الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَصَّرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ، فجُعلوا عَلَى الْأَعْرَافِ، يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِسِيمَاهُمْ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَبِ الشَّفَاعَةِ، فَأَتَوْا آدَمَ فَقَالُوا: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ إِلَيْهِ غضبَه، وَسَجَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. [قَالَ](1) فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا ابْنِي إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم (2) فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَيَقُولُ:[هَلْ](3) تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا؟ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا أَحْرَقَهُ قَوْمُهُ بِالنَّارِ فِي اللَّهِ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ. وَلَكِنِ ائْتُوا ابْنِي مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى، عليه السلام، [فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ] (4) فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا وَقَرَبَّهُ نَجِيًّا غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى. فَيَأْتُونَهُ، عليه السلام، فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ غَيْرِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: أَنَا حَجِيجُ نَفْسِي. مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ. وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَنِي (5) فَأَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ أَقُولُ: أَنَا لَهَا. ثُمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، فَآتِي رَبِّي، عز وجل، فَيَفْتَحُ لِي مِنَ الثَّنَاءِ مَا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطُّ، ثُمَّ أَسْجُدُ فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعطه، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: رَبِّي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: هُمْ لَكَ. فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، إِلَّا غَبَطَنِي بِذَلِكَ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ. فَآتِي بِهِمُ الْجَنَّةَ، فَأَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي وَلَهُمْ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحَيَوَانِ، حَافَّتَاهُ قَصَبٌ مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهُ الْيَاقُوتُ. فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ، فَتَعُودُ إِلَيْهِمْ أَلْوَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَرِيحُ [أَهْلِ الْجَنَّةِ](6) فَيَصِيرُونَ كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ، وَيَبْقَى فِي صُدُورِهِمْ شَامَاتٌ بِيضٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُقَالُ لَهُمْ: مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ" (7)
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
(50)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ ذِلَّةِ أَهْلِ النَّارِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ شَرَابِهِمْ وَطَعَامِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُجَابُونَ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ السُّدِّي: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}
(1) زيادة من ك، م.
(2)
في أ: "عليه الصلاة والسلام".
(3)
زيادة من أ.
(4)
زيادة من أ.
(5)
في ك، م:"فيأتوني".
(6)
زيادة من ك، م، أ.
(7)
رواه الطبري في تفسيره (12/469) .
يَعْنِي: الطَّعَامَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَسْتَطْعِمُونَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَهُمْ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: يُنَادِي الرَّجُلُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ فَيَقُولُ: قَدِ احْتَرَقْتُ، أَفِضْ (1) عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَجِيبُوهُمْ. فَيَقُولُونَ: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلُهُ [سَوَاءً](2)
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} يَعْنِي: طَعَامَ الْجَنَّةِ وَشَرَابَهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الصفَّار فِي دَارِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -أَوْ: سُئِلَ -: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الْمَاءُ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى أَهْلِ النَّارِ لَمَّا اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا:{أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (3)
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا لَهُ: لَوْ أرسلتَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ هَذَا، فَيُرْسِلَ إِلَيْكَ بِعُنْقُودٍ مِنَ الْجَنَّةِ (4) لَعَلَّهُ أَنْ يَشْفِيَكَ بِهِ. فَجَاءَهُ الرَّسُولُ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (5)
ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى الْكَافِرِينَ بِمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ اتِّخَاذِهِمُ الدِّينَ لَهْوًا وَلَعِبًا، وَاغْتِرَارِهِمْ بِالدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَزُخْرُفِهَا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْعَمَلِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ (6){فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} أَيْ: نُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ نَسيهم؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَشِذُّ عَنْ (7) عِلْمِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْسَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52]
وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى هَذَا مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التَّوْبَةِ:67] وَقَالَ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الْجَاثِيَةِ:34]
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي [قَوْلِهِ] (8) {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} قَالَ: نَسِيَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنَ الشَّرِّ.
(1) في د: "فأفض".
(2)
زيادة من أ.
(3)
ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (3380) والذهبي في ميزان الاعتدال (4/224) من طريق موسى بن المغيرة به.
وقال الذهبي: "موسى بن المغيرة مجهول، وشيخه أبو موسى الصفار لا يعرف".
(4)
في د، ك، م، أ:"جنته".
(5)
ورواه ابن أبي شيبة كما في الدر المنثور للسيوطي (3/469) .
(6)
في م: "وقوله".
(7)
في أ: "من".
(8)
زيادة من أ.