الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوَقَعَ لَنَا عَالِيًا عَنْهُ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَمْزَةَ ، وعِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُظَفَّرٍ ، ويَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَلِيٍّ ، وَزَيْنَبُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ شُكْرٍ ، قَالُوا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ الصَّلْتِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ثنا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ.
وَأَخْبَرَنَاهُ مُتَّصِلا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الثَّعْلَبِيُّ.
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُظَفَّرِ بْنِ عَسَاكِرَ بِقِرَاءَتِي ، قَالَ الأَوَّلُ: أنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ هِلالٍ.
وَقَالَ الثَّانِي: أنا مُحَمَّدُ بْنُ غَسَّانَ حُضُورًا ، قَالا: أنا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أنا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّسِيبُ الْحُسَيْنِيُّ، أنا الْفَقِيهُ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ.
وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
فَوَقَعَ بَدَلا عَالِيًا
وَهَذا الْحَدِيثُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِصِحَّةِ نُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لِرِوَايَةِ مَالِكٍ رحمه الله لَهَا، وَاحْتِجَاجِهِ بِهَا فِي الْمُوَطَّإِ، مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ لا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ.
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَمَالِكٌ رَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ،
وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ، وَأَبَا عُبَيْدٍ وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ بَعْدِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ثِقَةً، فَهُوَ كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَالْكَلامُ فِي هَذَا يَطُولُ.
وَقَدْ كَتَبَ جُزْءًا مُفْرَدًا فِي صِحَّةِ الاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ النُّسْخَةِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا طَعَنَ بِهِ عَلَيْهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّذِي «الَّتِي» يَسَّرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى الآنَ كِتَابَتَهَا مِمَّا سَنَدُهَا سُبَاعِيٌّ مِنَّا إِلَى الإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله، وَرُبَّمَا قَدْ بَقِيَ مِثْلُهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ، لأَنِّي كَتَبْتُهَا مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الأُصُولِ.
وَبَعْدُ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ لَيْسَتْ مِمَّا تُقْصَدُ بِالذَّاتِ، وَلا فِي الْوُقُوفِ عِنْدَهَا كَبِيرُ أَمْرٍ، وَلا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ بِالإِصَالَةِ، وَقَدْ قَصَرْتُ هَمَّ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، حَتَّى بَقِيَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ عِنْدَهُمْ هِيَ الَّتِي بِهَا يَفْخَرُونَ، وَلَهَا يَرْحَلُونَ، وَإِلَيْهَا يُبَادِرُونَ، وَلِذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُخْرِجُ فِيهَا مَا قَلَّ رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِمَّا قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ضَعْفٍ، بَلْ مَتْرُوكٌ، بَلْ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، كَأَبِي الدُّنْيَا الأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هُدْبَةَ، وَخِرَاشٍ، بَلِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى مَا يُدَّعَى فِي رَتْنٍ الْهِنْدِيِّ وَأَمْثَالِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلا
لِقُصُورِ الْهِمَمِ وَفُتُورِهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الإِشَارَةُ إِلَى هَذَا.
وَالَّذِي نَزِيدُهُ هَاهُنَا أَنْ نَقُولَ: أَهْلُ الْحَدِيثِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ الَّذِي «الَّذِينَ» نُسِبُوا إِلَيْهِ عَلَى ثَلاثِ دَرَجَاتٍ: فَأَوَّلُهَا، وَهِيَ أَدْنَاهَا: مَرْتَبَةُ الاشْتِغَالِ بِجَمْعِهِ وَكِتَابَتِهِ وَسَمَاعِهِ وَتَطْرِيقِهِ، وَطَلَبِ الْعُلُوِّ فِيهِ، وَالرِّحْلَةِ فِي ذَلِكَ، فَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا إِنْ قُصِدَ بِهِ التَّوَاصُلُ إِلَى مَا بَعْدِهِ، وَلَمْ يُوقَفْ عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، فَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ، لأَنَّ الْمُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ لَهُ مَلَكَةٌ فِي الأَسَانِيدِ، وَمَا هُوَ مُتَّصِلٌ مِنْهَا أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَيَرْتَقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ عِنْدَهَا فَهُوَ مُشْتَغِلٌ عَمَّا هُوَ الأَهَمُّ مِنْ عُلُومِهِ النَّافِعَةِ، فَضْلا عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ الأَصْلِيُّ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ جَعْفَرٌ السَّرَّاجُ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
إِذَا كُنْتُمُ تَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ
…
لَيْلا وَفِي صُبْحِكُمْ تَسْمَعُونَا
وَأَفْنَيْتُمُ فِيهِ أَعْمَارَكُمْ
…
فَأَيُّ زَمَانٍ بِهِ تَعْمَلُونَا
لَكِنَّ هَذَا لا بَأْسَ بِهِ لِلْبَطَّالِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ سِلْسِلَةِ الإِسْنَادِ الَّتِي اخْتَصَّتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ.
