المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 28]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 37]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 48 الى 51]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 59 الى 63]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 64]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 77]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 78]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 86 الى 89]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 92]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 101]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 109]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 117]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 123]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 143]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 144 الى 148]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 153]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 156 الى 158]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 164]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 180]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 181 الى 184]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 186]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 194]

- ‌[سورة آل عمران (3) : آية 195]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 198]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 199 الى 200]

- ‌سورة النساء

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 10]

- ‌ذِكْرُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ:

- ‌ذِكْرُ من قال هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 31]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ:

- ‌أَقْوَالُ التَّابِعِينَ:

- ‌[سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 34]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 35]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 36]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 58]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 59]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 70]

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 83]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 84 الى 87]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 91]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 93]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 113]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 122]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 127]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 128 الى 130]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 140]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 152]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 154]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 155 الى 159]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

- ‌صِفَةُ عِيسَى عليه السلام

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 170]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 171]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌[سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا

- ‌فهرس المحتويات

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24]

وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ، فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى مَتَاعِهَا، وَيَقُولُ: هَذَا الْمَتَاعُ لَوْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ! اذْهَبْ بِهَا إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: لَا، ادْعُ لِي رَبِيعَةَ بْنَ عَمْرٍو الجرسي، وَكَانَ فَقِيهًا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ أُتِيتُ بِهَا مُجَرَّدَةً فَرَأَيْتُ مِنْهَا ذَاكَ وَذَاكَ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَبْعَثَ بِهَا إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ:

لَا تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ، فَدَعَوْتُهُ وَكَانَ آدَمَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ، فَقَالَ: دُونَكَ هَذِهِ بَيِّضْ بِهَا ولدك، قال:

وكان عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا وَهَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ فَرَبَّتْهُ، ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مع معاوية من الناس على علي رضي الله عنه.

[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 24]

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ هِيَ آيَةُ تَحْرِيمِ الْمَحَارِمِ مِنَ النَّسَبِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الرَّضَاعِ وَالْمَحَارِمِ بِالصِّهْرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ سَبْعٌ نَسَبًا وَسَبْعٌ صِهْرًا، وَقَرَأَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ الْآيَةَ وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عن إسماعيل بن رجاء عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ فَهُنَّ النَّسَبُ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي عَلَيْهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَبَناتُكُمْ فَإِنَّهَا بِنْتٌ، فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْءٌ فِي إِبَاحَتِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتًا شَرْعِيَّةً، فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَلِكَ لَا تَدْخُلُ في هذه الآية، والله أعلم.

وقوله تعالى: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ أَيْ كما يحرم عليكم

ص: 216

أُمُّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْكَ أُمُّكَ التي أرضعتك، ولهذا ثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» «1» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يحرم من النسب» .

وقال بعض الفقهاء: كل ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاعة إِلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سِتِّ صُوَرٍ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يوجد مثل بعضها من النَّسَبِ، وَبَعْضُهَا إِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ الصِّهْرِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَدِيثِ شَيْءٌ أَصْلًا الْبَتَّةَ، ولله الحمد وبه الثقة.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةِ، فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّهُ يُحَرِّمُ مُجَرَّدُ الرَّضَاعِ لعموم هذه الآية، وهذا قول مالك، ويروى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يُحَرِّمُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:

«لا تحرم المصة ولا المصتان» «2» وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَالْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بن راهويه، وأبو عبيد وأبو ثور، وهو مروي عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ الْفَضْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمهم الله.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يُحَرِّمُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ فيما أنزل مِنَ الْقُرْآنِ «عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ» ثُمَّ نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ «3» ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، نَحْوَ ذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تُرْضِعَ سالما مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَنْ يرضع خمس رضعات، وبهذا قال الشافعي وَأَصْحَابُهُ.

ثُمَّ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ فِي سِنِّ الصِّغَرِ دُونَ الْحَوْلَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَكَمَا قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ

(1) صحيح البخاري (نكاح باب 20 و 21) وصحيح مسلم (رضاع حديث 1) وموطأ مالك (رضاع حديث 1) .

(2)

صحيح مسلم (رضاع حديث 17 و 20 و 23) .

(3)

صحيح مسلم (رضاع حديث 25) .

ص: 217

أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: 233] ثم اختلفوا هل يحرم لبن الفحول، كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، أو إنما يَخْتَصُّ الرَّضَاعُ بِالْأُمِّ فَقَطْ، وَلَا يَنْتَشِرُ إِلَى ناحية الأب، كما هو قول لِبَعْضِ السَّلَفِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، تَحْرِيرُ هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ الْكَبِيرُ.

