المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: مشروعية النكاح وحكمته - الولاية في النكاح - جـ ١

[عوض بن رجاء العوفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: تمهيد في معنى الولاية والنكاح وحكمة مشروعيتهما

- ‌المبحث الأوَّل: معنى الولاية

- ‌المبحث الثَّاني: معنى النِّكاح

- ‌المبحث الثَّالث: مشروعية النِّكاح وحكمته

- ‌المبحث الرَّابع: مشروعية الوِلاية في النكاح وحكمتها

- ‌الفصل الثاني: الولاية في النكاح على الحرّة المكلفة

- ‌المبحث الأوَّل: تمهيد في بيان أسباب ثبوت الولاية على النفس عموماً

- ‌المبحث الثَّاني: بيان المذاهب وأدلَّتها في حكم الولاية في النِّكاح على الحرَّة المكلَّفة

- ‌الفصل الثالث: استئذان الوليّ للحرّة المكلفة في نكاحها

- ‌المبحث الأول: استئذان البكر البالغ

- ‌المبحث الثَّاني: استئذان الثيّب البالغ

- ‌الفصل الرابع: الولاية في النكاح على الصغار

- ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النِّكاح على الصِّغار

- ‌المبحث الثَّاني: إنكاح الصِّغار أنفسَهم

- ‌المبحث الثَّالث: تزويج الأولياء للصّغار

- ‌الفصل الخامس: الولاية في النكاح على المجانين

- ‌المبحث الأوّل: تمهيد: في ثبوت الولاية في النّكاح على المجانين

- ‌المبحث الثَّاني: تزويج الأولياء للمجانين

- ‌الفصل السادس: الولاية في النكاح على السفيه

- ‌المبحث الأوّل: معنى السفه لغة واصطلاحًا

- ‌المبحث الثَّاني: المقصود بالسفيه في هذا المبحث

- ‌المبحث الثَّالث: الولاية على السّفيه في ماله

- ‌المبحث الرَّابع: الولاية في النّكاح على السفيه

الفصل: ‌المبحث الثالث: مشروعية النكاح وحكمته

ب- وأمَّا من السُّنَّة فمنها:

1-

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشَّباب من استطاع منكم الباءة 1فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم فإنَّه له وجاء "2. رواه الستة وغيرهم، واللفظ لمسلم3.

2-

حديث أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط4 إلى بيوت أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلما أُخْبِروا5 كأنَّهم تقالَّوها فقالوا: وأين نحن من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر. قال أحدهم: أمَّا أنا فأصلِّي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا

1 الباءة: هي مؤن النِّكاح، أو الجماع، أو هما معاً. انظر تفصيل ذلك في فتح الباري (9/108-109) .

2 وجاء: أي قاطع للشهوة. انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 152) ، وفتح الباري (9/110) .

3 البخاري: النكاح. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "من استطاع منكم الباءة". (9/106 مع الفتح) . ومسلم أول كتاب النِّكاح) . (6/172) مع شرح النووي.

وانظر بقية تخريجه في إرواء الغليل (6/192) .

4 أي نفر، كما في الرِّواية الأخرى، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه يطلق على الجماعة من الثلاثة إلى ما دون العشرة. وقيل غير ذلك. وقيل خاص بجماعة الرِّجال دون النساء. انظر النهاية في غريب الحديث (2/283) ، وفتح الباري (9/104) .

5 بالبناء المجهول، أي من قبل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 51

أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النِّسَاء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي". متفق عليه واللفظ للبخاري1.

3-

حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التَّبتُّل2، ولو أذن له لاختصينا" متفق عليه3.

4-

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدُّنيا متاع، وخير متاع الدُّنيا المرأة الصالحة". رواه مسلم وغيره4.

1 البخاري (9/104 مع الفتح) أول كتاب النِّكاح، وفي مواضع أخر من الصحيح.

مسلم (9/175) شرح النووي) ، أوائل كتاب النِّكاح.

وانظر بقية تخريجه في إرواء الغليل (6/193) .

2 التبتل: هنا الانقطاع عن النِّكاح وما يتبعه من الملاذِّ إلى العبادة اهـ. (فتح الباري 9/118) . وانظر النهاية في غريب الحديث (1/94) .

3 البخاري (9/117 فتح الباري) . النِّكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء. مسلم:(9/176 شرح النووي) نكاح، باب استحباب النِّكاح لمن تاقت نفسه إليه

) .

4 مسلم (10/56 شرح النووي) الرضاع، باب استحباب نكاح البكر. النسائي (6/69 مع شرحي السيوطي والسندي) ، نكاح المرأة الصالحة. أحمد (2/168 المسند) .

ص: 52

5-

حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تزوَّجوا الودود الولود فإنِّي مكاثر بكم الأمم". رواه أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وغيرهم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. وأقرَّه الذهبي1.

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة مشهورة.

حـ- وأمّا ثبوت الإجماع على مشروعية النكاح فهو مما هو معلوم من الدِّين بالضَّرورة، ومثل هذا الإجماع لا يتوقَّف ثبوته على حكاية من حكاه.

حكمة مشروعية النِّكاح:

وأمَّا حكمة مشروعية النكاح فهي أجلُّ من الوصف، وأشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، ففي مشروعيته حكم جليلة، وفوائد عظيمة،

1 تخريجه:

1-

أبو داود (6/47 عون المعبود) نكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النِّساء.

2-

النسائي (6/ 65-66 السيوطي والسندي) نكاح، باب كراهة تزويج العقيم.

