الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالشَّامِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ أَيْ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ أَيْنَمَا كَانُوا فَلَا يَأْمَنُونَ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ أَيْ بِذِمَّةٍ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لَهُمْ وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَإِلْزَامُهُمْ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ أي أمان منهم لهم، كَمَا فِي الْمُهَادَنِ وَالْمُعَاهَدِ وَالْأَسِيرِ إِذَا أَمَّنَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوِ امْرَأَةٌ، وَكَذَا عَبْدٌ، عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ أَيْ بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وَعَهْدٍ مِنَ النَّاسِ وكذا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ والسدي والربيع بن أنس «1» .
وقوله وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أَيْ أُلْزِمُوا فَالْتَزَمُوا بِغَضَبٍ من الله وهم يستحقونه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ أَيْ أُلْزِمُوهَا قَدَرًا وَشَرْعًا. وَلِهَذَا قَالَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَيْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ وَالْحَسَدُ فَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ والمسكنة أبدا متصلا بذل الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ أَيْ إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِ رُسُلِ اللَّهِ، وَقُيِّضُوا لِذَلِكَ- أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْثِرُونَ الْعِصْيَانَ لِأَوَامِرِ اللَّهِ عز وجل وَالْغَشَيَانَ لِمَعَاصِي اللَّهِ، وَالِاعْتِدَاءَ فِي شَرْعِ الله، فعياذا بالله من ذلك، والله عز وجل الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَمِائَةِ نَبِيٍّ، ثُمَّ يقوم سوق بقلهم آخر النهار.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 117]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: زَعَمَ الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
(1) انظر تفسير الطبري 3/ 394.
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ قَالَ: لَا يَسْتَوِي أَهْلُ الْكِتَابِ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ «1» : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ الله هذه الساعة غيركم» قال: فنزلت هَذِهِ الْآيَاتُ لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ- إلى قوله- وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ.
والمشهور عند كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «2» وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ آمَنَ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وَغَيْرِهِمْ، أَيْ لَا يَسْتَوِي مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ بِالذَّمِّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً أَيْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، بَلْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَمِنْهُمُ الْمُجْرِمُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ أَيْ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مُطِيعَةٌ لِشَرْعِهِ، مُتَّبِعَةٌ نَبِيَّ اللَّهِ، فَهِيَ قَائِمَةٌ، يَعْنِي مُسْتَقِيمَةً يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ أَيْ يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيُكْثِرُونَ التَّهَجُّدَ، وَيَتْلُونَ الْقُرْآنَ فِي صَلَوَاتِهِمْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي آخِرِ السُّورَةِ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ [آل عمران: 199] ، ولهذا قال تعالى هَاهُنَا وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ اي لا يضيع عند الله، بل يجزيهم بِهِ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ عَمَلُ عَامِلٍ، وَلَا يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكَفَرَةِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أَيْ لَا يُرَدُّ عَنْهُمْ بَأْسُ اللَّهِ وَلَا عَذَابُهُ إِذَا أَرَادَهُ بِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَا يُنْفِقُهُ الْكُفَّارُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، قَالَهُ مجاهد والحسن والسدي، فقال تعالى: ثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
أَيْ بَرْدٌ شَدِيدٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: برد وجليد، وعن ابن عباس أيضا ومجاهديها صِرٌّ
أَيْ نَارٌ وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ، فإن البرد الشديد ولا سِيَّمَا الْجَلِيدُ يَحْرِقُ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ، كَمَا يُحْرَقُ الشيء بالنارصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ
أي فأحرقته، يعني بذلك السعفة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أَوْ حَصَادُهُ، فَدَمَّرَتْهُ وَأَعْدَمَتْ مَا فِيهِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَذَهَبَتْ بِهِ وَأَفْسَدَتْهُ، فَعَدِمَهُ صَاحِبُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ. فَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ يَمْحَقُ اللَّهُ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وثمرتها، كما أذهب
(1) مسند أحمد 1/ 396.
(2)
تفسير الطبري 3/ 398.