وَمِمَّا يُزَهِّدُ مَنْ كَانَ لَهُ لُبٌّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مُشَارَكَةِ الصَّغِيرِ فِيهَا لِلْكَبِيرِ وَالْقِدَمِ لِلِقَائِهِمْ، وَالْجَاهِلِ لِلْعَالِمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْبَسْطِ فِيهِ.
وَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: دَرَجَةُ حِفْظِ الأَسَانِيدِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالضَّعِيفِ وَتَمَيُّزِ الثِّقَةِ مِنْ رِجَالِهَا مِنَ الْمَجْرُوحِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ
عُلُومِ الْحَدِيثِ، فَلا رَيْبَ فِي عُلُوِّ هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَعِظَمِ شَأْنِهَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ تَبَيُّنِ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَقِيمِهِ، وَثَابِتِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ، وَنَفْيِ الْكَذِبِ وَالزُّورِ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَأَنْ يَلْتَبِسَ بِهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا.
لَكِنَّ أَهْلَهَا إِذَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَوَقَفُوا عِنْدَهُ، مَنْزِلَتُهُمْ مَنْزِلَةُ الصَّيَادِلَةِ الَّذِينَ عَرَفُوا مُفْرَدَاتِ الأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ وَالضَّارَّةِ وَمَرَاتِبَهَا.
وَأَهْلُ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةُ: هُمُ الأَطِبَّاءُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِي تِلْكَ الأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ وَتَرَاكِيبِهَا، وَيَعْرِفُونَ مَنْ يَنْفَعُهُ، وَمَنْ يَضُرُّهُ، وَهُمُ الَّذِينَ نَصَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلتَّفَقُّهِ فِي الأَحَادِيثِ وَفَهْمِهَا وَمَعْرِفَةِ لُغَاتِهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمُفْرَدَاتِهَا وَمُرَكَّبَاتِهَا، وَاسْتِنْبَاطٍ لِلأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ (الشَّرْعِيَّةِ) الْعَمَلِيَّةِ مِنْهَا.
فَهُوَ الَّذِي نَفْعُهُ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ، مُتَعَدٍّ إِلَى كُلِّ مُسْتَرْشِدٍ فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ دَخَلَتِ الآفَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنْ قُصُورِهِمْ فِيمَا عَرَفَهُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الصَّحِيحُ بِالسَّقِيمِ، حَتَّى احْتَجُّوا بِالأَحَادِيثِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ أَصْلا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ تَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ غَيْرِهِ، كَمَا دَخَلَتِ الآفَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ قُصُورِهِمْ فِي فَهْمِ الْحَدِيثِ، حَتَّى حَمَلُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَاعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ فِي أَحَادِيثِ صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل مَا لا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى.
