المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التوسل ينقسم إلى قسمين: - بدر التمام شرح لامية شيخ الإسلام

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌نص اللامية

- ‌نسبة نظم اللاميةلشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌شرح المنظومة اللامية

- ‌ أحوال يُنهى عن السؤال فيها:

- ‌ مسائل تتعلق بالصحابة:

- ‌التوسل ينقسم إلى قسمين:

- ‌ وسطية أهل السُّنة والجماعة في حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

- ‌ الطوائف المعاصرة التي أنكرت الرؤية

- ‌ هل يرى المؤمنون ربهم في الحياة الدنيا

- ‌ أوقات النزول الإلهي

- ‌ هل الميزان يوم القيامة ميزان واحد لكل الأمم، أو لكل أمة ميزان

- ‌ من المغيَّبات التي يجب الإيمان بها الحوض:

- ‌ هل الحوض موجود الآن

- ‌ من أوصاف الحوض

- ‌ ماذا بعد عبور الصراط

- ‌ صفة الصراط

- ‌ هل الجنة والنار موجودتان الآن

- ‌ هل الجنة والنار تفنيان

- ‌ عذاب القبر ونعيمه

- ‌ سؤال الملكين وموقف أهل السنة منه:

- ‌ هل يسمى الملكان بمنكر ونكير

- ‌ هل عذاب القبر خاص بهذه الأمة أو أنه لكل الأمم

- ‌ هل عذاب القبر ونعيمه على الجسد والروح أو هو على أحدهما دون الآخر

- ‌هل المقصود اتباع هؤلاء لذواتهم أو لأنهم أئمة اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أسئلة على الشرح

الفصل: ‌التوسل ينقسم إلى قسمين:

والوسيلة هي: ما يتقرب به إلى الغير. يقال: وَسَلَ فلانٌ إلى ربه وسيلة، وتَوَسَّل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، يعني القربة الموصلة إلى رضوانه جل وعلا. والوَاسِلُ: هو الراغب إلى الله تعالى، قال لبيد:

أرى الناسَ لا يَدرُونَ ما قَدرُ أمرِهمْ

بلى كلُّ ذي لبٍّ إلى اللهِ وَاسلُ

• و‌

‌التوسل ينقسم إلى قسمين:

- القسم الأول: التوسل المشروع، وله أمثلة كثيرة منها ما يلي:

أولًا: التوسل بتوحيد الله كما في دعاء يونس عليه السلام، كما في قوله تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].

ثانيًا: التوسل إلى الله عز وجل بالإيمان، قال تعالى:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193].

ثالثًا: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ودليل التوسل بالأسماء قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].

وأما التوسل بالصفات فدليله ما جاء عند الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ

ص: 46

أَسْتَغِيثُ»

(1)

.

وقد ذكر أهل العلم أن من آداب الدعاء: التوسل إلى الله بذكر الاسم المناسب للمسألة، فإذا أراد أن يسأل الله المغفرة فيتوسل بالغفور، وإذا أراد أن يسأل الله رزقًا فيتوسل إليه بالرزَّاق، ومن أراد أن يسأل الله عز وجل علمًا نافعًا فإنه يتوسل إليه بالعليم، أو بأي اسم يدل على ذلك وهكذا في بقية الأسماء.

رابعًا: التوسل بالأعمال الصالحة كما في قصة الثلاثة الذين انحطت على فم غارهم صخرة، فانطبقت عليهم فتوسلوا بأعمالهم الصالحة ففرج الله لهم

(2)

.

- القسم الثاني التوسل الممنوع، ومن أمثلته ما يلي:

أولًا: التوسل إلى الله عز وجل بسؤال ودعاء الميت وطلبه الشفاعة، وهذا كفر وشرك أكبر مخرج من الملة؛ لأن من فعل ذلك فقد صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله وهو الدعاء، ومن صرف نوعًا من أنواع العبادة أو فردًا من أفرادها لغير الله سبحانه وتعالى فقد كفر به وأشرك معه غيره؛ قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117].

