الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وهناك بعض المسائل المتعلقة بالميزان:
- المسألة الأولى:
هل الميزان يوم القيامة ميزان واحد لكل الأمم، أو لكل أمة ميزان
؟
تكلم أهل العلم في هذه المسألة واختلفوا في ذلك، لكن هذه المسألة لم يأت فيها نص، والقاعدة في هذا أنه لا يُجزمُ فيها بشيء، فلا يجزم بأن لكل أمة ميزانًا، ولا بأنه ميزان واحد لكل الأمم.
- المسألة الثانية: في الموزون هل هو العامل أو العمل أو هما معًا؟
اخْتُلِفَ في ذلك فمن أهل العلم من قال: إن الميزان للعمل، ودليل ذلك ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله الْعَظِيمِ»
(1)
.
فهذا الحديث فيه دلالة على أن الأعمال هي التي توزن في الميزان يوم القيامة.
ويدل على ذلك أيضًا حديث مشهور وهو حديث البطاقة الذي رواه عبدالله بن عمرو بن العاص وهو مخرج عند «الترمذي» جاء في آخره:
«فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَت السِّجِلاتُ وَثَقُلَت
(1)
أخرجه البخاري (7563)، ومسلم (2694).
الْبِطَاقَةُ، فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ»
(1)
.
والمقصود أنَّ شهادة أن لا اله إلا الله هي التي رجحت في الميزان، ولذلك طاشت السجلات وثَقُلَت البطاقة مما يدل على أن الموزون العمل، وحديث البطاقة حديث مشهور، وقد قال عنه الإمام الترمذي في «جامعه»:«حديث حسن غريب» .
والغريب عند أهل الحديث من أقسام الضعيف، ولكن لا يلزم من الغرابة الضعف، كما في حديث:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»
(2)
سنده غريب ومع ذلك اتفق أهل العلم على صحته، وحديث البطاقة استغربه الترمذي والبغوي.
الرأي الثاني: أن الوزن للعامل استدلالًا بأحاديث كثيرة من ذلك ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ»
(3)
.
ومن ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم عن سَاقَي ابن مسعود رضي الله عنه: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ»
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (2639).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري رقم (4729)، ومسلم رقم (2785).
(4)
أخرجه أحمد رقم (3792) من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ: «أنه كان يجتني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟» ، قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال:«والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد» . الحديث.
الرأي الثالث: أن الوزن للعامل والعمل، ومال إلى هذا ابن كثير رحمه الله جمعًا بين النصوص الواردة في هذا الباب، ولعله هو الأقرب، والله أعلم.
- المسألة الثالثة: ما الحكمة من الوزن يوم القيامة؟ مع أن الله سبحانه وتعالى مطلع على كل ذلك، فهو عالم بأعمال العباد ومقدارها في الموازين؟
- الجواب: أن الحكمة من ذلك لأهل الإيمان: ليعلموا أن ما حازوه من خير وحصلوا عليه من فوز، إنما هو بمحض رحمة الله تعالى، لا بأعمالهم، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:«لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «لا وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا»
(1)
.
سؤال آخر: لو أن رجلًا أمضى كل عمره في الصلاة هل يستحق الجنة بمجرد هذا العمل؟
o الجواب: لا يمكن أن يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى، ومن رحمة الله أن وفقه للعمل الصالح الذي هو سبب من أسباب دخول الجنة، فهذا التوفيق للعمل الصالح هو نعمة من الله على عبده تستحق الشكر، وما أحسن قول القائل:
لك الحمد يا رَبي على كلِّ نعمةٍ
…
ومن أعظمِ النعماءِ قولي لك الحمدُ
(1)
أخرجه البخاري رقم (5673)، ومسلم رقم (2816) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أما الكفار: فالحكمة من وزن أعمالهم الإحصاء عليهم، كي يُقِرُّوا بها، ويُوقَفُوا عليها ليعترفوا بعد ذلك بما كان منهم من سوء، كما قال الله تعالى {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11].
وعلى هذا إذا دخل المؤمن الجنة علم أنه دخلها بفضل الله، والكافر إذا دخل النار علم أن هذا بعدل الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].
(1)
.
وقال رحمه الله: «إن الله سبحانه يحاسب الخلق في ساعة واحدة لا يشغله
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 302).