الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَرِيرٍ «1» . وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ وَالْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الأصابع، قاله قتادة. وقال الشاعر:[الطويل]
أودّكما مَا بَلَّ حَلْقِيَ رِيقَتِي
…
وَمَا حَمَلَتْ كَفَّايَ أَنْمُلِي الْعَشْرَا «2»
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَنَامِلُ الْأَصَابِعُ، وَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَالْمَوَدَّةَ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ وَذَلِكَ أَشَدُّ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَيْ مَهْمَا كُنْتُمْ تَحْسُدُونَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَغِيظُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُتِمٌّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُكَمِّلٌ دِينَهُ، وَمُعْلٍ كَلِمَتَهُ وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، فَمُوتُوا أَنْتُمْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَيْ هُوَ عَلِيمٌ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُكُمْ وَتُكِنُّهُ سَرَائِرُكُمْ مِنَ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ وَالْغِلِّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُرِيَكُمْ خِلَافَ مَا تُؤَمِّلُونَ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي النَّارِ التي أنتم خالدون فيها لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها.
ثم قال تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَهَذِهِ الْحَالُ دَالَّةٌ عَلَى شِدَّةِ الْعَدَاوَةِ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ خِصْبٌ وَنَصْرٌ وَتَأْيِيدٌ وَكَثُرُوا وَعَزَّ أَنْصَارُهُمْ، سَاءَ ذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ أَيْ جَدْبٌ أَوْ أُدِيلَ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءُ، لِمَا لله تعالى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ- كَمَا جَرَى يَوْمَ أُحُدٍ- فَرِحَ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مخاطبا للمؤمنين وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً الآية، يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ. وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ.
ثُمَّ شَرَعَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ أُحُدٍ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الِاخْتِبَارِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَبَيَانِ صَبْرِ الصَّابِرِينَ فَقَالَ تعالى:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 123]
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْوَقْعَةِ يَوْمُ أُحُدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَهُ ابْنُ عباس والحسن وقتادة والسدي وغير
(1) تفسير الطبري 3/ 411. [.....]
(2)
قوله: أودكما أي لا أودكما. حذفت «لا» مع القسم. والريقة: الريق. ومعنى البيت: لا أودكما أبدا ما حييت.
وَاحِدٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» ، وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَسَلِمَتِ الْعِيرُ بِمَا فِيهَا مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كانت مع أبي سفيان قَالَ أَبْنَاءُ مَنْ قُتِلَ، وَرُؤَسَاءُ مَنْ بَقِيَ لِأَبِي سُفْيَانَ: ارْصُدْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ فأنفقوها في ذلك، فجمعوا الجموع والأحابيش، وأقبلوا في نحو مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ حَتَّى نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ أُحُدٍ تِلْقَاءَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يقال له مالك بن عمرو، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ «أَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ أَمْ يَمْكُثُ بِالْمَدِينَةِ» فَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِالْمُقَامِ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوهَا قَاتَلَهُمُ الرِّجَالُ فِي وُجُوهِهِمْ، وَرَمَاهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ وَأَشَارَ آخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ بَعْضُهُمْ وَقَالُوا: لَعَلَّنَا اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ أَنْ نَمْكُثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَحْكُمَ الله له» فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فلما كانوا بِالشَّوْطِ، رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي ثُلُثِ الْجَيْشِ مُغْضَبًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ: لَوْ نَعْلَمُ الْيَوْمَ قتالا لا تبعناكم، وَلَكِّنَّا لَا نَرَاكُمْ تُقَاتِلُونَ الْيَوْمَ. وَاسْتَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَائِرًا حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عَدْوَةِ الْوَادِي. وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ «لَا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ حَتَّى نَأْمُرَهُ بِالْقِتَالِ» . وَتَهَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. وَالرُّمَاةُ يَوْمَئِذٍ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُمْ «انْضَحُوا الْخَيْلَ عَنَّا وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ وَالْزَمُوا مَكَانَكُمْ إِنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ» . وَظَاهَرَ «2» رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَأَعْطَى اللِّوَاءَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ الْغِلْمَانِ يَوْمَئِذٍ وَأَرْجَأَ آخَرِينَ حَتَّى أَمْضَاهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ بِقَرِيبٍ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أبي جهل، ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار، ثُمَّ كَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوَاضِعِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أَيْ تُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَتَجْعَلُهُمْ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَحَيْثُ أَمَرْتَهُمْ
(1) تفسير الطبري 3/ 415.
(2)
أي لبس درعا فوق درع.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَيْ سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِضَمَائِرِكُمْ «1» .
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا سؤالا حاصله: كيف تقولون إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَارَ إِلَى أُحُدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ الآية؟ ثم كان جوابه عنه: أن غدوه ليبوأهم مَقَاعِدَ إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلَ النَّهَارِ «2» . وقوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا الآية، قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سفيان، قال: قال عمر: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا الآية، قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ وَمَا نُحِبُّ- وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً وَمَا يَسُرُّنِي أنها لم تنزل لقوله تَعَالَى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وبنو سلمة.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ أي يوم بدر، وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وأهله، ودمغ فيه الشرك، وخرب محله وحزبه هَذَا مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ فَرَسَانِ وَسَبْعُونَ بَعِيرًا، وَالْبَاقُونَ مُشَاةٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْعَدَدِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَكَانَ الْعَدُوُّ يَوْمَئِذٍ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةٍ إِلَى الْأَلْفِ فِي سَوَابِغِ الْحَدِيدِ وَالْبَيْضِ «3» وَالْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ وَالْخُيُولِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْحُلِيِّ الزَّائِدِ، فَأَعَزَّ اللَّهُ رَسُولَهُ وَأَظْهَرَ وَحْيَهُ وَتَنْزِيلَهُ، وَبَيَّضَ وَجْهَ النَّبِيِّ وَقَبِيلَهُ، وَأَخْزَى الشَّيْطَانَ وَجِيلَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَحِزْبِهِ الْمُتَّقِينَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أَيْ قَلِيلٌ عَدَدُكُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا بكثرة العدد والعدد، ولهذا قال تعالى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً- إلى- غَفُورٌ رَحِيمٌ [التَّوْبَةِ: 25] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسَنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا الَّذِي حَدَّثَ سِمَاكًا قال: وقال عمر: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ:
فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ، وَاسْتَمْدَدْنَاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَنِي، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا، وَأَحْصَنُ جُنْدًا: اللَّهُ عز وجل فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فإذا جاءكم كتابي هذا، فَقَاتِلُوهُمْ وَلَا تُرَاجِعُونِي، قَالَ: فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ أَرْبَعَةَ فراسخ، قال: وأصبنا أموالا فتشاورنا، فأشار
(1) انظر سيرة ابن هشام 2/ 63.
(2)
تفسير الطبري 3/ 416.
(3)
البيض: الخوذ.
(4)
مسند أحمد: 1/ 49.