المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في تعريف المناسبة - الوصف المناسب لشرع الحكم

[أحمد بن عبد الوهاب الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: في المناسبة وتعريف المناسب

- ‌الفصل الأول: في تعريف المناسبة

- ‌الفصل الثاني في إقامة الدليل على أن المناسبة دالة على العلية

- ‌الفصل الثالث في تعريف المناسب

- ‌الباب الثاني: في تقسيمات المناسب

- ‌الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار ذات المناسبة

- ‌الفصل الثاني: في تقسيم المناسب الحقيقي باعتبار إفضائه إلى المقصود

- ‌الفصل الثالث: في تقسيم المناسب من حيث اعتبار الشارع له وعدم اعتباره له

- ‌المبحث الأول: أقسام المناسب بحسب القسمة العقلية

- ‌المبحث الثاني أقسام المناسب من حيث الاعتبار

- ‌المبحث الثالث: تقسيم ابن السبكي له

- ‌المبحث الرابع: تقسيم الإمام له

- ‌المبحث الخامس: تقسيم الآمدي له

- ‌المبحث السادس: اشتراط الحنفية في المناسب فوق المناسبة كونه مؤثرا

- ‌الباب الثالث: في المناسب المرسل

- ‌الفصل الأول: في تعريفه وبيان محل الخلاف والوفاق فيه بين العلماء

- ‌الفصل الثلني: في بيان مذاهب العلماء في الوصف المناسب المرسل

- ‌الفصل الثالث في بيان أدلة مذهب الإمام مالك

- ‌الفصل الرابع: في بيان رأي الإمام أحمد رحمه الله هو وأتباعه في الأخذ بالمناسب المرسل

- ‌الفصل الخامس في ذكر أدلة مذهب القاضي ومن وافقه ومناقشتها

- ‌الفصل السادس في ذكر أدلة مذهب الإمام الشافعي رحمه الله وبيان موقفه من الأخذ بالمناسب المرسل

- ‌الفصل السابع في رأي أبي حنيفة وأتباعه في اعتبار المناسب المرسل

- ‌الفصل الثامن: في رأي الغزالي في قبول المرسل

- ‌الفصل التاسع في أدلة مذهب الطوفي فيما ذهب إليه من تقديم المصلحة على النص والإجماع

- ‌الفصل العاشر: هل تنخرم مناسبة الوصف لوجود مفسدة مساوية لها أو راجحة أم لا تنخرم

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: في تعريف المناسبة

‌الباب الأول: في المناسبة وتعريف المناسب

‌الفصل الأول: في تعريف المناسبة

.

الفصل الأول في تعريف المناسبة

لما كان المناسب مشتقاً من المناسبة، كان من المناسب أن نبدأ بتعريف المناسبة أولاً، ثم بإقامة الدليل على اعتبارها، ثم نتبع ذلك بتعريف المناسب لذا أقول:

تعريف المناسبة:

هي في اللغة الملاءمة والمقاربة1، ومن هنا اعتبرها الأصوليون من طرق إثبات العلية، فسموها بمسك المناسبة، والمناسبة هي الوصف المعلل به الحكم، كما سيأتي.

ويسمى بالإخالة، لأنه بالنظر إلى الوصف يخال أي يظن عليته للحكم.

ويسمى بتخريج المناط، لأنه إبداء مناط الحكم، والمناط العلة التي نيط الحكم بها، أي علق، وأصل المناط مكان النوط، أي التعليق، ومنه قول الشاعر:

بلاد بها نيطت علي تمائم

وأول أرض مس جلدي ترابها2

وسمي استخراج المناط بتخريج المناط، لأنه استخراج ما نيط به الحكم، وسمي الوصف بالمناط، لأنه موضوع له3.

ولا مخالفة، إذ يصح إطلاق المسلك على كل من المناسبة، وتخريج المناط "لأن المراد بالمسلك ما يثبت العلية، وإثبات العلية يصح بكل منهما، لأن المناسبة

1 انظر: القاموس المحيط 4/175.

2 انظر: لسان العرب 9/296، وهو للرقاع بن قيس الأسدي.

3 المختصر مع شرحه 2/238-239، ومنهاج العقول مع نهاية السول 3/50، ومنتهى الوصول ص 133، البحر المحيط 3/150 خ، نشر البنود 2/170-171، وإملاء الشيخ محمد الأمين على مراقي السعود دفتر 3/24.

ص: 159

دليل، وتخريج المناط إقامة الدليل، وكل من الدليل، وإقامته يصح أن ينسب إليه الثبوت المطلوب، لأن الدليل يثبت المطلوب بواسطة النظر وإقامة الدليل الذي هو النظر فيه يثبت المطلوب، فهما كالشيء الواحد، فيصح إطلاق المسلك على كل منهما"1.

وأما في الاصطلاح فهي كما عند ابن الحاجب "تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة من ذاته لا بنص، ولا غيره كالإسكار في التحريم، والقتل العمد العدوان في القصاص"2.

