الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة العلوم الغربية
وقد قال بعض من عرف حقيقة هذه العلوم: إن هذه الثقافة الغربية على اختلاف ألوانها تسير في المسالك الفكرية التي وضعناها وتتحدد بالمعالم التي حدّدناها، فهي تُنكر الإله الخالق أوْ تغْفِله، وتنكر النبوات وتجحدها، وتنكر الحياة الخالدة الأخرى وجزاءها، وتحذفها من حسابها، وبالتالي لا تعتبر الفضائل ولا القِيَم الأخلاقية إلا في حدود تصوّرها.
فالفضائل وقائع وحوادث ومصالح ومنافع، وبذلك تنسف الثقافة الغربية الحديثة ولأول مرة في التاريخ صعيداً الْتَقَتْ عليه الإنسانية خلال قرون وأجيال ورصيداً تَوَارثته خلال العصور وهو صعيد الإيمان بالله الخالق الذي يلتقي عليه عباده وصعيد الفضائل والأخلاق وتراث النبوات المتعاقبة وتعاليمها الأخلاقية.
ولوْ أن الأمر كان مقصوراً على مجرد نظريات فلسفية لكانت الكارثة أخف وأهْون، ولكن النتيجة الخطيرة في عَوَاقبها هي أنه من هذه الأسس الفلسفية المشتركة للثقافة الغربية انطلقت جميع العلوم النظرية الإنسانية وانْبَعَثَتْ جميع الأنظمة الإجتماعية من أُسَرّية واقتصادية وسياسية وغيرها وإليكم بيان ذلك:
1 -
إن العلوم المتعلقة بحياة الإنسان المادية والمعنوية الفردية والاجتماعية لِعلم النفس والاجتماع والتربية وسائر فروع الفلسفة والآداب والفنون والأخلاق إنما بُنيت على مفاهيم هذه الفلسفة واتجاهاتها.
[يعني فلسفة إنكار الإله الخالق أو إغفاله كما تقدم فتأمل].
قال: فعلم النفس إنما بُني على تصوّر الإنسان الحيوان ذي الغرائز والميول المادية.
وعلم الاجتماع إنما بُني على أساس أن الدين ظاهرة اجتماعية حِسّية كغيرها وأن الإله فكرة تعلّلها كل نظرية اجتماعية على طريقتها على أساس أنها فكرة طارئة في حياة البشر الاجتماعية لا على أساس أنها تتضمن حقيقة خارجية.
والتاريخ يُصَوّر في الدرجة الأولى تاريخ الحضارة المادية للإنسان ويضع في الدرجة الثانية الأديان وتاريخها وينظر إليها على أنها ظاهرات إنسانية اجتماعية يُعلل نشوؤها بعلل وأسباب طبيعية والحقوق والقانون مبنية على الواقع الذي تصطلح عليه الشعوب.
والتربية وجميع نظرياتها في الثقافة الحديثة مبنية على التصور المادي للإنسان إجمالاً وعلى تحقيق أهداف المجتمع المادي المعاصر، وليست الأخلاق فيه إلا تنظيماً اجتماعياً آلياً، وليس العقل والذكاء إلا خادميْن
لأغراض المجتمع المادي، زِدْ على ذلك أن المذاهب الجماعية الكلية القائمة على فكرة الجماهير كالشيوعية تُرَوّض الفرد وتُربيه ليكون آلة بيد الدولة الممثلة في زعمها للشعب والجمهور.
وأما الجانب الخلقي الروحي من الإنسان فلا مكان له في التربية في إطار الثقافة الغربية.
والدين أخيراً لايُعرض إلا على أنه دراسة لظاهرة تاريخية مضت لا كحقيقة حَيّة لأنهم بين مُنكر له أصلاً وقائل بفصله عن الحياة العامة الاجتماعية. انتهى
لقد آتت تعاليم الغرب ثمارها واذكر ماتقدم من قول السوفيتي: إن التعليم هو الحامض الذي يُذيب شخصية الكائن الحي ثم يُكوّنها كيف يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيماوية هو الذي يستطيع أن يُحَوّل جبلاً شامخاً إلى تراب.
