المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ - الورقات فيما يختلف فيه الرجال والنساء

[أحمد بن عبد الله العمري]

الفصل: ‌المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ

‌المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ

المبحث الثاني: حكم دفع المال للصبي والجارية بعد البلوغ والرشد

هذه المسألة تُبْحَثُ في باب الحجر وذلك أن من الأسباب المقتضية للحجر الصغر فالصغير لا يدرك مصالحه وربما بذَّر ماله في أمر لا يعود عليه بنفع ومن هنا شرع الإسلام الحجر عليه في المال حتى يبلغ رشيداً فإذا وصل إلى هذه الغاية فلا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى.

فإن كان المحجور عليه ذكراً فقد اتفق العلماء على أنه إذا بلغ رشيداً1 دُفع إليه المال وهذا مما لا خلاف فيه وعليه المذاهب الأربعة 2.

وقد استدلوا لذلك بالمنقول والمعقول من ذلك:

قوله تبارك وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 3 فالآية دليل على أن من بلغ رشيداً دُفِعَ إليه ماله وهذا لا خلاف فيه،

وإنما اختلفوا فيما إذا بلغ سفيها 4.

2-

ما روى أبو داود في سننه من حديث علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتم بعد احتلام

" 5.

1 اختلف العلماء في المراد بالرشد فالجمهور على أنه الصلاح في حفظ المال وإدارته وقال ابن حزم وجماعة إنه الصلاح في الدين0 المحلى 8/286، وما بعدها0

2 بدائع الصنائع 7/170، بداية المجتهد 2/280، التنبيه، ص 72، المغني 6/594.

3 سورة النساء، آية 6.

4 انظر تفسير الطبري تحقيق محمود شاكر 7/574، وما بعدها، القرطبي 5/34، الإجماع ص 59.

5 سنن أبي داود 3/393 في الوصايا باب متى ينقطع اليتم حديث 2873.

ص: 174

وقد نقل المنذري عن الخطابي وغيره ما يدل على ضعفه، وكذلك تكلم عليه ابن القيم، وضعف الألباني إسناده ثم حكم عليه بالصحة لطرقه وشواهده1.

قال الخطابي: ظاهر هذا القول يوجب انقطاع أحكام اليتم عنه بالاحتلام وحدوث أحكام البالغين له

الخ 2.

3-

ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظاً لماله عليه وبهذين المعنيين يقدر على التصرف ويحفظ ماله فيزول الحجر لزوال سببه3.

وأما إن كان المحجور عليه لصغره أنثى فقد اختلف أهل العلم في وقت رفع الحجر عنها على أقوال ثلاثة:

القول الأول: لجمهور العلماء ومنهم الأحناف والشافعية والحنابلة في الصحيح قالوا يرتفع الحجر عنها ببلوغها رشيدة كالذكر تماماً4.

القول الثاني: للإمام مالك أنه لا يرفع الحجر عن الجارية حتى تبلغ رشيدة ويدخل بها زوجها ويشهد العدول على صلاحها5.

القول الثالث: لا يُرفع الحجر عنها إلا ببلوغها رشيدة وبشرط أن تتزوج وتلد أو تقيم في بيت زوجها سنة، هذا القول رواية لأحمد اختارها أبو بكر والقاضي وابن عقيل والشيرازي، وقال الموفق: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

1 مختصر المنذري 4/152، إرواء الغليل 5/80 وما بعدها.

2 معالم السنن مع مختصر المنذري 4/152:

3 المغني 6/594 0

4 أحكام القرآن للجصاص 2/358، بدائع الصنائع 7/170، التنبيه ص 72، مغني المحتاج 2/166، المغني 6/601، الإنصاف 5/320 0

5 الكافي 2/833، الخرشي على خليل 5/295 0

ص: 175

وبه قال شريح والشعبي وإسحاق والحسن البصري وابن سيرين وعطاء ومجاهد وقتادة والأوزاعي1.

الأدلة:

أدلة القول الأول:

استدل أهل القول الأول بما يلي:

1-

ما تقدم من قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 2.

فالآية أمرت بدفع أموال اليتامى إليهم عند بلوغهم راشدين ولم تفرق بين ذكر وأنثى.

2-

ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد احتلام" والحجر عليها إنما كان لأجل الصغر وقد زال بالاحتلام:

3-

ولأنها بالغة رشيدة فجاز لها التصرف في مالها كالتي دخل بها الزوج3.