ووجه الدلالة من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن من يدع مع الله إلهًا

(1)

أخرجه الترمذي رقم (3524) والحاكم (1/ 509)، وقال الترمذي:«حديث غريب» ، وقال الحاكم:«صحيح الإسناد» . والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 172).

(2)

أخرجه البخاري رقم (2272)، ومسلم رقم (2743) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 47

آخر فإنه كافر، حيث قال في آخرها:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، وفي قوله:{لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} بيان أنه لا يمكن أحدًا أن يكون عنده برهانٌ على تعدد الآلهة

(1)

.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13،14]، فسمى الله سبحانه وتعالى دعاءهم شركًا

(2)

.

«ومن دعا ميتًا أو غائبًا فإنه مشرك؛ لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا، فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفًا في الكون فيكون بذلك مشركًا»

(3)

.

ومما يجب الإحاطة به أن من صرف شيئًا من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى فإنه يكفر، ولو لم يعتقد فيه الربوبية، خلافًا لمن يقول: إنه لا يكفر إذا عبد غير الله حتى يعتقد فيه الربوبية، والدليل على ذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر:3].

والشاهد أن هذه الآية فيها أسلوب حصر في قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزُّمَر:3]، والحصر هنا يفيد النفي والإثبات فـ (ما) نافية، و (إلا)

(1)

شرح الثلاثة الأصول لابن عثيمين ص (159) بتصرف يسير.

(2)

شرح الثلاثة الأصول لابن باز ص (154).

(3)

شرح الثلاثة الأصول لابن عثيمين ص (160).

ص: 48

مثبة، والحصر هو وجود الحكم في المحصور ونفيه عما سواه.

ومن المعلوم أن أسلوب الحصر من أقوى الدلالات على المقصود، فيكون معنى هذا الأسلوب أننا ما عبدناهم إلا لغاية واحدة فقط، وهي طلب القربة، وليس من أجل أن نتخذهم أربابًا من دون الله، ثم ذكر الله عز وجل في آخر هذه الآية أنهم كفار فقال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فكفرهم بهذا الطلب.

ثانيًا: التوسل بذات أو جاه أحد الأنبياء أو الصالحين فضلًا عن غيرهم ممن هو دونهم، فهذا العمل بدعة منكرة، لم يدل عليها دليل، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة أو سلف الأمة فعل ذلك.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «من تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعةً سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب»

(1)

.

شبهة: قد يقول قائل: ماذا عن قول عمر رضي الله عنه كما في «صحيح البخاري» : «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ: فَيُسْقَوْنَ»

(2)

.

وأهل البدع يستدلون بهذا الدليل على جواز التوسل بالصالحين.

(1)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (2/ 25).

(2)

أخرجه البخاري رقم (1010) من حديث أنس بن مالكٍ: «أنَّ عُمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطُوا استسقى بالعباسِ بن عبد المطلب فقال:

» الحديث.

ص: 49

وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ علَا وفضائلٌ

لكِنَّما الصِّدِّيقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ

الجواب: أن عمر رضي الله عنه لم يتوسل بذات أو جاه أو حق العباس رضي الله عنه، وإنَّما توسل بدعائه؛ والتوسل بدعاء الشخص الحي الحاضر جائز ولا إشكال فيه، وبهذا يتحقق الجمع بين الأدلة.

ثالثًا: التوسل بحق المخلوق كما في قول بعض الناس: «اللهم إني أتوسل إليك بحق فلان عليك، اللهم إني أتوسل بحق الجيلاني عليك أو بحق البدوي أو بحق العالم الفلاني أن تعطيني كذا وكذا» . هذا غير مشروع، وليس لأحد من المخلوقين على الله تعالى حق، فعطاءُ الله جل وعلا لأحد من المخلوقين هو تفضلٌ وإحسانٌ منه إليهم، وليس حقًّا على الله لهم، والله أعلم.

قوله: (وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ عَلا وفضائلٌ) جاء في بعض النسخ: «وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ سَاطعٌ» ، والمثبت في أكثر النسخ:(وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ عَلا وَفضائل).

