المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(51)

- ‌(54)

- ‌ 57

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(67) }

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(76) }

- ‌(77) }

- ‌(78)

- ‌(82) }

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89) }

- ‌(90)

- ‌(94)

- ‌(96)

- ‌(100)

- ‌(103) }

- ‌(104) }

- ‌(105) }

- ‌(106)

- ‌(109) }

- ‌(110)

- ‌(112)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(119)

- ‌(1)

- ‌ الْأَنْعَامِ

- ‌4]

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(12)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(36) }

- ‌(37)

- ‌(40)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌(66)

- ‌(69) }

- ‌(70) }

- ‌(74)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(98)

- ‌(100) }

- ‌(101) }

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(111) }

- ‌(114)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(121) }

- ‌(122) }

- ‌(123)

- ‌(125) }

- ‌(126)

- ‌(128) }

- ‌(129) }

- ‌(130) }

- ‌(131) }

- ‌(132) }

- ‌(133)

- ‌(136) }

- ‌(138) }

- ‌(139) }

- ‌(140) }

- ‌(143)

- ‌(145) }

- ‌(146) }

- ‌(147) }

- ‌(151) }

- ‌(152) }

- ‌(153) }

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(158) }

- ‌(159) }

- ‌(160) }

- ‌(161)

- ‌(164) }

- ‌(165) }

- ‌ الْأَعْرَافِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌ 10

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27) }

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(34)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(44)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54) }

- ‌(55)

- ‌(57) }

- ‌(58) }

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(73) }

- ‌(74)

- ‌(79) }

- ‌(80)

- ‌(82) }

- ‌(85) }

- ‌(86)

- ‌(88)

- ‌(93) }

- ‌(96)

- ‌(100) }

- ‌(101)

- ‌(103) }

- ‌(104) }

- ‌(105)

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(117)

- ‌(121)

- ‌(123)

- ‌(127)

- ‌(130) }

- ‌(131) }

- ‌(132)

- ‌(136)

- ‌(138)

- ‌(140)

- ‌(144)

- ‌(146)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(152)

- ‌(154) }

- ‌(155) }

- ‌(156) }

- ‌(157) }

- ‌(158) }

- ‌(159) }

- ‌(160)

- ‌(163) }

- ‌(164)

- ‌(167) }

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(172)

- ‌(175)

- ‌(178) }

- ‌(179) }

- ‌(180) }

- ‌(181) }

- ‌(184) }

- ‌(186) }

- ‌(188) }

- ‌(189)

- ‌(191)

- ‌(196)

- ‌(199)

- ‌(201)

- ‌(203) }

- ‌(204) }

- ‌(205)

الفصل: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ‌

(70) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أَيْ: دَعْهُمْ وَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَأَمْهِلْهُمْ قَلِيلًا فَإِنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَذَكِّرْ بِهِ} أَيْ: وَذَكِّرِ النَّاسَ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَحَذِّرْهُمْ نِقْمَةَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ الْأَلِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَوْلُهُ: {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أَيْ: لِئَلَّا تُبْسَلَ. قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمة، وَالْحَسَنُ، والسُّدِّي: تُبْسَلَ: تُسْلَم.

وَقَالَ الْوَالِبِيُّ، عن ابن عباس: تفتضح. وَقَالَ قَتَادَةُ: تُحْبَس. وَقَالَ مُرَّة وَابْنُ زَيْدٍ تُؤاخذ. وقال الكلبيي: تُجَازَي (1)

وَكُلُّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَحَاصِلُهَا الْإِسْلَامُ لِلْهَلَكَةِ، وَالْحَبْسُ عَنِ الْخَيْرِ، وَالِارْتِهَانُ عَنْ دَرْكِ الْمَطْلُوبِ، كَمَا قَالَ:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [الْمُدَّثِّرِ: 38، 39] .

وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} أَيْ: لَا قَرِيبَ وَلَا أَحَدَ يُشَفَّعُ فِيهَا، كَمَا قَالَ:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 254] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} أَيْ: وَلَوْ بَذَلَتْ كُلَّ مَبْذُولٍ مَا قُبِلَ مِنْهَا كَمَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا [وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ] (2) } [آلِ عمران: 91]، وهكذا قال هاهنا:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}

{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) }

قَالَ السُّدِّي: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا، وَاتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عز وجل:{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} أَيْ: فِي الْكُفْرِ {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} فَيَكُونُ مثلُنا مَثَلَ الَّذِي {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ [حَيْرَانَ] } (3) يَقُولُ: مَثَلُكُمْ، إِنْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ مَعَ قَوْمٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَحَيَّرَتْهُ الشَّيَاطِينُ، وَاسْتَهْوَتْهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ يَقُولُونَ:"ائْتِنَا فَإنَّا عَلَى الطَّرِيقِ"، فَأَبَى أَنْ

(1) في م، أ:"تجزي".

(2)

زيادة من م، أ، وفي هـ:"الآية".

(3)

زيادة من أ.

ص: 279

يَأْتِيَهُمْ. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ يَتَّبِعُهُمْ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمُحَمَّدٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ هُوَ الْإِسْلَامُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ} أَضَلَّتْهُ فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي: اسْتَهْوَتْهُ (1) مُثْلُ قَوْلِهِ: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 37] .

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} الْآيَةَ. هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْآلِهَةِ وَمَنْ يَدْعُو إِلَيْهَا، وَالدُّعَاةُ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ، عز وجل، كَمَثَلِ رَجُلٍ ضَلَّ عَنْ طَرِيقٍ تَائِهًا ضَالًّا إِذْ نَادَاهُ مُنَادٍ:"يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ"، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ:"يَا فُلَانُ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ"، فَإِنِ اتَّبَعَ الدَّاعِيَ الْأَوَّلَ، انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ إِلَى الْهَلَكَةِ (2) وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى الْهُدَى، اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيقِ. وَهَذِهِ الدَّاعِيَةُ الَّتِي تَدْعُو فِي الْبَرِيَّةِ مِنَ الْغِيلَانِ، يَقُولُ: مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْآلِهَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَيَسْتَقْبِلُ الْهَلَكَةَ وَالنَّدَامَةَ. وَقَوْلُهُ:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ} هُمُ "الْغِيلَانُ"، يَدْعُونَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَيَتَّبِعُهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ، فَيُصْبِحُ وَقَدْ أَلْقَتْهُ فِي هَلَكَةٍ، وَرُبَّمَا أَكَلَتْهُ -أَوْ تُلْقِيهِ فِي مَضَلَّةٍ مِنَ الْأَرْضِ، يَهْلَكُ فِيهَا عَطَشًا، فَهَذَا مِثْلُ مَنْ أَجَابَ الْآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ، عز وجل. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ} قَالَ: رَجُلٌ حَيْرَانُ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ يَضِلُّ بَعْدَ أَنْ هُدِيَ.

وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ} هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِهُدَى اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ، وَعَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ، وَجَارَ (3) عَنِ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يَأْمُرُونَهُ بِهِ هُدًى، يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ، يَقُولُ [اللَّهُ](4){إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} وَالضَّلَالُ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْجِنُّ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْحَابَهُ يَدْعُونَهُ إِلَى الضَّلَالِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُدًى. قَالَتْ: وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ أَصْحَابَهُ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ضَلَالًا وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ هُدًى.

وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَكَانَ (5) سِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ حِيرَتِهِ وَضَلَالِهِ وَجَهْلِهِ وَجْهُ الْمَحَجَّةِ، وَلَهُ أَصْحَابٌ عَلَى الْمَحَجَّةِ سَائِرُونَ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الذَّهَابِ مَعَهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاهُ، وَلَرَدَّ بِهِ إِلَى الطَّرِيقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}

(1) في م: "استهوته سيرته".

(2)

في م، أ:"في هلكه".

(3)

في أ: "وحاد".

(4)

زيادة من أ.

(5)

في م، أ:"فإن".

ص: 280

كَمَا قَالَ: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} (1)[الزُّمَرِ: 37]، وَقَالَ:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [النَّحْلِ: 37]، وَقَوْلُهُ {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: نخلص له العباد (2) وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ} أَيْ: وَأُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَبِتَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} أَيْ: بِالْعَدْلِ، فَهُوَ خَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا، وَالْمُدَبِّرُ لَهُمَا وَلِمَنْ فِيهِمَا.

وَقَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ:{كُنْ} فَيَكُونُ عَنْ أَمْرِهِ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ هُوَ أَقْرَبُ.

{وَيَوْمَ} مَنْصُوبٌ إِمَّا عَلَى الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوهُ} وَتَقْدِيرُهُ: وَاتَّقُوا يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ، وَإِمَّا عَلَى قَوْلِهِ:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} أَيْ: وَخَلَقَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ. فَذَكَرَ بَدْءَ الْخَلْقِ وَإِعَادَتِهِ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ. وَإِمَّا عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَقَوْلُهُ: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} جُمْلَتَانِ مَحَلُّهُمَا الْجَرُّ، عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} كَقَوْلِهِ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غَافِرٍ: 16]، وَكَقَوْلِهِ {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الْفَرْقَانِ: 26] ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ بِالصُّورِ هَاهُنَا جَمْعُ "صُورَةٍ" أَيْ: يَوْمَ يَنْفُخُ فِيهَا فَتَحْيَا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَمَا يُقَالُ (3) سُورٌ -لِسُورِ الْبَلَدِ (4) هُوَ جَمْعُ سُورَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورِ: "القَرْن" الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ، عليه السلام، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَا (5) تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "إِنَّ إِسْرَافِيلَ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤمَر فَيَنْفُخُ". (6)

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَسْلَمَ العِجْلي، عَنْ بِشْر بْنِ شَغَاف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: "قَرْنٌ ينفخ

(1) في أ: "من يهده الله فلا مضل له".

(2)

في م، أ:"العبادة".

(3)

في أ: "كما تقول".

(4)

في أ: "المدينة".

(5)

في م، أ:"والصواب من القول في ذلك ما".

(6)

تفسير الطبري (11/463) .

ص: 281

فِيهِ. (1)

وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثَ الصُّورِ بِطُولِهِ، مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ، فِي كِتَابِهِ "الطِّوَالَاتُ" قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ الأيْلي، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:"إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصًا بصرَه إِلَى الْعَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ "القَرْن". قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: "عَظِيمٌ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، إِنَّ عَظْمَ دَارَةَ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ: النَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ. انْفُخْ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهل السموات [وَأَهْلُ] (2) الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَأْمُرُهُ فَيُدِيمُهَا وَيُطِيلُهَا وَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ كَقَوْلِ اللَّهِ: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] ، فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ (3) فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَتَكُونُ سَرَابًا".

ثُمَّ تَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجَّةً فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمَرْمِيَّةِ (4) فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ، تُرَجْرِجُهُ (5) الرِّيَاحُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ (6) {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النَّازِعَاتِ: 6 -8] ، فَيَميدُ النَّاسُ عَلَى ظَهْرِهَا، وَتُذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَأْتِيهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ، وَيُوَلِّي (7) النَّاسُ مُدْبِرِينَ مَا لَهُمْ مِنْ أمْر اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:{يَوْمَ التَّنَادِ} [غَافِرٍ: 32] .

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ تَصَدَّعَتِ (8) الْأَرْضُ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْهَوْلِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ نَظَرُوا (9) إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هِيَ كالمُهْل، ثُمَّ انْشَقَّتْ (10) فَانْتَشَرَتْ نُجُومُهَا، وَانْخَسَفَ (11) شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، عز وجل، حِينَ يَقُولُ:{فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النَّمْلِ: 87]، قَالَ:"أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ (12) يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَآمَنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ"، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ، عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2] ،

(1) المسند (2/192) .

(2)

زيادة من أ.

(3)

في م: "فتسير الجبال".

(4)

في أ: "فتكون الموثقة".

(5)

في م: "تزحزحه".

(6)

في أ: "وهي الذي يقول الله".

(7)

في أ: "ثم تولى".

(8)

في أ: "هم كذلك إذ تصدعت".

(9)

في أ: "تطوى".

(10)

في أ: "انشقت السماء".

