الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرَّابع: مشروعية الوِلاية في النكاح وحكمتها
.
أمَّا مشروعيّة الولاية في النكاح فهي محلُّ بحثنا هذا، وهي في الجملة مما اتفق على مشروعيته، والخلاف إنَّما هو في وجوب بعض صورها، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
وأمَّا حكمة مشروعيّة الولاية في النكاح فهي تنبع من أهمية النكاح نفسه، وما يترتَّب عليه من أثر في حياة الإنسان، فمشروعيتها من تمام عناية الإسلام بهذا العقد، وصيانته ورفع مكانته ورعاية مقاصده. ولذلك أصبحت أهمية الولاية في النكاح من المكان المعروف عند المسلمين في مختلف عصورهم، إدراكاً منهم لأهمِّيَّتها في حياتهم الاجتماعية، وتمسُّكاً بها في أكمل وأتم صورها، وعملاً بها، رضيه واختاره رجالها ونساؤها، سما بهم فوق مواطن الخلاف في تحتُّم بعض صورها إيمانًا منهم أنَّها إن لم تكن حتماً واجباً- في بعض صورها- فإنَّها شرف لمن تمسَّك بها، وأنَّ حفظ المكارم من نتائجها، وذلك موطن لا يناله محلُّ الخلاف ولا يرغب عنه ذوو الغيرة على أعراضهم وأنسابهم.
وذلك أنَّ الموليَّ عليه في النكاح إمَّا أن يكون عاجزاً عن إدراك المصلحة لنفسه بنفسه، وعن درء المفسدة عنها، كالصِّغار والمجانين ذكوراً وإناثاً، فهؤلاء تكون الولاية عليهم في النِّكاح ضمن ولاية أعمَّ وأشمل لحفظ الأنفس والأموال ورعاية المصالح ودرء المفاسد، وكون تلك المسؤولية بيد أوليائهم فيها بالإضافة إلى وازع الشرع وازع الطبع والدافع
إلى الشفقة والحرص على القيام بشؤون ذوي القربى العاجزين، وتلك هي الرعاية الاجتماعية في أسمى مكانتها وأجلِّ وأكمل وصفها، وهذا مما لا خلاف فيه.
وإمَّا أن يكون الموليُّ عليه في النكاح هو الأنثى مطلقًا، ففي الولاية عليها في النكاح رعاية لحقِّها، وصيانة لكمال أدبها وكرم حيائها، وإيصالها إلى مرادها على أتم وجه وأشرفه وأكمله، دون هضم لحقِّها في اختيار من ترضاه زوجاً لها- إن كانت قادرة على النظر وحسن الاختيار- ودون إهمال لها بتركها تضع يدها في يد من تهوى، في عقد جليل قدره، عظيم خطره، إن وقعت منها الزلَّة، ففي محلِّ لا تهون فيه الزلَّة، ولا تقتصر عليها فيه تلك المعرَّة، وهذا بخلاف ما إذا كان أمر نكاحها شورى بينها وبين أوليائها، بحيث يكون لرجالها فيه إبرام عقدته، ولها فيه إملاء شروطها حتى تطيب نفسها- بشرط ألَاّ تختار ما لا خيرة لها فيه مما يجب عليها وعلى وليَّها رعايته- وبهذا يكون لها غنم هذا العقد- وهو الغالب حين يقام على تقوى الله فكرةً واختياراً وعقداً- وأمَّا إن حصل غير ذلك بسبب أوليائها فاستدراك الضرر الحاصل منهم ليس كاستدراكه منها حين تتولَاّه بنفسها.
فهذه بعض محاسن الولاية في النكاح على النِّساء في أعزِّ وأكمل صورها، وكلُّها خير على النِّساء- كما سيأتي بيانها، إن شاء الله تعالى- فليست هذه الولاية ولاية قهر وإذلال، ولا استغلال لحياء الكريمات من النِّساء اللاتي يعزُّ عليهنَّ إبداء رغبتهنَّ في الأزواج، كما يصوِّره من قصر نظره أو ساءت نيَّته، وإنّما هو حفظ للحقوق وصيانة للأعراض وتمسُّك بالفضيلة في أجمل وأزهى صورها وأرفع وأسمى معانيها. والله الموفق وهو المستعان.