قوله: (وَلِكُلِّهِمْ) الضمير هنا يعود على جميع الصحابة. (قَدْرٌ) عظيم وشأنٌ رفيع. (عَلا) أي سما على غيره، وهذا معلوم، فهم خير أمة أخرجت للناس، وهم خير القرون كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذلك في «الصحيحين» من حديث عمران بن حصين ب

(1)

.

قوله: (لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ)(لكنَّ): حرف استدراك وتعقيب، و (ما) زائدة كافة، ولما كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أفضل خلق الله بعد النبيين والمرسلين، كما هو معلوم عند الأمة، ومجمع عليه عند الأئمة

ص: 50

استدرك الناظم رحمه الله بقوله: (لكِنَّما الصِّديقُ) يعني أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه.

(مِنْهُمْ) أي من جملة الصحابة. (أَفْضَل) وهذا بالإجماع، فهو أكثر الصحابة فضائل، واسمه: عبد الله بن عثمان (أبي قحافة) ابن عامر بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي، يلقب بالصديق، ويكنى بأبي بكر.

وفضائله كثيرة مشهورة جدًّا، منها أنه أول من أسلم من الرجال الأحرار

(1)

، وأول من جمع القرآن

(2)

.

وكان رضي الله عنه يتحلى بالورع والبعد عن الشبهات حتى إنه قاءَ ما أكل حين علم أنه من كسب حرام

(3)

، وصدَّقَ الرسول صلى الله عليه وسلم حين كذَّبهُ الناس ولم يتردد

(1)

أخرج البخاري (3660)، و (3857) عن عمار بن ياسر:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر» ، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 170):«وفيه دلالة على قدم إسلام أبي بكر إذ لم يذكر عمار أنه رأى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال غيره، وقد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال» ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن علي بن أبي طالب أولُ الناس إسلامًا؛ ولذلك قال النووي في «تهذيب الأسماء» (1/ 344 - 345):«قال العلماء: والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ومن الصبيان علي ومن النساء خديجة بنت خويلد ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال» .

(2)

وقصة جمع القرآن أخرجها البخاري (4986) من حديث زيد بن ثابت.

(3)

فقد أخرج البخاري (3842) عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه» .

ص: 51

في قبول دعوته إلى الإسلام حين تردَّد وأبى غيره، وواسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الله بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي»

(1)

.

وهو أخص الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار

(2)

، قال تعالى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، فنص القرآن على ثبوت صحبته، وهذه فضيلة لم يشاركه فيها أحد من الصحابة؛ لهذا قال العلماء: من قال: إن أبا بكر لم يكن من الصحابة كفر؛ لتكذيبه نص القرآن.

وقد تواتر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر»

(3)

.

قال شيخ الإسلام: «ونقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من نحو ثمانين

(1)

أخرجه البخاري رقم (3461) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

(2)

أخرج البخاري (3653)، ومسلم (2381) عن أبي بكر رضي الله عنه قال:«قلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكرٍ باثنين الله ثالثهما» .

(3)

أخرجه البخاري (3671)، وأحمد وابنه عبد الله (1/ 106).

ص: 52

وجهًا: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويذكر ذلك عن ابن الحنفية كما رواه البخاري، والشيعة تكذبه؛ فهم معه كالنصارى مع المسيح واليهود مع موسى»

(1)

، يعني: أن الشيعة يكذبون عليًّا كتكذيب النصارى لعيسى واليهود لموسى.

وقال الإمام الحافظ الذهبي: «هذا متواتر عن علي رضي الله عنه، فلعنة الله على الرافضة ما أجهلهم»

(2)

.

وقد جاء في فضله رضي الله عنه أحاديث، منها ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ»

(3)

.

وأيضًا ما جاء في «البخاري» عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ»

(4)

.

ومما قيل فيه شعرًا:

(1)

مختصر الفتاوى المصرية ص (106).

(2)

لوامع الأنوار (2/ 312).

(3)

أخرجه البخاري رقم (3654)، ومسلم رقم (2382).

(4)

أخرجه البخاري رقم (3661).

