المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثاني في بيان البدع] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ١

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مُطْلَقُ الِاعْتِصَامِ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَان الْبِدَعِ]

- ‌[أَنْوَاعِ الْبِدْعَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الِاقْتِصَادِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَادِ فِي الطَّاعَةِ]

- ‌[الْأَدِلَّةُ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِي الطَّاعَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَصْحِيحِ الِاعْتِقَادِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْعُلُومِ الْمَقْصُودَةِ لِغَيْرِهَا]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الْمَأْمُورِ بِهَا]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْعَيْنِ]

- ‌[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي فَرْضُ الْكِفَايَةِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الْعُلُومِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْعُلُومِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا]

الفصل: ‌[الفصل الثاني في بيان البدع]

مَفْعُولٍ وَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ بِقَوْلِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ مَعَ أَنَّ الظَّرْفَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ قِيلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفَضْلِ فَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِتَحْقِيقِ إنَافَةِ قَدْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْزِلَتِهِ عَلَى كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَمُحْسِنٍ وَمُفَضِّلٍ وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا وَاعْتَقَدَ سِوَاهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَكَيْفَ وَقَدْ اسْتَنْقَذَنَا مِنْ النَّارِ وَهَدَانَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَمِنْ مَحَبَّتِهِ نُصْرَةُ سُنَّتِهِ وَالذَّبُّ عَنْ شَرِيعَتِهِ وَإِجْلَالُهَا.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَان الْبِدَعِ]

(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْبِدَعِ)

جَمْعُ بِدْعَةٍ خِلَافُ السُّنَّةِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا وَقَوْلًا وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالُوا الْبِدْعَةُ فِي الشَّرِيعَةِ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي

ص: 86

عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَعَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ الْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ.

وَعَنْ الْهَرَوِيِّ الْبِدْعَةُ الرَّأْيُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا مِنْ السُّنَّةِ سَنَدٌ ظَاهِرٌ أَوْ خَفِيٌّ مُسْتَنْبَطٌ وَقِيلَ عَنْ الْفِقْهِيَّةِ الْبِدْعَةُ الْمَمْنُوعَةُ مَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِسُنَّةٍ أَوْ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ سُنَّةٍ فَالْبِدْعَةُ الْحَسَنَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَصْلٍ وَسَنَدٍ ظَاهِرٍ أَوْ خَفِيٍّ أَوْ مُسْتَنْبَطٍ قِيلَ عَنْ حَوَاشِي الْمُصَنِّفِ أَقْبَحُ الْبِدَعِ عَشَرَةٌ أَوَّلُهَا

ص: 87

تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ بِالْأُجْرَةِ سِيَّمَا بِغَلَّةِ النُّقُودِ فَإِنَّ وَقْفَهَا بَاطِلٌ وَكَذَا الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ وَمِنْهُ التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ لِتَرْوِيجِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِسُؤَالِ الْمَالِ وَثَانِيهَا طَعَامُ الْمَيِّتِ وَإِيقَادُ الشُّمُوعِ فِي الْمَقَابِرِ وَالْجَهْرُ بِالذِّكْرِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْعَرُوسِ وَنَحْوِهِمَا وَالْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ وَتَزْيِينُهُ وَالْبَيْتُوتَةُ عِنْدَهُ ثَالِثُهَا الْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْقَدْرِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْجَمَاعَةِ. رَابِعُهَا تَرْكُ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَالسُّرْعَةُ وَالنَّقْرُ نَقْرَ الْغُرَابِ. خَامِسُهَا مُسَابَقَةُ الْإِمَامِ وَمُخَالَفَتُهُ سَادِسُهَا عَدَمُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ. سَابِعُهَا التَّغَنِّي وَسَمَاعُ الْغِنَاءِ وَمِنْهُ اللَّحْنُ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالرَّقْصُ وَالِاضْطِرَابُ. ثَامِنُهَا التَّصْلِيَةُ وَالتَّرْضِيَةُ وَالتَّأْمِينُ وَنَحْوُهَا عِنْدَ الْخُطْبَةِ تَاسِعُهَا التَّصَدُّقُ عَلَى الْمُسْرِفِ وَالسَّائِلِ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّلَاعُبُ وَاتِّخَاذُ الطَّعَامِ لِلرَّقْصِ وَخَتْمُ الْقُرْآنِ أَوْ لِلشُّهْرَةِ وَالرِّيَاءِ عَاشِرُهَا اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ وَتَوْحِيدُهُنَّ بِالْجَهْرِ وَخَلْوَتُهُنَّ فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ لِلتَّهْنِئَةِ وَالتَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالدَّعْوَةِ إذَا كَانَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ وَقِرَائَتِهِنَّ مَوْلِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَهْرِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الرِّجَالُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ خُصُوصًا لِذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ وَالشَّوَابِّ مَعَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ انْتَهَى قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهَا مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ لِصُدُورِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ فَضَالٌّ وَمُضِلٌّ مَنْ اسْتَقْبَحَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُسْتَحْسَنَاتِ الشَّرْعِ فَتَكُونُ حَسَنَةً مُثَابًا عَلَيْهَا وَتَارِكُهَا مَحْرُومٌ أَقُولُ قَدْ عَرَفْت جَوَابَهُ فِيمَا سَبَقَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى نَحْوِ الصَّحَابَةِ افْتِرَاءٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ كَيْفَ وَلَوْ صَدَرَتْ عَنْهُمْ لَكَانَتْ سُنَّةً لَا بِدْعَةً وَهُوَ مُعْتَرَفٌ بِبِدْعِيَّتِهَا وَقَدْ نَقَلَ فِي بِدْعِيَّةِ كُلٍّ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمَشَايِخِ مَا لَا يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ وَلَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ (الْأَخْبَارُ) الدَّالَّةُ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ.

(خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ» اخْتَرَعَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ «فِي أَمْرِنَا» شَأْنِنَا وَدِينِنَا «هَذَا» الْإِشَارَةُ لِلتَّعْظِيمِ وَلِكَمَالِ اسْتِحْضَارِهِ وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَلِقُوَّةِ ظُهُورِهِ كَالْمَحْسُوسِ «مَا» اعْتِقَادًا أَوْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ حَالًا أَوْ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَمَعْنَى الْإِحْدَاثِ لِرَجَاءِ الثَّوَابِ «لَيْسَ مِنْهُ» أَيْ رَأْيًا لَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابِ عَاضِدٌ ظَاهِرٌ أَوْ خَفِيٌّ مَلْفُوظٌ أَوْ مُسْتَنْبَطٌ (فَهُوَ رَدٌّ) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَى فَاعِلِهِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِيهِ تَلْوِيحٌ بِأَنَّ دِينَنَا قَدْ كَمُلَ وَظَهَرَ

ص: 88

كَضَوْءِ الشَّمْسِ بِشَهَادَةِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَرْضِيَّةٍ.

وَأَمَّا مَا شَهِدَ لَهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ فَمَقْبُولٌ كَبِنَاءِ نَحْوِ رِبَاطٍ وَمَدَارِسَ وَتَصْنِيفِ الْكُتُبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ قَاعِدَتِهِ

قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي حِفْظُهُ لِإِبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ وَلِذَا قِيلَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نِصْفَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَتَرَكَّبُ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ وَالْمَطْلُوبُ بِالدَّلِيلِ إمَّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْحَدِيثُ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى فِي إثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُ مُقَدِّمَةٌ كُلِّيَّةٌ فِي كُلِّ دَلِيلٍ نَافِي الْحُكْمِ كَأَنْ يُقَالَ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ نَجِسٍ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ رَدٌّ فَهَذَا الْعَمَلُ رَدٌّ فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْأُولَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّرْعِ فَصَحِيحٌ فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأُولَى فِيهَا النِّزَاعُ فَلَوْ وُجِدَ حَدِيثٌ يَكُونُ مُقَدِّمَةً أُولَى فِي إثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ لَا يَسْتَقِلُّ الْحَدِيثُ بِجَمِيعِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَكِنْ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ فَحَدِيثُنَا نِصْفُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي الْبَاطِنِ وَأَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ مَنْقُوضٌ وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهِ يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ

قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ رَدِّ الْبِدْعَةِ فِي نَحْوِ الْعَادَاتِ (وَفِي رِوَايَةٍ) عَنْ عَائِشَةَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا» أَيْ شَرْعُنَا «فَهُوَ رَدٌّ» (خ) الْبُخَارِيُّ (عَنْ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ (الزُّهْرِيِّ) الْمُنْتَسِبِ لِبَنِي زُهْرَةَ الَّذِينَ مِنْهُمْ أُمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (قَالَ دَخَلْت عَلَى أَنَسٍ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْت مَا يَبْكِيك قَالَ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت) أَدْرَكْته فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ) أَيْ جِنْسَهَا أَوْ صُورَتَهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّ (هَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ بِنَحْوِ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا وَتَرْكِ تَعْدِيلِهَا وَعَدَمِ رِعَايَةِ آدَابِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُشُوعِهَا وَحُضُورِهَا وَتَرْكِ جَمَاعَتِهَا وَبِالْجُمْلَةِ عَدَمُ إتْيَانِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى إظْهَارِ التَّأَسُّفِ وَالْحُزْنِ عِنْدَ انْتِهَاك حُرُمَاتِ الشَّرْعِ وَفِيهِ عَدَمُ تَعْيِينِ أَحَدٍ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَتَعْمِيمُ الْإِنْكَارِ وَسَتْرُ قَبَائِحِ الْمُسْلِمِينَ الْمُعَيَّنِينَ فَإِنَّ بُكَاءَهُ إنَّمَا هُوَ لِرُؤْيَتِهِ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ.

(طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ أُمَّةٍ» جَمَاعَةٍ «ابْتَدَعَتْ» اسْتَحْدَثَتْ «بَعْدَ» زَمَانِ «نَبِيِّهَا فِي دِينِهَا بِدْعَةً» أَيْ بِدْعَةً مَمْنُوعَةً فِي الْإِطْلَاقِ، وَالتَّنْكِيرُ إشَارَةٌ إلَى شُمُولِ أَنْوَاعِ الْبِدَعِ اعْتِقَادًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا وَقَوْلًا إذْ النَّكِرَةُ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً فِي الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَتْ بِعَامَّةٍ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا مُطْلَقَةٌ، وَالْمُطْلَقُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ.

«إلَّا أَضَاعَتْ» تِلْكَ الْأُمَّةُ أَيْ أَذَهَبَتْ وَتَرَكَتْ «مِثْلَهَا مِنْ السُّنَّةِ» إذْ فِعْلُ الْبِدْعَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ لَعَلَّ السُّنَّةَ عَامٌّ لِمُطْلَقِ الشَّرْعِيَّاتِ فَخِلَافُ الْفِعْلِ الْبِدْعَةُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ نَدْبٌ فَالْبِدْعَةُ مُفَوِّتٌ لِمَا ذُكِرَ أَوْ أَنَّ فِعْلَ الْبِدْعَةِ يُقَسِّي الْقَلْبَ فَصَاحِبُهُ يَتَجَاسَرُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمُنْكَرِ قِيلَ السُّنَّةُ الضَّائِعَةُ بِسَبَبِ الْبِدْعَةِ كَالصَّلَاةِ مَعَ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ الْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ وَتَرْكِ فِكْرِ الْقَلْبِ عِنْدَ التِّجَارَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]-

(طب عَنْ أَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ» سَتَرَ وَمَنَعَ

ص: 89

«التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» إمَّا بِصَرْفِ أَصْلِ التَّوْبَةِ أَوْ بِصَرْفِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا كَالْقَلْعِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَأَكْثَرُهَا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ بِدْعَتَهُ إلَى أَنْ يَرَى حَسَنَةً «حَتَّى يَدَعَ» يَتْرُكَ «بِدْعَتَهُ» بِسَبَبِ نُورٍ قَذَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ قِيلَ وَلِهَذَا كُلَّمَا أَرَادَ تَوْبَةً مَنَعَ مَانِعٌ فَلَا يَتَيَسَّرُ لِاحْتِجَابِ التَّوْبَةِ مِنْ تِلْكَ الْبِدْعَةِ قِيلَ هَذِهِ مَا فِي الِاعْتِقَادِ (مج) ابْنِ مَاجَهْ.

(عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبَى اللَّهُ» أَيْ كَرِهَ وَامْتَنَعَ لِقُوَّةِ قُبْحِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْعُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَحُكْمُ الشَّيْطَانِ «أَنْ يَقْبَلَ» قَبُولَ إثَابَةٍ وَرِضًا أَوْ قَبُولَ كَمَالٍ عَلَى رُتْبَةِ الْبِدْعَةِ «عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» الظَّاهِرُ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُهُ الَّذِي هُوَ الْبِدْعَةُ وَلَوْ عَلَى طَرِيقِ طَاعَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ إذْ النُّصُوصُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ هِيَ الْمَذْمُومَةُ كَمَا يُفَصَّلُ مِنْ الْمُصَنِّفِ «حَتَّى» إلَى أَنْ «يَدَعَ» يَتْرُكَ «بِدْعَتَهُ» بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ خَوْفًا مِنْ قَهْرِ اللَّهِ أَوْ طَمَعًا فِي ثَوَابِ اللَّهِ أَوْ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ لَا خَوْفًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ أَوْ عَدَمِ قُدْرَتِهِ إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِصْرَارِ الْبَاطِنِيِّ عَلَى تِلْكَ الْبِدْعَةِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 3] وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ كَمَا أَنَّ عَمَلَ الْمُبْتَدِعِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَذَنْبُهُ غَيْرُ مَغْفُورٍ ثُمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى سَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ وَالتَّنْفِيرُ عَنْ مُلَازَمَةِ الْبِدْعَةِ وَمُجَالَسَةِ أَهْلِهَا وَالْكَلَامُ فِي بِدْعَةٍ غَيْرِ مُكَفِّرَةٍ.

وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الْمُكَفِّرَةُ كَمُنْكِرِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَالْمُجَسِّمِ وَالْكَوْنِ فِي مَكَان وَالِاتِّصَالِ بِالْعَالَمِ وَالِانْفِصَالِ عَنْهُ فَلَا يُوصَفُ عَمَلُهُ بِقَبُولٍ وَرَدٍّ.

(مَجَّ عَنْ حُذَيْفَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ ابْنُ الْيَمَانِ الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ شَهِدَ هُوَ وَأَبُوهُ أُحُدًا وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَعُرِفَ بِصَاحِبِ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام وَقَالَ فِي حَقِّهِ «مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ يَوْمٍ أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ يَوْمٍ آتِي أَهْلِي فَلَا أَجِدُ عِنْدَ هُمْ طَعَامًا وَيَقُولُونَ مَا نَقْدِرُ عَلَى قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. وَقَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ وَقَالَ وَإِيَّاكُمْ وَمُوَافَقَةَ الْفِتَنِ قِيلَ وَمَا هَذِهِ قَالَ أَبْوَابُ الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ. وَقَالَ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْخُشُوعُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةَ وَقَالَ الْمُنَافِقُ مَنْ يَصِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ وَقَالَ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي لِسَانًا ذَرِبًا عَلَى أَهْلِي قَدْ خَشِيت أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَقَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَوْلَا أَنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْآخِرَةِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي كُنْت أُحِبُّ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَأُحِبُّ الذِّلَّةَ عَلَى الْعِزِّ وَأُحِبُّ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ حَبِيبٌ أَيْ الْمَوْتُ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ لَا أَفْلَحَ مِنْ نَدِمَ وَجَزِعَ حُذَيْفَةُ جَزَعًا شَدِيدًا حِينَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا فَقِيلَ مَا يُبْكِيك قَالَ مَا أَبْكِي أَسَفًا عَلَى الدُّنْيَا بَلْ الْمَوْتُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ مَا أَدْرِي عَلَى مَا أُقْدِمُ عَلَى رِضًا أَمْ عَلَى سَخَطٍ مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَأَوْصَى ابْنَيْهِ صَفْوَانَ وَسَعِيدًا أَنْ يُبَايِعَا عَلِيًّا فَفَعَلَا وَقَاتَلَا مَعَهُ وَقُتِلَا مَعَهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -

(أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى» وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْإِثَابَةُ قِيلَ رِفْعَةُ شَأْنِ الْعَمَلِ وَإِنْ قَلِيلًا أَوْ مُبَاهَاةُ الْمَلَائِكَةِ بِهِ وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ فِي الدُّنْيَا بِمَقَامَاتِ الْكَشْفِ الْإِلَهِيِّ وَفِي الْآخِرَةِ بِالرُّؤْيَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، أَقُولُ هَذَا يُنَاسِبُ الْقَبُولَ الْكَامِلَ «لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ» يَقْتَضِي ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ الشُّمُولَ لِمَا فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِطْلَاقِ الْكَمَالُ وَادَّعَى الْكَمَالَ فِي الْعِبَادَةِ كَالِاعْتِقَادِ أَوْ يُرَادُ الشُّمُولُ وَادَّعَى أَنَّ الْعَادَةَ إذَا لَمْ تُقَارَنْ بِإِذْنِ الشَّارِعِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لَكِنْ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبُولَ كُلِّيًّا مُشَكِّكًا «صَوْمًا وَلَا حَجًّا» سَوَاءٌ كَانَا فَرِيضَتَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْبِدْعَةَ مُوَصِّلَةٌ إلَى الْكُفْرِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ

ص: 90

الْقَبُولِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوَصِّلْ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَنْ الْبِدْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. قُلْت: الصِّحَّةُ غَيْرُ الْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ عَمَلٍ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ قَبُولُهُ كَالصَّلَاةِ بِلَا تَعْدِيلِ أَرْكَانٍ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ قَبُولَ حُسْنٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]«وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا» قِيلَ نَفْلًا وَقِيلَ انْصِرَافًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَيْ تَوْبَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ «وَلَا عَدْلًا» الْعَدَالَةُ ضِدُّ الْجَوْرِ وَقِيلَ الْفِدْيَةُ أَوْ الْفَرِيضَةُ أَوْ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ أَوْ الصَّرْفُ الِاكْتِسَابُ وَالْعَدْلُ الْجَزَاءُ أَوْ الْحِيلَةُ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ عَمَلًا مِنْ الطَّاعَاتِ مَا دَامَ عَلَى بِدْعَتِهِ وَتَخْصِيصُ هَذِهِ بِالذِّكْرِ لِقُوَّةِ صُعُوبَتِهَا بِالنَّفْسِ فَيُفْهَمُ الْغَيْرُ بِالْأَوْلَى كَذَا قِيلَ لَكِنْ يَشْكُلُ بِالصَّلَاةِ لِشَرَفِهَا فِي ذَاتِهَا وَإِتْعَابِهَا فِي أَدَائِهَا الْكَامِلِ «يَخْرُجُ» لِتَرْجِيحِ هَوَى نَفْسِهِ وَإِيثَارِ حُكْمِ شَيْطَانِهِ عَلَى رِضَا رَحْمَانِهِ وَأَمْرِ نَبِيِّهِ «مِنْ الْإِسْلَامِ» أَيْ الْكَامِلِ أَوْ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ أَيْ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَمْرَ شَرِيعَتِهِ كَمَا يَخْرُجُ مُطْلَقُ الْعُصَاةِ مِنْ انْقِيَادِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْإِسْلَامُ مَا بِالْجَوَارِحِ وَالْإِيمَانُ مَا بِالْقَلْبِ فَلَا يُنَافِي إيمَانَهُ إذْ قَدْ يُوجَدُ الْإِيمَانُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ بَعْضٍ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْبِدْعَةِ كَمَالُهَا الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ «كَمَا يُخْرَجُ الشَّعْرُ مِنْ الْعَجِينِ» ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخَفَاءَ، وَالْبِدْعَةُ الْمُكَفِّرَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْإِسْلَامِ قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ خَفِيَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُبْتَدِعِ إذْ عِنْدَهُ هِيَ طَاعَةٌ أَوْ إصَابَةٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا نُسَلِّمُ اقْتِضَاءَهُ الْخَفَاءَ بَلْ ذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْمُبْتَدِعِ، فَإِنَّ الشَّعْرَةَ إذَا جُذِبَتْ مِنْ الْعَجِينِ لَا يَعْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَجِينِ

(وَقَدْ سَبَقَ) فِي نَوْعِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ (حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَ) حَدِيثُ (جَابِرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمُشْتَمِلَانِ عَلَى قَوْلِهِ «كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا هُوَ التَّمْهِيدُ لِلسُّؤَالِ الْآتِي أَخَّرَهُ هُنَا لِطُولِهِ مَعَ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ فَصْلِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمُرْتَبِطَةِ عَنْ بَعْضٍ (فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ التَّطْبِيقُ بَيْنَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام) فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» قِيلَ الْأَوْلَى وَكُلُّ بِدْعَةٍ بِالْوَاوِ لِيُنَبِّه عَلَى أَنَّهُ بَعْضُ الْحَدِيثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَرَكَهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِوُرُودِ الْإِشْكَالِ (وَبَيْنَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ) الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ الْعَهْدِ وَدَلِيلِ الْجِنْسِ فَالْمُتَبَادَرُ هُنَا الِاسْتِغْرَاقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّفَاقَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُ الْإِجْمَاعَ وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ وَالْحَدِيثِ سِيَّمَا خَبَرُ الْوَاحِدِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّوْفِيقِ وَالتَّطْبِيقِ بَلْ قَالُوا فِي مُطْلَقِ تَعَارُضِ الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يُقَدَّمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذْ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى التَّأْوِيلِ أَوْ التَّخْصِيصِ أَوْ الضَّعِيفِ أَوْ الْمَنْسُوخِ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَقُولُ الْمُتَبَادَرُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا إجْمَاعَ وَيَجُوزُ إرْجَاعُ حَاصِلِ الْإِشْكَالِ إلَى أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ.

(إنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً) وَأَمَّا صَلَاحِيَّةُ الْمُبَاحِ لِمَا فِيهِ ضَلَالَةٌ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَلَى عَنْ الْعَوَارِضِ وَطَبْعُهُ لَا يَكُونُ ضَلَالَةً فَيَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ فَبَعْضُ الْمُبَاحِ ضَلَالَةٌ فَهَذَا خُلْفٌ وَكَذَا غَيْرُهُ (كَاسْتِعْمَالِ الْمُنْخُلِ) لِنَخْلِ الدَّقِيقِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تُفْتَحَ خَاؤُهُ مَا يُنْخَلُ بِهِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ قِيلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ إنَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْآلَةِ الْكَسْرُ (وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَكْلِ لُبِّ الْحِنْطَةِ) بِإِزَالَةِ قِشْرِهَا بِالْمُنْخُلِ.

وَفِي التَّقْيِيدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَأْكُلُونَ اللُّبَّ لَكِنْ نَادِرٌ لَيْسَ بِمُوَاظَبَةٍ إذْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْأُصُولِ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَكْلُ لُبِّ الْحِنْطَةِ (وَالشِّبَعُ مِنْهُ)

ص: 91

أَيْ مِنْ أَكْلِ اللُّبِّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيه وَسُكُونِهِ مَصْدَرُ شَبِعَ امْتَلَأَ وَفِي الشِّرْعَةِ أَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ الشِّبَعُ وَهَذِهِ الْمَنَاخِلُ وَلَمْ يُرَ نَبِيُّنَا يَأْكُلُ نَقِيًّا أَيْ مَا نُقِّيَ دَقِيقُهُ وَفِي شَرْحِهِ كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ فَتَأَمَّلْ (وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً كَبِنَاءِ الْمَنَارَةِ) الْمِئْذَنَةِ مَوْضِحِ الْأَذَانِ.

وَفِي الْقَامُوسِ الْمِئْذَنَةُ بِالْكَسْرِ مَوْضِعُ الْأَذَانِ أَوْ الْمَنَارَةُ أَوْ الصَّوْمَعَةُ (وَالْمَدَارِسِ) جَمْعُ مَدْرَسَةٍ مَوْضِعُ الدِّرَاسَةِ أَيْ الْقِرَاءَةِ (وَتَصْنِيفِ الْكُتُبِ) أَيْ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ مَبَادِئِهَا وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَإِنْ وُجِدَ فِي عَصْرِ السَّلَفِ، وَإِنْ فِي يَدِ الْغَيْرِ كَكُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ تَصْنِيفَ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ (بَلْ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً) يُوجِبُ تَرْكُهَا الْإِثْمَ (كَنَظْمِ الدَّلَائِلِ) أَيْ تَرْتِيبِهَا فَمِنْ قَبِيلِ التَّصْنِيفِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.

الظَّاهِرُ الدَّلَائِلُ الْكَلَامِيَّةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (لِرَدِّ شُبَهِ الْمَلَاحِدَةِ) جَمْعُ مُلْحِدٍ مِنْ الْإِلْحَادِ وَهُوَ الْمَيْلُ وَالْعُدُولُ عَنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (وَنَحْوِهِمْ) لِنَحْوِ الْفَلَاسِفَةِ وَقِيلَ الْمَلَاحِدَةُ مُنْكِرُو الْحَشْرِ وَالْجَزَاءِ وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ وَنَحْوِهِمْ ظَاهِرٌ. .

(قُلْنَا لِلْبِدْعَةِ مَعْنًى لُغَوِيٌّ عَامٌّ هُوَ الْمُحْدَثُ) فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ (مُطْلَقًا) إنْ أُرِيدَ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَا بَعْدَ الرَّسُولِ فَلَا يَكُونُ لُغَوِيًّا، وَإِنْ أَعَمُّ فَلَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ يَعْنُونَ بِهَا إلَخْ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ لُغَوِيٌّ وَيَجْعَلُ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامَّ وَالْخَاصَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَرِيبُ الشَّيْءِ مَعْدُودًا مِنْهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَرِيبٌ إلَى اللُّغَوِيِّ (عَادَةً أَوْ عِبَادَةً) لَعَلَّ الْأَوْلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عِبَادَةً أَوْ عَادَةً (؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ مِنْ الِابْتِدَاعِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ مُشْتَقٍّ مِنْ الِابْتِدَاعِ مَصْدَرُ ابْتَدَعَ وَفِيهِ كَلَامٌ مِنْ وُجُوهٍ فَتَأَمَّلْ (بِمَعْنَى الْإِحْدَاثِ كَالرِّفْعَةِ) لِلشَّرَفِ وَالْعُلُوِّ (مِنْ الِارْتِفَاعِ وَالْخِلْفَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ) فِي الْقَامُوسِ الْخِلْفَةُ بِالْكَسْرِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْ التَّرَدُّدُ (وَهَذِهِ) الْبِدْعَةُ الْعَامَّةُ (هِيَ الْمَقْسَمُ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ) لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ تَخَاطُبَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ تَخَاطُبُ الشَّرْعِ أَوْ اصْطِلَاحُهُمْ الْخَاصُّ وَاللُّغَوِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَارْجِعْ لِمَا ذُكِرَ آنِفًا (يَعْنُونَ بِهَا) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الْمَذْكُورِ (مَا أُحْدِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ) زَمَانِ النَّبِيِّ وَصَحَابَتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» كَذَا قِيلَ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُؤْتَى بِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» بَلْ لَا يَتِمُّ بِهِ أَيْضًا لِمَا فِي الشِّرْعَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبِدْعَةَ مَا حَدَثَ بَعْدَ تَبَعِ التَّابِعِينَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُوَ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ أَيْ الشَّامِلُ لِلْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ (مُطْلَقًا) عِبَادَةً أَوْ عَادَةً (وَمَعْنَى شَرْعِيٌّ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَنْ يَتَبَادَرَ إلَيْهِ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّرْعِ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَوْ تَعَدَّدَ مَعْنَى لَفْظٍ شَرْعِيٍّ فَأَيُّهُ أَشْهُرُ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ مَجَازٌ (خَاصٌّ) بِالدِّينِ وَالْعِبَادَةِ.

(وَ) هُوَ قَوْلُهُ (هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدِّينِ) زِيَادَةً مُسْتَقِلَّةً كَصَلَاةِ الرَّغَائِبِ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ كَزِيَادَةِ انْحِنَاءِ الرَّأْسِ فِي الرُّكُوعِ (أَوْ النُّقْصَانُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدِّينِ أَصَالَةً أَوْ تَبَعِيَّةً أَيْضًا

ص: 92

(الْحَادِثَانِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ) أَيْ زَمَانِهِمْ وَأَيْضًا زَمَانُ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ لَعَلَّ الْكَلَامَ عَلَى التَّغْلِيبِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ وَلَا يَبْعُدُ الْحَمْلُ عَلَى الدَّلَالَةِ (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ (الشَّارِعِ) فِي ذَيْنِك الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (لَا قَوْلًا وَفِعْلًا) بِأَنْ يَفْعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا صَرِيحًا) بِقَوْلِهِ (وَلَا إشَارَةً) كَمَا فِيهِ إعَانَةٌ لِلدِّينِ (فَلَا تَتَنَاوَلُ) الْبِدْعَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ (الْعَادَاتِ أَصْلًا) الْعَادَةُ مَا يُقْصَدُ فِيهِ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ كَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُخْتَرَعَةِ الْآنَ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ عَنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إذْ لَا يَخْلُو فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ قُلْنَا لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّينِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْمَخْصُوصَةُ بِالْعِبَادَاتِ اعْتِقَادِيَّةً أَوْ عَمَلِيَّةً، فَإِنْ قِيلَ: النُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فَمَا الصَّارِفُ عَنْ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى شَرْعِيًّا فَظَاهِرُ النُّصُوصِ هُوَ الْخُصُوصُ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ (بَلْ تَقْتَصِرُ) فِي الشَّرْعِ الْيَوْمَ (عَلَى بَعْضِ الِاعْتِقَادَاتِ) أَيْ أَكْثَرِهَا، فَإِنَّ الْبَعْضَ، وَإِنْ أَوْهَمَ الْقِلَّةَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا لَكِنْ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ الْكَثْرَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]- بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ - {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]- فَإِنَّ اعْتِقَادَ السُّنَّةِ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الْحَدِيثُ (وَبَعْضِ صُوَرِ الْعِبَادَاتِ) إنْ كَانَا بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ لَا عَنْ دَلِيلٍ فَالزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ الْوَاقِعَانِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ لِكَوْنِهِمَا عَنْ دَلِيلٍ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ لَا يُعَدَّانِ بِدْعَةً كَصَلَاةِ الْخُسُوفِ بِرُكُوعَيْنِ وَسُجُودَيْنِ وَفَاتِحَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيّ خِلَافًا لِلْحَنَفِيِّ.