وقوله: إياك أن تكون آمناً من العلم الذي تدرسه فإنه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسْرها.
قال ابن تيمية في قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} . الآية.
قال: فأخبر أن جميع الأنبياء لهم أعداء وهم شياطين الإنسن والجن
يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف وهو المزيّن المحسّن يغرون به، والغُرور هو التلبيس والتمويه وهذا شأن كل كلام وكل عمل يخالف ماجاءت به الرسل من أمر المتفلسفة والمتكلمة وغيرهم من الأولين والآخرين ثم قال:{ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه} فأخبر أن كلام أعداء الرسل تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة. (1)
وإذا كان الأمر هكذا فلا عجب أن يُصبغ الباطل في زماننا بزاهي الألوان وتُختار له زخارف الأقوال.
ذكر ابن القيم رحمه الله أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكْسبه ذلك تحريفاً للحق عن مواضعه فإنه إذا قَبِل الباطل أحبّه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه ردّه وكذّبه إنْ قدِر على ذلك وإلا حرّفه، وقال بعد كلام: فهؤلاء وإخوانهم من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فإنها لو طهرت لما أعرضت عن الحق وتعوضت بالباطل عن كلام الله تعالى ورسوله (2). انتهى.
ولذا فإن التعاليم في هذا الزمان والأعمال النظامية المستوردة تُعَوِّد الإنسان على سماع الباطل وقبوله بل وفعله، ونتائج ذلك ظاهرة واضحة.
(1) الفتاوى 9/ 33.
(2)
إغاثة اللهفان 1/ 55.
قال ابن القيم في كلامه عن العلم:
نوع تكمل النفس بإدراكه والعلم به وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه.
ونوع لا يحصل للنفس به كمال: وهو كل علم لا يضر الجهل به فإنه لا ينفع العلم به.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع، وهذا حال أكثر العلوم الصحيحة المطابقة التي لا يضر الجهل بها شيئاً كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته وعدد الكواكب ومقاديرها والعلم بعدد الجبال وألوانها ومساحتها ونحو ذلك فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة إليه وليس ذاك إلا العلم بالله وتوابع ذلك. انتهى
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع فكيف بعلوم باطلة مضرّة.
قال تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} القرناء شياطين الإنس والجن.
قال ابن كثير: أي حَسّنوا لهم أعمالهم في الماضي وبالنسبة للمستقبل فلم يروْا أنفسهم إلا محسنين. انتهى
لقد حصل هذا في وقتنا فقد قُيّضت القرناء وزينوا الباطل وحسّنوه بزخارفهم وغرورهم.
ولقد كان نقمة سلمان العودة شديدة على بقايا أهل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لإنكارهم هذه التعاليم الحادثة وإنكارهم دوران الأرض وطلب العلم للدنيا والرئاسة وغير ذلك من المنكرات فقد صَبّ جام غضبه عليهم في كتابه المشئوم: (المسلمون بين التشديد والتيسير) فوصفهم بالغلو والتشديد والتنطع وغير ذلك، والذي يُقارنه مع بيانه التعايشي مع الأمريكيين يعلم كيف يكون الزيْغ.
ومن يجالس ردي الطبع يَرْدَ به
كصاحب الكير إن يَسلم مجالسه
والمرء يخبث بالأشرار يصحبهم
فالماء صَفْوٌ طهورٌ في إصالته
…
ونالَهُ دنس من عرضه الكدرِ
من نَتْنِهِ لم يُوَقَّ الحرق والشرر
ولو غدى أحسن الأخلاق والسِّيَر
حتى يُجاوِرُه شيء من الكدر
الجليس يؤثر تأثيراً ظاهراً بجليسه، والناس يُعتبرون بأقرانهم، وكم من صبي كانت نشأته في صلاح فخالط من لم يتربّ تربيته بل هو شِرير نشأ في بيت أشرار فأصابته منه العدْوى، وهذا في زماننا صار من أخطر الأمور لكثرة الأشرار والمخالطة في التعليم.