وَقَدْ بَسَّطْتُ الْكَلامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي مُقَدِّمَةِ الأَرْبَعِينَ الْكُبْرَى.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَرَزَقَهُ الْقِيَامَ بِهَاتَيْنِ الدَّرَجَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ، فَهُوَ الْحَائِزُ لِلدَّرَجَةِ الْعُلْيَا وَالْمَنْقَبَةِ الْقُصْوَى كَمَا هُوَ شَأْنُ الأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي دِينِ اللَّهِ مُجْتَهِدِينَ، فَلا تَحْصُلُ رُتْبَةُ الاجْتِهَادِ لِمَنْ قَصَّرَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّرَجَتَيْنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا هُوَ فَهْمُهُ وَتَدَبُّرُهُ
وَاسْتِثْمَارُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْهُ، لا الْوُقُوفُ عِنْدَ مُجَرَّدِ السَّمَاعِ لَهُ، وَطَلَبِ الْعُلُوِّ فِيهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الآثَارِ مَا رُوِيَ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رحمه الله لَمَّا وَجَدَ الشَّافِعِيَّ رحمه الله بِمَكَّةَ اسْتَغْرَقَ وَقْتَهُ مَعَهُ، فَلامَهُ بَعْضُهُمْ فِي تَرْكِهِ حُضُورَ مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالسَّمَاعَ مِنْهُ، وَمُلازَمَةِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ رحمه الله: اسْكُتْ، فَإِنْ فَاتَكَ حَدِيثٌ بِعُلُوٍّ تَجِدُهُ بِنُزُولٍ، وَلا يَضُرُّكَ فِي دِينِكَ، وَلا فِي فَهْمِكَ، وَإِنْ فَاتَكَ عَقْلُ هَذَا الْفَتَى لا تَجِدُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مِنْ هَذَا الْفَتَى.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقُرَشِيُّ، أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ ظَافِرٍ، أنا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ الطُّيُورِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ خَلادٍ، ثنا أَبُو عُمَرَ بْنُ سُهَيْلٍ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ بِمَكَّةَ، ثنا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رحمه الله وَقَدْ قَالَ لابْنَيْ أُخْتِهِ أَبِي بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ أَبِي أُوَيْسٍ: أَرَاكُمَا تُحِبَّانِ هَذَا الشَّأْنَ وَتَطْلُبَانِهِ؟ يَعْنِي الْحَدِيثَ، قَالا: نَعَمْ، قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تَنْتَفِعَا وَيَنْفَعَ اللَّهُ بِكُمَا، فَأَقِلا مِنْهُ وَتَفَقَّهَا.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الزَّرَّادِ.
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُشْرِقٍ.
قَالَ الأَوَّلُ: أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ، أنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفُرَاوِيِّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ ح.
وَقَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُقَيِّرِ، عَنْ أَحْمَدَ الْمِيهَنِيِّ، أنا ابْنُ
خَلَفٍ، ثنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ الْكَرَابِيسِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْمَرْوَزِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ يَقُولُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ تَعَلَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ، لا يَقْهَرْكُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ شَيْئًا إِلا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ، قَالَ: فَتَرَكُوهُ، وَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَمَّنْ؟
وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى ابْنِ خَلادٍ قَالَ: ثنا شَيْخُنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ، وَأَحْسَبُه يُوسُفَ بْنَ الصَّيَّادِ، قَالَ: وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَجَمَاعَةٌ يَتَذَاكَرُونَ، فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ فُلانٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلانٍ، فَسَأَلَتْهُمُ الْمَرْأَةُ عَنِ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى، وَكَانَتْ غَاسِلَةً، فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ، فَقِيلَ لَهَا: عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، وَقَدْ دَنَا مِنْهَا، فَسَأَلَتْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الأَحْنَفِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: أَمَا إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا: كُنْتُ أَفْرُقُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَاءِ، وَأَنَا حَائِضٌ، قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ بِالْمَاءِ، فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ، فَقَالُوا: نَعَمْ، رَوَاهُ فُلانٌ، وَحَدَّثَنَاهُ فُلانٌ، وَنَعْرِفُهُ مِنْ طُرُقِ كَذَا، وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ وَالرِّوَايَاتِ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الآنِ؟ وَالآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ لا يَسَعُهَا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَالأَمْرُ جَلِيٌّ كَالصَّبَاحِ، غَنِيٌّ عَنِ الْبَيَانِ وَالإِيضَاحِ، عَلَى أَنَّ أَهْلَ الدَّرَجَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ لا
يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ، وَلا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُمْ لِمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ حِفْظِ الآثَارِ وَتَدْوِينِهَا وَنَشْرِهَا وَتَبْيِينِهَا، فَرَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ، وَأَلْحَقَنَا بِالصَّالِحِينَ مِنْهُمُ، الَّذِينَ رَضُوا عَنِ اللَّهِ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ.
