الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بأنه لا يوجد تعارض بين الإسلام والعلم
قال المؤلف بعد الكلام السابق: لا يوجد تعارض بين الإسلام والعلم فالإسلام أمر بالعلم وأول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم ترفع شعار العلم: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} . والأدلة على ذلك كثيرة ومنها:
ما ورد في القرآن: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} الآيات. {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} .
ما ورد في السنة: ومن ذلك: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً) الحديث.
(اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) في قصة الرجل: (ألا سألوا حينما جهلوا؛ فإن شفاء العي السؤال).
التاريخ: ما وُجد في العصور الوسطى في الخلافات الإسلامية من تقدم في جميع الميادين، فالتاريخ يشهد أن المسلمين أمة علمية وتدعو إلى التعلم وحاديهم الدعوة إلى الإسلام وإلى العلم والتعلم.
ثم قال بعد ذلك: هل الأدلة السابقة تدل على العلم الشرعي فقط؟
الجواب: لا بل هي عامة، بدليل قوله تعالى:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} .
وقوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس} الآية .. انتهى.
انظر قوله: " بل هي عامة "، يعني أدلة الكتاب والسنة السابقة الذكر وأنها بزعمه في العلم الشرعي وغيره واستدلاله بقوله تعالى:{سنريهم آياتنا في الآفاق} الآية، وهذه الآية كثيراً ما يذكرونها عند ذكر هذه العلوم والتجارب والبحوث كقولهم في غيرها بغير علم بل بالرأي والهوى وقد رَدَّ شيخ الإسلام دعوى من زعم أن الضمير يعود إلى الله في قوله تعالى في هذه الآية:{أنه الحق} ، وذكر أن هذا قول طائفة من المتفلسفة ومن تبعهم من المتكلمة والمتصوفة، وقد تبعهم المتأخرون في زماننا فيذكرون هذه الآية، يستدلون بها على طريق معرفة الله بالعلم وذكر رحمه الله أن الضمير يعود على القرآن قال: " والثالث العمل بموجب العلم قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} .
والضمير عائد على القرآن كما قال تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} . الآية.
وأما قول طائفة من المتفلسفة ومن تبعهم من المتكلمة والمتصوفة أن الضمير عائد إلى الله وأن المراد ذكر طريق من عرفه بالاستدلال بالعلم فتفسير الآية بذلك خطأ من وجوه كثيرة وهو مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. (1)
ولزيادة الوضوح فقد قال قبل الكلام السابق: وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء:
أحدها: تدبر القرآن.
والثاني: تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآفاق التي تبين أنه حق.
والثالث: العمل بموجب العلم، ثم ذكر الكلام السابق.
وقال بعد ذلك: فبيّن سبحانه أنه يُرى الآيات المشهودة ليبين صدق الآيات المسموعة.
ثم قال: وأما الآيات المشهودة؛ فإن ما يُشهد وما يُعلم بالتواتر من عقوبات مُكذبي الرسل ومن عصاهم ومن نصر الرسل وأتباعهم على
(1) 3/ 331.
الوجه الذي وقع وما عُلم من إكرام الله تعالى لأهل طاعته وجَعْل العاقبة لهم وانتقامه من أهل معصيته وجَعْل الدائرة عليهم: فيه عبرة تبين أمره ونهيه ووعده ووعيده وغيره ذلك مما يوافق القرآن. إلى آخره.
اعلم أن هذه الآية يستدل بها المتأخرون على علومهم وتجاربهم خلاف ما ذكر الشيخ وخلاف ما كان عليه السلف ويجعلون الضمير فيها يعود إلى الله وهو يعود على القرآن كما بيّن الشيخ، وهذه الآية تشبه قوله تعالى:{قل سيروا في الأرض} الآية. حيث يستدل بها المتأخرون على الأبحاث والتنقيب في الأرض وقد بيّنت بطلان ذلك ولله الحمد من كلام علمائنا في: [هداية الحيران] وذكرت معناها الصحيح. وكم وكم من آية فسروها بآرائهم وأهوائهم كذلك الأحاديث، ثم قد يظن هؤلاء أن السلف ينكرون النظر والاعتبار والتفكر وليس كذلك.
قال ابن تيمية: " فإن أهل السنة والحديث لا ينكرون ما جاء به القرآن "، هذا أصل متفق عليه بينهم، والله قد أمر بالنظر والاعتبار والتفكر والتدبر في غير آية، ولا يُعرف عن أحد من سلف الأمة ولا ائمة السنة وعلمائها أنه أنكر ذلك.
وذكر كلاماً ثم قال: فإنهم أنكروا ما ابتدعه المتكلمون من باطل نظرهم وكلامهم واستدلالهم. (1)
(1) الفتاوى، 4/ 56.
كذلك هؤلاء يستدلون بالآيات التي فيها الأمر بالنظر والتفكر والاعتبار على علومهم المحدثة ولو أنكر عليهم أحد لقالوا: (إن الله أمر بالقرآن بذلك)، فتأمل كلام الشيخ أن أهل السنة ينكرون ما ابتدعه المتكلمون من الطريقة التي يثبتون بها وجود الله مع أنها فطريّة كذلك المتأخرون أشبهوهم في ذلك، وقد يطول علينا نقل تفاسير السلف للآيات المذكورة وغيرها وكذلك الأحاديث وإنما أحيل على كلام السلف في ذلك.
ثم ذكر المؤلف عنواناً هو: [تشريف الكتاب والسنة للعلم].
