الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغصب والهبة والوصية
المبحث الأول: حكم قبول الوالد والولدة الهبة للصبي
…
المبحث الأول: حكم قبول الوالد والوالدة الهبة للصبي.
الهبة من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول لاسيما أنه قد يكون في قبول الهبة مِنّة للواهب على المتّهِب وإذا كانت الهبة لصبيٍ فالصبي لا تعتبر تصرفاته نافذة شرعاً لا قبولاً ولارفضاً ومن هنا كان القبول والرفض عائداً إلى وليه، وقد يكون الولي هو الأب أو الجد أو وصي الأب أو وصي الجد أو غيرهم وغرضي هنا أن يتضح الفرق بين الوالد والوالدة في قبول الهبة للولد فأقول:
لم يختلف أهل العلم في أن ولي الطفل أبوه إن كان حياً أميناً ولم يمنع من ولايته مانع من جنون ونحوه لأنه أشفق عليه وأقرب إليه من كل أحد.
قال ابن قدامة: لا أعلم فيه خلافاً لأن القبض إنما يكون من المُتَّهِب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه له أما غيره فلا نيابة له 1.
وعلى هذا فلا حق للأم في قبول الهبة للولد مع وجود أبيه وعليه المذاهب الأربعة 2. أما مع عدم وجود الأب والجد أو غيرهما من الأولياء أو الأوصياء ففي حكم قبول الأم قولان:
القول الأول: أنه لا بأس أن تقبل الأم الهبة لطفلها وهو رأي الحنفية وبعض المالكية والشافعية في وجه وبعض الحنابلة على خلاف بينهم في ذلك وإليك بعض عباراتهم.
قالت الحنفية: يقبض له أبوه ثم وصي أبيه بعده ثم جده أبو أبيه بعد أبيه
1 المغني 8/253 0
2 البداية والهداية وشرح فتح القدير وشرح العناية 9/34، بدائع الصنائع 6/126، الكافي لابن عبد البر 5/1005، المنتقى 6/106، الذخيرة 6/248، روضة الطالبين 5/367، المغني 8/252، المقنع لابن البنا 2/778، الإنصاف 7/125.
ووصيه ثم وصي جده بعده سواء كان الصبي في عيال هؤلاء أم لم يكن فيجوز قبضهم على هذا الترتيب حال حضرتهم لأن لهؤلاء ولاية عليه فيجوز قبضهم له ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة مع وجود واحد منهم سواء كان الصبي في عيال القابض أو لم يكن وسواء كان ذا رحم محرم منه كالأخ والعم والأم ونحوهم أو أجنبياً لأنه ليس لغير هؤلاء ولاية التصرف في مال الصبي فقيام ولاية التصرف لهم تمنع ثبوت حق القبض لغيرهم فإن لم يكن أحد من هؤلاء الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله استحساناً، والقياس أنه لا يجوز لعدم الولاية 1.
وقال في شرح العناية: وإن كان اليتيم في حجر أمه فقبضها له جائز2 وهذا التجويز على سبيل الاستحسان بشرط انعدام الأولياء كما مر.
وقالت المالكية: لا يجوز أن يحوز للصغير والسفيه ما وُهِبَه إلا الأب أو الوصي أو السلطان أو من يليه فأما غير هؤلاء من أم أو أخ أو جد أو غيرهم فلا يحوز له ما وُهِبَه يتيماً كان أو ذا أبٍ رواه أشهب عن مالك وبه قال ابن القاسم وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون حَوز الأم على اليتيم الصغير
…
ما وهبته له أو وهبه له أجنبي 3.
وقالت الشافعية: ولا تلي الأم في الأصح 4 وأومأ ابن قدامة إلى احتمال صحة قبض الأم لطفلها عند عدم الأولياء 5.
القول الثاني: لا يصح أن تلي الأم طفلها هذا هو الأصح عند الشافعية
1 بدائع الصنائع 6/126 0
2 شرح العناية والهداية وشرحها 9/ 34 0
3 المنتقى 6/106، الكافي 2/1005، الذخيرة 6/248، 249 0
4 المنهاج ومغني المحتاج 2/174 0
5 المغني 8/253 0
والمذهب عند الحنابلة ورواية أشهب عن مالك كما تقدم 1 وعلى هذا فلا يحق للأم أن تقبل الهبة له.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1-
أن الأم تلي بعد الأب والجد لكمال شفقتها 2.
2-
أنه قد لا يكون له ولي ولا يوجد حاكم وهو محتاج إلى الصدقة فإن لم يصح قبض الأم هلك ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية 3.
3-
استدل الحنفية على وجه الخصوص بالاستحسان فجوزوا قبض الأم لطفلها استحساناً مع اعترافهم أنه على خلاف القياس وأنه لا ولاية للأم على طفلها 4 وهذا أصل خاص بهم كما هو معلوم.
أدلة القول الثاني:
1-
استدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الوارد عند الترمذي وغيره "السلطان ولي من لا ولي له"5.
1 روضة الطالبين 5/367، مغني المحتاج 2/174، نهاية المحتاج 4/375، المنتقى 6/106، الكافي 2/1005، المغني 8/253، الإنصاف 7/125 0
2 مغني المحتاج 2/174 0
3 المغني بتصرف 8/253 0
4 بدائع الصنائع 6/126 0
5 سنن الترمذي 3/407 في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي حديث رقم 1102، سنن أبي داود 2/566 في النكاح باب في الولي حديث رقم 2083، سنن ابن ماجه 1/ 605 في النكاح باب لا نكاح إلا بولي حديث رقم 1879، الإحسان بترتيب ابن حبان 9/ 385، 386 حديث 4074، 4075، المستدرك 2/168، السنن الكبرى للبيهقي 7/105، 107 0
قال أبو عيسى: حديث حسن، وصححه ابن حبان بإيراده في صحيحه كما صححه الحاكم. ووجه الاستشهاد أن الولي بعد الأولياء من النسب السلطان، فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للأم ولاية وإنما جعلها إلى السلطان.
2-
تمنع الأم من ولاية مال طفلها قياساً على ولاية النكاح 1 فعلى هذا لا تقبض له الهبة.
3-
أن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه أما غيره فلا نيابة له 2.
الترجيح:
الذي يظهر لي والله أعلم أنه ليس للأم أن تقبض لطفلها هبة ولا غيرها ولا يكون ذلك إلا لوليه من النسب أو لمن نصبه السلطان ولياً عليه في حال عدم وجود الولي من النسب أو عدم صلاحيته للولاية، لكن لو أن يتيماً أهمله السلطان ولم يجعله في ولاية رجل من المسلمين أو كان في بلد لا يحكم بالشريعة الإسلامية وبقي الطفل مع أمه وهو محتاج للمال فإنه لا مانع من أن تقبل له الأم الهبة لعدم من يقوم بذلك، وهذا ما رجحه الإمام ابن قدامة 3 لأن هذا من الضرورات التي تباح معها المحظورات.
وبهذا يتضح أن هنا فرقاً بين الأب والأم في قبول الهبة لطفلهما الصغير فالأب له أن يقبلها ما لم يكن غير صالح للولاية أما الأم فليس لها ذلك إلا عند عدم الولي أو عند عدم السلطان أو إهماله لشؤن اليتيم وعند حاجة الطفل إلى تلك الهبة والله أعلم.
1 مغني المحتاج 2/174 0
2 المغني 8/253 0
3 المغني 8/253.