ص: 53

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أوفاها وأعدلها

بعد النبي وأولاها بما حملا

والثاني التالي المحمود مشهده

وأول الناس منهم صدق الرسلا

وقيل فيه أيضًا:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد

طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا

من البرية لم يعدل به رجلا

وكذلك قول الشاعر:

وَلكنِّي أُحِبُّ بِكُلِّ قَلْبي

وَأَعْلَمُ أَنَّ ذَاكَ مِنَ الصَّوَابِ

رَسُولَ اللهِ وَالصِّدِّيقَ حُبًّا

بِهِ أَرْجُو غَدًا حُسْنَ الثَّوَاب

وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر، وأما وفاته رضي الله عنه فكانت في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة عن ثلاث وستين سنة.

ويأتي بعد أبي بكر في الأفضلية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي، يكنى بأبي حفص، ويلقب بالفاروق، أسلم في السنة السادسة من البعثة وفرح المسلمون بإسلامه فرحًا شديدًا فكان عزًّا للإسلام

ص: 54

والمسلمين

(1)

، وكان ملهمًا مقدامًا شجاعًا قويًّا لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو أول من لقب بأمير المؤمنين

(2)

، وأول من وضع التاريخ الهجري، وافق ربه في عدة آيات؛ منها: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وآية الحجاب، وأسارى بدر

(3)

.

تولى الخلافة في السنة التي توفي فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فكان خير خلف لخير سلف، فقام بالأمر أتم قيام، وفتح بلاد الشام وكرمان وسجستان، وأصفهان ونواحيها، ومناقبه كثيرة، رضي الله عنه.

وقد جاء في فضله أحاديث منها: ما جاء في «الصحيحين» عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»

(4)

.

وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرج البخاري (3684) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر» .

(2)

الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 466 - 467).

(3)

أخرج البخاري (42)، (4483) وغيره عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية. وأخرج مسلم (2399) عن ابن عمر قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر.

(4)

أخرجه البخاري رقم (3480)، ومسلم رقم (2396).

ص: 55

«إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ»

(1)

.

ومما قيل فيه شعرًا:

في الجاهلية والإسلام هيبته

تثني الخطوب فلا تعلو عواديها

في طيِّ شدته أسرار رحمته

للعالمين ولكن ليس يفشيها

وبين جنبيه في أوفى صرامته

فؤاد والدة ترعى ذراريها

إن الذي برأ الفاروق نزهه

عن النقائص والأغراض تنزيها

(2)

ومناقبه كثيرة رضي الله عنه، من أشهرها أنه كان قويًّا في دين الله شديدًا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، ثاقب الرأي، حاد الذكاء نير البصيرة، جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وقد كان عادلًا فلا يزال المسلمون يذكرونه على مر العصور وتتابع الأزمان، ويتحدثون عن فضائله ومناقبه ويشيدون بعدله الذي صار مضربًا للمثل، وقد كانت خلافته فتحًا، إذ تهاوت في أيامه عروش كسرى وقيصر، فقضى على أعظم دولتين في ذلك الزمان.

لكن أهل الغدر مدوا أيديهم ليبوءوا بإثم دم هذا الفاروق العظيم، فقد

(1)

أخرجه البخاري رقم (3469)(3689)، ومسلم رقم (2398).

(2)

أبيات من قصيدة طويلة للشاعر حافظ إبراهيم في الفاروق رضي الله عنه.

ص: 56

قام أبو لؤلؤة المجوسي الخبيث بطَعنِهِ بخنجر في صلاة الصبح فاستشهد رضي الله عنه لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، وسنه آنذاك ثلاث وستون سنة.

ويليه في الأفضلية والخلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، تولى الخلافة في السنة التي توفي فيها عمر رضي الله عنه، هاجر الهجرتين، وزَوَّجَه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه: رقية، وأم كلثوم؛ ولذلك سُمي بذي النورين، وهو من السابقين الأولين، وأحد العشرة المبشرين، وهو أحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض

(1)

.

ومما جاء في فضله أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان رضي الله عنه وقال: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ»

(2)

.

وأيضاً ما ثبت في «البخاري» من حديث ابن عمر ب أنه قال: «كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ»

(3)

.

