الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
(19)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }
يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَبَاحَ لِآدَمَ، عليه السلام، وَلِزَوْجَتِهِ [حَوَّاءَ](1) الْجَنَّةَ أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا مِنْ جَمِيعِ ثِمَارِهَا إِلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الْبَقَرَةِ"، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَسَدَهُمَا الشَّيْطَانُ، وَسَعَى فِي الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْوَسْوَسَةِ ليُسلبا (2) مَا هُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ، وَقَالَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ أَكْلِ (3) الشَّجَرَةِ إِلَّا لِتَكُونَا مَلَكَيْنِ أَيْ: لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ، أَوْ خَالِدَيْنِ هَاهُنَا وَلَوْ أَنَّكُمَا أَكَلْتُمَا مِنْهَا لَحَصَلَ لَكُمَا ذَلِكُمَا (4) كَقَوْلِهِ:{قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120] أَيْ: لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ، كَقَوْلِهِ:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النِّسَاءِ: 176] أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، {وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النَّحْلِ: 15] أَيْ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ أبي كثير يقرآن: {إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} بِكَسْرِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا.
{وَقَاسَمَهُمَا} أَيْ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} فَإِنِّي مِنْ قَبْلكما هَاهُنَا، وَأَعْلَمُ بِهَذَا الْمَكَانِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَالْمُرَادُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ابْنُ عَمِّ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
وقاسَمَها بِاللَّهِ جَهْدا لأنتمُ
…
أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذْ مَا نُشُورُهَا (5)
أَيْ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ [عَلَى ذَلِكَ](6) حَتَّى خَدَعَهُمَا، وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ، فَقَالَ: إِنِّي خُلقت قَبْلَكُمَا، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْكُمَا، فَاتَّبِعَانِي أُرْشِدُكُمَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ:"مَنْ خَادَعَنَا بِاللَّهِ خُدعنا لَهُ".
(1) زيادة من أ.
(2)
في د: "ليسلبهما".
(3)
في د، ك:"هذه".
(4)
في أ: "ذلك".
(5)
البيت في تفسير الطبري (12/350) وعزاه المحقق لأشعار الهذليين (1/158) .
(6)
زيادة من د، ك، م، أ.
{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
(23) }
قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ آدَمُ رَجُلًا طُوَالا كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوق، كَثِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ. فَلَمَّا وَقَعَ بِمَا وَقَعَ بِهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ، بَدَتْ لَهُ
عَوْرَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَرَاهَا. فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْجَنَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهَا: أَرْسِلِينِي. فَقَالَتْ: إِنِّي غَيْرُ مُرْسِلَتِكَ. فَنَادَاهُ رَبُّهُ، عز وجل: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: رَبِّ إِنِّي اسْتَحْيَيْتُكَ. (1)
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدُويه مِنْ طُرُق، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إِسْنَادًا. (2)
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنِ المِنْهَال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابن عباس قال: كانت الشَّجَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ، السُّنْبُلَةَ. فَلَمَّا أَكَلَا مِنْهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا، وَكَانَ الَّذِي وَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا أَظْفَارَهُمَا، وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَرقَ التِّينِ، يَلْزَقَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. فَانْطَلَقَ آدَمُ، عليه السلام، مُوَلِّيًا فِي الْجَنَّةِ، فَعَلِقَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَنَادَاهُ: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُكَ يَا رَبِّ. قَالَ: أَمَا كَانَ لَكَ فِيمَا مَنَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَبَحْتُكَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ. قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِكَ مَا حَسِبْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ، عز وجل (3) {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ لَا تَنَالُ الْعَيْشَ إِلَّا كَدا. قَالَ: فَأُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَا يَأْكُلَانِ مِنْهَا رَغَدًا، فَأُهْبِطَ إِلَى غَيْرِ رَغَدٍ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فعُلّم صَنْعَةَ الْحَدِيدِ، وَأُمِرَ بِالْحَرْثِ، فَحَرَثَ وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى، حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَصَدَ، ثُمَّ دَاسَهُ، ثُمَّ ذَرّاه، ثُمَّ طَحَنَهُ، ثُمَّ عَجَنَهُ، ثُمَّ خَبَزَهُ، ثُمَّ أَكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ (4) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} قَالَ: وَرَقُ التِّينِ. صَحِيحٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ.
وَقَالَ وَهْب بْنُ مُنَبِّه فِي قَوْلِهِ: {يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} قَالَ: كَانَ لِبَاسُ آدَمَ وَحَوَّاءَ نُورًا عَلَى فُرُوجِهِمَا، لَا يَرَى هَذَا عَوْرَةَ هَذِهِ، وَلَا هَذِهِ عَوْرَةَ هَذَا. فَلَمَّا أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ آدَمُ: أَيْ رَبِّ، أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ وَاسْتَغْفَرْتُ؟ قَالَ: إِذًا أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. وَأَمَّا إِبْلِيسُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ التَّوْبَةَ، وَسَأَلَهُ النَّظْرَةَ، فَأُعْطِيَ كل واحد منهما الذي سأله.
(1) تفسير الطبري (12/354) .
(2)
تفسير الطبري (12/352) ورواه الحاكم في المستدرك (1/345) من طريق يزيد بن الهاد، عن الحسن، عن أبي بن كعب بنحوه، وقال:"هذا لا يعلل حديث يونس بن عبيد، فإنه أعرف بحديث الحسن من أهل المدينة ومصر، والله أعلم" يقصد الحاكم ما أخرجه في المستدرك (1/344) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي، عن أبي بن كعب بنحوه، فإنه قد علله في آخره بأنه قد روى عن الحسن، عن أبي دون ذكر عتي. ورواه عبد الرزاق في المصنف (3/400) ، عن ابن جريج حدثت عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ بنحوه
(3)
في د، م:"قول الله"، وفي ك:"قوله تعالى".
(4)
ورواه الطبري في تفسيره (12/352) من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.