المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري: - إجماع المحدثين

[حاتم العوني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المسألة الأولى: تحرير شَرْطِ البخاري (المنسوب إليه) ، وشَرْطِ مسلم، وشَرْطِ أبي المظفّرِ السمعاني‌‌أولاً: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري:

- ‌أولاً: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري:

- ‌ثانيًا: تحرير شرط مسلم:

- ‌ملاحظة:

- ‌ثالثًا: تحريرُ شَرْطِ أبي المُظَفَّر السمعاني (ت 489ه

- ‌المسألة الثانية: نسبة القول باشتراط العلم بالسماع إلى البخاري: تاريخُها، ودليلُها، ومناقشة الدليل

- ‌المسألة الثالثة: الأدلّة على بطلان نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري وغيره من العلماء

- ‌الدليل العاشر: صحيح البخاري نَفْسُه

- ‌الدليل الثاني عشر: اكتفاء البخاري بالمعاصرة، في نصوص صريحةٍ عنه

- ‌الدليل الثالث عشر: اكتفاءُ جمعٍ من الأئمة بالمعاصرة:

- ‌المسألة الرابعة: بيَانُ صَوَابِ مَذْهَبِ مُسْلِمٍ وقُوّةِ حُجّتِهِ فيه

- ‌المسألة الخامسة: أثر تحرير شرط الحديث المعنعن على السنة

- ‌المسألة السادسة: الردُّ على آخر شُبْهَتَيْنِ

- ‌الشُّبْهَةُ الأُولى:

- ‌ الشُّبْهَةُ الثانية

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌دليل الموضوعات

الفصل: ‌أولا: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري:

‌المسألة الأولى: تحرير شَرْطِ البخاري (المنسوب إليه) ، وشَرْطِ مسلم، وشَرْطِ أبي المظفّرِ السمعاني

‌أولاً: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري:

نسب عامّةُ أهلِ العلم ممّن جاء بعد القاضي عياض (ت 544هـ) -أخذًا من القاضي عياض- إلى البخاري أنه يخالف مسلمًا في الحديث المعنعن، وأنه لا يكتفي بالشرط الذي بيّنه مسلم في صحيحه، بل يُضيفُ شرطًا زائدًا عليه. ثم اختلفوا في ذلك:

- فذهب ابنُ رُشَيْد السَّبْتي (ت 721هـ) في كتابه (السَّنَن الأبين) إلى أن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة مثل مسلم، بل لا يكتفي أيضًا بما يدل على اللقاء بين الراويين، وإنّما يشترط أن يقف على ما يدلّ على السماع. مُعَلِّلاً ذلك -مع تصريحه بعدم وقوفه على نَصٍّ صريح فيه من البخاري- بأنّه الأليق بتحَرِّي البخاري، إذ هو الأقرب إلى الصواب (في رأي ابن رُشيد) ، لأنّه كم مِن تابعيٍّ لقي صحابيًّا وما سمع منه شيئًا (1) .

- وذهب ابنُ رجب الحنبلي (ت 795هـ) في شرحه لعلل الترمذي إلى أن الإمام أحمد وأبا زرعة وأبا حاتم الرازيين يشترطون العلمَ بالسماع، بخلاف البخاري وابن المديني، فإنّ المَحْكِيَّ عنهما (كما يقول ابن رجب) الاكتفاءُ باللقاء (2) .

(1) السنن الأبين (54- 55) .

(2)

شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 592) .

ص: 13

* وأيَّد ابنَ رجب في ذلك صاحبُ كتاب: (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المعاصرين) ، ألا وهو خالد الدريس. محتجًّا بأقوالٍ للبخاري فيها أنه اكتفى بمطلق اللقاء للدلالة على الاتّصال، وبأن مسلمًا نصّ في ردِّهِ الذي في مقدّمة صحيحه أنه يردُّ على من كان يشترط اللقاء، ولم يذكر مسلمٌ اشتراطَ السماع (1) .

ومع أن ابن رُشيد تشدّد ذلك التشدُّدَ إلاّ أنه عاد في آخر كتابه المذكور إلى الاكتفاء بالمعاصرة (دون العلم بالسماع أو اللقاء) ، لكن مع قُوّة القرائن الدالّة على السماع، كرواية المخضرم عن الصحابة (2) . إلا أن ابن رُشيد لم ينسب هذا التَّخَفُّف إلى البخاري صراحة، وإنما عرضه وكأنه رأيٌ له قاله بناءً على نظره الخاصّ.

ووافَقَ العلائيُّ في ذلك كلّه ابنَ رُشيد، في كتابه (جامع التحصيل)(3) .

