المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح على الصغار - الولاية في النكاح - جـ ١

[عوض بن رجاء العوفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: تمهيد في معنى الولاية والنكاح وحكمة مشروعيتهما

- ‌المبحث الأوَّل: معنى الولاية

- ‌المبحث الثَّاني: معنى النِّكاح

- ‌المبحث الثَّالث: مشروعية النِّكاح وحكمته

- ‌المبحث الرَّابع: مشروعية الوِلاية في النكاح وحكمتها

- ‌الفصل الثاني: الولاية في النكاح على الحرّة المكلفة

- ‌المبحث الأوَّل: تمهيد في بيان أسباب ثبوت الولاية على النفس عموماً

- ‌المبحث الثَّاني: بيان المذاهب وأدلَّتها في حكم الولاية في النِّكاح على الحرَّة المكلَّفة

- ‌الفصل الثالث: استئذان الوليّ للحرّة المكلفة في نكاحها

- ‌المبحث الأول: استئذان البكر البالغ

- ‌المبحث الثَّاني: استئذان الثيّب البالغ

- ‌الفصل الرابع: الولاية في النكاح على الصغار

- ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النِّكاح على الصِّغار

- ‌المبحث الثَّاني: إنكاح الصِّغار أنفسَهم

- ‌المبحث الثَّالث: تزويج الأولياء للصّغار

- ‌الفصل الخامس: الولاية في النكاح على المجانين

- ‌المبحث الأوّل: تمهيد: في ثبوت الولاية في النّكاح على المجانين

- ‌المبحث الثَّاني: تزويج الأولياء للمجانين

- ‌الفصل السادس: الولاية في النكاح على السفيه

- ‌المبحث الأوّل: معنى السفه لغة واصطلاحًا

- ‌المبحث الثَّاني: المقصود بالسفيه في هذا المبحث

- ‌المبحث الثَّالث: الولاية على السّفيه في ماله

- ‌المبحث الرَّابع: الولاية في النّكاح على السفيه

الفصل: ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح على الصغار

‌الفصل الرابع: الولاية في النكاح على الصغار

‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النِّكاح على الصِّغار

إنّ الصِّغر وصف مؤثِّر في سلب أهليّة العاقد، أو نقصانها في الذَّكر والأنثى على السواء اتفاقًا، والأصل في ثبوت الولاية على الصِّغار ما يلي:

أولاً: قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم} 1

فاليتامى في هذه الآية الكريمة هم الصّغار قطعًا، ذكورًا أو إناثًا؛ لقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} أي الحلم، وهذه الآية الكريمة نصّ في حفظ أموال الصّغار حتى يبلغوا، ويؤنس رشدهم، وأمَّا الولاية على الصّغار في النِّكاح فقياسًا على ثبوتها في الأموال.

ووجه ذلك- والله أعلم- أنّ هذه الآية هي العمدة في الحجر على الصّغار في عقود المعاملات، وعقد النِّكاح أعلى شأنًا وأشدُّ خطراً، والصّغير- ذكرًا أم أنثى- عاجز عن إدراك وجه المصلحة لنفسه، أو التحرّز عن الضّرر بها، كما أنَّ عقد النِّكاح تترتّب عليه حقوق ماليّة من مهر، ونفقة، ونحوهما، والصّغير محجور عليه في ماله. والله أعلم.

ثانيًا: حديث "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصّبيّ حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق". رواه أحمد وأبو داود

1 سورة النساء آية رقم (6) .

ص: 366

والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وابن حبّان، وابن الجارود، والحاكم، مرفوعًا عن عائشة، رضي الله عنها1.

ورواه أيضاً: أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبَّان والحاكم عن عليّ رضي الله عنه مرفوعًا. وذكره عنه البخاري تعليقًا2،

1 تخريج حديث عائشة رضي الله عنها:

1-

أحمد: (2/238 ترتيب المسند للساعاتي. كتاب الصلاة. باب أمر الصبيان بالصلاة) . وفي مواضع أخر. وانظر المسند (6/ 100- 101، 144) .

2-

أبو داود: (2 1/ 72-73 عون المعبود) ، كتاب الحدود) باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا.

3-

النسائي: (6/156مع حاشيتي السيوطي والسندي) ، طلاق. باب من لا يقع طلاقه من الأزواج.

4-

ابن ماجه: (1/658) . طلاق. باب طلاق المعتوه والصغير والمجنون.

5-

الدارمي: (2/93 مع تخريجه) . الحدود. باب رفع القلم عن ثلاثة.

6-

ابن حبان: (ص 359 موارد الظمآن) . الحدود. باب فيمن لا حدّ عليه.

7-

ابن الجارود: (3/273-274) 0 الحدود.

8-

الحا كم: (2/ 59) البيوع.