(1)

قال عمر رضي الله عنه: «ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض؛ فسمى عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا وعبد الرحمن» . أخرجه البخاري رقم (3700) وغيره في قصة بيعة عثمان.

(2)

أخرجه مسلم رقم (2401).

(3)

أخرجه البخاري رقم (3655).

ص: 57

فالمقصود أن له كثيرًا من الفضائل رضي الله عنه وأرضاه، استشهد ثاني أيام التشريق في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة النبوية بعد أن حوصر في بيته عشرين يومًا.

ورابع الصحابة في الفضل: علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منه بمنزلة هارون من موسى

(1)

، يُحبُّ الله ورسوله، ويُحبُّه الله ورسوله

(2)

، إلى غير ذلك من فضائله المعلومة رضي الله عنه.

كانت وفاته في تسع عشرة من رمضان سنة أربعين للهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة.

ويأتي بعد الخلفاء الراشدين في الفضيلة الستة الباقون من العشرة المبشرين، وهم:

أولًا: طلحة بن عبيد الله، وقد جاء في فضله ما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ»

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3503)، ومسلم رقم (2404) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري رقم (3701)، ومسلم رقم (2406).

(3)

أخرجه مسلم رقم (2417).

ص: 58

ثانيًا: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ومما جاء في فضله ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند «الترمذي» وأحمد في «مسنده» عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ»

(1)

.

ثالثًا: سعد بن أبي وقاص الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» كما في «الصحيحين» عن علي رضي الله عنه قال: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»

(2)

.

رابعًا: عبد الرحمن بن عوف الذي جاء في فضائله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ»

(3)

.

خامسًا: أبو عبيدة عامر بن الجراج جاء في فضله ما رواه حذيفة قال: «جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا أَمِينًا. فَقَالَ: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ» . قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ، قَالَ: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ»

(4)

.

(1)

سنن الترمذي (5/ 647) رقم (3747)، والمسند (3/ 209).

(2)

أخرجه البخاري رقم (2749)، ومسلم رقم (2411).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 299) رقم (26601)، والترمذي (5/ 648) رقم (3749).

(4)

أخرجه البخاري رقم (4120)، ومسلم رقم (2420).

ص: 59

سادسًا: الزبير بن العوام، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ»

(1)

.

وقد جمع أحدهم العشرة في بيتين، فقال:

للمصطفى خيرُ صحبٍ نَصَّ أنَّهم

في جنةِ الخلدِ نصًّا زادهم شرفا

هم طلحةٌ وابنُ عوفٍ والزبيرُ إلى

أبي عبيدةَ والسعدانِ والخلفا

وهناك نماذج لبعض فضائل الصحابة رضي الله عنهم من غير العشرة، فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه:«اللَّهُمَّ فَقِّهه فِي الدِّينِ»

(2)

.

وقوله عن ابن عمر ب كما في «الصحيحين» : «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ»

(3)

، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه:

(1)

أخرجه البخاري رقم (2691)، ومسلم رقم (2415).

(2)

أخرجه أحمد رقم (2866).

(3)

أخرجه البخاري رقم (1122)، ومسلم رقم (2479) من حديث ابن عمر، قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رأى رؤيا، قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» .

ص: 60

«اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»

(1)

.

وإخباره صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن سلام: «أنه في الجنة»

(2)

.

ومن ذلك أيضا دعاؤه صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه بقوله: «اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»

(3)

.

ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لحافظ الأمة أبي هريرة رضي الله عنه ولأمه حينما قال صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيحين» : «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِم الْمُؤْمِنِينَ قال أبو هريرة رضي الله عنه: فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي»

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3803)، ومسلم رقم (2466) من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري رقم (7010)، ومسلم رقم (2484) من حديث قيس بن عباد قال: كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر، فمر عبد الله بن سلام، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله، ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء فنصب فيها، وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف -والمنصف الوصيف- فقيل: ارقه، فرقيته حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى» .

(3)

أخرجه البخاري رقم (453)، ومسلم رقم (2485) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري: يستشهد أبا هريرة، فيقول: يا أبا هريرة: نشدتك بالله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يا حسان، أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس» قال أبو هريرة: نعم.

