المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الإسلام والإرهاب - تعرف على الإسلام

[منقذ السقار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الإسلام وأركانه

- ‌أركان الإسلام

- ‌الركن الأول: الشهادة لله بالتوحيد، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالةأولاً: الشهادة لله بالتوحيد

- ‌ثانياً: الشهادة بأن محمداً رسول الله

- ‌الركن الثاني: إقام الصلاة

- ‌الركن الثالث: إيتاء الزكاة

- ‌الركن الرابع: صوم رمضان

- ‌الركن الخامس: حج بيت الله الحرام

- ‌مفهوم العبادة في الإسلام

- ‌العبادة والأخلاق

- ‌مراتب الأحكام التكليفية

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية ومقاصدها

- ‌أولاً: خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌أ. ربانية المصدر والغاي

- ‌ب. العدل والمساواة

- ‌ج. الشمول والتوازن

- ‌د. المثالية الواقعية

- ‌ثانياً: مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌أ. حفظ الدين

- ‌ب. حفظ النفس الإنسانية

- ‌ج. حفظ العقل

- ‌د. حفظ النسل

- ‌هـ. حفظ المال

- ‌أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة

- ‌الإيمان بالكتب

- ‌الإيمان بالأنبياء

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الإيمان باليوم الآخر

- ‌ردود على أباطيل

- ‌أولاً: الإسلام والمرأة

- ‌ثانياً: الإسلام والإرهاب

- ‌ثالثاً: الإسلام والتعامل مع الآخر

- ‌رابعاً: المسلمون والتحديات المعاصرة

- ‌خاتمة:

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثانيا: الإسلام والإرهاب

وواقعية الإسلام في تشريعه للتعدد؛ لم تخل بمثاليته في التشريع، فقد حدده بأربع زوجات، وفرض على الزوج العدل بينهن:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم} (النساء: 3)، وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من ظلم إحدى زوجتيه بعقوبة خاصة يوم القيامة تتناسب وميله إلى واحدة منهن:((من كان له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط)). (1)

إن تعدد الزوجات الذي يبيحه الإسلام ليس شهوة عابرة، ولا نوعاً من التمييز والتفضيل، بل هو تهذيب لواقع، يقنن لمسألة اجتماعية، يضفي فيها الرجل المزيد من المسئوليات التي يلزمه القيام بها والوفاء بمتطلباتها المالية والاجتماعية والإنسانية.

ونتساءل في خاتمة هذا المبحث: ألا يكفي إزاء المزاعم الكذوبة عن وضع المرأة في الإسلام أن نتامل الشهادة المنصفة للمفكر الفرنسي مارسيل بوازار في كتابه "إنسانية الإسلام": "أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد أنها حامية حمى حقوق المرأة". (2)

‌ثانياً: الإسلام والإرهاب

أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى العالمين بشيراً ونذيراً، ووصفه بقوله:{وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} (الأنبياء: 107)، كما وصفه الله تعالى بالرأفة والرحمة في قوله:{لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ} (التوبة: 128)، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله المسداة إلى خلقه.

وقد امتن الله على البشرية ببعثته صلى الله عليه وسلم لما طواه من الأحقاد المريرة؛ التي أنّت المجتمعات الإنسانية منها طويلاً: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً

(1) أخرجه ابن ماجه ح (1969)، وأحمد ح (8363).

(2)

قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (410).

ص: 90

فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} (آل عمران: 103).

كما وصف الله كتابه الأخير - القرآن العظيم - بالرحمة والشفاء بقوله: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين} (يونس: 57)، وأكد عليه بقوله:{هذا بصائر للناس وهدىً ورحمةٌ لقومٍ يوقنون} (الجاثية:20).

والرحمة كما هي صفة الله ونبيه وكتابه؛ فإنها صفة لازمة للمؤمنين أيضاً، فالله الرحيم يرحم الرحماء من عباده، و ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) (1)، والمتواصون بهذا الخلق العظيم هم أهل السعادة يوم القيامة {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة - أولئك أصحاب الميمنة} (البلد: 17 - 18).

وقد أمر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتصفوا بصفة الرحمة، في تعاملهم فيما بينهم ومع غيرهم، بل وحتى مع الحيوان، فقوله صلى الله عليه وسلم:((من لا يرحم الناس)) (2)، لفظ عام يشمل كل أحد، دون تمييز لجنس أو لون أو دين.

ومن صور الرحمة لغير المسلمين التصدق على مسكينهم، فقد روى أبو عبيد أن بعض المسلمين كان لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، يريدوهم أن يسلموا، فنزلت:{ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} (البقرة: 272). (3)

وتمتد الرحمة لتشمل المحاربين الذين وقعوا في أسر المسلمين، يقول أبو رزين: كنت مع سفيان بن سلمة، فمر عليه أسارى من المشركين، فأمرني أن أتصدق

(1) أخرجه البخاري ح (7376)، ومسلم ح (2319).

(2)

أخرجه البخاري ح (7376).

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ح (1321)، وابن زنجويه في الأموال ح (1862) وصححه الألباني في تمام المنَّة (1/ 389).

ص: 91

عليهم، ثم تلا هذه الآية:{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} (الإنسان: 8).

يقول أبو عزيز بن عمير: كنت في الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((استوصوا بالأسارى خيراً))، وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز، بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم. (1)

وإذا كان الإسلام دين رحمة، فمن أين أتى القول الذي تروج له بعض الدوائر التي دأبت على وصف الإسلام بالإرهاب والقسوة؛ متذرعة بما جاء في القرآن العظيم من نصوص تأمر المسلمين بإعداد العدة والتأهب لصد العدوان، بل والقتال والتضحية بالنفس ذوداً عن الدين والوطن والنفس والإنسان.

إن رحمة الإسلام ليست استكانة ولا خنوعاً للباطل على الضيم، ليست استخذاء أو مهانة، بل هي رحمة القوي القادر على حماية حقه من العدوان.

حقاً لقد أمر القرآن بالقتال، لكن شتان بين القتل والقتال، بين الإرهاب والجهاد، فالإرهاب هو استهداف الضعيف العاجز أو البريء الذي لا حول له ولا طول بالقتل والترويع، فقتل الأبرياء إرهاب دنيء وإفساد في الارض، وهو - في الإسلام - من أعظم الجرائم وأنكرِها.

لقد استبشع القرآن إرهاب فرعون واعتداءه على الأطفال والمستضعفين من اليهود، واعتبره من المفسدين في الأرض العاتين فيها:{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفةً منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} (القصص: 4).

ونقل القرآن أيضاً بغض الله للمفسدين: {ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} (القصص: 77)، وحكى عن حال أهل البغي والفساد محذراً من

(1) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ح (18410)، قال الهيثمي:"إسناده حسن" مجمع الزوائد (6/ 86).

ص: 92

صنيعهم مستنكراً فعالهم: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (البقرة: 205).

إن قتل نفس بريئة واحدة إفساد في الأرض، وهو أمر جلل مستبشع، كيف لا وهو مشبه بالاعتداء على جميع الجنس البشري {من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} (المائدة: 32).

وقد حرم الله قتل النفس إلا بحق - كقصاص ونحوه - في آيات كثيرة من القرآن، منها قوله تعالى:{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} (الأنعام: 151، الإسراء: 33)، ووصف عباده المؤمنين بأنهم:{لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} (الفرقان: 68).

ومن وقع في قتل نفس بلا حق؛ فقد أدخل الخلل على دينه، قال صلى الله عليه وسلم:((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً)) (1)؛ وكما يقول الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله). (2)

وحرمة النفس لا تختص بالمسلم دون غيره، بل تشمل كل نفس من غير أهل الحرب والعدوان، وهذا بيّن لمن تأمل وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن اجترأ على دم محرم من غير المسلمين؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم متوعداً من يفعل ذلك من المسلمين:((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً)). (3) فهؤلاء المسالمون من غير المسلمين لهم عهد وذمة الله ورسوله، والوعيد النبوي شديد لمن أخفر هذه الذمة

(1) أخرجه البخاري ح (6862).

(2)

أخرجه البخاري ح (6863).

(3)

أخرجه البخاري ح (3166).

ص: 93

((ألا من قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً)). (1)

إن الإسلام لم يحرم قتل أمثال هؤلاء فحسب، بل حرم ظلمهم وانتقاص حقوقهم والإضرار بمصالحهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المسداة - يحاج يوم القيامة المسلمين الذين يظلمون هؤلاء، ويجعل نفسه الشريفة خصماً للمعتدي عليهم، فيقول:((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)). (2) فالظلم -لأي أحد -يغضب الله الذي يقبل شكاة المظلوم على ظالمه -ولو كان المظلوم غير مسلم، فالله يجيب دعوته على ظالمه المسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:((اتقوا دعوة المظلوم -وإن كان كافراً -فإنه ليس دونها حجاب)) (3)، فالله حرم الظلم على ذاته العلية، وكذلك حرَّمه على سائر خلقه، ففي الحديث القدسي أن الله تعالى يقول مخاطباً البشر جميعاً:((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا)). (4)

إن ظلم الحيوان يستوجب لصاحبه النار، فما بالنا بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم:((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)). (5)

وهكذا فالإسلام أبعد الأديان عن الظلم وأكثرها تنديداً به وامتناعاً عنه، لكن ذلك لا علاقة له من قريب أو بعيد بشرعة الجهاد التي يقررها الإسلام، ردعاً للظالم وزجراً للباغي وصوناً للإيمان وحرية العباد في عبادة الله.

(1) أخرجه الترمذي ح (1403)، وابن ماجه ح (2687).

(2)

أخرجه أبو داود ح (3052)، ونحوه في سنن النسائي ح (2749)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (2626).

(3)

أخرجه أحمد ح (12140).

(4)

أخرجه مسلم ح (2577).

(5)

أخرجه البخاري ح (3318)، ومسلم ح (2619).

ص: 94

إذا أردنا الحديث عن الجهاد فإنه يحسن بنا أن نقرأ - ولو سريعاً - بعض الأحداث في فجر الإسلام، حين بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً للعالمين، فتصدت له قريش، وآزرتها قبائل العرب، فأوقعوا النكال والتعذيب والقتل بالمؤمنين، والمؤمنون صابرون محتسبون ملتزمون بنهي الله لهم عن القتال، لقد أمرهم الله بالصبر:{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (النساء: 77).

لكن الباطل أزبد وأصر على البغي، فأذن الله للمؤمنين المضطهدين بالقتال والذب عن أنفسهم {أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرٌ - الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} (الحج: 39 - 40).

وبينت الآية نفسها مبلغ الفساد الذي يلحق البشرية على اختلاف أديانها إذا قصرت في رد المعتدي وزجره بالقوة التي يندفع بها عدوانه وتأمن بها المجتمعات {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيزٌ} (الحج: 40).

وبينت الآية التي تلتها الصفات التي ينبغي أن يكون عليها أهل الإيمان الذين ينصرهم الله، فهم {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج: 41).

ونهى الله نبيه والصحابة عن الاعتداء والبدء بالقتال {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين - واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين - فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيمٌ - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين - الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} (البقرة: 190 - 194).

ص: 95

ولو انزجر هؤلاء المعتدون بغير القتال لأراحوا الأرض من عناء الحروب وويلاتها {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} (النساء:90).

وحين أعلن المشركون الحرب الشاملة على المسلمين؛ قابلهم الإسلام بمثلها، فأمر الله في القرآن بالتوحد لقتالهم:{وقاتلوا المشركين كافةً كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مع المتقين} (التوبة: 36).

وهكذا فإن القتال في الإسلام فرض وفق أسباب شرعية ومبررات واقعية.

إن الحرب ليست أمراً محبباً إلى النفوس، لكنها - على كل حال - مبضع الجراح الذي لا غناء عنه إذا أردنا صحة الجسم العليل {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216).

والنبي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه إلى دعاء الله والالتجاء إليه لصرف العدو وقطع شره من غير قتال: ((يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا)). (1) وقد امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم حين صرف عن المدينة الأحزاب من غير أن يقع بينهم قتل وقتال {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} (الأحزاب: 25).

إن غاية الحرب في الإسلام ليست الاستعلاء في الدنيا والتسلط على الآخرين، فمن كان همه الدنيا وزخارفها خسر الآخرة وكرامتها {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} (القصص: 83).

ولما جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن غايات الجهاد المشروع الذي شرعه الله، ويقول: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، ويقاتل ليُرى مكانه،

(1) أخرجه البخاري ح (3024)، ومسلم ح (1742).

ص: 96

من في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم مبيناً فساد القتال إذا كان للدنيا ومتاعها وغاياتها الخسيسة: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)). (1)

إن المتدبر لما ورد في القرآن والسنة وتاريخ المسلمين لن تخطئ عينه رؤية مقصدين نبيلين شرع الله الجهاد لحفظهما:

أولهما: دفع العدوان الواقع على الدين، ذلك العدوان الذي يحول بين الناس ودعوة الحق سماعاً لها أو إيماناً بها، كما قال تعالى:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} (البقرة: 193)، يقول ابن عمر رضي الله عنه:(قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه: إما يقتلونه وإما يوثقونه حتى كثر الإسلام). (2)

إن المسلم يمضي قُدُماً بجهاده ليحرر الإنسان، ويضمن له حرية القرار والاختيار، ويدفع بذلك من يحول بين الناس واختيارهم، يدفع شر أولئك الذين يبغون الفتنة والبوار، فقتال هؤلاء مشروع مبرور {والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة: 217).

وقد جلّى ربعي بن عامرٍ يوم القادسية هذا الهدف النبيل حين قال لرستم قائد جيش الفرس في القادسية، وقد سأله: ما جاء بكم؟ فأجاب ربعي: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه". (3)

إن الإيمان أغلى ما يملكه المسلم، وهو أحق ما بذل له وضحّى من أجله، وقد أنصف الكاتب بيجي رودريك ولم يجاوز الحقيقة حين قال: " الإسلام أذن لرسوله

(1) أخرجه البخاري ح (2810)، ومسلم ح (1904).

(2)

أخرجه البخاري ح (4515).

(3)

انظر: البداية والنهاية (7/ 40).

ص: 97

بالجهاد لرفع الظلم والاضطهاد .. ولإزالة العقبات التي تقف في وجه الدعوة للإسلام، تلك الدعوة التي لا تكره أحداً على الدخول في هذا الدين، وإنما تدعو الناس إليه وتترك لهم الحرية الكاملة للاختيار .. إن الإسلام هو دين السلام، السلام مع الله والسلام مع الناس جميعاً". (1)

الثاني: رد العدوان الذي يستهدف أوطان المسلمين وينتهك حرماتهم، وتحرير الإنسان من الظلم والاضطهاد، فالظلم يمقته الله، والبغي تستنكفه الضمائر، ولا ترى بُداً من نصرة المظلوم وإحقاق الحق وإقامة العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، قال الله تعالى:{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} (النساء: 75).

ويقول صلى الله عليه وسلم مبشراً ومثبتاً من قُتِل وهو يدفع عن ماله وأهله ودينه: ((من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد)). (2)

وحين يجاهد المسلم فإنه يلتزم في جهاده جملة من الضوابط التي يتميز بها عن الإرهاب، منها:

- القبول بالسلم والهدنة إن طلبها العدو المقاتل، قال تعالى:{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم - وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} (الأنفال: 61 - 62).

- الامتناع عن قتل المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال ومن في حكمهم من المدنيين المعصومين كالخدم والأُجراء ورجال الدين وغيرهم ممن لا يشارك في القتال، فقد ورد النهي عن قتل النساء والشيوخ والصبيان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يقول

(1) انظر: قالوا عن الإسلام (246).

(2)

أخرجه الترمذي ح (1421)، وأبو داود ح (4772).

ص: 98

ابن عمر رضي الله عنهما: (وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان). (1)

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً يقول: ((انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين)). (2)

ومما جاء في النهي عن قتل النساء والأجراء والعمال الذين لا يحاربون، حديث الصحابي رباح بن الربيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً فقال:((انظر علام اجتمع هؤلاء؟)) فجاء فقال: على امرأة قتيل. فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما كانت هذه لتقاتل))، وكان على المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقال:((قل لخالد: لا تقتلن امرأة ولا عسيفاً)). (3)

وفي رواية، فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك فيقول: ((لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً)). (4)

ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية يوم حنين قاتلوا المشركين، فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكراً:((ما حملكم على قتل الذرية؟)) فقالوا: يا رسول الله، إنما كانوا أولاد المشركين. فقال صلى الله عليه وسلم معلماً ومصححاً مفهومهم الخاطئ:((أوهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها)). (5)

(1) أخرجه البخاري ح (3015)، ومسلم ح (1744).

(2)

أخرجه أبو داود ح (2614).

(3)

أخرجه أبو داود ح (2669)، وابن ماجه ح (2842)، والعسيف هو الأجير الذي يخدم الجيش ولا يشترك في القتال.

(4)

أخرجه ابن ماجه ح (2842).

(5)

أخرجه أحمد في المسند ح (15161).

ص: 99

وهكذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أبناء المشركين، لا بل أخبر أنهم مولودون على الفطرة المؤمنة، وحكمهم كذلك إلى أن يكبروا، فيختاروا الكفر الذي عليه آباؤهم.

وممن يمنع قتله؛ الرهبان لأنهم لا يشتركون في القتال، وقد أوصى الخليفة أبو بكر قائد جيش المسلمين إلى بلاد الشام بقوله:(إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له). (1)

وهكذا فالإسلام بريء من الإرهاب، وكذلك المسلمون الذين التزموا خلال تاريخهم الجهادي بضوابط الإسلام، ولم يكونوا كغيرهم من المحاربين المفسدين في الأرض، وبين أيدينا شهادات عديدة منصفة تؤكد هذا وتجليه:

يقول المؤرخ الشهير ول ديورانت: "إن المسلمين - كما يلوح - كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ منهم للعهد، وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين، وقلّما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس في عام 1099م". (2)

وأما غوستاف لوبون فيقول: "فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم ". (3)

ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول: "وكان عرب أسبانيا -خلا تسامحهم العظيم -يتصفون بالفروسية المثالية، فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين، ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخراً". (4)

(1) أخرجه مالك في الموطأ ح (982).

(2)

انظر: قالوا عن الإسلام (245).

(3)

انظر: حضارة العرب، غوستاف لوبون (720).

(4)

حضارة العرب، غوستاف لوبون (344).

ص: 100