واستدل بآيات من القرآن وأحاديث من السنة فيها فضل وشرف العلم والعلماء ومعلوم أنه لا يرى تخصيص ذلك بالعلم الشرعي والعلماء الشرعيين كما تقدم من كلامه وكما هو منتشر ومشهور من كلام المتأخرين، ولذلك قال: فقد نهج الإسلام منهجاً مخالفاً لغيره من الأديان بل دعا إلى العلم ونهج هذا المنهج.
وهذا المنهج الإسلامي في الدعوة إلى العلم يقوم على دعامتين:
أ- في نقل الاستفادة من خبرة غيرنا فقد قال الله تعالى: {إن في ذلك لذكرى من لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} .
{لمن كان له قلب} أي: يصل إلى المعلومة بنفسه سواءً سُبق أو لم يُسبق إليها. {ألقى السمع} أي: سمع المعلومة من غيره ولم يصل إليها بنفسه، وهذا هو الشاهد،. انتهى.
تأمل هذه التأويلات الباطلة لكلام الله عز وجل وعدم رجوع كثير من المتأخرين في معاني الكتاب والسنة إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وإن هذا والله لهو الافتراء على الله والإلحاد في كلامه وتحريف الكلم عن مواضعه كما فعل هذا الضال المضل وغيره كثير لا كثرّهم الله وهم لو أنهم لما فُتنوا بهذه العلوم والحوادث التي فُتنوا بها لم يتعرضوا لكلام الله وكلام رسوله لصار الأمر أهون، كيف تجرأ هذا الضال بأن قال على الله الكذب:{لمن كان له قلب} أي: يصل إلى المعلومة بنفسه يعني هذه المعلومات المستحدثة المبنية بزعمهم على التجارب ووالله ما أراد الله هذا بكلامه وإنما المراد من له قلب حي حاضر يعي عن الله لا عن أعداء الله، ومعلوم أن كل إنسان له قلب؛ المسلم والكافرن وقلب الكافر ميت ولو وصل إلى كل معلومة، ولايمدح على ذلك ولا يثنى عليه بل يذم غاية الذم حيث لم ينتفع بقلبه الذي وهبه الله إياه ليعرفه فيه ويحبه ويعمل بطاعته فاستعمله في غير ماخلق له وقد تقدم كلام ابن القيم رحمه الله عن الكفار من الفلاسفة ونحوهم وعلومهم من الرياضيات والطبيعيات والهندسة ونحو ذلك، وقوله رحمه الله: وأي كمال للنفس في
هذا؟ وأي سعادة لها فيه ".
وقوله عن هؤلاء: أنهم لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم بهذه المعلومات وهي ظنون كاذبة وعلم لا ينفع إلى آخر ما قال، وما أشبه الليلة بالبارحة، وقد تكلم شيخ الإسلام عن الفلاسفة وهؤلاء الملاحدة يشبهونهم من بعض الوجوه.
فقد قال عنهم رحمه الله: لكن لهم معرفة جيدة بالأمور الطبيعية وهذا بحر علمهم وله تفرغوا وفيه ضيّعوا زمانهم.
وأما معرفة الله تعالى فحظهم منها مبخوس جداً وأما ملائكته وأنبياؤه وكتبه ورسله والمعاد فلا يعرفون ذلك البتة، ولم يتكلموا فيه لا بنفي ولا إثبات؛ وإنما تكلم في ذلك متأخروهم الداخلون في الملل. (1)
وهكذا أهل هذه العلوم: الأمور الطبيعية بحر علمهم ولها تفرّغوا وضيّعوا زمانهم، فهل يليق بالمسلم أن يتشبه بهم ويتبع آثارهم؟!.
ثم قال المؤلف:
ب: الابتكار واستعمال العقل والتجارب من أجل الوصول إلى ما لم يصل إليه غيرنا من العلوم قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} . إلى آخره.
(1) الفتاوى 17/ 330.
فانظر كيف يستدل بهذه الآية على الابتكار وأن نصل إلى ما لم يصل إليه غيرنا من العلوم، ومعلوم أنه يقصد مجاراة الملاحدة في علومهم التي فرحوا بها، وبها ضلوا وأضلوا من تبعهم وأين هذا مما أراد الله بكلامه؟ وفي الآخر يقول عن أهمية البحث العلمي وأنه كل ما وصل إليه الإنسان من تقدم مادي أو فكري أو حضاري أو غيرها.
فانظر كيف يُدخلون في العلم الممدوح ما ليس منه وقد يكون يعارضه ويجعلون المدح للكل والتشريف للكل.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن دلالة اللفظ على المعنى سمعية فلابد أن يكون اللفظ مستعملاً في ذلك المعنى يعني حين نزول القرآن فهل كان اسم العلم يستعمل في هذا المعنى المحدث أو أنه يخص الوحي فقط؟ هذا بيّن، كذلك معاني الآيات.
قال رحمه الله: لا يُكتفى في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى إذْ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصي عددها إلا الله.
ثم قال: لا سيما إذا عُلم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك لمجرد المناسبة كذب على الله، كذلك المتأخرون يستعملون كثيراً من معاني الكتاب والسنة لمجرد المناسبة مثل الاشتراك في مسمى العلم فيدخلون هذه العلوم ويستدلون عليها بما ورد في الكتاب والسنة من الأمر بطلب العلم والمدح له ولأهله ويفسرون الآيات والأحاديث لمجرد المناسبة وليس هذا هو المعنى المراد قطعاً.