(4)

أخرجه مسلم رقم (2491) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 61

وَأَقُولُ ........................

..................................

ولذا أهل الإيمان كلهم مجمعون على محبته رضي الله عنه بخلاف من في قلبه مرض كالرافضة، ومن يحارب السنة ويسعى إلى إسقاطها، فإنهم يطعنون في أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ويتهمونه في أمانته، وبعضهم يتهمه في حفظه، ولا شك أن هذا خطير؛ لأن اتهامه رضي الله عنه إسقاط لكثير من الأحكام التي نقلها، وإسقاط لجميع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقه رضي الله عنه، لكن أهل العلم رحمهم الله تصدوا لهم، وألفوا الكتب الكثيرة في الدفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه

(1)

.

ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتاب مناقب الصحابة في «الصحيحين» ، ومن أوسع وأفضل ما أُلف في هذا الباب كتاب «فضائل الصحابة» للإمام أحمد رحمه الله، وقد خرج محققًا في مجلدين.

قوله: (وَأَقُولُ) يعني بلساني معتقدًا بقلبي.

والقول له إطلاقات: فتارة يطلق ويراد به الرأي، وتارة يطلق فيشمل قول القلب واللسان، كما هو الحال في هذا البيت، ودليل ذلك قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [سورة البقرة: 136] أي: قولوا ذلك بقلوبكم إيمانًا واعتقادًا، وبألسنتكم نطقًا وتلفظًا.

(1)

ينظر: كتاب «دفاع عن أبي هريرة» لعبد المنعم صالح العلي العزي، دار القلم، وكتاب:«دفاع عن السنة» لمحمد بن محمد أبي شهبة.

ص: 62

وَأَقُولُ فِي القُرآنِ ما جاءَتْ بِهِ

آياتُهُ فَهُوَ الكَريمُ المُنْزَلُ

قوله: (فِي القُرآنِ) أي في مسألة القرآن العظيم.

قوله: (ما جاءَتْ بِهِ آياتُهُ)(ما) موصولة بمعنى الذي، (جاءَتْ بِهِ آياتُهُ) البينات وسُوَرُه المنزلات.

قوله: (فَهُوَ) أي القرآن فالضمير يرجع إليه.

قوله: (الكَريمُ المُنْزَلُ) أي الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.

جاء في بعض النسخ (القديم المنزل) والأصح أنها (الكريم المنزل)، لسببين:

الأول: أن أكثر النسخ على ذلك.

الثاني: أن هذا هو الموافق لطريقة السلف، إذ لم يكونوا يستحبون التلفظ بلفظ القديم عن القرآن، ولهذا نص جماعة من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية أن لفظة القديم ليست من كلام السلف، وبيَّن رحمه الله في كتابه «التسعينية» أنه لم يقل أحد من السلف والأئمة: إن القرآن قديم.

• والناظم وصف القرآن بوصفين:

- الوصف الأول: أنه كريم كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77].

- الوصف الثاني: أنه منزل كما قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ

ص: 63

عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106].

ويقول تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:102].

ويقول عز وجل: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل:101]، وغيرها من الآيات.

وماذا نستفيد من وصف الناظم للقرآن بهذين الوصفين؟ ولماذا اختارهما دون بقية الأوصاف؟

o الجواب: لأجل اتباع طريقة القرآن والالتزام بالأوصاف التي جاءت في القرآن عن القرآن؛ وأولى من يؤخذ قوله في القرآن من تكلم به وهو الله عز وجل.

أما بالنسبة لكيفية نزول القرآن فالأصح عند أهل العلم أنه نَزَلَ إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم بعد ذلك نزل به جبريل منجمًا حسب الأحداث والوقائع خلال ثلاث وعشرين سنة.

وقد صرَّح بذلك ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: «فُصِلَ القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم»

(1)

.

والمقصود أن الناظم رحمه الله أراد أن يبين في هذا البيت أن قوله واعتقاده في

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 242).