3-

الحاكم (2/ 162) نكاح.

4-

البيهقي (7/81) نكاح، باب استحباب التزوج بالودود الولود.

وانظر بقية تخريجه في: التلخيص الحبير (3/133) ، وإرواء الغليل (6/195-196) .

ص: 53

ومقاصد سامية، وحسبه أن من تأمَّله وجده جامعاً لأسباب حفظ الدِّين والنَّفس والنَّسب والعرض.

فأمَّا حفظ الدِّين: فإنَّ النكاح هو السبيل المشروع لوجود النَّسل الذي خلقه الله لعبادته؛ لذلك كان الصلاح في الدِّين أوَّل وأهمَّ ما يجب اعتباره في الخاطب والمخطوبة.

فقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليك بذات الدِّين تربت يداك"1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" 2

وذلك حتى إذا تم العقد وكان اللِّقاء والذُرِّيَّة كانت ذريَّة طيِّبة صالحة تحفظ دين الله في خاصة نفسها، وتقوم على حفظه من أعدائه بالجهاد في سبيل الله، وتقوم على حفظه بين أهله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك تتحقَّق الكثرة المؤمنة التي يباهي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر:

ا- البخاري 9/132 فتح الباري) النكاح، باب الأكفاء في الدين.

2-

مسلم (10/51 شرح النووي) الرضاع، استحباب نكاح ذات الدين.

وأخرجه أيضاً عنه الأئمة: أحمد والدارمي والبيهقي والأربعة إلا الترمذي. وله شواهد كثيرة منها: حديث جابر عند مسلم والترمذي والنسائي والدرامي وغيرهم.

انظر: إرواء الغليل (6/194-195) ، وتخريج سنن الدرامي (2/58) ، والترمذي مع التحفة (4/204-205) .

2 الترمذي (4/204 تحفة) . وسيأتي تمام تخريجه ص (259) إن شاء الله تعالى.

ص: 54

الأمم يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"تروجوا الودود الولود فإنِّي مكاثر بكم الأمم"1.

وأمَّا حفظ النفس: فإنَّ النِّكاح هو السبيل المشروع لوجود النفس واستمرار بقائها- بعد أن خلق الله تلك النفس من تراب، وخلق منها زوجها- وبسببه وجبت رعاية تلك النفس في صغرها حتى تستقلَّ بنفسها، وفيه دفع الضرر عن النفس بقضاء شهوة الزوجين بالوسيلة المشروعة، واستفراغ ما يضرُّ احتباسه في الجسم، وفيه إحصان لهما عن الزنى الموجب للحدِّ عليهما، وفيه أيضاً قيام الرجل على رعاية زوجه حفظاً وتوجيهاً وإنفاقاً، فإنَّ في المرأة ضعفاً جبلَّةً، تعجز عن الدِّفاع عن نفسها وهي محلَّ الطمع، وتعجز عن الكسب لنفسها فضلاً عن أولادها، ولكنَّ الله خلق فسوَّى، وقسم فعدل، فجعل لكلِّ منهما حقوقاً على الآخر يقوم بها بلا منِّ منه، ولكلٍّ منهما وظيفة تناسبه، تلك سنَّة الله في خلقه.

وأمَّا حفظ النَّسب: فهو أظهر وأهمُّ مقاصد النكاح؛ إذ به تنظيم النَّسل وربطه بأصله وأواصر القربى التي هي أُنسه في هذه الحياة، ولو ترك اتصال الرجل بالمرأة مهملاً لما كان هناك فرق- بين أولاد الإنسان ونتاج البهائم- في الضياع وتفكُّك الروابط، فيوجد الولد مقطوع الصِّلة لا يعرف أبًا، وقد لا يعرف أمًّا، ولا قيمة لمعرفتهما- حينئذ- وإذا فقد

1 تقدم تخريجه ص (53) .

ص: 55

المولود أباه وأمَّه، فقد أخاه وأخته، وعمَّه وعمَّته، وخاله وخالته، ونحوهم، فيحرم من تلك الأسماء والمسمَّيات التي يوحي له وجودها بالأُنس والسَّعادة، ويوحي له فقدانها بالوحشة والشقاوة، فللَّه ما أعظم فضله على بنى آدم.!

وأمَّا حفظ العرض بالنِّكاح: فما إخاله يخفى على أحد، ففيه غضُّ البصر، وإحصان الفرج لكلِّ من الزوجين بالحلال الطيِّب عمَّا حرَّم الله، كما قال صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاء" 1 متفق عليه.

وأنعِم بها من نعمة تحفظ البصر من التطلُّع لما لا يحلُّ له، وتحصن الفرج عن الوقوع فيما يقبح فعله! فكم من نظرة أسقطت مروءة صاحبها! وكم من فعلة بقيت عليه معرَّتها ونغَّصت عليه طيب الحياة ذكراها!

تلك هي بعض حكم النِّكاح ومقاصده، وفي كلٍّ منها فوائد عظيمة، وأسرار شريفة، وغايات سامية، قلَّ من يحصيها عدًّا، أو يقابلها شكرًا، أو يُعْمِل فيها فكرًا وتدبُّرًا.

لذلك أحاط الإسلام تلك العلاقة الشريفة بين الرجل والمرأة بالعناية والرِّعاية؛ لتقوم على أتمِّ الوجوه وأشرفها وأكملها في كلِّ مرحلة من مراحلها منذ أن تكون فكرة ثم اختيارًا فعقدًا واستمراراً، فللَّه الحمد والمنَّة.

1 تقدم تخريجه ص (51) .

ص: 56