أَنْشَدَنَا الإِمَامُ الْعَالِمُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمَّامٍ الصَّالِحِيُّ لِنَفْسِهِ رحمه الله:
أَهْلُ الْحَدِيثِ إِذَا عُدُّوا لَهُمْ شَرَفٌ
…
بِنِسْبَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ يَتَّصِلُ
حَازُوا مِنَ الشَّرَفِ الأَعْلَى مَآثِرَهُ
…
وَقَدْ زَكَى لَهُمُ الإِخْلاصُ وَالْعَمَلُ
مَا آثَرُوا غَيْرَ آثَارِ النَّبِيِّ هُدًى
…
وَعَنْ طَرِيقِ الْهُدَى يَوْمًا فَمَا عَدَلُوا
مَا أَنْفَقَ الْقَوْمُ مِنْ أَنْفَاسِهِمْ نَفَسًا
…
إِلا بِنَقْلِ حَدِيثٍ عَنْهُ مَا شُغِلُوا
كَمْ رِحْلَةٍ أَسْهَرُوا فِيهَا عُيُونَهُمُ
…
وَأَيْقَظُوا الْعَزْمَ لَمَّا أَنَّهُمْ رَحَلُوا
جَدُّوا وَجَادُوا بِأَرْوَاحٍ لَهُمْ كَرَمًا
…
وَجَاهَدُوا وَلَهُمْ فِي شَأْنِهِمْ دُوَلُ
سَادُوا وَشَادُوا حَدِيثَ الْمُصْطَفَى أَبَدًا
…
شَأْنُ الْحَدِيثِ بِهِمْ يَعْلُو وَيَنْتَقِلُ
تَخَالُ أَهْلَ عُلُومِ الدِّينِ طَوْعَهُمُ
…
لا يَنْطِقُونَ وَهُمْ فِي حَيِّهِمْ خَوَلُ
وَعَنْهُمُ نَقَلَ الأَقْوَامُ مَا شَرَعُوا
…
مِنَ الْعُلُومِ وَمَا قَالُوا وَمَا نَقَلُوا
صَانُوا الْحَدِيثَ مِنَ التَّدْلِيسِ مِنْ دَنَسٍ
…
وَمَيَّزُوا الصِّدْقَ لَمَّا أَعْيَتِ الْحِيَلُ
فَأَيُّ طَالِبِ عِلْمٍ مِنْ فَوَائِدِهِمْ
…
مَا اخْتَارَ نَصَّ دَلِيلٍ مَا لَهُ بَدَلُ
فَضَاعَفَ اللَّهُ فِي النُّعْمَى لِطَالِبِهِمْ
…
هُمُ الثِّقَاتُ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ حَصَلُوا
أَئِمَّةُ الدِّينِ فِي الدُّنْيَا نُقَدِّمُهُمْ
…
وَفِي الْمَعَادِ لَدَى الأُخْرَى هُمُ الأُوَلُ
مُنَعَّمُونَ بِدَارٍ لا نَفَادَ لَهَا
…
فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَالْفِرْدَوْسِ قَدْ نَزَلُوا
نَالُوا بِرَحْمَتِهِ الْحُسْنَى وَزَادَهُمُ
…
كَرَامَةً مِنْهُ عَمَّتْ كُلَّمَا عَمِلُوا
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ
…
وَأَهْلِهِ فَهُمُ السَّادَاتُ وَالنَّبَلُ
وَصَحْبِهِ السَّالِكِينَ الرُّشْدَ فِي سُنَنٍ
…
عَنِ الرَّسُولِ وَمَا ضَلُّوا وَلا جَهِلُوا
يَا رَبِّ غُفْرًا فَلِي عَقْدُ الْوَفَاءِ لَهُمْ
…
مَحَبَّتِي لَهُمُ فِي الدَّهْرِ إِنْ قَبِلُوا
أَرْجُو رِضَاكَ وَأَخْشَى مِنْ مُعَامَلَتِي
…
يَا خَالِقِي وَعَلَيْكَ الدَّهْرَ أَتَّكِلُ
أَنْتَ الإِلَهُ وَأَنْتَ الْمُرْتَجَى كَرَمًا
…
وَالْعَفْوُ مِنْكَ وَمِنِّي النَّقْصُ وَالزَّلَلُ
حَمْدِي وَشُكْرِي لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمٍ
…
لِلَّهِ مُتَّصِلٌ مِنْهَا وَمُنْفَصِلُ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .