الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو خليفة نا سليمان بن أيوب وحدث بالحديث، فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ومن سمعه أبو خليفة منه، فاسمعه مني حتى يعلو فيه إسنادك، ولا تروي عن أبي خليفة عني، فخجل الجعابي وغلبه الطبراني، قال ابن العميد: فوددت في مكاني أن الوزارة والرياسة لم تكن لي، وكنت الطبراني، وفرحت مثل الفرح الذي فرح الطبراني لأجل الحديث. اهـ.
(ح) غمز بعض أهل العلم له، والجواب عن ذلك:
ومع هذا الثناء العاطر، والمدح الزاهر، لم يسلم رحمه الله من كلام الناس، فقد ذكر الذهبي رحمه الله في " الميزان "(2/ 195) وغيره من كتبه المصنفة في الضعفاء لكون ابن مردويه غمزه ولينه، وكذا ذكره ابن حجر في " لسانه "(3/ 86)، ولكن يا ترى هل أثر ذلك في منزلته التي بلغه الله إياها؟!! قال الذهبي في الميزان (4/ 410) في ترجمة يحيى بن معين: ليس كل كلام وقع في حافظ كبير بمؤثر فيه بوجه. اهـ.
وإني في هذه العجالة سأبين فيها وجه غمز من غمزه، مع الجواب عن ذلك.
فأقول - مستعينا بالله -: إن غمز من غمزه يتلخص في نقاط أربع:
الأولى: وهمه في اسم شيخه عبد الرحيم البرقي، حيث إنه روى عنه المغازي، وسماه بـ " أحمد ".
وقد تكلم فيه بسبب هذا الوهم الحافظ أبو بكر بن مردويه، والحافظ ابن منده.
أما ابن مردويه فقد قال الذهبي في " الميزان "(2/ 185):
لينه الحافظ أبو بكر بن مردويه، لكونه غلط أو نسي، فمن ذلك أنه وهم وحدث بالمغازي عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي، وإنما أراد عبد الرحيم أخاه، فتوهم أن شيخه عبد الرحيم اسمه أحمد، واستمر على هذا يروي عنه ويسميه أحمد، وقد مات أحمد قبل دخول الطبراني إلى مصر بعشر سنين أو أكثر. اهـ.
وأما ابن منده فقد قال كما في تذكرة الحفاظ (3/ 916): سليمان بن أحمد، أحد الحفاظ المذكورين، حدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي، ولم يحتمل سنة لقيه. اهـ.
وقد أجاب الذهبي عن ذلك فقال معلقا على كلام ابن منده:
قلت: نعم - أي حدث عنه - ولكن ما أراده الطبراني، ولا قصد الرواية عنه، وإنما روى عن عبد الرحيم بن البرقي السيرة وغير ذلك، فغلط في اسمه باسم أخيه بلا شك، والخطب في ذلك يسير، وقد نبه على ذلك الحافظ أبو العباس أحمد بن منصور الشيرازي، فإنه قال: كتبت عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث، وهو ثقة، إلا أنه كتب بمصر عن شيخ وكان له أخ سماه باسمه غلطا. اهـ. " تذكرة الحفاظ "(3/ 916).
وقال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان "(3/ 87): وقد ذكر الطبراني في مسند الشاميين له ما يدل على أنه كان يشك في اسم عبد الرحيم فقال في ترجمة محمد بن مهاجر: حدثنا ابن البرقي، وأظنه اسمه عبد الرحيم، فذكر حديثا. اهـ.
قلت: انظر " مسند الشاميين "(2/ 323)، رقم (1423).
الثانية: قول الحاكم في " المعرفة "(427): وجدت أبا علي الحافظ سيئ الرأي في أبي القاسم اللخمي، فسألته عن السبب فيه فقال: اجتمعنا على باب أبي خليفة، فذكرنا طرق " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء "، فقلت له: تحفظ عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة الرزَّاد، عن طاوس، عن ابن عباس، فقال: بلى غندر، وابن أبي عدي، فقلت: من عنهما؟ فقال: حدثناه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عنهما فاتهمته إذ ذاك، ثم قال أبو علي: ما حدث به غير عثمان بن عمر. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان "(3/ 86): ذكر الحاكم في " علوم الحديث " عن أبي علي النيسابوري أنه كان سيئ الرأي فيه، ثم ذكر سبب ذلك أنه
رآه ذكر حديثا من حديث شعبة، فقال الطبراني: رواه غندر، وشبابة، وعنه قال أبو علي: فقلت: من حدثك؟ قال: حدثني عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عنهما، قال أبو علي: وليس هو من حديث غندر. اهـ
قلت: والجواب عن ذلك من وجوه:
أولا: أنه لم يتفرد به، فقد ذكر الحافظ في اللسان (3/ 87) بعد ذكره لكلام أبي علي النيسابوري.
قلت: وقد تتبع ذلك أبو نعيم على أبي علي، وروى حديث غندر عن أبي علي ابن الصواف عن عبد الله بن أحمد، كما قال الطبراني، وبرئ الطبراني من عهدته. اهـ
قلت: وجزء أحاديث أبي نعيم عن شيخه أبي علي الصواف، طبع بتحقيق سليمان العريني إلا أن هذا الحديث لا يوجد في هذا الجزء المطبوع.
