أحمد مأخوذة من قوله:"إذا كان الزوج سألها الهبة فلها الرجوع رضيت، أو كرهت" قال ابن قدامة: فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضبه عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع؛ لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها، وهو قول شريح وابن شبرمة والزهري، وكذا قال الزهري: لها الرجوع فيما إذا خدعها 3.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1-
قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 4. قال القرطبي: الخطاب يدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكراً كانت أو ثيباً جائزة، وبه قال جمهور الفقهاء 5.
1 انظر: مصادر المسألة السابقة مسألة رجوع الزوج في هبته لزوجته.
2 المغني 8/278، الإنصاف 7/148، عب 9/114.
3 المغني 8/279، الإنصاف 7/147، مصنف عبد الرزاق 9/114،115، صحيح البخاري مع الفتح 5/216،217.
4 سورة النساء، آية 4.
5 تفسير القرطبي 5/24.
2-
قوله تعالى: {ِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1 أي: إلا أن تعفو المطلقة قبل الدخول عن النصف الذي يجب لها من صداقها، وهذا من قبيل الهبة 2.
3-
عموم حديث ابن عمر وابن عباس السابق الذي شبه فيه العائد في هبته بالكلب وحديث ابن عباس المصرح بالنهي عن الرجوع في الهبة 3.
4-
ما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها "أنه لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتها 4". ساقه البخاري في باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها. وقال ابن حجر: ووجه دخوله في الترجمة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهبن لها ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع أي فيما مضى وإن كان لهن الرجوع في المستقبل 5.
أدلة القول الثاني:
1-
ما روى عبد الرزاق بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال: "كتب عمر بن الخطاب أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت"6. قال ابن حجر: إسناده منقطع 7.
1 سورة البقرة 237.
2 تفسير الطبري 5/141، تفسير القرطبي 3/205.
3 المغني 8/279، فتح الباري 5/217.
4 البخاري مع الفتح 5/216 في الهبة باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، حديث 2588، مسلم 1/312 في الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر حديث91.
5 فتح الباري 5/217.
6 عب 9/115، رقم 16562.
7 فتح الباري 5/217،
2-
ما روى عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: ما رأيت القضاة إلا يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج فيما وهب لامرأته 1.
أدلة القول الثالث:
1-
قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2.
فإذا خدعها أو أجبرها فإنها لم تطب بها نفسها وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها 3.
2-
ما روى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي مرة الرقاشي عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه"4.
صححه الألباني بالشواهد 5.
الترجيح:
الذي يظهر لي والله أعلم أن القول الثالث أرجح الأقوال، فمتى وهبت المرأة زوجها هبة عن طيب نفس فلا رجوع. أما إذا لم تطب نفسها فلها الرجوع، ولعله لا فرق بين هذا القول وبين القول الأول، قول جمهور العلماء؛ لأنه وإن كان ينص القول الأول على أنه لا رجوع للزوجة في هبتها لزوجها إلا أني لم أجد من نصّ منهم على أنه لا رجوع لها حتى مع عدم طيب نفسها فلعل
1 عب 9/114، رقم 16559.
2 سورة النساء، آية 4.
3 انظر: المغني 8/279، تفسير القرطبي 5/25.
4 مسند الإمام أحمد 5/72، سنن البيهقي 6/100، مسند أبي يعلي 3/140 رقم 1570.
5 ارواء الغليل 5/279.
قولهم مقيد بكون هبتها عن طيب نفس، وهذا عندي كالمتعين ومن أسباب ترجيح هذا القول ما يلي:
1-
أن هذا القول يجمع بين الأدلة.
2-
أن القول بمنعها من الرجوع مطلقاً فيه ضرر عليها؛ لأنه من المعلوم أنها تعطي زوجها رغبة ورهبة، والآية نصت على طيب النفس.
3-
أن القول بأن لها الرجوع مع طيب نفسها يصادم النصوص أيضاً ويشق على الزوج فقد يكون تصرف في الهبة وذهبت من يده.
وبهذا يتضح أنه لا يجوز للزوج أن يرجع في هبته لزوجته بخلاف الزوجة ففي رجوعها تفصيل والله أعلم.