المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 28]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 37]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 48 الى 51]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 59 الى 63]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 64]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 77]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 78]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 86 الى 89]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 92]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 101]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 109]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 117]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 123]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 143]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 144 الى 148]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 153]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 156 الى 158]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 164]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 180]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 184]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 186]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 194]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 195]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 198]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 199 الى 200]

- ‌سورة النساء

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 10]

- ‌ذِكْرُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ:

- ‌ذِكْرُ من قال هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 31]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ التَّابِعِينَ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 34]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 35]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 36]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 58]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 59]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 70]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 83]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 84 الى 87]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 91]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 93]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 113]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 122]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 127]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 140]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 152]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 154]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 155 الى 159]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

- ‌صِفَةُ عِيسَى عليه السلام

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 170]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 171]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا

- ‌فهرس المحتويات

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

الْمُنَافِقُونَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فاكتف به يا محمد فيهم، فإنه عَالِمٌ بِظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيْ لَا تُعَنِّفْهُمْ عَلَى مَا فِي قلوبهم وَعِظْهُمْ أي وانههم عما فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ وَسَرَائِرِ الشَّرِّ، وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً أَيْ وَانْصَحْهُمْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ رَادِعٍ لَهُمْ.

[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)

يَقُولُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ أَيْ فُرِضَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا يُطِيعُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِي، يَعْنِي لَا يُطِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ وَفَّقْتُهُ لِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آلِ عِمْرَانَ: 152] أَيْ عَنْ أَمْرِهِ وَقَدْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الآية، يُرْشِدُ تَعَالَى الْعُصَاةَ وَالْمُذْنِبِينَ إِذَا وَقَعَ مِنْهُمُ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ أَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَيَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ عِنْدَهُ وَيَسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ الْحِكَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عَنْ الْعُتْبِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا لِذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:[البسيط]

يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ

فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ

فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ

ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَعْرَابِيُّ، فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، فَقَالَ يَا عُتْبِيُّ، الْحَقِ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ» .

وَقَوْلُهُ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكِّمَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً أَيْ إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ

ص: 306

هواه تبعا لم جِئْتُ بِهِ» .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «1» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزبير رجلا في شراج الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» . وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ، وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية. هكذا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا، أَعْنِي فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَفِي كِتَابِ الشُّرْبِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ أَيْضًا، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، ثُلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، وَصُورَتُهُ صُورَةُ الْإِرْسَالِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ فِي الْمَعْنَى.

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَصَرَّحَ بِالْإِرْسَالِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ يُخَاصِمُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهَا كِلَاهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ «اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟

فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» فَاسْتَوْعَى «3» النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ سَعَةً لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً، هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عُرْوَةَ وَبَيْنَ أَبِيهِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.

وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهُ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وهب، أخبرني اللَّيْثُ وَيُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي شِرَاجِ «4» الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سرح الماء يمر، فأبى عليه

(1) صحيح البخاري (تفسير سورة النساء باب 11) .

(2)

مسند أحمد 1/ 165- 166.

(3)

استوعى الشيء: أخذه كله. والجدد: الحائط.

(4)

شراج: جمع شريج، وهو مسيل الماء. والحرة: موضع بالمدينة.

ص: 307

الزُّبَيْرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» وَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ السَّعَةَ له وللأنصار، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بِهِ. وَجَعَلَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَذَا سَاقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ فَإِنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ:

صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَامَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بذكر عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ غَيْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ عَنْهُ ضَعِيفٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَضَى لَهُ لِأَنَّهُ ابْنُ عمته، فنزلت: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الْآيَةُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، اخْتَصَمَا فِي مَاءٍ، فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْقِيَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ، هَذَا مُرْسَلٌ وَلَكِنْ فِيهِ فَائِدَةُ تَسْمِيَةِ الْأَنْصَارِيِّ.

ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ غَرِيبٍ جِدًّا: - قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وأخبرني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأُسُودِ، قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما، فقال المقضي عَلَيْهِ: رُدَّنَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَعَمْ» ، انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرَّجُلُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَضَى لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا.

فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فردنا إليك: فقال: أكذاك؟ قال: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ:

مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا فأقضي بينكما. فخرج إليها مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ فَضَرَبَ الَّذِي قَالَ:

رُدَّنَا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَتَلَ عُمَرُ وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَلَوْلَا أَنِّي أَعْجَزْتُهُ لَقَتَلَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَجْتَرِئَ عُمَرُ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ الآية، فهدر دم ذلك الرجل

ص: 308