فَالْبِدْعَةُ مَا كَانَ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ كَزِيَادَةٍ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى التَّثْلِيثِ إنْ اُعْتُقِدَ عِبَادَةً فَبِدْعَةٌ، وَإِنْ وَسْوَسَةً فَمَكْرُوهٌ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَذَلِكَ (فَهَذِهِ) الْبِدْعَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا الْعَادِيَةُ (هِيَ مُرَادُهُ عليه الصلاة والسلام) مِنْ قَوْلِهِ «فَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» فَحَاصِلُهُ أَنْ يُرَادَ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ فِي الشَّرْعِ حَالَ عَدَمِ إعَانَتِهَا عَلَى الطَّاعَةِ ضَلَالَةٌ (بِدَلِيلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَتَنَاوَلُ.

(قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيمَا سَبَقَ «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْبِدْعَةُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي تَخَاطُبِ الشَّرْعِ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْصِبَ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْنًى شَرْعِيًّا لَا عَلَى عَدَمِ التَّنَاوُلِ وَأَنَّ الْعَادِيَّاتِ مِنْ أَفَاعِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ سُنَّةُ الزَّوَائِدِ فَكَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَادِيَّاتِ وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ مَجِيئَتَهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هِيَ لَلدِّينِ لَا لِلدُّنْيَا فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْعَادِيَّاتِ سُنَّةً مُخَالِفَةً لِلْفِقْهِ وَالْأُصُولِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ هُنَا الْكَامِلَةُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْعَهْدِ بِمَعْنَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ عَلَى مَا يُقَالُ: إنَّ الشَّيْءَ إذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا يُصْرَفُ إلَى الْكَمَالِ أَوْ بِقَرِينَةِ «عَلَيْكُمْ» فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ وَالْمُنَاسِبُ لِلُّزُومِ هُوَ سُنَّةُ الْهُدَى لَا الزَّوَائِدُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ شَامِلٌ لِمَا بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَى انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ بَلْ إلَى انْقِرَاضِ التَّابِعِينَ أَوْ تَبَعِ التَّابِعِينَ فَلَا تَقْرِيبَ فِي دَلَالَةِ هَذَا الدَّلِيلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَقِلًّا فِي الدَّلَالَةِ بَلْ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَوْ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جُزْءِ الْمَدْلُولِ لَا عَلَى تَمَامِهِ فَافْهَمْ.

«وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ» لَعَلَّ وَجْهَ دَلَالَةِ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إرَادَةُ عَدَمِ شُمُولِ السُّنَّةِ هُنَا إلَى الْعَادِيَّاتِ إمَّا بِقَرِينَةِ لَفْظِ عَلَيْكُمْ الظَّاهِرُ فِي اللُّزُومِ أَوْ بِكَوْنِ السُّنَّةِ الدِّينِيَّةِ هِيَ الْكَمَالَ وَثَانِيَتُهُمَا مَا نُقِلَ عَنْ الْفَتَاوَى الْبَزْدَوِيَّةِ أَنَّ الْبِدْعَةَ الْمَمْنُوعَةَ مَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِسُنَّةٍ أَوْ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ سُنَّةٍ فَنَقُولُ

ص: 93