وَقَوْلُهُ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، أَمَّا أَمُّ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى ابْنَتِهَا، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَأَمَّا الرَّبِيبَةُ وَهِيَ بِنْتُ الْمَرْأَةِ فَلَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى أمها حتى يدخل، فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا، وَلِهَذَا قَالَ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي تَزْوِيجِهِنَّ، فَهَذَا خَاصٌّ بِالرَّبَائِبِ وَحْدَهُنَّ. وَقَدْ فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب، فَقَالَ: لَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِنَ الْأُمِّ وَلَا الْبِنْتِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُخْرَى حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، لِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسِ بن عمرو، عن علي رضي الله تعالى عَنْهُ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَيَتَزَوَّجُ أُمَّهَا؟ قَالَ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَاتَتْ عِنْدَهُ فأخذ مِيرَاثَهَا كُرِهَ أَنْ يَخْلُفَ عَلَى أُمِّهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَجْدَعِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ كِنَانَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَنْكَحَهُ امْرَأَةً بِالطَّائِفِ، قَالَ: فَلَمْ أُجَامِعْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عَمِّي عَنْ أُمِّهَا، وَأُمُّهَا ذَاتُ مَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ أَبِي: هَلْ لَكَ فِي أُمِّهَا؟ قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَخْبَرْتُهُ الخبر، فقال: انكح أمها؟ قال: وسألت ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا، فَأَخْبَرْتُ أَبِي بما قالا، فكتب إلى معاوية فأخبره بما قالا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ:

إِنِّي لَا أُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَأَنْتَ وَذَاكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ. فَلَمْ يَنْهَ وَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَانْصَرَفَ أَبِي عَنْ أُمِّهَا فَلَمْ يَنْكِحْهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: الرَّبِيبَةُ وَالْأُمُّ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِهَا إِذَا لَمْ يُدْخَلْ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ لَهُ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ أَرَادَ بِهِمَا الدُّخُولَ جَمِيعًا.

فَهَذَا القول كما ترى مروي عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جُبَيْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ مُعَاوِيَةُ. وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّابُونِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن العبادي.

ص: 218

وقد روي عن ابن مسعود مثله، ثم رجع عنه، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدُّبُرِيُّ، حدثنا عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي فروة، عن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا من بني كمخ من فزارة تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته. فاستفتى ابن مسعود، فأمره أن يفارقها ثم تزوج أمها، فتزوجها وولدت له أولادا، ثم أتى ابن مسعود المدينة، فسأل عن ذلك، فأخبر أنها لا تحل له، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام ففارقها.

وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم، فإنها تحرم بمجرد العقد. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عَزْرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طلق الرجل المرأة قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ لَمْ تحل له أمها، وروي أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا مُبْهَمَةٌ، فَكَرِهَهَا. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَسْرُوقٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : والصواب قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْأُمُّ مِنَ الْمُبْهَمَاتِ، لِأَنَّ الله لم يشترط معهن الدخول كما اشترطه مَعَ أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إِجْمَاعٌ مِنَ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مُتَّفِقَةً عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَبَرٌ غَيْرَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرًا، وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، دُخِلَ بالبنت أو لم يدخل، وإذا تزوج بالأم فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الِابْنَةَ» ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ، فَإِنَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ مُسْتَغْنًى عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فالجمهور عَلَى أَنَّ الرَّبِيبَةَ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، قَالُوا: وَهَذَا الْخِطَابُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النُّورِ: 33] .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَزَّةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ «أَوْ تُحِبِّينَ ذَلِكَ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخَلِّيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، قَالَ «فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي» . قَالَتْ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ «إِنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَبِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فلا تعرضن علي بناتكن

(1) تفسير الطبري 3/ 663. [.....]

ص: 219

وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «إِنِّي لَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي» «1» ، فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أُمَّ سَلَمَةَ، وَحَكَمَ بِالتَّحْرِيمِ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَجُمْهُورِ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ.

وَقَدْ قِيلَ: بِأَنَّهُ لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ، فَإِذَا لم تكن كَذَلِكَ فَلَا تَحْرُمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ- يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ، وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجِدْتُ عَلَيْهَا، فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فقال: ما لك؟ فَقُلْتُ: تُوُفِّيَتِ الْمَرْأَةُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَهَا ابْنَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ.

قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِكَ؟ قُلْتُ: لَا، هِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ: فَانْكِحْهَا، قلت: فأين قول الله وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِكَ.

هَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَأَصْحَابُهُ. وَحَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَى لِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ عَرَضَ هَذَا عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ رحمه الله، فَاسْتَشْكَلَهُ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، قَالَ: فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَمَّا الرَّبِيبَةُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا يُرِيدُ أَنْ أَطَأَهُمَا جَمِيعًا بِمِلْكِ يَمِينِي «2» ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

وَقَالَ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا مَمْلُوكِينَ لَهُ؟ فَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَلَمْ أَكُنْ لأفعله. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، قَالَ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ وملك اليمين عندهم تَبَعٌ لِلنِّكَاحِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أئمة الفتوى ولا من تبعهم.

(1) صحيح البخاري (نكاح باب 20 ونفقات باب 16) وصحيح مسلم (رضاع حديث 15 و 16) وسنن أبي داود (نكاح باب 6) وسنن ابن ماجة (نكاح باب 34) .

(2)

موطأ مالك (نكاح حديث 33) .

ص: 220

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ: بِنْتُ الرَّبِيبَةِ وَبِنْتُ ابْنَتِهَا لَا تَصْلُحُ وَإِنْ كَانَتْ أَسْفَلَ بِبُطُونٍ كَثِيرَةٍ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ.

ومعنى قوله اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَيْ نَكَحْتُمُوهُنَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: هُوَ أَنْ تُهْدَى إِلَيْهِ فَيَكْشِفُ وَيُفَتِّشُ ويجلس بين رجليها. وقلت: أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا؟ قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ، وَحَسِبَهُ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنَتَهَا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَفِي إِجْمَاعِ الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لَا يُحَرِّمُ ابْنَتَهَا عَلَيْهِ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسِيسِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا أَوْ قَبْلَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هو الوصول إليها بالجماع.

وقوله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ زَوْجَاتُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ وَلَّدْتُمُوهُمْ مِنْ أَصْلَابِكُمْ، يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنِ الْأَدْعِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الْأَحْزَابِ: 37]، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ. قَالَ: كنا نحدث- والله أعلم- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَكَحَ امْرَأَةَ زَيْدٍ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَنَزَلَتْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الْأَحْزَابِ: 4]، وَنَزَلَتْ مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الْأَحْزَابِ:

40] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، حَدَّثَنَا الْجُرْحُ بْنُ الْحَارِثِ عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مبهمات وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ، نَحْوُ ذَلِكَ.

(قُلْتُ) مَعْنَى مُبْهَمَاتٍ أَيْ عَامَّةٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ، فَتَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ تَحْرُمُ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْكِيهِ إِجْمَاعًا وَلَيْسَ مِنْ صُلْبِهِ، فَالْجَوَابُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .

وقوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ الآية. أَيْ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فِي التَّزْوِيجِ، وَكَذَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ فَقَدْ عَفَوْنَا عنه وَغَفَرْنَاهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيمَا سَلَفَ، كَمَا قَالَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى [الدُّخَانِ: 56] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ أَبَدًا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الجمع بين الأختين

(1) تفسير الطبري 3/ 665.

ص: 221

فِي النِّكَاحِ، وَمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، خُيِّرَ فَيُمْسِكُ إِحْدَاهُمَا وَيُطَلِّقُ الْأُخْرَى لَا مَحَالَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا. ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَاسْمُهُ دَيْلَمُ بْنُ الْهَوْشَعِ. عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ «2» .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي خِرَاشٍ الرُّعَيْنِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي أُخْتَانِ تَزَوَّجْتُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ «إِذَا رَجَعْتَ فَطَلِّقْ إِحْدَاهُمَا» «3» قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا خِرَاشٍ هَذَا هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ أَبُو وَهْبٍ قَدْ رَوَاهُ عَنِ اثْنَيْنِ عَنْ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْخَوْلَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ رُزَيقِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ تَحْتِي أُخْتَيْنِ، قَالَ «طَلِّقْ أَيَّهُمَا شِئْتَ» ، فَالدَّيْلَمِيُّ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا هُوَ الضحاك بن فيروز الديلمي قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ يَصْحَبُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَالثَّانِي هُوَ أَبُو فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيُّ رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَرَاءِ بِالْيَمَنِ الَّذِينَ وُلُّوا قَتْلَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ المتنبي لَعَنَهُ اللَّهُ.