(11)

في أ: "وخسف".

(12)

في أ: "عند ربهم.

ص: 282

فَيَكُونُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَطُولُ.

ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أَهْلَ السموات [وأهل](1) الأرض إلا من شاء الله، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَمِدُوا، وَجَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، عز وجل، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بقيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ، عز وجل: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ!! فَيَقُولُ: اسْكُتْ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي، فَيَمُوتَانِ. ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ [عز وجل](2) فَيَقُولُ يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيَقُولُ اللَّهُ [عز وجل] (3) -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -: فَمَنْ تَبَقَّى؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمْلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ، [عز وجل](4) لِيَمُتْ حَمْلَةُ عَرْشي. فَيَمُوتُوا، وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْعَرْشَ. فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -:: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ [عز وجل](5) أَنْتَ خَلْق مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فمِت. فَيَمُوتُ. فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْأَحَدُ [الصَّمَدُ](6) الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا طَوَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ طَيَّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ (7) ثُمَّ دَحَاهُمَا ثُمَّ يَلْقَفُهُمَا (8) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ ثَلَاثًا. ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غَافِرٍ: 16]، يَقُولُ اللَّهُ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ (9) الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إِبْرَاهِيمَ: 48] ، فَيَبْسُطُهُمَا وَيَسْطَحُهُمَا، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طَهَ: 107] .

ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبْدَّلَةِ مِثْلَ مَا كَانُوا فِيهَا مِنَ الْأُولَى، مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنَزِّلُ اللَّهُ [عز وجل](10) عَلَيْهِمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ فَتَنْبُتُ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ -أَوْ: كَنَبَاتِ الْبَقْلِ -حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ، قَالَ اللَّهُ، عز وجل: ليَحْيَا حملةُ عَرْشِي، فَيَحْيَوْنَ. وَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لِيَحْيَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيَحْيَانِ، ثُمَّ يدعو الله الأرواح (11)

(1) زيادة من م، أ.

(2)

زيادة من أ.

(3)

زيادة من أ.

(4)

زيادة من أ.

(5)

زيادة من أ.

(6)

زيادة من م، أ.

(7)

في أ: "الكتاب".

(8)

في م: "تكففها".

(9)

في أ: "يبدل".

(10)

زيادة من أ.

(11)

في أ: "بالأرواح ".

ص: 283

فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ.

ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ (1) قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ [اللَّهُ](2) وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ كَمَا يَمْشِي السُّمُّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ (3) وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقّ الْأَرْضُ عَنْهُ، فَتَخْرُجُونَ سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ (4) {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [الْقَمَرِ: 8] حَفَاة عُرَاة [غُلْفًا](5) غُرْلا فَتَقِفُونَ (6) مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارُهُ سَبْعُونَ (7) عَامًا، لَا يُنْظَر إِلَيْكُمْ وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ (8) دَمًا وتَعْرَقون حَتَّى يُلْجِمَكُمُ الْعَرَقُ، أَوْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ، وَتَقُولُونَ (9) مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَقْضِي بَيْنَنَا؟ فَتَقُولُونَ (10) مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قُبُلًا؟ فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَأْبَى، وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فَيَسْتَقْرِءُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا، أَبَى عَلَيْهِمْ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"حَتَّى يَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ إِلَى (11) الْفَحْصِ فأَخر سَاجِدًا" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الفَحْص؟ قَالَ:"قُدَّامَ الْعَرْشِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي، وَيَرْفَعُنِي، فَيَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ (12) فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ اللَّهُ، عز وجل: مَا شَأْنُكَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فشَفعني فِي خَلْقِكَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ. قَالَ [اللَّهُ] (13) قَدْ شَفَّعْتُكَ، أَنَا آتِيكُمْ أَقْضِي بَيْنَكُمْ".

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَرْجِعُ فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وُقُوفٌ، إِذْ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَهَالَنَا فَنَزَلَ (14) أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ، أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا وَهُوَ آتٍ.

ثُمَّ يَنْزِلُ [مِنْ](15) أَهْلِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ، أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَهُوَ آتٍ.