2 تخريج حديث علي رضي الله عنه:

1-

أحمد: (15/104ترتيب المسند للساعاتي. كتاب الحجر والتفليس. باب إثبات الرّشد وعلامات البلوغ) . وانظر المسند (1/116، 118، 140، 154-155، 158) .

2-

أبو داود: (2/74-78 عون المعبود) . الحدود. باب فى المجنون يسرق، أو يصيب حدًّا.

3-

الترمذي: (4/685-687 تحفة) . الحدود. باب فيمن لا يجب عليه الحدّ.

4-

ابن ماجه: (1/659) . طلاق. باب طلاق المعتوه والصغير والنائم.

5-

ابن حبان: (ص 360 موارد الظمآن) . الحدود. باب فيمن لا حدّ عليه.

6-

الحاكم: (1/258) 0 الصلاة وفي مواضع أخر. انظر (2/59) 0 (4/389) .

7-

البخاري (9/388 الفتح) . طلاق. باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون

، وفي مواضع أخرى مثل الحدود، باب لا يرجم المجنون والمجنونة (12/120 الفتح) كلّها تعليقًا عن عليّ رضي الله عنه.

ص: 367

وروى أيضًا عن غيرهما1، وألفاظه متقاربة نحو ما تقدَّم.

وهذا الحديث نصٌّ في الفرق بين الصَّغير والكبير في التكليف؛ لما في الصّغر من انعدام القصد، أو قصور النظر فيما يأتي أو يدع، وواضح من الآية والحديث أنّ حدّ الصّغر شرعاً: بلوغ الحلم.

ثالثًا: وأمّا الإجماع على ثبوت الولاية على الصغار فقد قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة- في مبحث علّة الإجبار- "إنَّ الصغر سبب للحجر بالنّص والإجماع2."

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: "اتفقوا على أنّ الأب يجبر ابنه الصّغير على النّكاح، وكذلك ابنته الصّغيرة البكر ولا يستأمرها"3. وبهذا تكون الولاية على الصّغيرة قد اجتمع فيها سببان:

1 انظر: نصب الراية (4/161-165) ، والتلخيص الحبير (1/ 194-195) ، وإرواء الغليل (2/4-7) .

2 الفتاوى (32/23) .

3 بداية المجتهد (2/5) .

ص: 368

أولهما: الصّغر. وهو سبب مشترك بينها وبين الذكر.

ثانيهما: الأنوثة. وهو سبب للولاية في النّكاح عند الجمهور كما

سبق بيانه في الولاية في النّكاح على الحرّة المكلّفة.

ومن هنا نعلم: أنّ ما جرى عليه بعض الحنفية من إطلاق القول1: بأنّ سبب الولاية عندهم على الصّغيرة: هو الصِّغر، وعند الجمهور هو: البكارة. قول ينقصه التحقيق، والتأمّل في الفرق بين علّة الولاية وعلّة الإجبار عند الجمهور؛ فالبكارة عند الجمهور علّة للإجبار، وليست علّة لثبوت الولاية، وإنّما علّة الولاية في النّكاح عند الجمهور هي الأنوثة في الحرّة المكلّفة، أمّا في الصّغيرة فهي الأنوثة والصّغر أيضًا، فالصّغر علّة للولاية متفق عليها بين الحنفيّة وغيرهم.

ولا تلازم عند الجمهور بين ثبوت الولاية وثبوت الإجبار، فقد تثبت الولاية والإجبار معًا كما في الحرّة البكر- أحيانًا- وقد تثبت الولاية وحدها ولا إجبار، كما في الثيّب الحرّة المكلّفة مطلقًا، وإنّما التلازم بين ثبوت الولاية والإجبار إنّما يتصوّر في مذهب الحنفية؛ ولذلك لا ولاية- عندهم- على الحرّة المكلّفة مطلقًا، بكرًا أم ثيِّباً إلاّ على جهة الندب والاستحباب.

وكون الثيّب الصغيرة لا تزوّج حتى تبلغ- على مذهب الشافعي ومن وافقه- ليس لأنّه لا ولاية له عليها، وإنّما لأنّها لا تزوّج إلاّ بإذنها،

1 انظر: تبيين الحقائق (2/122) . والبحر الرائق (3/127) .

ص: 369

والإذن في الصِّغر غير معتبر، فلزم انتظاره إلى وقت اعتباره، وهو البلوغ عن عقل، ولو كانت علّة الولاية عند الشافعي هي البكارة، لما كانت هناك ولاية على الثّيِّب صغيرة أم كبيرة، وإلاّ لزم أن يقال: إنّه لا ولاية عليها حتى تبلغ وفي هذا من تفضيل حال الصّغر على الكبر ما لا يخفى.

وبهذا نعلم: أنّ الولاية في النّكاح على الثَّيِّب الصّغيرة ثابتة على مذهب الشافعي، رحمه الله وكلُّ ما في الأمر. أنَّه يمنعها من التزويج حتى تبلغ فيزوِّجها بإذنها إذا بلغت. والله الموفِّق.

ص: 370