ص: 64

القرآن بأنه كلام الله لفظًا ومعنًى هو الصحيح الموافق لما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين ذلك ما يلي:

أولًا: أنه كتاب معجز، قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].

يعني لو اتفقت الخلائق كلها من جن وإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، بل تحداهم الله بأن يأتوا بسورة مثله فلم يستطيعوا.

ثانيًا: أنه منزل من عند الله عز وجل، كما قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]، وقال تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155]، وقال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106].

ولهذا كان من الواجب اعتقاد أن القرآن كلام الله المنزل، خلافًا للمبتدعة الذين أنكروا أن يكون الله تعالى تكلم بالقرآن، كما كان من الجعد ابن درهم حيث أنكر أن الله تعالى كلَّمَ موسى عليه السلام تَكْلِيمًا، وأنه اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا.

ولهذا أفتى علماء ذلك العصر بردة الجعد؛ لأنه كذب بالقرآن، والتكذيب بالقرآن ولو بحرف واحد ردة عن دين الإسلام، وقد أفتى العلماء بوجوب قتله، وصرَّح بذلك الحسن البصري رحمه الله.

فاستجاب لهذه الفتوى الإمام السُّنِّي خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بواسط، ولما كان يوم العيد خطب الناس خُطبةً بليغةً جاء في آخرها:

ص: 65

«أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد وأضرابه علوًا كبيرًا»

(1)

، ثم نزل بعد ذلك أمام الناس وذبح الجعد، تقبل الله تعالى منه هذه الأضحية.

والسلف -رحمهم الله تعالى- كانوا يحرصون على قطع دابر البدع والفتن، ومع أنهم رحمهم الله تعالى ورضي عنهم ضحوا بهذا المبتدع وقتلوه إلا أن بدعته قد سرت، وبقيت عند بعض أهل الضلال كالجهم بن صفوان، فقد أخذ هذه البدعة عن الجعد بن درهم ونشرها.

والمقصود أن سلف الأمة -رحمهم الله تعالى- يثبتون أن القرآن كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله سبحانه وتعالى قد تكلم به على الحقيقة.

قال شيخ الإسلام: «مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وغيرهم، ما دل عليه الكتاب والسنة، وهو الذي يوافق الأدلة العقلية الصريحة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق»

(2)

.

وقال رحمه الله: «الكلام كلام الله حقيقة، والكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا، فالكلام كلام البارئ والصوت هو

(1)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 205).

(2)

مجموع الفتاوى (12/ 37).

ص: 66

صوت القارئ»

(1)

.

• وما معنى قولهم عن القرآن «منه بدأ» ؟

قال الإمام أحمد وغيره: منه بدأ، أي هو المتكلم به، ولم يبتدِ من غيره كما قالت الجهمية القائلون بأن القرآن مخلوق، قالوا: خلقه في غيره فهو مبتدأ من ذلك المحل المخلوق

(2)

.

وقال ابن تيمية رحمه الله في «التسعينية» : «وهنا قولان في مسألة القرآن الكريم:

الأول: قول ابن كُلَّاب حيث قال: الحروف حكاية عن كلام الله وليس من كلام الله؛ لأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، والله يمتنع أن يقوم به حروف وأصوات؛ فوافق الجهمية والمعتزلة في هذا النفي.

الثاني: قول الأشعري حيث قال: إن القرآن عبارة عن كلام الله»

(3)

.

والصحيح مذهب أهل السُّنة والجماعة وهو القول بأن القرآن كلام الله حقيقة.

والخلاصة: أن السلف رحمهم الله يؤمنون بأن الله قد تكلم بالقرآن وأنه سبحانه وتعالى أنزله، فيصفون القرآن بأنه منزل وليس بمخلوق، وأن صفة الكلام صفة مدح وكمال ونفيها نقص وعيب في حق الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا

(1)

التسعينية (3/ 963).

(2)

مجموع الفتاوى (17/ 83).

(3)

(2/ 418، 3/ 962).