أدلة القول الثاني:

قال ابن رشد: وحجة مالك أن إيناس الرشد لا يُتَصور من المرأة إلا بعد اختبار الرجال 4.

قلت: يحصل الاختبار من قبل أبيها أو وصيه فلا وجه لتخصيص الاختبار بالزوج.

1 المغني 6/601، الإنصاف 5/321، المحلى 8/310 0

2 سورة النساء آية 6.

3 المغني 6/601 0

4 بداية المجتهد 2/281 0

ص: 176

وقال القرطبي معللاً لذلك: حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس، وخرجت، وبرز وجهها عرفت المضار والمنافع 1.

أدلة القول الثالث:

ما روى شريح أنه قال: عهد إليَّ عمر بن الخطابرضي الله عنه أن لا أُجيز لجارية عطية حتى تلد ولداً أو تحول في بيتها حولاً 2.

قال ابن قدامة: إن صح أي أثر عمر رضي الله عنه فلا يترك به الكتاب، والقياس، على أن حديث عمر مختص بمنع العطية فلا يلزم منه المنع من تسليم مالها إليها ومنعها من سائر التصرفات 3.

الترجيح:

الذي يظهر لي والله أعلم أن القول الأول أقوى لقوة أدلتهم وضعف أدلة المخالف من جهة ومصادمتها للكتاب والسنة والقياس من جهة أخرى وبناءً على ذلك يتضح أنه لا فرق بين الغلام والجارية في هذا الحكم فمتى بلغ أحدهما رشيداً سُلِّم إليه ماله والله أعلم.

1 الجامع لأحكام القرآن 5/29 0

2 المغني 6/601 0 قال الموفق رواه سعيد في سننه وانظر المحلى 8/310 0

3 المغني 6/602 0

ص: 177

المبحث الثالث: حكم تصرف كل من الزوجين في ماله دون إذن الآخر

الزواج رابطة وطيدة وميثاق غليظ يوجب على كل واحد من الزوجين حقوقاً والتزامات للآخر لا يجوز الإخلال بها إلا أنه مع هذا الترابط يبقى لكل من الزوجين حرية التصرف في أمور كثيرة دون نظر إلى أخذ رأي الآخر وهناك أشياء جرى فيها خلاف منها المال فإنه لأجل هذا الترابط بينهما تكلم العلماء في باب الحجر عن حكم تصرف كل واحد منهما في ماله الخاص به دون إذن صاحبه.

فأما بالنسبة للرجل فإن أحداً من العلماء لم يقل بإن الزوجة لها الحق في منع زوجها من التصرف في ماله الخاص به حسب اطلاعي بل ليس لها إلا النفقة الواجبة عليه ولا نظر لها في تدبير ماله بوجه من الوجوه.

ويمكن الاستدلال لذلك بما يلي.

1-

قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} 1.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم بنوك والنساء وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عتيبة والحسن والضحاك ومعاوية بن قرة ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك2 فالآية على هذا التفسير تنهى عن إعطاء الرجل ماله لنسائه بل ينفق عليهن بالمعروف وبهذا يُعلم أنه لا سلطان لها على ماله بحال من الأحوال3.

1 سورة النساء آية 5

2 تفسير الطبري 7/560 - 562، الجامع لأحكام القرآن 5/29، تفسير القرآن العظيم 1/681، المحلى 9/ 288 0

3 سقت هذا الدليل مع أني لا أرى تفسير السفهاء بالنساء بل أرى أن قول من فسرها بالصبيان الذين لم يبلغوا الحلم أصح لكن غرضي من هذا أنه لا تسلط للمرأة على الرجل في ماله بل من العلماء من فهم أن القرآن ينهى عن إعطائها المال وَعَدَّها سفيهة لا تحسن التصرف فيه 0

ص: 178

2-

قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} 1.

قال ابن جرير في تفسيرها: الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ولذلك صاروا قُوّاماً عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن2.

قلت: فإذا كان الرجل من زوجه بهذه المثابة فلا يكون لها تصرف في ماله بحيث تنهاه أو تأمره فيه بشيء.

وأما المرأة فإن العلماء اختلفوا في حكم تصرفها في مالها دون إذن زوجها على قولين:

القول الأول: يجوز للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة دون نظر إلى إذن الزوج أو رضاه هذا قول جماهير العلماء وعليه الأحناف والشافعية وأحمد في المذهب والظاهرية3.

القول الثاني: ليس للمرأة الرشيدة التصرف المطلق في مالها 0 ثم اختلف أصحابه فقال مالك وأحمد في رواية ليس لها التصرف فيما زاد على الثلث من

1 سورة النساء، آية 34.

2 جامع البيان 8/290 0

3 الهداية وشرح فتح القدير 9/254، بدائع الصنائع 7/169، الحاوي 6/342، روضة الطالبين 4/177، المغني 6/602، الإنصاف 5/342، المحلى 8/309، 312 0

ص: 179

مالها بدون عوض كالهبة والعتق إلا بإذن زوجها وهو مروي عن أنس وأبي هريرة والحسن ومجاهد، وقال طاوس ليس لها التصرف في شيء من مالها مطلقاً، وعن الليث لا يجوز إلا في الشيء التافه1.

الأدلة:

أدلة القول الأول:

1-

عموم آيات القرآن كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 2 وقوله تعالى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَات} 3. وقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 4 وكحثه على الإنفاق. فصح أن كل أحد مندوب إلى فعل الخير والصدقة والعتق والنفقة في وجوه البر ليقي نفسه بذلك نار جهنم يدخل فيه ذات الزوج وغيرها ولا يخرج من هذا الحكم إلا من أخرجه النص ولم يخرج النص إلا المجنون حتى يفيق والصبي حتى يبلغ 5.

2-

قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 6.

قال ابن قدامة: وهذا ظاهر في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف7.

3-

قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً

1 المحلى 8/310، الشرح الكبير 3/307، القوانين الفقهية ص 276، فتح الباري 5/218، المغني 6/602، الإنصاف 5/342 0

2 سورة آل عمرآن، آية 92

3 سورة الأحزاب آية 35

4 سورة التوبة آية 41

5 المحلى بتصرف 8/279، 280 0

6 سورة النساء آية 6 0

7 المغني 6/603 0

ص: 180

فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ} 1.

قال الطحاوي: فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله2.

4-

ما روى مسلم في صحيحه أن أسماء باعت جارية لها قالت: فدخل عليَّ الزبير وثمنها في حجري فقال: هبيها لي. قالت: إني قد تصدقت بها3.

قال ابن حزم: فهذا الزبير، وأسماء بنت الصديق قد أنفذت الصدقة بثمن خادمها، وباعتها بغير إذن زوجها ولعلها لم تكن تملك شيئاً غيرها أو كان أكثر ما معها4.

5-

ما تقدم من حديث جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن فإنَّكن أكثر أهل النار فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال".

قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالصدقات وقبلها منهن ولم ينتظر في ذلك رأي أزواجهن5.

6-

ما روى الشيخان من حديث زينب امرأة عبد الله أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرأة أخرى عندما سألاه هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن قال: "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة"6.

1 سورة البقرة آية 237

2 شرح معاني الآثار 4/352 0

3 صحيح مسلم 4/1717 في السلام باب جواز إرداف المرأة الأجنبية

حديث 2182.

4 المحلى 8/311 0

5 شرح معاني الآثار 4/353 0

6 صحيح البخاري مع الفتح 3/328 في الزكاة باب الزكاة على الزوج حديث 1466، صحيح مسلم 2/694 في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين حديث 1000.

ص: 181

قال ابن قدامة: لم يذكر لهن هذا الشرط1 أي استئذان الزوج، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

وقال ابن حجر: وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها2.

7-

ما روى الشيخان من حديث ميمونة رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: "أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم. قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك"3.

قال ابن حجر: ووجه دخول حديث ميمونة في الترجمة أنها كانت رشيدة وأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى، فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله 4.

8-

استدلوا بالعقل، فقال الطحاوي: ثم النظر من بعد يدل على ما ذكرنا وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون في المرأة في وصاياها من ثلث مالها أنها جائزة من ثلثها كوصايا الرجال ولم يكن لزوجها عليها في ذلك سبيل ولا أمر، وبذلك نطق الكتاب العزيز، قال الله عز وجل:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 5.

1 المغني 6/604 0

2 فتح الباري 3/330 0

3 صحيح البخاري مع الفتح 5/217 في الهبات باب هبة المرأة لغير زوجها حديث 2592، صحيح مسلم 2/694 في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين حديث 999.

