الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك كما يمنع الْمَنِيحَةَ وَيُعْطِي النِّحْلَةَ طَيِّبًا بِهَا كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ صَدَاقَهَا طَيِّبًا بِذَلِكَ فَإِنْ طَابَتْ هِيَ لَهُ بِهِ بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَلْيَأْكُلْهُ حَلَالًا طَيِّبًا، وَلِهَذَا قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا فَلْيَسْأَلِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلْيَبْتَعْ بِهَا عَسَلًا ثُمَّ لِيَأْخُذْ مَاءَ السَّمَاءِ فَيَجْتَمِعُ هَنِيئًا مَرِيئًا شِفَاءً مُبَارَكًا.
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ أَخَذَ صَدَاقَهَا دُونَهَا فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَنَزَلَ وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ «1» .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عُمَيْرٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْعَلَائِقُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ:
«مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ» وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ عمر بن الخطاب قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
«أَنْكِحُوا الْأَيَامَى- ثَلَاثًا-» فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَلَائِقُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ:
«مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ» ابْنُ السلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضا.
[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)
ينهى سبحانه وتعالى عَنْ تَمْكِينِ السُّفَهَاءِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ قِيَامًا، أَيْ تَقُومُ بِهَا مَعَايِشُهُمْ مِنَ التِّجَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ هَاهُنَا يُؤْخَذُ الْحَجْرُ عَلَى السُّفَهَاءِ وَهُمْ أَقْسَامٌ، فَتَارَةً يَكُونُ الْحَجْرُ لِلصِّغَرِ، فَإِنَّ الصَّغِيرَ مَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ، وَتَارَةً يَكُونُ الْحَجْرُ لِلْجُنُونِ، وَتَارَةً لِسُوءِ التَّصَرُّفِ لنقص العقل أو الدين، وتارة لِلْفَلَسِ، وَهُوَ مَا إِذَا أَحَاطَتِ الدُّيُونُ بِرَجُلٍ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْ وَفَائِهَا، فَإِذَا سَأَلَ الْغُرَمَاءُ الحاكم الحجر عليه، حجر عليه.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ قَالَ: هُمْ بَنُوكَ وَالنِّسَاءُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عيينة وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ: هُمُ الْيَتَامَى، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وقتادة: هم النساء.
(1) تفسير الطبري 3/ 583.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إن النساء سفهاء إِلَّا الَّتِي أَطَاعَتْ قَيِّمَهَا» وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مُطَوَّلًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبراهيم، حدثنا حرب بن سريح، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ قال: هم الخدم، وهم شياطين الإنس.
وَقَوْلُهُ: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس، يقول: لَا تَعْمَدْ إِلَى مَالِكَ وَمَا خَوَّلَكَ اللَّهُ وجعله لك مَعِيشَةً فَتُعْطِيَهُ امْرَأَتَكَ أَوْ بَنِيكَ ثُمَّ تُنْظُرَ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَلَكِنْ أَمْسِكْ مَالَكَ وَأَصْلِحْهُ وَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ كِسْوَتِهِمْ وَمُؤْنَتِهِمْ وَرِزْقِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فِرَاسٍ، عن الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا، وَقَدْ قَالَ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً، يَعْنِي فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ.
وَهَذِهِ الآية الكريمة تضمنت الْإِحْسَانَ إِلَى الْعَائِلَةِ وَمَنْ تَحْتَ الْحَجْرِ بِالْفِعْلِ من الإنفاق في الكساوي والأرزاق وَالْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَتَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَابْتَلُوا الْيَتامى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْحُلُمَ، قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْبُلُوغُ فِي الْغُلَامِ تَارَةً يَكُونُ بِالْحُلُمِ، وَهُوَ أَنْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يُنْزِلُ بِهِ الْمَاءَ الدَّافِقَ الَّذِي يَكُونُ منه الولد، وفي سنن أبي داود «2» عن علي قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» «3» ، أَوْ يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصحيحين عن ابن عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وأنا ابن خمس عشرة فأجازني، فقال
(1) تفسير الطبري 3/ 588.
(2)
سنن أبي داود (وصايا باب 9) .
(3)
صحيح البخاري (طلاق باب 11 وحدود باب 22) وسنن أبي داود (حدود باب 17) وسنن الترمذي (حدود باب 1) وسنن النسائي (طلاق باب 21) وسنن ابن ماجة (طلاق باب 15) .
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ: إِنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِنْبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرْجِ، وهي الشِّعْرَةُ، هَلْ تَدُلُّ عَلَى بُلُوغٍ أَمْ لَا؟
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْمُعَالَجَةِ، وَبَيْنَ صِبْيَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ بُلُوغًا في حقهم لأنه لا يتعجل بها إلى ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ.
فَلَا يُعَالِجُهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بُلُوغٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ وَاحْتِمَالُ الْمُعَالَجَةِ بَعِيدٌ، ثُمَّ قَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خَلَّي سَبِيلَهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخَلَّى سَبِيلِي، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأن سعد بن معاذ كَانَ قَدْ حَكَمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذرية.