قال العضد: "وحاصله تعيين العلة في الأصل بمجرد إبداء المناسبة بينها وبين الحكم من ذات الأصل لا بنص ولا بغيره، كالإسكار للتحريم، فإن النظر في المسكر وحكمه، ووصفه، يعلم منه كون الإسكار مناسباً لشرع التحريم، وكالقتل العمد العدوان، فإنه بالنظر إلى ذاته مناسب لشرع القصاص"3.

واعترض عليه بأن إبداء الملاء مة إنما هو من ذات الوصف، قاله البدخشي، وأجاب عنه بأن "قوله من ذات الأصل من سبق القلم، أو مراده بالأصل الوصف على ما قيل: إن العلة أصل في الفرع، فرع في الأصل.

قال الفاضل: "وظاهر قوله فإن النظر في المسكر

الخ، أنه أراد بالأصل ما هو المتعارف وقصد أن النظر ذاته باعتبار ماله من الوصف والحكم يفضي إلى تعيين العلة"4.

وأما ابن السبكي فقد عبر عن هذا المسلك بما نصه: "المناسبة والإخالة، ويسمى استخراجها تخريج المناط، وهو تعيين العلة بإبداء المناسبة مع الاقتران، والسلامة عن القوادح"5، فالمناسبة عنده تفيد العلية بالاستناد إلى ثلاثة أمور:

1 الآيات البينات للعبادي 4/85.

2 انظر: المختصر مع شرحه 2/239، والمنتهى ص 133.

3 انظر: المصدر السابق 2/239.

4 انظر: منهاج العقول مع نهاية السول 3/50.

5 انظر: جمع الجوامع مع شرحه وحاشية العطار 2/316-317.

ص: 160

الأول: إبداء المناسبة بين الوصف المعين والحكم.

الثاني: أن يكون الوصف والحكم مقترنين في دليل الحكم.

الثالث: سلامة الوصف المعين عن قوادح العلية.

وذلك كما في حديث مسلم: "كل مسكر حرام" 1، فإن الإسكار وصف مناسب للتحريم لأنه يزيل العقل، ودرء المفسدة متمحض في منع ما يزيل العقل المطلوب حفظه، مع أن الإسكار ورد في الحديث مقترناً بالحكم الذي هو كونه حراماً وتعليل الحرمة بالإسكار سالم من جميع القوادح، فتمت في المثال المذكور الأمور الثلاثة التي بها يستخرج مسلك المناسبة.

فالقيد بالسلامة من القوداح والاقتران، مزيدان على حد ابن الحاجب الذي حد به المناسبة2.

وباعتبار المناسبة في هذا المسالك يمتاز عن ترتيب الحكم على الوصف الذي هو من أقسام الإيماء، وأن اشتراكاً في اقتران الحكم بالوصف في كل منهما، فحديث مسلم الممثل به في المناسبة من الجهة التي تقدم توضيحها، وفيه الإيماء من جهة ترتيب الحكم على الوصف.

ويظهر الفرق بأنه لو فرض عدم المناسبة فيه، لقيل فيه: مسلك الإيماء لعدم اشتراط المناسبة فيه عند الأكثر، ولم يقل فيه مسلك المناسبة لعدم مناسبة الوصف للحكم3.

"فإن قيل: سلامة الوصف من القوادح في العلية شرط في كل مسلك، فما وجه ذكرها في هذا المسلك؟

فالجواب أن السلامة من القوادح قيد في تسمية هذا المسلك بتخريج المناط

1 انظر: صحيح مسلم 6/99-100، وأبا داود 2/293.

2 انظر: المحلى مع العطار 2/316-317، إملاء الشيخ محمد الأمين على مراقي السعود 3/25.

3 انظر: نشر البنود 2/172، إملاء الشيخ محمد الأمين على مراقي السعود 3/26.

ص: 161

والمناسبة، فهي جزء من تعريف هذا المسلك، وهي بالنسبة إلى غيره من المسالك شرط خارج عن المسمى"1.

وذكر الجلال المحلى أن ما وحد به ابن السبكي المناسبة حدها به ابن الحاجب، وسماها تخريج المناط، وقال: أن ما فعله ابن السبكي اقعد2.

وأورد العبادي وجه الاقعدية مع المناقشة بما نصه: " قوله: وما صنعه المصنف اقعد، قال شيخنا العلامة ناصر الأمة والدين اللقاني"3: يعني لأن المناسبة والإخالة هما معنيان قائمان بالوصف المناسب، وهو الملاء مة والموافقة، فلا يناسبهما التسمية بتخريج المناط، ولا التعريف بتعيين العلة، إذ التخريج والتعيين فعلان للمستدل.

وقد يدفع ذلك بأن المناسبة بالمعنى المذكور ليست من المسالك الاصطلاحية، فلا يصح عدها منها، والاصطلاحي هو التعيين المذكور، فلا بعد في التسمية والتعريف بما ذكر، انتهى.

"قال": وتبعه شيخنا الشهاب - يعني عميرة - 4 في ذلك وزاد فقال: وقوله: وما صنعه المصنف اقعد، فقد علمت أنه إذا حملت المناسبة على المعنى الاصطلاحي كان ما صنعه ابن الحاجب أولى، وحملها عليه متعين إذ لا يصح جعلها من المسالك إلا بإرادة ذلك.