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَحَرَامٌ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:

حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِنَبَةَ أَوْ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَكَرِهَهُ فقال له- يعني السائل: يقول الله تعالى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مسعود رضي الله تعالى عنه:

وَبَعِيرُكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينَكَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ قَدْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ «4» ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ:

أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ عَنِ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ:

أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَمَا كُنْتُ لِأَصْنَعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عنده، فلقي رجلا من أصحاب

(1) مسند أحمد 4/ 232.

(2)

سنن الترمذي (نكاح باب 34) .

(3)

سنن ابن ماجة (نكاح باب 39) .

(4)

موطأ مالك (نكاح حديث 34) .

ص: 222

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنِ الزبير بن العوام مثل ذلك.

قال ابن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب الِاسْتِذْكَارِ: إِنَّمَا كَنَّى قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ عَنْ علي بن أبي طاب لِصُحْبَتِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَكَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ ذِكْرَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، ثم قال أبو عمر «1» : حدثني خلف بن أحمد قِرَاءَةً عَلَيْهِ: أَنَّ خَلَفَ بْنَ مُطَرِّفٍ حَدَّثَهُمْ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ، حَدَّثَنِي عَمِّي إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ، قال: سألت علي بن أبي طالب فَقُلْتُ: إِنَّ لِي أُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينِي، اتَّخَذْتُ إِحْدَاهُمَا سُرِّيَّةً فَوَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا ثُمَّ رَغِبْتُ فِي الْأُخْرَى فَمَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: تَعْتِقُ الَّتِي كُنْتَ تَطَأُ ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى، قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: بَلْ تُزَوِّجُهَا ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ إِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَلَيْسَ تَرْجِعُ إِلَيْكَ؟ لَأَنْ تَعْتِقَهَا أَسْلَمُ لَكَ. ثُمَّ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي فَقَالَ لِي: إِنَّهُ يحرم عليك مما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ، أَوْ قَالَ: إِلَّا الْأَرْبَعَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ النَّسَبِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ «2» : هَذَا الْحَدِيثُ رِحْلَةٌ «3» ، لَوْ لَمْ يُصِبِ الرَّجُلُ مِنْ أقصى المغرب أو المشرق إِلَى مَكَّةَ غَيْرَهُ لَمَا خَابَتْ رِحْلَتُهُ. قُلْتُ: وقد روي عن علي نحو ما روي عَنْ عُثْمَانَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حدثنا محمد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العباس، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ- يَعْنِي الْأُخْتَيْنِ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُحَرِّمْهُنَّ عَلَيَّ قَرَابَتِي مِنْهُنَّ وَلَا يُحَرِّمْهُنَّ عَلَىَّ قَرَابَةُ بَعْضِهِنَّ مِنْ بَعْضٍ، يَعْنِي الْإِمَاءَ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يُحَرِّمُونَ مَا تُحَرِّمُونَ إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الأختين. فلما جاء الإسلام أنزل اللَّهُ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [النساء: 22] وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ يَعْنِي فِي النِّكَاحِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَحْرُمُ مِنَ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ، وعن ابن مسعود والشعبي نحو ذلك. قال أبو عمر: وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُثْمَانَ عَنْ طَائِفَةٍ من السلف منهم

(1) هو ابن عبد البرّ.

(2)

أي يستحق أن تشدّ الرحال إلى من يرويه. يقال: هو رحلة زمانه، أي تشد الرحال إليه لاستماع حديثه.

(3)

رواه السيوطي باختصار في الدر المنثور 2/ 244.

ص: 223

ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالْحِجَازِ ولا العراق وَلَا مَا وَرَاءَهُمَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا الْمَغْرِبِ، إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ ذَلِكَ مَا اجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ، وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أن معنى قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَنَّ النِّكَاحَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا وَقِيَاسًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ. وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، وَهُمُ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا مَنْ خَالَفَهَا وَشَذَّ عَنْهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي وحرم عليكم من الْأَجْنَبِيَّاتُ الْمُحْصَنَاتُ، وَهُنَّ الْمُزَوَّجَاتُ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي إِلَّا مَا مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَكُمْ وَطْؤُهُنَّ إِذَا اسْتَبْرَأْتُمُوهُنَّ، فَإِنَّ الْآيَةَ نزلت في ذلك. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَصَبْنَا نِسَاءً مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسَ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فاستحللنا بها فُرُوجَهُنَّ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أشعث بن سوراي عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الخليل، عن أبي سعيد الخدري بِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أبي سعيد الخدري، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابُوا سَبَايَا يَوْمَ أَوَطَاسَ، لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَكَأَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفُّوا وَتَأَثَّمُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَشُعْبَةُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ نحوه. وقال الترمذي: هذا حديث

(1) مسند أحمد 3/ 72.

