الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: حكم ولاية الأب والأم على مال الصبي
من المعلوم شرعاً أن الصبي ممنوع من التصرف في ماله حتى يبلغ الحلم ويُؤنس منه الرشد وعند ذلك يدفع إليه ماله وأن التصرف في ماله حال سفهه يكون إلى وليه وقد يكون الولي هو الأب وقد يكون غيره من الأولياء أو الأوصياء وقد يكون الحاكم.
والأصل في ثبوت الحجر على الصبي الكتاب والإجماع من ذلك.
1-
قال الشافعي: فلما علّق الله تعالى دفع المال إلى اليتيم بالبلوغ وإيناس الرشد عُلم أنه قبل البلوغ ممنوع من ماله محجور عليه فيه 2.
2-
قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل} 3.
والسفيه يجمع المبذر لماله لصغر ولغيره وقد أخبر الله تعالى أنه ينوب عنهم أولياؤهم فيما لهم وعليهم فدل على ثبوت الحجر عليهم4.
3-
قال ابن حزم: اتفقوا على وجوب الحجر على من لم يبلغ5.
1 آية 3 سورة النساء 0
2 الأم 3/218، وانظر تكملة المجموع 13/345 0
3 آية 282 سورة البقرة.
4 تكملة المجموع 13/345 0
5 مراتب الإجماع ص 58، الإجماع ص 59 0
وقد مر في المبحث الثاني من هذا الفصل حكم دفع المال للصبي بعد بلوغه والذي أريد بيانه هنا هو حكم الولاية على مال الصبي في حق أبيه وأمه فقط ليتضح الفرق بينهما في ذلك.
فأما بالنسبة للأب فإن أهل العلم لم يختلفوا في أنه أولى الأولياء بالنظر في مال ابنه المحجور عليه صبياً أو غيره إذا كان موجوداً ولم يمنع من ولايته مانع من جنون أو سفه ونحوه1.
وقد دلت الأدلة السابقة على ثبوت الولاية على الصبي وأن تصرفه غير نافذ وأولى الناس بهذه الولاية الأب "لأن ذلك مبني على الشفقة وشفقة الأب فوق شفقة الكل"2.
ولم يختلف العلماء في تقديم الأب على غيره كما مر في المصادر.
وأما بالنسبة للأم ففي حكم ولايتها على مال الصبي خلاف بين أهل العلم على قولين:
القول الأول: لجماهير العلماء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الأم ليس لها ولاية على مال الصبي إلا بالإيصاء عند بعضهم وعند البعض الآخر ليس لها ولاية حتى وإن أُوصي إليها بل تُنقل الولاية إلى رجل من قومه3.
القول الثاني: يقول أصحابه إن للأم ولاية على مال الصبي، على خلافٍ
1 بدائع الصنائع 5/155، الدر المختار 6/174، الذخيرة 8/240، حاشية الدسوقي والشرح الكبير 3/299، بلغة السالك على الشرح الصغير 2/140، منح الجليل 6/104، روضة الطالبين 4/187، مغني المحتاج 2/173، تكملة المجموع 13/245، المغني 6/612، الإنصاف 5/323، 324، الفقه الإسلامي 5/426 0
2 بدائع الصنائع 5/155 0
3 انظر المصادر السابقة في الإحالة الأولى 0
في ترتيبها بين الأولياء، هذا ما ذهب إليه الاصطخري من الشافعية وبعض الحنابلة1.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1-
قالوا لا ولاية للأم على مال صبيها قياساً على ولاية النكاح 2.
2-
أنه ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال 3.
3-
ولأن قرابة الأم لا تتضمن تعصيباً، فلم تتضمن ولاية كقرابة الخال4.
أدلة القول الثاني:
1-
ما روى البيهقي في سننه أن عمر رضي الله عنه أوصى بالنظر في الوقف الذي أوقفه بخيبر إلى ابنته حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر 5.
قال الألباني: إسناده صحيح 6.
قلت: ذكر صاحب تكملة المجموع أن الإمام أحمد استدل بهذا الأثر7 ووجه الاستشهاد فيما يبدو لي يكمن في كون المرأة صالحة للولاية على المال
1 روضة الطالبين 4/187، تكملة المجموع 13/245، الإنصاف 5/324 0
2 المهذب مع المجموع 13/245 0
3 بدائع الصنائع 5/155 0
4 تكملة المجموع 13/346 0
5 الأثر في الصحيحين ولكن موضع الشاهد وهو الإيصاء إلى حفصة لم يرد فيهما وإنما هو في سنن البيهقي 6/161 0
6 ارواء الغليل 6/30 0
7 تكملة المجموع 13/346 0
الذي يحتاج إلى نظر وحفظ خاصة أن عمر رضي الله عنه جعل وقفه للفقراء وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف فإذا صلحت المرأة للنظر في مثل هذا المال فإنها صالحة للنظر في مال صبيها المحجور عليه من باب أولى:
2-
أن لها الولاية على مال الابن الصغير لأنها أحد الأبوين فتثبت لها الولاية في المال كالأب 1.
قلت: وهذا قياس مع الفارق لأن النظر في المال يحتاج إلى خروج من البيت ومخالطة للرجال والمرأة ليست كالرجل في ذلك؛ ولأن الأب له تعصيب بخلاف الأم.
الترجيح:
الذي يظهر لي أنه لا ولاية للأم على مال ابنها الصغير إلا أن يوصي إليها ولي الصغير بذلك كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أو يحكم بولايتها حاكم فلها أن تليه كالأجنبي والسبب فيما قلت أن المرأة ليست من العصبة والولاية على المال خاصة بالعصبة كالعقل فإن الأم لا تدخل في العاقلة وإنما يؤدي الدية عن صبيها عاقلته وهم العصبة 2 فكما أن أداء المال عنه يكون إلى العاقلة فليكن النظر في ماله وإصلاحه إلى العاقلة وبهذا يتضح الفرق بين الأب والأم في الولاية على مال الصبي فالولاية ثابتة للأب بلا خلاف دون الأم والله أعلم 0
1 المهذب مع المجموع 13/345 0
2 المغني 12/39 0