ثانيا: قال الحافظ الضياء في الجزء الذي جمع في الذب عن الطبراني: وهم الطبراني فظن أنه سئل عن رواية شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس فهي التي عند غندر عن شعبة، وهي التي رواها ابن الصواف عن عبد الله بن أحمد، والمسئول عنها رواية شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس فهي التي انفرد بها عثمان بن عمر، قال: والدليل على أنه لم يسمه أنه ساق الطريقين في كتابه الذي جمع فيه حديث شعبة فأورد أحدهما في ترجمة شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، من رواية عثمان بن عمر عن شعبة، ثم قال الضياء: لو كان كل من وهم في حديث أو حديثين اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد، اهـ من " اللسان "(3/ 87).
ثالثا: أنه لا ينكر عليه التفرد لسعة وكثرة ما روى، وقد أشار إلى هذا الوجه الحافظ الذهبي في الميزان (1/ 195) حيث قال: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني الحافظ الثبت المعمر أبو القاسم لا ينكر له التفرد في سعة ما روى. اهـ وانظر اللسان (3/ 86).
رابعا: وعلى التسليم بأن هذا مما انفرد به فإن ذلك لا يضره لكثرة حديثه.
وقد أجاب بنحو هذا الحافظ أبو حامد بن الشرقي عن طعن من طعن في أحمد ابن الأزهر النيسابوري، بسبب تفرده فقال كما في " تهذيب الكمال " (1/ 261): وأبو الأزهر كتب فأكثر، ومن أكثر لا بد أن يقع في حديث الواحد والاثنان والعشرة مما ينكر عليه. وقال الضياء كما تقدم: ولو كان كل من وهم في حديث أو حديثين اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد. وقال العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في " الطليعة " ص40: ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة. اهـ
وقال في ص51: ابن أبي عمر مكثر جدا عن ابن عيينة، فإذا اشتبه عليه حديث واحد لم يضره. اهـ.
وقال الحافظ في " اللسان "(2/ 353): فلو كان كل من روي شيئا منكرا استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين أحد، لا سيما المكثر منهم. اهـ. من ترجمة الحسن بن الفضل البجلي.
الثالثة: إكثاره من الرواية عن إدريس بن جعفر العطار:
قال أبو بكر بن مردويه: دخلت بغداد وتطلبت حديث إدريس بن جعفر العطار عن يزيد بن هارون، وروح بن عبادة فلم أجد إلا أحاديث معدودة، وقد روى الطبراني عن إدريس عن يزيد بن هارون كثيرا. اهـ.
والجواب عن هذا من وجوه:
قال الذهبي: هذا لا يدل على شيء، فإن البغاددة كاثروا عن إدريس للينه، وظفر به الطبراني فاغتنم علو إسناده، وأكثر عنه، واعتنى بأمره. اهـ " تذكرة الحفاظ "(3/ 916)، " النبلاء "(16/ 127).
وقال في " تاريخ الإسلام "(26/ 208): وهذا لا يدل على شيء فإن الطبراني لما وقع له هذا الشيخ اغتنمه وأكثر عنه واعتنى به، ولم يعتن به أهل
بلده. اهـ. وقال الحافظ في " اللسان "(3/ 87): وكان الطبراني لقي هذا الشيخ فاغتنمه، والبغاددة لم يكن عندهم إدريس بذاك، فلم يكترثوا به. اهـ.
(ب) أن ابن مردويه كان سيئ الرأي في شيخه الطبراني، فقد قال أحمد بن الفضل الباطرقاني: دخل ابن مردويه بيت الطبراني وأنا معه، وذلك بعد وفاة ابنه أبي ذر، لبيع كتب الطبراني، فرأى أجزاء الأوائل فاغتم لذلك، وسبَّ الطبراني، وكان سيئ الرأي فيه اهـ. " النبلاء " (16/ 127). وقال سليمان بن إبراهيم الحافظ: كان ابن مردويه في قلبه شيء على الطبراني، فتلفظ بكلام، فقال له أبو نعيم: كم كتبت يا أبا بكر عنه؟ فأشار إلى حزم، فقال: ومن رأيت مثله؟ فلم يقل شيئا. " النبلاء "(16/ 127).
ومن هذا شأنه مع شيخه فجائز أن يتعلق بأي شيء يطعن به في شيخه مهما كان هذا الطعن ضعيفا هزيلا، والله المستعان.
ولعل ابن مردويه رحمه الله قد رجع عن ذلك وتبين له أن استمراره على ذلك لا يضر إلا بنفسه، فإن شيخه قد وثقه وأثنى عليه أئمة عصره، فقد قال الحافظ الضياء كما في " النبلاء " (3/ 916 - 917):
ذكر ابن مردويه في تاريخه لأصبهان جماعة وضعفهم، وذكر الطبراني فلم يضعفه، فلو كان عنده ضعيفا فضعفه. اهـ.
قال الذهبي معلقا على هذا: فدل على أنه تبين له أنه صدوق. اهـ.
(جـ) أن الطبراني معروف عنه اعتناؤه بالغرائب والعوالي، فقد كتب عمن أقبل وأدبر، وما وضع " المعجم الصغير " والأوسط " إلا لهذا، فكيف يقال بعد هذا ما تقدم؟!
الرابعة: إيراده الأحاديث الأفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة