المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الكذبات وتأويلها] وكذباته التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم ليست - تفسير إن إبراهيم كان أمة لابن طولون

[ابن طولون]

الفصل: ‌ ‌[الكذبات وتأويلها] وكذباته التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم ليست

[الكذبات وتأويلها]

وكذباته التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم ليست كذبات على الحقيقة، وإنما هي، كما أخبرنا محمد بن مشرف ومن معه، ذكر بسندهم المتقدم إلى البخاري، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد –يعني ابن سيرين- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله، قوله:{إني سقيم} ، وقوله:{بل فعله كبيرهم هذا} ، قال: وبينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلاً معه امرأةٌ من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي! فأتي بسارة، فقال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري

ص: 61

وغيرك، وإن هذا سألني [عنك] ، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني.

فأرسل إليها، فلما دخلت عليه، ذهب يتناولها بيده، فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك. قال: فدعت الله، فأطلق. ثم تناولها الثانية، فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله ولا أضرك. فأطلق.

فدعا بعض حجبته فقال: لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان! فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائمٌ يصلي. فأومأ بيده مهيا، قالت: رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره. وأخدم هاجر.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: فتلك أمكم يا بني ماء السماء.

كذا أخرجه موقوفاً.

ورواه قبل ذلك مختصراً عن سعيد بن تليد، عن ابن

ص: 62

وهب، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاثاً)) .

قال العلماء رحمهم الله: هذه الثلاث كلها خارجةٌ من الكذب، لا في القصد، ولا في غيره، وهي داخلةٌ في باب المعاريض التي فيها مندوحةٌ عن الكذب.

أما قوله: {إني سقيمٌ} ، فقصد به أنه سقيم القلب مما شاهده من كفرهم وعنادهم.

وقيل: بل كانت الحمى تأخذه عند طلوع نجمٍ معلوم، فلما رآه اعتذر بعادته.

وقيل: بل سقيم بما قدر علي من الموت.

وكل هذا ليس في كذب، بل هو صدق صحيح.

وأما قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} ، فإنه علق خبره بشرط نطقه، كأنه قال: إن كان ينطق فهو فعله، على طريقة التبكيت لقومه. وهذا صدقٌ أيضاً ولا خُلف فيه.

وأما قوله ((أختي)) فقد بين في الحديث وقال: ((لأنك أختي في الإسلام)) ، وهو صدقٌ أيضاً.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: ((ويذكر كذباته)) ، وقوله:((لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثاً)) ، فمعناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب –وإن كان حقاً في الباطن- إلا هذه الكلمات.

ص: 63

ولما كان ظاهرها خلاف باطنها، أشفق إبراهيم عليه الصلاة والسلام منها أن يؤاخذ بها، لعلي مقامه.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثنتين منها في ذات الله)) ، فلأن المتعلق بسارة تضمن نفعاً له وحظاً، وإلا فهي في ذات الله أيضاً، لأنها تسبب بها عن دفع كافرٍ عن مواقعة فاحشةٍ عظيمةٍ.

وعند الترمذي في حديث الشفاعة من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيقول إبراهيم: ((إني كذبت ثلاث كذباتٍ)) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منها كذبةٌ إلا ما حل بها عن دين الله)) .

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الكذبات ليست داخلةً في مطلق الكذب المفهوم، بل لو لم يكن لها وجهٌ كانت جائزةً لما تتضمنه من إعلاء كلمة الله، ودفع المفسدة عن سارة رضي الله عنها. والله سبحانه أعلم.

ص: 64