4 فتح الباري 3/303 0

5 سورة النساء آية 12 0

ص: 182

فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها فأفعالها في حياتها أجوز من ذلك1.

9-

أن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام 2.

10-

قال الإمام الشافعي: "ولو زعم زاعم أن زوجها شريك لها في مالها سئل بالنصف؟ فإن قال نعم قيل فتصنع بالنصف الآخر ما شاءت

فإن قال مالها مرهون له قيل له فبكم هو مرهون حتى تفتديه؟ فإن قال ليس بمرهون قيل له فقل فيه ما أحببت فهو لا شريكٌ لها في مالها وليس له عندك وعندنا أن يأخذ من مالها درهماً وليس مالها مرهوناً بفتكه وليس زوجها ولياً لها ومن خرج من هذه الأقاويل لم يخرج إلى أثر يتبع ولا قياس ولامعقول وإذا جاز للمرأة أن تُعطي من مالها الثلث لا تزيد عليه فلم يجعلها مُوَلّىً عليها ولم يجعل زوجها شريكاً ولا مالها مرهوناً في يديه ولا هي ممنوعة من مالها ولا مخلَّىً بينها وبينه ثم يجيز لها بعد زمانٍ إخراج الثلث والثلث بعد زمان حتى ينفد مالها فما منعها مالها ولا خلاّها وإياه والله المستعان، فإن قال هو نكحها على اليسر قيل أفرأيت إن نُكحت مفلسة ثم أيسرت بعدُ عنده أيدعها ومالها؟ فإن قال نعم فقد أخرجها من الحجر وإن قال لا فقد منعها ما لم تغرُّه به 3.

أدلة القول الثاني:

1-

ما روى ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن يحي رجل من

1 شرح معاني الآثار 4/354 0

2 المغني 6/604 0

3 الأم 3/217 قد أثبت الإمام الشافعي رحمه الله أنه لا سلطان لزوجها على مالها بالقرآن والسنة والمعقول وإنما نقلت ما تقدم لحسنه فراجع الأم وسترى العجب:

ص: 183

أولاد كعب بن مالك عن أبيه عن جده أن امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت إني تصدقت بهذا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها فهل استأذنت كعباً؟ " قالت: نعم 0 فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك زوجها فقال: "هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها؟ " فقال: نعم فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها" 1.

قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، عبد الله بن يحي لا يعرف في أولاد كعب ابن مالك 2.

وقال الطحاوي: حديث شاذ لا يثبت مثله 3 0

وقال ابن عبد البر: إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة4 وحكم الألباني بصحته لشواهده5.

2-

ما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها": هذا اللفظ لأحمد وأبي داود والنسائي

وفي لفظ للنسائي "لا يجوز لامرأة هبة في مالها إذا ملك زوجها عصمتها" ومثله عند ابن ماجة بإسقاط كلمة (هبة) وفي لفظ لأبي داود والحاكم "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها زوجها عصمتها"6.

1 سنن ابن ماجة 2/798 في الهبات باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 2389.

2 مصباح الزجاجة 2/40 حديث 843 0

3 شرح معاني الآثار 4/353 0

4 نقله الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت حديث 825.

5 صحيح ابن ماجة 2/47، سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث 825 0

6 المسند 2/179، 184، سنن أبي داود 3/816 في البيوع باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 3546، 3547، سنن النسائي 6/278 في العرايا باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 3756، 3757، سنن ابن ماجة 2/798 في الهبات باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 2389، المستدرك 2/ 47 0

ص: 184

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وقال الشوكاني: الحديث من طريق عمرو بن شعيب وحديثه من قسم الحسن 1 وكذا حسنه الألباني2.

واعترض ابن قدامة على الاستدلال به بقوله: حديثهم ضعيف وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو فهو مرسل وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث 3وقال ابن حزم عن هذا الحديث: صحيفة منقطعة، ثم لو صح لكان منسوخاً بخبر ابن عباس4.

ما روى ابن حزم في المحلى من طريق ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناديهما عن شريح قال: عهد إليَّ عمر بن الخطاب أن لا أجيز عطية جارية حتى تلد ولداً أو تحول في بيتها حولاً5.

وأجاب عنه بأن عمر أبطل فعلها جملة قبل أن تلد أو تبقى في بيت زوجها سنة ثم أجازه بعد ذلك جملة، ولم يجعل للزوج في شيء من ذلك مدخلاً ولا حدَّ

1 نيل الأوطار 6/18 0

2 سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث 825 0

3 المغني 6/604 0

4 المحلى 8/317، ومراده بخبر ابن عباس ما ثبت في الصحيح من أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في صلاة العيد وقبوله للصدقة منهن وقد مر من حديث جابر في أدلة القول الأول 0

5 المحلى 8/310 0

ص: 185

ثلثاً من أقل ولا من أكثر1.

قلت: وكذا لا دلالة فيه لمن منعها مطلقاً لأن هذا المنع محدد بحول واحد.

4-

أن حق الزوج متعلق بمالها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها" 2 والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها، ويتبسط فيه وينتفع به3.

وأُجيب عنه بأنه منتقض بالمرأة فإنها تنتفع بمال زوجها وتتبسط فيه عادة ولها النفقة منه وانتفاعها بماله أكثر من انتفاعه بمالها وليس لها الحجر عليه4.

وأجاب ابن حزم بأن الحديث فيه زجر عن أن تنكح المرأة لغير الدين لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر نفسه "فاظفر بذات الدين" ثم أي دليل فيه على أنها ممنوعة من مالها بكونه أحد الطامعين في مال لا يحل له منه شيء إلا ما يحل من مال جاره وهو ما طابت له به نفسها ونفس جاره ولا مزيد5.

قلت: فمن منعها من التصرف في ما زاد على الثلث حمل الأدلة التي تبيح للمرأة التصرف في مالها على الثلث والأدلة الناهية على ما زاد على الثلث 6.

ويجاب عنه بأنه لم يرد تحديد بالثلث فيكون ذلك تحكماً لا دليل عليه 7.

1 المرجع السابق 8/313

2 صحيح البخاري مع الفتح 9/132 في النكاح باب الأكفاء في الدين حديث 5090، صحيح مسلم 2/1086 في الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين حديث 1466 0

3 المغني 6/603 0

4 المرجع السابق 6/604

5 المحلى 8/315 0

6 فتح الباري 5/218 0

7 المحلى 8/313، المغني 6/604 0

ص: 186

وأما من منعها مطلقاً فحجتهم إطلاق الأدلة الناهية كما مر.

الترجيح:

إذا دقق الباحث النظر في هذه المسألة رأى أن قول القائلين بجواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها أقوى لأمور كثيرة منها:

1-

قوة ما استدلوا به من الآيات والأحاديث إذ أنها تدل صراحة على جواز تصرفها في مالها دون إذن زوجها.

2-

أن الأصل جواز تصرف الإنسان في ماله ما لم يمنع من ذلك دليل.

3-

أنه لم يختلف العلماء في جواز تصرف المرأة في مالها إذا لم تكن ذات زوج، ولم تكن سفيهة فالقياس يقتضي أن لها التصرف إذا كانت ذات زوج كغيرها من الأُمهات والأخوات.

قال الشافعي: ولا يختلف أحد من أهل العلم علمته أن الرجل والمرأة إذا صار كل واحد منهما إلى أن يجمع البلوغ والرشد سواءٌ في دفع أموالهما إليهما1.

4-

أن أدلة المانعين للمرأة من التصرف في مالها فيها نظر، فالحديث الأول فيه راوٍ مجهول، والثاني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه ما فيه خاصة عندما يعارض أدلة من الكتاب والسنة في غاية القوة كما في مسألتنا بل إن الإمام الشافعي أنكر أن يصح شيء مما استدلوا به من السنة 2.

5-

أنه ليس في الأدلة التي استدلوا بها ما يؤيد تحديد تصرفها بالثلث ومن هنا يبدو لي أن في صحة أدلة المانعين نظراً إذ أنها عارضت القرآن وصحيح

1 الأم 3/216 0

2 الأم 3/216، 217 0

ص: 187

السنة فلعل ضعفها أصح، أو لعلها منسوخة كما قال ابن حزم إذ أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة كان في آخر حياته، أو لعلها تُحمل على أنها لا تتصدق من ماله إلا بإذنه1 كما ذكر ابن قدامة، أو لعل الأمر بالاستئذان فيها مبني على حسن العشرة كما ذكر الخطابي2 والله أعلم.

1 المغني 6/604.

2 معالم السنن مع عون المعبود 9/463.

ص: 188