المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 28]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 37]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 48 الى 51]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 59 الى 63]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 64]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 77]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 78]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 86 الى 89]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 92]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 101]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 109]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 117]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 123]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 143]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 144 الى 148]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 153]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 156 الى 158]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 164]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 180]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 184]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 186]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 194]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 195]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 198]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 199 الى 200]

- ‌سورة النساء

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 10]

- ‌ذِكْرُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ:

- ‌ذِكْرُ من قال هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 31]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ التَّابِعِينَ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 34]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 35]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 36]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 58]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 59]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 70]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 83]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 84 الى 87]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 91]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 93]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 113]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 122]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 127]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 140]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 152]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 154]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 155 الى 159]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

- ‌صِفَةُ عِيسَى عليه السلام

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 170]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 171]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا

- ‌فهرس المحتويات

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

نَفْسِ الْأَمْرِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُعْضِلَهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْرَكُوهُ فِي مَالِهِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآية، وهي قوله: فِي يَتامَى النِّساءِ الآية، كان الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ فَيُلْقِي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَهَوِيَهَا، تَزَوَّجَهَا وَأَكَلَ مَالَهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً مَنْعَهَا الرِّجَالَ أَبَدًا حَتَّى تَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُورِثُونَ الصِّغَارَ وَلَا الْبَنَاتَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي سَهْمٍ سَهْمَهُ، فَقَالَ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11 و 176] صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جبير وغيره وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ كَمَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جِمَالٍ وَمَالٍ نَكَحْتَهَا وَاسْتَأْثَرْتَ بِهَا، كَذَلِكَ إِذَا لَمْ تكن ذات مال ولا جمال فَانْكِحْهَا وَاسْتَأْثِرْ بِهَا. وَقَوْلُهُ: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً تهييجا على فعل الخيرات وامتثالا للأوامر، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل عَالِمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه.

[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130)

يَقُولُ تعالى مخبرا ومشرعا من حَالِ الزَّوْجَيْنِ تَارَةً فِي حَالِ نُفُورِ الرَّجُلِ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَتَارَةً فِي حَالِ اتِّفَاقِهِ مَعَهَا، وَتَارَةً فِي حَالِ فِرَاقِهِ لَهَا، فَالْحَالَةُ الْأُولَى مَا إِذَا خَافَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ يَنْفِرَ عَنْهَا أَوْ يُعْرِضَ عَنْهَا، فَلَهَا أَنْ تسقط عنه حَقَّهَا أَوْ بَعْضَهُ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كُسْوَةٍ أو مبيت أو غير ذلك من حقها عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَا حرج عَلَيْهَا فِي بَذْلِهَا ذَلِكَ لَهُ، وَلَا عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً، ثُمَّ قَالَ:

وَالصُّلْحُ خَيْرٌ أَيْ مِنَ الْفِرَاقِ، وَقَوْلُهُ: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ أَيِ الصُّلْحُ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْفِرَاقِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عَزْمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِرَاقِهَا فَصَالَحَتْهُ عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَتَتْرُكَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا وَأَبْقَاهَا عَلَى ذَلِكَ.

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تُطَلِّقْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَفَعَلَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما الْآيَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ

ص: 377

جَائِزٌ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ غريب.

قال الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وهبت يومها لعائشة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لَهَا بِيَوْمِ سَوْدَةَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ «1» .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ، عن أبيه عروة، قال:

أنزل الله فِي سَوْدَةَ وَأَشْبَاهِهَا وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً وَذَلِكَ أَنَّ سَوْدَةَ كَانَتِ امْرَأَةً قَدْ أَسَنَّتْ، فَفَزِعَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَنَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْهُ، وَعَرَفَتْ مِنْ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ وَمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ، فَوَهَبَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بن يونس عن الحسن بن أبي الزناد موصولا، وهذه الطريقة رَوَاهَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى مَنْ هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا، وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أسنت وفزعت أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي هَذَا لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً وكذلك رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ به، والحاكم في مستدركه، ثم قال: صحيح الإسناد، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ نَحْوَهُ وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عن هشام بن عروة بنحو مُخْتَصَرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ «2» فِي أَوَّلِ مُعْجَمِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ:

بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بِطَلَاقِهَا، فَلَمَّا أَنْ أَتَاهَا جَلَسَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ كَلَامَهُ وَاصْطَفَاكَ عَلَى خَلْقِهِ لَمَا رَاجَعْتَنِي، فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلَا حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ، لَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُبْعَثَ مَعَ نسائك يوم القيامة، فراجعها فقالت:

فإني جَعَلْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِحِبَّةِ «3» رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا غريب مرسل. وقال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، أنبأنا عبد الله، أنبأنا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

(1) صحيح البخاري (نكاح باب 98) .

(2)

توفي سنة 325. له معجم في الحديث ورجاله.

(3)

الحبة: المحبوبة.

ص: 378

وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال: الرجل تكون عنده المرأة المسنة لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حَلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ قَالَتْ: هَذَا فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ لا يكون بمستكثر منها، ولا يكون لها ولد ويكون لها صُحْبَةٌ فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي. حَدَّثَنِي «2» الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بن سلمة عن هشام، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ:

وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قالت: هو الرجل يكون له امرأتان: إِحْدَاهُمَا قَدْ كَبِرَتْ، أَوْ هِيَ دَمِيمَةٌ، وَهُوَ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي، وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «3» ، بِنَحْوِ ما تقدم، ولله الحمد والمنة.