وأيّدهما في ذلك خالد الدريس صاحبُ الدراسة الآنفة الذكر، لكن مع نِسبة ذلك التَّخَفُّفِ إلى البخاري، وأنه شَرْطُه. معتمدًا في تصحيح نسبته إلى البخاري على نُقُولٍ عنه، تدلّ على اكتفاء البخاري بالمعاصرة مع قرائن تُقَوِّي احتمالَ وُقُوعِ اللقاء (4) .

- وهناك قولٌ آخر في تحرير شرط البخاري المنسوب إليه، وهو أنه شرطٌ للبخاري في كتابه (الجامع الصحيح) ، لا في أصل الصحّة. أي

(1) موقف الإمامين لخالد الدريس (108- 114) .

(2)

السنن الأبين (150- 151، 151- 152) .

(3)

جامع التحصيل للعلائي (120- 121) .

(4)

موقف الإمامين لخالد الدريس (141- 157) .

ص: 14

أنه تشدّدَ في صحيحه، فاشترط العلم باللقاء (أو السماع)، مع كونه خارجَ الصحيح لا يشترط ذلك الشرط. أو كما عَبّر بعض أهلُ العلم عن ذلك بقوله: إن هذا الشرط شرط كمال، لا شرط صحّة (1) .

ونخلص من هذا: أن شرط البخاري في الحديث المعنعن، بعد السلامة من وصمة التدليس، اختُلفَ فيه إلى أربعة أقوال:

الأول: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على السماع نصًّا.

الثاني: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء.

الثالث: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء، وأنه يكتفي بالمعاصرة أحيانًا إذا وُجدت قرائن قويّة تدل على اللقاء والسماع.

الرابع: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء أو السماع في كتابه الصحيح، ولا يشترط ذلك للقول بالاتصال خارج كتابه.

ملاحظة: لم يتنبّه ابنُ رُشيد والعلائي والدريس إلى أنهم بمَيْلِهم إلى الاكتفاء بالقرائن القويّة قد نسفوا ما ذهبوا إليه من تقويةِ اشتراط اللقاء أو السماع، إذ مِنْ أين لهم أن مسلمًا لم يكن مراعيًا لمثل تلك القرائن؟! حتى يجعلونه مخالفًا للبخاري!!!

(1) انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير (1/ 169) ، ومحاسن الاصطلاح للبلقيني (224) ، والموقظة للذهبي -تتمات أبي غُدّة في آخرها - (137- 138) ، والنصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحة للألباني (19- 26) .

ص: 15

بقي أمرٌ آخر يتعلق بتحرير شرط البخاري المنسوب إليه: وهو: ما هو حكم الحديث المعنعن الذي لم يتحقق فيه العلم باللقاء أو السماع عند البخاري بناءً على هذا الشرط المنسوب إليه، هل يُحكم بانقطاعه؟ أم يُكتفى بالتوقّف عن الحكم له بالاتّصال؟

لازمُ هذا الشرط المنسوب إلى البخاري، ومقتضى دليله: أنه لا يُجزم بانقطاع الإسناد الذي لا يتحقق فيه شرط العلم باللقاء، وإنّما يُكتفى بالتوقف، لأن اشتراط العلم باللقاء إنما توجَّهَ عند القائلين به لاحتمال عدم اللقاء، لا لتحقق عدم اللقاء، فإذا لم نعلم باللقاء يقينًا، يبقى احتمال اللقاء واحتمال عدمه احتمالين متساويين، فالتوقّف حينها هو الواجب (1) .

وهذا هو ما نصَّ عليه مسلم في نقله لمذهب مخالفه، حيث ذكر مذهبه في الحديث المعنعن بين المتعاصرين اللذين لم يُعلم لقاؤهما، ثم قال في حكم هذا الحديث عند ذلك المخالف:((وكان الخبر عنده موقوفًا، حتى يرد عليه سماعُه منه لشيءٍ من الحديث، قلَّ أو كَثُر..)) . (2)

وهذا هو ما نصَّ عليه ابن القطان الفاسي (ت 628هـ) أيضًا، ونسبه إلى البخاري وعلي بن المديني، حيث قال في الحديث المعنعن الذي لم يُعلم انتفاء اللقاء بين رواته: ((فإن الحكم فيه أن يُحكم له بالاتصال له عند الجمهور، وشرط البخاري وعلي بن المديني أن يُعلم اجتماعُهما ولو مَرّةً واحدة، فهما -أعني البخاري وابن المديني- إذا لم يعلما لقاء

(1) انظر السنن الأبين لابن رشيد (45) .

(2)

صحيح مسلم (29) ، وانظر السنن الأبين لابن رُشيد (45) .

ص: 16