ثُمَّ يَنْزِلُونَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ، عز وجل، فِي ظُلل مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، فَيَحْمِلُ عَرْشَهُ (16) يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَةٌ -وَهُمُ الْيَوْمَ أربعة -أقدامهم في (17) تخوم الأرض السفلى،

(1) في أ: "كالنحل".

(2)

زيادة من أ.

(3)

في أ: "عنهم".

(4)

في أ: "فيخرجون منها سراعا إلى ربهم ينسون".

(5)

زيادة من أ.

(6)

في م: "يقفون".

(7)

في أ: " سبعين ".

(8)

في أ: "تدمون".

(9)

في أ: "ويقولون".

(10)

في أ: "فيقولون".

(11)

في أ: "حتى آتى".

(12)

في م: "محمد".

(13)

زيادة من أ.

(14)

في أ: "فينزل".

(15)

زيادة من م.

(16)

في أ: "عرش ربك".

(17)

في م: "على".

ص: 284

وَالْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ إِلَى حُجْزَتَهم (1) وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ فِي تَسْبِيحِهِمْ، يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوح قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ أَرْضِهِ، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ (2) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ قَوْلَكُمْ وَأُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا إِلَيَّ، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ [مُظْلِمٌ](3) سَاطِعٌ، ثُمَّ يَقُولُ:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} -أَوْ: بِهَا (4) تُكَذِّبُونَ -شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ - {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 60 -64] فَيُمَيِّزُ اللَّهُ النَّاسَ وَتَجْثُو الْأُمَمُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 28] فَيَقْضِي اللَّهُ، عز وجل، بَيْنَ خَلْقِهِ، إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقْضِي بَيْنَ الْوَحْشِ (5) وَالْبَهَائِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقْضِي لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لِلْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ [لَهَا] (6) كَوْنِي تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النَّبَأِ: 40]

ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ [عز وجل](7) بَيْنَ الْعِبَادِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عز وجل، وَيَأْمُرُ اللَّهُ [عز وجل] (8) كُلَّ قتيل فيحمل رأسه تَشْخُب أو داجه يَقُولُ: يَا رَبِّ، فِيمَ قَتَلَنِي هَذَا؟ فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ -: فِيمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: صَدَقْتَ. فَيَجْعَلُ اللَّهُ وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ.

وَيَأْتِي كُلُّ مَنْ قُتل عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَحْمِلُ رَأْسَهُ وَتَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، [فِيمَ] (9) قَتَلَنِي هَذَا؟ فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ -: لِمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ وَلِي. فَيَقُولُ: تَعِسْتَ. ثُمَّ لَا تَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا، وَلَا مَظْلَمَةٌ ظَلَمَهَا إِلَّا أُخِذَ بِهَا، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ.

ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَنْ بَقِيَ (10) مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى لَا تَبْقَى مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا [اللَّهُ](11) لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَبِيعُهُ أَنْ يخلص اللبن من الماء.

(1) في أ: "حجزهم".

(2)

في أ: "بصوته فيقول".

(3)

زيادة من أ.

(4)

في م: "وبها".

(5)

في أ: "الوحوش".

(6)

زيادة من أ.

(7)

زيادة من أ.

(8)

زيادة من أ.

(9)

زيادة من أ.

(10)

في م: "من شاء".

(11)

زيادة من أ.

ص: 285

فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، نَادَ مُنَادٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ: أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَير، وَيُجْعَلُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. ثُمَّ يَتْبَعُ هَذَا الْيَهُودُ وَهَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ قَادَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ [تَعَالَى] (1) {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 99] .

فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ، جَاءَهُمُ اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، فَيَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ سَاقِهِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ أَصْلَابَهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ. ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهَرَانَي جَهَنَّمَ كَحَدِّ الشَّفْرَةِ -أَوْ: كَحَدِّ السَّيْفِ -عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَخَطَاطِيفُ وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، دُونَ جِسْرِ دَحْضٍ مَزَلَّةٍ، فَيَمُرُّونَ كَطَرْفٍ الْعَيْنِ، أَوْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، أَوْ كَمَرِّ الرِّيحِ، أَوْ كَجِيَادِ الْخَيْلِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّكَابِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّجَالِ. فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمُكَرْدَسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَهَنَّمَ.

فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ، عليه السلام، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قُبُلًا؟ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ. فَيُؤْتَى نُوحٌ فيُطْلَب ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا. فَيُؤْتَى إِبْرَاهِيمُ، فيُطْلَب ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّ اللَّهَ قَرَّبَهُ نَجيّا، وَكَلَّمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ. فَيُؤْتَى مُوسَى، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.

فَيُؤْتَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَيَأْتُونِي -وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ [وَعَدَنِهِنَّ](2) -فَأَنْطَلِقُ فَآتِي الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بحلَقَة الْبَابِ، فَأَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي، فَأُحَيَّى وَيُرَحَّبُ بِي. فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي خَرَرْتُ سَاجِدًا، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعَ، وَسَلْ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي يَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ -: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ وَقَدْ أذنت

(1) زيادة من أ.

(2)

زيادة من م.

ص: 286

لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ".

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، فَيَدْخُلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً، سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ، عز وجل، وَثِنْتَيْنِ آدَمِيَّتَيْنِ مَنْ وَلَدِ آدَمَ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ، لِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا. فَيَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى فِي غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، عَلَيْهَا سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، ثُمَّ إِنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا، وَمِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ، وَكَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ. فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ، مَا يَأْتِيهَا مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا يَفْترُ ذَكَرَهُ، وَمَا تَشْتَكِي (1) قُبُلَهَا. فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَني وَلَا مَنِية إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا. فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَتَى (2) وَاحِدَةً [لَهُ] (3) قَالَتْ: لَهُ وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ، وَلَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ.

وَإِذَا وَقَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقْعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ النَّارُ قَدَمَيْهِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، إِلَّا وَجْهَهُ حَرَّمَ اللَّهُ صُورَتَهُ عَلَيْهَا". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَأَقُولُ يَا رَبِّ، مَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ. ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ وَلَا شَهِيدٌ إِلَّا شَفَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ زِنَةَ الدِّينَارِ إِيمَانًا. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يُشَفِّعُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ [وَجَدْتُمْ] (4) فِي قَلْبِهِ إِيمَانًا ثُلُثَيْ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: ثُلُثَ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: رُبُعَ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: قِيرَاطًا. ثُمَّ يَقُولُ: حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شَفَعَ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ مِمَّا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: بَقِيتُ وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا مَا لَا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ، كَأَنَّهُمْ حُمَم، فَيُلْقَوْنَ عَلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحَيَوَانِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ مَا يَلْقَى الشَّمْسَ مِنْهَا أُخَيْضِرُ، وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أُصَيْفِرُ، فَيَنْبُتُونَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ الذَّرِّ، مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمْ: "الجُهَنَّمِيُّون عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ"، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، مَا عَمِلُوا خَيْرًا لِلَّهِ قَطُّ، فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ فِي رِقَابِهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا امْحُ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ، فَيَمْحُوهُ اللَّهُ، عز وجل، عَنْهُمْ".

هَذَا حَدِيثٌ [مَشْهُورٌ](5) وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ (6) وفي

(1) في م: "ولا يشتكي".

(2)

في م: "جاءت".

(3)

زيادة من م.

(4)

زيادة من م.

(5)

زيادة من م، أ.

(6)

الأحاديث الطوال للطبراني برقم (36) وقد خولف فيه أحمد بن الحسن الأيلي، فرواه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة برقم (387) من طريق إسحاق بن راهوية، والبيهقي في البعث والنشور برقم (669) من طريق أبي قلابة الرقاشي كلاهما إسحاق- وأبو قلابة - من طريق أبي عاصم الضحاك، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن أبي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ من الأنصار، عن أبي هريرة. به، وروى من طريق أخرى مدارها على إسماعيل بن رافع المدني، وقد ضعفه الأئمة وتركه الدارقطني.

وقال ابن عدي: "أحاديثه كلها مما فيه نظر".

ص: 287