قال ابْنُ جَرِيرٍ «4» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ ابْنِ سيرين قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب فسأله عن آية، فكره ذلك فضربه بِالدِّرَّةِ، فَسَأَلَهُ آخَرُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فقال عن مثل هذا فاسألوا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ يَلْتَمِسُ وَلَدَهَا، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين الْهِسِنْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما، قَالَ عَلِيٌّ:

يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا، أَوْ سُوءِ خُلُقِهَا، أَوْ قُذَذِهَا فَتَكْرَهُ فِرَاقَهُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَلَا حَرَجَ.

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ. وَكَذَا فَسَّرَهَا ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد بن جبير وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ ومكحول والحسن والحكم بن عتيبة وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَلَا أعلم في ذلك خلافا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1) تفسير الطبري 4/ 306.

(2)

إسناد آخر من رواية ابن جرير 4/ 306.

(3)

صحيح مسلم (تفسير حديث 14) .

(4)

تفسير الطبري 4/ 305.

ص: 379

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن ابن المسيب أن بنت محمد بن مسلم كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فِكْرِهَ مِنْهَا أَمْرًا إِمَّا كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ، فَأَرَادَ طَلَاقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً الآية، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِأَطْوَلِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البيهقي: حدثنا سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بن محمد بن عيسى، أنبأنا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللتين ذكر الله فيهما نشوز الرجل وَإِعْرَاضَهُ عَنِ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ، أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا نَشَزَ عَنِ امْرَأَتِهِ وَآثَرَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ تَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى مَا كَانَتْ مِنْ أَثَرَةٍ فِي الْقَسْمِ من ماله ونفسه صلح له ذلك وكان صُلْحُهَا عَلَيْهِ. كَذَلِكَ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ الصُّلْحَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عز وجل فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاتة شَابَّةً، وَآثَرَ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَحِلُّ راجعها، ثم عاد فآثر عليها الشابة فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ، فَقَالَ لَهَا: مَا شِئْتِ، إِنَّمَا بَقِيَتْ لَكِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأَثَرَةِ، وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ، فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ ذَلِكَ صُلْحَهُمَا وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ رَضِيَتْ أَنْ تَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ فِيمَا آثَرَ بِهِ عليها، وهكذا رَوَاهُ بِتَمَامِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي التَّخْيِيرَ أَنْ يُخَيِّرَ الزَّوْجُ لَهَا بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفِرَاقِ خَيْرٌ مِنْ تَمَادِي الزَّوْجِ عَلَى أَثَرَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ صُلْحَهُمَا عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا لِلزَّوْجِ وَقَبُولِ الزَّوْجِ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا أَمْسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَلَمْ يُفَارِقْهَا، بَلْ تَرَكَهَا مِنْ جُمْلَةِ نِسَائِهِ وَفِعْلُهُ ذلك للتتأسى بِهِ أُمَّتُهُ فِي مَشْرُوعِيَّةٍ ذَلِكَ وَجَوَازِهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمَّا كان الوفاق أحب الى الله مِنَ الْفِرَاقِ. قَالَ: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ بَلِ الطَّلَاقُ بَغِيضٌ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، جَمِيعًا عَنْ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن خالد، عن معروف بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلى الله

ص: 380

الطَّلَاقُ» «1» . ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ معروف عَنْ مُحَارِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مَعْنَاهُ مُرْسَلًا.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تَكْرَهُونَ مِنْهُنَّ وَتُقْسِمُوا لَهُنَّ أُسْوَةَ أَمْثَالِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَسَيَجْزِيَكُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ أَيْ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُسَاوُوا بَيْنَ النِّسَاءِ مِنْ جميع الوجوه، فإنه وإن وقع الْقَسْمُ الصُّورِيُّ لَيْلَةً وَلَيْلَةً، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والضحاك بن مزاحم، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فِي عَائِشَةَ، يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، ثُمَّ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أملك» يعني القلب، هذا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ «2» ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ.

وَقَوْلُهُ: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فَلَا تُبَالِغُوا فِي الْمَيْلِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أَيْ فَتَبْقَى هَذِهِ الْأُخْرَى مُعَلَّقَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: معناها لا ذات زوج ولا مطلقة. وقال أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: أَنْبَأَنَا هُمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نهيك عن أبي هرير، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ» ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ بِهِ. وقال الترمذي: إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي عن قتادة، قال: كان يقال: ولا يعرف هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً أَيْ وَإِنْ أَصْلَحْتُمْ فِي أُمُورِكُمْ وَقَسَمْتُمْ بِالْعَدْلِ فِيمَا تَمْلِكُونَ وَاتَّقَيْتُمِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ مَا كَانَ من ميل إلى

(1) سنن أبي داود (طلاق باب 3) وسنن ابن ماجة (طلاق باب 1) .

(2)

سنن أبي داود (نكاح باب 38) .

(3)

مسند أحمد 3/ 347.

ص: 381