وقال أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْغَرِيبِ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أمية، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ غُلَامًا ابْتَهَرَ جَارِيَةً فِي شِعْرِهِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: انْظُرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ أَنْبَتَ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ابْتَهَرَهَا أَيْ قَذَفَهَا، وَالِابْتِهَارُ أَنْ يَقُولَ فَعَلْتُ بِهَا وَهُوَ كَاذِبٌ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ الِابْتِيَارُ، قَالَ الْكُمَيْتُ فِي شعره:[المتقارب]
قَبِيحٌ بِمِثْلِي نَعْتُ الفَتَاةِ
…
إِمَّا ابْتِهَارًا وَإِمَّا ابتيارا «2»
وقوله عز وجل: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي دِينِهِمْ وَحِفْظًا لِأَمْوَالِهِمْ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهَكَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَتَى بَلَغَ الْغُلَامُ مُصْلِحًا لِدِينِهِ وَمَالِهِ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ فَيُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ الَّذِي تَحْتَ يَدِ وَلَيِّهِ بِطَرِيقِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا يَنْهَى تَعَالَى عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مِنْ غَيْرِ حاجة ضرورية إِسْرافاً وَبِداراً أي مبادرة قَبْلَ بُلُوغِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ مَنْ كَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئا، وقال الشَّعْبِيُّ: هُوَ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَحَدَّثَنَا الْأَشَجُّ وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عن عائشة: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ،
(1) مسند أحمد 4/ 310.
(2)
البيت للكميت في ديوانه 1/ 202 ولسان العرب (بهر، بور) وتهذيب اللغة 15/ 266 ومقاييس اللغة 1/ 309 ومجمل اللغة 1/ 298 وتاج العروس (بهر، بور) . [.....]
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي وَالِي الْيَتِيمِ وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ.
قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَهُ أَنْ يَأْكُلَ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ: أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَوْ قَدَرَ حَاجَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَرُدُّ إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ [أَحَدُهُمَا] لَا، لِأَنَّهُ أَكَلَ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ وَكَانَ فَقِيرًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْآيَةَ أَبَاحَتِ الأكل من غير بدل، قال أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ وَلِي يَتِيمٌ؟ فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَذِّرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ «2» مَالَا وَمِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِيَ مَالَكَ- أَوْ قَالَ- تَفْدِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ» شَكَّ حُسَيْنٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُكْتِبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي يَتِيمًا عِنْدَهُ مَالٌ وليس لي مال. آكُلُ مِنْ مَالِهِ؟
قَالَ: «بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُسْرِفٍ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «3» وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حسين المعلم به وروى ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ أَضْرِبُ يَتِيمِي؟ قَالَ: «مَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلَا مُتَأَثِّلٍ مِنْهُ مَالًا» وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «4» : حَدَّثْنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّ فِي حِجْرِي أَيْتَامًا وَإِنَّ لَهُمْ إِبِلًا وَلِي إِبِلٌ، وَأَنَا أَمْنَحُ فِي إِبِلِي وَأُفْقِرُ «5» ، فَمَاذَا يَحِلُّ لِي مِنْ أَلْبَانِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلُوطُ حَوْضَهَا وَتَسْقِي عَلَيْهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ «6» ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ عَدَمُ أَدَاءِ الْبَدَلِ، يَقُولُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. [وَالثَّانِي] نَعَمْ، لِأَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ عَلَى الْحَظْرِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ فَيَرُدُّ بَدَلَهُ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمُضْطَرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقَدْ قال ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا ابْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن
(1) مسند أحمد 3/ 186.
(2)
أي غير جامع مالا.
(3)
سنن أبي داود (وصايا باب 8) .
(4)
تفسير الطبري 3/ 600.
(5)
أمنح في إبلي: أقدم الناقة لمن ينتفع بها وقتا ثم يردّها. وأفقر: أعير البعير للركوب.
(6)
غير ناهك في الحلب: غير مبالغ فيه. ولاط الحوض: طينه وأصلحه. وهنا البعير: طلاه بالهناء أي القطران.
حارثة بن مضرب قال: قال عُمَرُ رضي الله عنه: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفَتُ، وَإِنِ احْتَجْتُ اسْتَقْرَضْتُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البراء قال: قال عُمَرُ رضي الله عنه: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي الْقَرْضَ، قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا ابن مهدي عن سُفْيَانُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يأكل من ماله يقوت على نفسه حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ، قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ فِي إحدى الروايات والحاكم نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: لَا يَأْكُلْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إلى الْمَيْتَةِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَضَاهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حدثنا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئُ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَبِيعَةَ عَنْ قَوْلِ الله تعالى: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ الآية، فقال: ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ، لِأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ يَعْنِي مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. وَمَنْ كانَ فَقِيراً أَيْ مِنْهُمْ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
[الأنعام: 152] أي لا تقربوه إلا مصلحين له، فإن احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ أَكَلْتُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ يَعْنِي بَعْدَ بُلُوغِهِمُ الْحُلُمَ وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ سلموا إليهم أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وهذا أمر من اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُشْهِدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ لِئَلَّا يَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ جُحُودٌ وَإِنْكَارٌ لِمَا قَبَضَهُ وَتَسَلَّمَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أَيْ وَكَفَى بِاللَّهِ مُحَاسِبًا وَشَهِيدًا وَرَقِيبًا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي حَالِ نَظَرِهِمْ لِلْأَيْتَامِ وَحَالِ تَسْلِيمِهِمْ لِلْأَمْوَالِ هَلْ هِيَ كَامِلَةٌ مُوَفَّرَةٌ أَوْ مَنْقُوصَةٌ مَبْخُوسَةٌ، مُرَوَّجٌ حِسَابُهَا، مُدَلَّسٌ أُمُورُهَا؟ اللَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «1» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ولا تلين مال يتيم» .
(1) صحيح مسلم (إمارة حديث 17) .