الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا. فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَظَرْتُ إِلَى أَسْفَلَ مِنِّي، فَإِذَا أَنَا برَهج وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ (1) فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ (2) يُحَرِّفون عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَنْ لَا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوُا الْعَجَائِبَ".
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ لَهُ مُنْكَرَاتٌ (3) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
(186) }
يَقُولُ تَعَالَى: مَنْ كُتِب عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَإِنَّهُ لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ، وَلَوْ نَظَرَ لِنَفْسِهِ فِيمَا نَظَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزَى (4) عَنْهُ شَيْئًا، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الْمَائِدَةِ:41] قَالَ تَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يُونُسَ:101]
يَقُولُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} [الْأَحْزَابِ:63] قِيلَ: نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، اسْتِبْعَادًا لِوُقُوعِهَا، وَتَكْذِيبًا بِوُجُودِهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:38]، وَقَالَ تَعَالَى:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشُّورَى:18]
وَقَوْلُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"مُنْتَهَاهَا" أَيْ: مَتَى مَحَّطُهَا؟ وَأَيَّانَ آخَرُ مُدَّةِ الدُّنْيَا الَّذِي هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ السَّاعَةِ؟
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} أَمَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُئِلَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، أَنْ يرُدَّ عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا، أَيْ: يَعْلَمُ جَلِيَّةَ أَمْرِهَا، وَمَتَى يَكُونُ عَلَى التَّحْدِيدِ، [أَيْ] (5) لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ [أَحَدٌ] (6) إِلَّا هُوَ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا قَالَ:{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قَالَ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا جَاءَتْ، ثَقُلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ: كَبُرَت عليهم.
(1) في م: "وأصوات عالية".
(2)
في أ: "هذه أصوات الشياطين".
(3)
المسند (2/353) .
(4)
في م، ك:"لا يجدى".
(5)
زيادة من م.
(6)
زيادة من أ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا يُصِيبُهُ مِنْ ضَرَرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قَالَ: إِذَا جَاءَتِ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ (1) وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ، وَكُوِّرَتِ الشَّمْسُ، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ، وَكَانَ مَا قَالَهُ اللَّهُ، عز وجل (2) فَذَلِكَ ثِقْلُهَا.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله: أَنَّ الْمُرَادَ: ثَقُلَ عِلْمُ وَقْتِهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا قَالَ (3) قَتَادَةُ.
وَهُوَ كَمَا قَالَاهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ ثِقَلُ مَجِيئِهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ [فِي قَوْلِهِ تَعَالَى](4){ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} يَقُولُ: خَفِيَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَا يَعْلَمُ قِيَامَهَا حِينَ تَقُومُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
{لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [قَالَ](5) يَبْغَتُهُمْ قِيَامُهَا، تَأْتِيهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} قَضَى اللَّهُ أَنَّهَا {لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (6)"إِنَّ السَّاعَةَ تَهِيجُ بِالنَّاسِ، وَالرَّجُلُ يَصْلِحُ حَوْضَهُ، وَالرَّجُلُ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ، وَالرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ وَيُخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ"(7)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا (8) بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ. ولتقومَنّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لقْحَته فَلَا يَطْعَمُه. ولتقومَنّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيط حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ. ولتقومَنّ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا"(9)
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَحْلِبُ اللِّقْحَة، فَمَا يَصِلُ الْإِنَاءُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَالرَّجُلَانِ (10) يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ فَمَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُومَ. وَالرَّجُلُ يَلُوطُ حَوْضَهُ فَمَا يَصْدُرُ حَتَّى تَقُومَ"(11)
وَقَوْلُهُ [تَعَالَى](12){يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: كَمَا قَالَ (13) الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} يَقُولُ: كَأَنَّ بَيْنَكَ وبينهم مودة،
(1) في أ: "السموات".
(2)
في أ: "الله تعالى".
(3)
في م، أ:"قاله".
(4)
زيادة من م.
(5)
زيادة من أ.
(6)
في م: "كان يقول".
(7)
رواه الطبري في تفسيره (13/297) والثعلبي في تفسيره كما في "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (1/475) وهو مرسل.
(8)
في م: "ثوبا".
(9)
صحيح البخاري برقم (6506) .
(10)
في ك: "والرجل".
(11)
صحيح مسلم برقم (2954) .
(12)
زيادة من ك، م، أ.
(13)
في ك، م، أ:"فقيل معناه: كأنك حفى بها كما قال".
كَأَنَّكَ صَدِيقٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا سَأَلَ النَّاسُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، سَأَلُوهُ سُؤَالَ قَوْمٍ كَأَنَّهُمْ يُرُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا حَفِيٌّ بِهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَهُ، اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا، فَلَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ عَلَيْهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا رَسُولًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: إِنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً، فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَةُ. فَقَالَ اللَّهُ، عز وجل:{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ، والسُّدِّي، وَهَذَا قَوْلٌ. وَالصَّحِيحُ عَنْ مُجَاهِدٍ -مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيح وَغَيْرِهِ -:{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} قَالَ: استَحْفَيت عَنْهَا السُّؤَالَ، حَتَّى عَلِمْتَ وَقْتَهَا.
وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} يَقُولُ: كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا، لَسْتَ تَعْلَمُهَا، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ بَعْضِهِمْ:{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا، وَقَدْ أَخْفَى اللَّهُ عَلِمَهَا عَلَى خَلْقِهِ، وَقَرَأَ:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الْآيَةَ [لُقْمَانَ:34] .
وَلَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ، عليه السلام، فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ، يُعَلِّمُ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَجَلَسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَ السَّائِلِ الْمُسْتَرْشِدِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ عَنِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ عَنِ الْإِحْسَانِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" أَيْ: لَسْتُ أَعْلَمَ بِهَا مِنْكَ وَلَا أَحَدَ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ أَحَدٍ، ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الْآيَةَ (1)
وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، ثُمَّ قَالَ:"فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ". وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ يَقُولُ لَهُ بَعْدَ كُلِّ جَوَابٍ:"صَدَقْتَ"؛ وَلِهَذَا عَجِبَ الصَّحَابَةُ مِنْ هَذَا السَّائِلِ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، ثُمَّ لَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ (2) دِينَكُمْ"(3)
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلَّا عَرَفْتُهُ فِيهَا، إِلَّا صُورَتَهُ هَذِهِ".
وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ، فِي أَوَّلِ شَرْحٍ صَحِيحٍ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (4)
وَلَمَّا سَأَلَهُ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ وَنَادَاهُ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هاء (5) -
(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (50) ومسلم في صحيحه برقم (9) .
(2)
في م، أ:"يعلمكم أمر".
(3)
رواه البخاري في صحيحه برقم (50) ومسلم في صحيحه برقم (9) .
(4)
وانظر هذا المطلب في: شرح الحافظ ابن حجر "فتح الباري"(1/114) .
(5)
في أ: "هاؤم".
عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ -قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ (1) صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ (2)
وَهَذَا لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"(3) وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ.
فَفِيهِ أَنَّهُ، عليه السلام، كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ هَذَا الَّذِي لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى عِلْمِهِ، أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ الِاسْتِعْدَادُ لِوُقُوعِ ذَلِكَ، وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا تَعْيِينَ وَقْتِهِ.
وَلِهَذَا قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتِ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَنَظَرَ (4) إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ (5) مِنْهُمْ فَقَالَ: "إِنَّ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ"(6) يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْتَهُمُ الَّذِي يُفْضِي بِهِمْ إِلَى الْحُصُولِ فِي بَرْزَخِ الدَّارِ الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مَنَّ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أن يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ فَعَسَى أَلَّا يُدْرِكَهُ الهَرَم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ (7)
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ (8) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُنَيهة، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، فَقَالَ:"إِنَّ عُمِّرَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" -قَالَ أَنَسٌ: ذَلِكَ الْغُلَامُ مِنْ أَتْرَابِي (9)
وَقَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -وَكَانَ مَنْ أقراني (10) -فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ يُؤَخَّرْ هَذَا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"(11)
(1) في أ: "كثير".
(2)
رواه مسلم في صحيحه برقم (2639) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه.
(3)
جاء من حديث أنس بن مالك وصفوان بن عسال وعبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري:.
أما حديث أنس بن مالك فهو السابق ذكره.
وأما حديث صفوان بن عسال فرواه الترمذي في السنن برقم (3535) .
وأما حديث عبد الله بن مسعود فرواه البخاري في صحيحه برقم (6169) ومسلم في صحيحه برقم (2640) .
وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه البخاري في صحيحه برقم (6170) ومسلم في صحيحه برقم (2641) .
(4)
في ك، م:"فينظر".
(5)
في ك، م، أ:"أسنان".
(6)
صحيح مسلم برقم (2952) .
(7)
صحيح مسلم برقم (2953) .
(8)
في ك، م، أ:"سعيد بن أبي هلال المصري".
(9)
صحيح مسلم برقم (2953) .
(10)
في ك، م:"أترابي".
(11)
صحيح مسلم برقم (2953) .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "الْأَدَبِ" مِنْ صَحِيحِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ:"فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ"، وَذَكَرَهُ (1)
وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِ"سَاعَتِكُمْ" فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رضي الله عنها.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قبل (2) أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ، قَالَ:"تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ. وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازة (4) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ (5) صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى"، قَالَ:"فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ"، قَالَ:"فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ عِيسَى: أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، عز وجل، وَفِيمَا عَهِدَ إليَّ رَبِّي، عز وجل، أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ"، قَالَ:"وَمَعِي قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ"، قَالَ:"فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ، عز وجل، إِذَا رَآنِي، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ يَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، إِنْ تَحْتِي كَافِرًا تَعَالَى فَاقْتُلْهُ". قَالَ: "فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، عز وجل، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ"، قَالَ:"فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ"، قَالَ:"ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إليَّ فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو (6) اللَّهَ، عز وجل، عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ، حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ -أَيْ: تُنْتِن -" قَالَ: "فَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ، فَيَجْتَرِفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي (7) الْبَحْرِ".
قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ثُمَّ تُنْسَفُ الْجِبَالُ، وَتُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ -ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ هُشَيْمٍ قَالَ: فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، عز وجل، أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ (8) السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تُفَاجِئُهُمْ بِوِلَادِهَا (9) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (10)
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ بُنْدَار عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَب بِسَنَدِهِ، نَحْوَهُ (11)
فَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِوَقْتِ السَّاعَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا رَدُّوا
(1) صحيح البخاري برقم (6167) .
(2)
في ك: "يقول قبل".
(3)
صحيح مسلم برقم (2538) .
(4)
في م: "غفارة"، وفي ك:"عفان".
(5)
في م: "عن النبي".
(6)
في م: "وأدعوا".
(7)
في أ: "إلى".
(8)
في أ: "تكون".
(9)
في د، ك:"بولادتها".
(10)
المسند (1/375) .
(11)
سنن ابن ماجة برقم (4081) وقال البوصيري في الزوائد (3/261) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، مؤثر بن عفازة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".