1 انظر: إملاء الشيخ محمد الأمين على مراقي السعود 3/25-26.

2 انظر: المحلى مع حاشية العطار 2/317.

3 هو: محمد بن حسن اللقاني المكنى بأبي عبد الله، الشهير بناصر الدين العلامة المحقق النظار المتفنن الإمام الأصولي، انتهت إليه رياسة العلم بمصر في عصره، واستقى من سائر الأقاليم، له مؤلفات منها حاشية على المحلى على جمع الجوامع، ولد سنة 833هـ، وتوفي سنة 958هـ.

انظر: الفتح المبين 3/77.

4 هو: أحمد البرسلي المصري الشافعي الملقب بشهاب الدين وبعميرة، عرف بالزهد والورع وحسن الأخلاق، انتهت إليه رياسة المذهب في عصره، له حاشية على المحلى على جمع الجوامع، مخطوط، وغيرها من المؤلفات توفي سنة 956هـ.

الفتح المبين 3/76.

ص: 162

والحاصل أن ابن الحاجب إنما أخذ المناسبة الاصطلاحية، لا المناسبة المبدأة التي هي اللغوية، وكأن الشارح فهم المحدودة هي اللغوية انتهى.

قال العبادي: وأقول: "كل ذلك مندفع

بأن المسلك هو الدليل على العلية، والمناسبة بمعنى موافقة الوصف للحكم وملاءمته له كذلك، لأنها تدل على عليته للحكم، وشأن الدليل وحقه اتصافه بكونه دليلاً وثبوت دلالته في نفس الأمر من غير اعتبار نظر المستدل فيه، وقبل وجود نظره فيه كما لا يخفى، والمناسبة بهذا المعنى كذلك، فكونها هي المسلك إن لم يتعين أو يترجح، فلا أقل من أن يصح.

ولعمر الله إنَّ ذلك في غاية الظهور بأدنى تأمل، فقولهما إنه لا يصح جعلها من المسالك باطل بلا شبهة، بل جعلها من المسالك صحيح قطعاً إن لم يكن متعيناً، أو أولى، ولأن المناسبة بين المعاني اللغوية، والمعاني الاصطلاحية مرعية، وهي على ما ذكره المصنف أتم وأقوى، إذ المعنى الاصطلاحي عليه الذي هو الملاءمة المخصوصة فرد من أفراد المعنى اللغوي وهو مطلق الملاءمة، فقد نقل اسم الشيء إلى فرده، بخلاف المعنى الاصطلاحي على ما ذكره ابن الحاجب الذي هو التعيين المذكور ليس من إفراد المعنى اللغوي وإن كان متضمناً له، ولأن التصرف على ما ذكره المصنف بقدر الحاجة إذ المناسبة الخاصة تكفي في الإثبات، فالاقتصار في النقل إليها أسهل، بخلافه على ما ذكره ابن الحاجب، ففيه زيادة على الحاجة على أننا بينا أنه يجوز أن يؤول كلام المصنف إلى جعل المسلك الاستخراج والتعيين"1.

والحاصل أن ابن السبكي عبر عن هذا المسلك بالمناسبة والإخالة، وابن الحاجب عبر عنه بتخريج المناط.

وقد اتضح مما تقدم أنه لا مخالفة، لأن المناسبة هي دليل العلية،

1 انظر: الآيات البينات 4/87-88.

ص: 163

واستخراجها هو إقامة الدليل وإضافة الحكم إلى كل من الدليل، وإقامة الدليل لا بأس به.

وأن الخلاف إنما هو في أي الطريقتين أقعد، ويدل لذلك ما صرح به المحلة من أن ابن الحاجب حد المناسبة بما حدها به ابن السبكي وسماها بتخريج المناط.

قال: "وما فعله المصنف - يعني ابن السبكي - أقعد"1 وأن العبادي نقل عن ناصر اللقاني، وشهاب الدين عميرة أن ما صنعه ابن الحاجب أقعد، لأن حمل المناسبة على المعنى الاصطلاحي أولى، إذ لا يصح جعلها من المسالك إلا بإرادة ذلك الخ ما تقدم من بيان وجه الأقعدية عند كل منهما.

والحاصل أن المناسبة في الاصطلاح هي ملاءمة الوصف للحكم بحيث يلزم من ترتيب الحكم عليه وجود مصلحة، أو دفع مفسدة صالحة لأن تكون مقصود الشارع من شرع الحكم كما في الإسكار، فإنه مناسب للتحريم، لأنه يغطي العقل وحفظ العقل مصلحة، ودرء المفسدة متمحض في منع ما يزيل العقل المطلوب حفظه بتحريم تعاطي المسكرات.

فإن قيل: تعريف ابن الحاجب، وابن السبكي يعترض عليه بلزوم الدور فيه نظراً لذكر لفظ المناسبة فيه، أجيب عنه بأن المراد هنا أعم من المعنى الاصطلاحي، لكون المراد هو المعنى اللغوي، وهو أعم من المعنى الاصطلاحي، والله تعالى أعلم.

1 انظر: المحلى مع حاشية العطار 2/317.

ص: 164