ص: 67

كبيرًا، ويبدِّعون من قال: إن القرآن مخلوق أو توقف في ذلك ويسمونهم الواقفة وهم الذين سكتوا وتوقفوا؛ وتفصيل المسألة كما يلي:

أولًا: الجهمية والمعتزلة: قالوا: إن القرآن مخلوق؛ وهو عبارة عن حروف وأصوات خلقها الله عز وجل ونسبها إليه تشريفًا وتعظيمًا.

ثانيًا: الواقفة: وهم الذين يقولون: إن القرآن كلام الله ولكنهم توقفوا، فلم يقولوا إنه مخلوق أو غير مخلوق، وخالفوا أهل السنة والجماعة الذين يفصحون ويصرحون بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، والحقيقة أنهم قوم شُكَّاكٌ من أتباع الجهمية، فهم لم يقولوا بذلك إلا لتأثرهم ببدعة الجهمية ولذلك قال الإمام أحمد:«الواقفة جهمية» .

وقد وصفهم ابن أبي داود في «حائيته» بأنهم أتباع لجهم فقال:

وَلا تَكُ فِي القُرْآنِ بالوَقْفِ قَائِلًا

كَمَا قَالَ أتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا

أما أهل السُّنة والجماعة فقالوا: إن القرآن كلام الله تكلم به حقيقة بحرف وصوت مسموع، وأنه منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

ولا شك ولا ريب أن مذهب أهل السنة والجماعة هو المذهب الحق في هذه المسألة العظيمة؛ لأنه موافق لما جاء في نصوص الوحيين التي من تمسك بها هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم، قال تعالى:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101].

ص: 68

وأدلة مذهب السلف في ذلك كما يلي:

أولًا: قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} الآية [الفتح:15]، وقال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6]. فهاتان الآيتان وغيرهما دليل على أن القرآن هو كلام الله.

ثانيًا: قولهم: إن الله تكلم به حقيقة بصوت مسموع، دليله ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ، فَيَقُولُونَ: الْحَقَّ الْحَقَّ»

(1)

.

فالحديث يدل على أن أهل السماء يسمعون كلام الله عز وجل إذا تكلم بالوحي، والسماع لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان بصوت مسموع، ومن المعلوم أن القرآن يدخل في عموم لفظ الوحي.

ثالثًا: وأما قولهم: «بحرف» ، فدليله ما جاء أيضًا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ {الم} حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ

(1)

أخرجه البخاري تعليقًا (6/ 2719)، ووصله في خلق أفعال العباد ص (92 - 93)، وأخرجه أيضًا أبو داود (2/ 648) رقم (4738).

ص: 69

حَرْفٌ»

(1)

.

رابعًا: وأما قولهم: «منزل غير مخلوق» ، فدليله قول الله عز وجل:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وقوله تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106].

خامسًا: وأما قولهم: «منه بدأ» ، فدليله قوله تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102]. {قُلْ نَزَّلَهُ} أي: القرآن، {رُوحُ الْقُدُسِ} الرُّوحُ: هو جبريل عليه السلام، والْقُدُس: الطُّهْر، والمعنى نزله الروحُ المطَهَّرُ، فهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته وقوله:{مِنْ رَبِّكَ} (مِنْ) هنا لابتداء الغاية، فيكون المعنى أن ابتداء تنزيل القرآن من عند الله سبحانه وتعالى.

سادسًا: وقولهم: «وإليه يعود» ، أي: أن القرآن يرجعُ إلى اللهِ تعالى؛ لأنه يرفع في آخر الزمان فلا يبقى منهُ شيءٌ في الصدور ولا في المصاحف، وذلك من علامات الساعة، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُبْعَثَ رِيحٌ حَمْرَاءُ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، فَيَكْفِتُ اللهُ بِهَا كُلَّ نَفْسٍ تُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا يُنْكِرُهَا النَّاسُ مِنْ قِلَّةِ مَنْ يَمُوتُ فِيهَا: مَاتَ شَيْخٌ فِي بَنِي فُلَانٍ، وَمَاتَتْ عَجُوزٌ فِي بَنِي فُلَانٍ، وَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ الله، فَيُرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا

(1)

أخرجه الترمذي (5/ 175) رقم (2910). وقال الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (3327): «إسناده جيد» .

ص: 70