(2)

مسند أحمد 3/ 84.

ص: 224

حَسَنٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَ أَبَا عَلْقَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ- كَذَا قَالَ- وَقَدْ تَابَعَهُ سَعِيدٌ وَشُعْبَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ من حديث الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَبَايَا خَيْبَرَ، وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ يَكُونُ طَلَاقًا لَهَا مِنْ زَوْجِهَا أخذا بعموم هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ؟ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ:

بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ وَالْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، ورواه سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِذَا بِيعَتِ الْأَمَةُ وَلَهَا زَوْجٌ، فَسَيِّدُهَا أَحَقُّ بِبُضْعِهَا. وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالُوا: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قال:

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ سِتٌّ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا، وَعِتْقُهَا طَلَاقُهَا، وَهِبَتُهَا طَلَاقُهَا، وَبَرَاءَتُهَا طَلَاقُهَا، وَطَلَاقُ زَوْجِهَا طَلَاقُهَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ:

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ قَالَ: هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يمينك، فبيعها طلاقها. قال مَعْمَرٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ مَثَلَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قَالَ إِذَا كَانَ لَهَا زوج، فبيعها طلاقها. وروى عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ:

بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا، وَبَيْعُهُ طلاقها.

فهذا قول هؤلاء من السلف، وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَرَأَوْا أَنَّ بيع الأمة ليس طلاقا لها لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَائِبٌ عَنِ الْبَائِعِ، وَالْبَائِعَ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ وَبَاعَهَا مَسْلُوبَةً عَنْهَا، وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «3» وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا وَنَجَزَتْ عِتْقَهَا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ، فَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ما خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا خَيَّرَهَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْمَسْبِيَّاتُ فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يَعْنِي الْعَفَائِفَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَمْلِكُوا عِصْمَتَهُنَّ بِنِكَاحٍ وَشُهُودٍ وَمُهُورٍ وَوَلِيٍّ، وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثلاثا أو أربعا، حكاه ابن

(1) تفسير الطبري 4/ 4.

(2)

تفسير الطبري 4/ 5. [.....]

(3)

صحيح البخاري (شروط باب 3 وطلاق باب 14) وصحيح مسلم (عتق حديث 6) .

ص: 225

جَرِيرٍ «1» عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَطَاوُسٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ عُمَرُ وَعُبَيْدَةُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ مَا عَدَا الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

وقوله تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيْ هَذَا التَّحْرِيمُ كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَالْزَمُوا كِتَابَهُ، وَلَا تَخْرُجُوا عن حدوده، والزموا شرعه وما فرضه. وقال عُبَيْدَةُ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْأَرْبَعَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني ما حرم عليكم.

وقوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَيْ مَا عدا من ذكرن مِنَ الْمَحَارِمِ، هُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ وَالسُّدِّيُّ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ، وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَطَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ يَعْنِي مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنِ احْتَجَّ عَلَى تَحْلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آية.

وقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أَيْ تَحَصَّلُوا بِأَمْوَالِكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ، أَوِ السَّرَارِي مَا شِئْتُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.

وقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً أَيْ كَمَا تَسْتَمْتِعُونَ بِهِنَّ فَآتَوْهُنَّ مُهُورَهُنَّ فِي مقابلة ذلك، كما قَالَ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ [النساء: 21] وكقوله تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النِّسَاءِ: 4]، وَكَقَوْلِهِ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [الْبَقَرَةِ: 229] وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أنه أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أُبِيحَ مَرَّةً ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يُبَحْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ القول بإباحتها للضرورة، وهو راوية عن الإمام أحمد، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ يَقْرَءُونَ «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً» ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَالْعُمْدَةُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ «2» . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُقَرَّرَةٌ هِيَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فقال «يا أيها النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ من النساء،

(1) تفسير الطبري 4/ 6) .

(2)

صحيح البخاري (نكاح باب 31) وصحيح مسلم (نكاح حديث 29- 31) .

ص: 226