المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(51)

- ‌(54)

- ‌ 57

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(67) }

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(72)

- ‌(76) }

- ‌(77) }

- ‌(78)

- ‌(82) }

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89) }

- ‌(90)

- ‌(94)

- ‌(96)

- ‌(100)

- ‌(103) }

- ‌(104) }

- ‌(105) }

- ‌(106)

- ‌(109) }

- ‌(110)

- ‌(112)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(119)

- ‌(1)

- ‌ الْأَنْعَامِ

- ‌4]

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(12)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(36) }

- ‌(37)

- ‌(40)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌(55)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌(66)

- ‌(69) }

- ‌(70) }

- ‌(74)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(98)

- ‌(100) }

- ‌(101) }

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(111) }

- ‌(114)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(121) }

- ‌(122) }

- ‌(123)

- ‌(125) }

- ‌(126)

- ‌(128) }

- ‌(129) }

- ‌(130) }

- ‌(131) }

- ‌(132) }

- ‌(133)

- ‌(136) }

- ‌(138) }

- ‌(139) }

- ‌(140) }

- ‌(143)

- ‌(145) }

- ‌(146) }

- ‌(147) }

- ‌(151) }

- ‌(152) }

- ‌(153) }

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(158) }

- ‌(159) }

- ‌(160) }

- ‌(161)

- ‌(164) }

- ‌(165) }

- ‌ الْأَعْرَافِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌ 10

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27) }

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(34)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(44)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54) }

- ‌(55)

- ‌(57) }

- ‌(58) }

- ‌(59)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(73) }

- ‌(74)

- ‌(79) }

- ‌(80)

- ‌(82) }

- ‌(85) }

- ‌(86)

- ‌(88)

- ‌(93) }

- ‌(96)

- ‌(100) }

- ‌(101)

- ‌(103) }

- ‌(104) }

- ‌(105)

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(117)

- ‌(121)

- ‌(123)

- ‌(127)

- ‌(130) }

- ‌(131) }

- ‌(132)

- ‌(136)

- ‌(138)

- ‌(140)

- ‌(144)

- ‌(146)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(152)

- ‌(154) }

- ‌(155) }

- ‌(156) }

- ‌(157) }

- ‌(158) }

- ‌(159) }

- ‌(160)

- ‌(163) }

- ‌(164)

- ‌(167) }

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(172)

- ‌(175)

- ‌(178) }

- ‌(179) }

- ‌(180) }

- ‌(181) }

- ‌(184) }

- ‌(186) }

- ‌(188) }

- ‌(189)

- ‌(191)

- ‌(196)

- ‌(199)

- ‌(201)

- ‌(203) }

- ‌(204) }

- ‌(205)

الفصل: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ‌

(96)

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) }

قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ (1) ابْنِ عَبَّاسٍ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ-وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ في قوله:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} يَعْنِي: مَا يَصْطَادُ مِنْهُ طَرِيًّا {وَطَعَامُهُ} مَا يَتَزَوَّدُ مِنْهُ مَلِيحًا يَابِسًا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ: صَيْدُهُ مَا أُخِذَ مِنْهُ حَيًّا {وَطَعَامُهُ} مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنهم. وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النخَعي، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ:{وَطَعَامُهُ} كُلُّ مَا فِيهِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاك قَالَ: حُدِّثتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فَقَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} وَطَعَامُهُ مَا قُذِفَ.

قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَز، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} قَالَ {وَطَعَامُهُ} مَا قُذِفَ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:{وَطَعَامُهُ} مَا لَفَظَ مِنْ مَيْتَةٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: طَعَامُهُ مَا لَفَظَهُ حَيًّا، أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَمَاتَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ الْبَحْرَ قَدْ قَذَفَ حِيتَانًا كَثِيرًا مَيْتًا أَفَنَأْكُلُهُ؟ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوهُ. فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ أَخَذَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْمَائِدَةِ، فَأَتَى هَذِهِ الْآيَةَ {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} فَقَالَ: اذْهَبْ فَقُلْ لَهُ فَلْيَأْكُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامُهُ.

وَهَكَذَا اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِطَعَامِهِ مَا مَاتَ فِيهِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا. (2)

حَدَّثَنَا هَنَّاد بْنُ السُّرِّي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} قَالَ: طَعَامُهُ مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا".

ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَقَفَ بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة: (3)

(1) في د: "قال".

(2)

تفسير الطبري (11/69) .

(3)

تفسير الطبري (11/70) .

ص: 197

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} قَالَ: طَعَامُهُ: مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا.

وقوله: {ُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} أَيْ: مَنْفَعَةً وقُوتًا لَكُمْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ {وَلِلسَّيَّارَةِ} وَهُوَ جَمْعُ سيَّار. قَالَ عِكْرِمَةُ: لِمَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَحْرِ وَلِلسَّيَّارَةِ: السَفْر. (1)

وَقَالَ غَيْرُهُ: الطَّرِيُّ مِنْهُ لِمَنْ يَصْطَادُهُ مِنْ حَاضِرَةِ الْبَحْرِ، وَ {طَعَامُهُ} مَا مَاتَ فِيهِ أَوِ اصْطِيدَ مِنْهُ ومُلِّح وَقُدِّدَ زَادًا لِلْمُسَافِرِينَ وَالنَّائِينَ عَنِ الْبَحْرِ.

وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، والسُّدِّي وَغَيْرِهِمْ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى حِلِّ مَيْتَةِ الْبَحْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَبِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَان، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا قِبَل السَّاحِلِ، فأمَّر عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ، قَالَ: وَأَنَا فِيهِمْ. قَالَ: فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فجُمع ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مَزْوَدَيْ تَمْرٍ، قَالَ: فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةً تَمْرَةً. فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: فَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِب، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، وَمَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا. (2)

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (3) وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَابِرٍ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: فَإِذَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِثْلُ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتة، ثُمَّ قَالَ: لَا نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا. وَلَقَدْ رأيتُنا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْب عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الفِدْر كَالثَّوْرِ، أَوْ: كقَدْر الثَّوْرِ، قَالَ: وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْب عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بِعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَجَدُوا هَذِهِ السَّمَكَةَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ وَاقِعَةٌ أُخْرَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنْ كَانُوا أَوَّلًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَعَثَهُمْ سَرِيَّةً مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَجَدُوا هَذِهِ فِي سَرِيَّتِهِمْ تِلْكَ مَعَ أَبِي عبيدة، والله أعلم. (4)

(1) في د: "للسفر".

(2)

الموطأ (2/930) .

(3)

صحيح البخاري برقم (2483) وصحيح مسلم برقم (1935) .

(4)

صحيح مسلم برقم (1935) .

ص: 198

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمة -مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ-وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ-أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الحِلّ مَيْتَتُهُ".

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامَانِ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّان، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1) بِنَحْوِهِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُهَزّم -هُوَ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ-سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجٍّ -أَوْ عُمْرَةٍ-فَاسْتَقْبَلْنَا رِجْل جَراد، فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُنَّ بِعِصِيِّنَا وَسِيَاطِنَا فَنَقْتُلُهُنَّ، فَأُسْقِطَ فِي أَيْدِينَا، فَقُلْنَا: مَا نَصْنَعُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ"(2)

أَبُو المُهَزّم ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحَمَّال، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُلاثة، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَعَا عَلَى الْجَرَادِ قَالَ:"اللَّهُمَّ أهْلك كِبَارَهُ، وَاقْتُلْ صِغَارَهُ، وأفسدْ بَيْضَهُ، وَاقْطَعْ دَابِرَهُ، وَخُذْ بِأَفْوَاهِهِ عَنْ مَعَايِشِنَا وَأَرْزَاقِنَا، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ". فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَدْعُو عَلَى جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ اللَّهِ بِقَطْعِ دَابِرِهِ؟ فَقَالَ:"إِنَّ الْجَرَادَ نَثْرَة الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ". قَالَ هَاشِمٌ: قَالَ زِيَادٌ: فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الْحُوتَ يَنْثُرُهُ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ. (3)

وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَصِيدُ الْجَرَادَ فِي الْحَرَمِ.

وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ تُؤْكَلُ دَوَابُّ الْبَحْرِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ:{طَعَامُهُ} كُلُّ مَا فِيهِ.

وَقَدِ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الضَّفَادِعَ وَأَبَاحَ مَا سِوَاهَا؛ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "نهى عن قتل الضفدع". (4)

(1) مسند الشافعي برقم (25)"بدائع المنن" والمسند للإمام أحمد (2/237) وسنن أبي داود برقم (83) وسنن الترمذي برقم (69) وسنن النسائي (1/50) وسنن ابن ماجة برقم (386) وصحيح ابن خزيمة برقم (111) وصحيح ابن حبان برقم (119) .

(2)

المسند (2/306) وسنن أبي داود برقم (1854) وسنن الترمذي برقم (850) وسنن ابن ماجة برقم (3222) .

(3)

سنن ابن ماجة برقم (3221) وقال البوصيري في الزوائد (3/ 64، 65) : "هذا إسناد ضعيف لضعف موسى بن محمد بن إبراهيم، أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق هارون بن عبد الله، وقال: لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وضعفه موسى بن محمد".

(4)

المسند (3/453) وسنن أبي داود برقم (5269) وسنن النسائي (7/210) .

ص: 199

وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الضِّفْدِعِ، وَقَالَ: نَقِيقُها تَسْبِيحٌ. (1)

وَقَالَ آخَرُونَ: يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ السَّمَكُ، وَلَا يُؤْكَلُ الضِّفْدِعُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهُمَا، فَقِيلَ: يُؤْكَلُ سَائِرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُؤْكَلُ. وَقِيلَ: مَا أُكِلَ شَبَهَهُ مِنَ الْبَرِّ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ شَبَهُهُ لَا يُؤْكَلُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا وُجُوهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، رحمه الله: لَا يُؤْكَلُ مَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ، كَمَا لَا يُؤْكَلُ مَا مَاتَ فِي الْبَرِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [الْمَائِدَةِ: 3] .

وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي -هُوَ ابْنُ قَانِعٍ-حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ الطَّحَّانُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِياث، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا صِدْتُموه وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ فَكُلُوهُ، وَمَا أَلْقَى الْبَحْرُ مَيِّتًا طَافِيًا فَلَا تَأْكُلُوهُ".

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَة، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِهِ. وَهُوَ مُنْكَرٌ. (2)

وَقَدِ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، بِحَدِيثِ "العَنْبَر" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَبِحَدِيثِ:"هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أحِلَّت لَنَا ميتتان ودَمَان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطُّحَالُ".

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَرُوِيَ (3) مَوْقُوفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أَيْ: فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ يَحْرُمُ (4) عَلَيْكُمُ الِاصْطِيَادُ. فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمٍ ذَلِكَ (5) فَإِذَا اصْطَادَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا أثمَ وغَرم، أَوْ مُخْطِئًا غُرِّمَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْمَيْتَةِ، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ وَالْمُحِلِّينَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ -فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ-وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ

(1) لم أجده عند البحث في سنن النسائي ولعلى أتداركه فيما بعد. ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (1852) من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنِ عبد الله بن عمرو به.

(2)

ونكارته؛ لمخالفته الاية والأحاديث الصحيحة مثل حديث: "هو الطهور ماؤه"، وحديث العنبر.

(3)

مسند الشافعي برقم (1734) ومسند أحمد (2/97) ومضى تخريجه عند الآية: 3 من هذه السورة.

(4)

في د: "فحرام".

(5)

في د: "التحريم".

ص: 200

أَكَلَهُ أَو شَيْئًا مِنْهُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ:

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنْ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَكَفَّارَتَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ.

وَالثَّانِي: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا مَذَاهِبُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. ثُمَّ وَجَّهَهُ أَبُو عُمَرَ بِمَا لَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحُدَّ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ. (1)

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَحَلَالٌ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ، إِلَّا أَنَّنِي أَكْرَهُهُ لِلَّذِي قَتَلَهُ، لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَيْد البَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تُصِيدوه

أَوْ يُصَدْ لَكُمْ".

وَهَذَا الْحَدِيثُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَوْلُهُ بِإِبَاحَتِهِ لِلْقَاتِلِ غَرِيبٌ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ. قَدْ ذَكَرْنَا الْمَنْعَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ. بِإِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ، سَوَاءٌ الْمُحْرِمُونَ وَالْمُحِلُّونَ؛ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا إِذَا صَادَ (2) حَلال صَيْدًا فَأَهْدَاهُ إِلَى مُحْرِمٍ، فَقَدْ ذَهَبَ (3) ذَاهِبُونَ إِلَى إِبَاحَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَادَهُ لِأَجْلِهِ أَمْ لَا. حَكَى هَذَا الْقَوْلَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ -فِي رِوَايَةٍ-وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيع، حَدَّثَنَا بِشْر بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ صَادَهُ حَلال، أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ. ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا لأوجعتُ لَكَ رَأْسَكَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ أَكْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي أميَّة، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ. وَقَالَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ. يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} .

قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كل حال.

(1) الاستذكار لابن عبد البر (11/312) .

(2)

في د: "صاده".

(3)

في د: "فذهبا".

ص: 201

قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِلَيْهِ ذهب الثوري، وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ -فِي رِوَايَةٍ-وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عَلِيًّا كَرِهَ لَحْمَ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ -فِي رِوَايَةٍ-وَالْجُمْهُورُ: إِنْ كَانَ الْحَلَالُ قَدْ قَصَدَ الْمُحْرِمَ بِذَلِكَ الصَّيْدِ، لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ؛ لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحَشِيًا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ -أَوْ: بوَدّان-فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ:"إِنَّا لَمْ نرُدَّه عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُم".

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ (1) قَالُوا: فَوَجْهُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا صَادَهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَرَدَّهُ لِذَلِكَ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِالِاصْطِيَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ حِينَ صَادَ حِمَارَ وَحْش، كَانَ حَلَالًا لَمْ يُحْرِمْ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ مُحْرِمِينَ، فَتَوَقَّفُوا فِي أَكْلِهِ. ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"هَلْ كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَشَارَ إِلَيْهَا، أَوْ أَعَانَ فِي قَتْلِهَا؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: "فَكُلُوا". وَأَكَلَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ ثَابِتَةٌ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ. (2)

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَب، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -وَقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ: "صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ -قَالَ سَعِيدٌ: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ-مَا لَمْ تُصِيدوه أَوْ يُصَدْ لَكُمْ".

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ. (3)

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ مَوْلَاهُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْيَسُ.

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بالعَرْج، وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أرجوان، ثم أتي بلحم صيد فقال

(1) صحيح البخاري برقم (1825، 2573) وصحيح مسلم برقم (1193) .

(2)

صحيح البخاري برقم (2914، 5490) وصحيح مسلم برقم (1196) .

(3)

سنن أبي داود برقم (1851) وسنن الترمذي برقم (846) وسنن النسائي (5/187) .

ص: 202