الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْفُسِهِمْ، فَلَمْ يَتَّبِعُوا الْحَقَّ، وَسَعَوْا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، قَدْ خَرَجُوا عَنِ الْحَقِّ وَضَلُّوا عَنْهُ، وَبَعُدُوا مِنْهُ بُعْدًا عَظِيمًا شَاسِعًا، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ فِي الْكَافِرِينَ بِآيَاتِهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ، الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَارْتِكَابِ مَآثِمِهِ وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً أَيْ سَبِيلًا إِلَى الْخَيْرِ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً الآية، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ أَيْ قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَالْبَيَانِ الشَّافِي مِنَ اللَّهِ عز وجل، فَآمِنُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَاتَّبِعُوهُ، يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَعَنْ إِيمَانِكُمْ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِكُفْرَانِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إِبْرَاهِيمَ: 8] وَقَالَ هاهنا: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً أَيْ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْكُمُ الْهِدَايَةَ فَيَهْدِيهِ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَوَايَةَ فَيُغْوِيهِ، حَكِيماً أَيْ فِي أَقْوَالِهِ وأفعاله وشرعه وقدره.
[سورة النساء (4) : آية 171]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171)
يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ، وَهَذَا كَثِيرٌ في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ، إِلَى أَنِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ. بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ، فَادَّعَوْا فِيهِمُ الْعِصْمَةَ، وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ سَوَاءٌ كَانَ حَقًا أَوْ بَاطِلًا، أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا، أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: 31] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: زَعَمَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ. فَإِنَّمَا أَنَا عبد فقولوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَعَلِيُّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزهري كذلك، ولفظه «إنما أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «2» عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَلَفْظُهُ «فَإِنَّمَا أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» .
(1) مسند أحمد 1/ 23. [.....]
(2)
صحيح البخاري (أنبياء باب 48) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يا مُحَمَّدٌ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أيها الناس عليكم بقولكم «2» ولا يستهويكم الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عز وجل» تفرد به من هذا الوجه.
وقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أَيْ لَا تَفْتَرُوا عَلَيْهِ وَتَجْعَلُوا لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، تعالى الله عز وجل عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ وَتَوَحَّدَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ أَيْ إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، أَيْ خَلَقَهُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا جِبْرِيلَ عليه السلام إِلَى مَرْيَمَ فَنَفْخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ بِإِذْنِ ربه عز وجل، فكان عيسى بإذنه عز وجل، وكانت تِلْكَ النَّفْخَةُ الَّتِي نَفَخَهَا فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، فَنَزَلَتْ حَتَّى وَلَجَتْ فَرْجَهَا بِمَنْزِلَةِ لَقَاحِ الْأَبِ والأم، والجميع مخلوق الله عز وجل، وَلِهَذَا قِيلَ لِعِيسَى: إِنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنِ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ بِهَا كُنْ فَكَانَ، وَالرُّوحِ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا جِبْرِيلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [الْمَائِدَةِ: 75] . وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آلِ عِمْرَانَ: 59] . وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: 91] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم: 12] إلى آخر السورة، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ الْمَسِيحِ: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ [الزُّخْرُفِ: 59] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ هو قوله: كن فيكون. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سنان الواسطي قال: سمعت شاذان بْنَ يَحْيَى يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ قَالَ: لَيْسَ الْكَلِمَةُ صَارَتْ عِيسَى وَلَكِنْ بِالْكَلِمَةِ صَارَ عِيسَى، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا ادَّعَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «3» فِي قَوْلِهِ: أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أَيْ أَعْلَمَهَا بِهَا، كَمَا زَعَمَهُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آلِ عِمْرَانَ: 43- 45] أَيْ يُعْلِمُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ وَيَجْعَلُ ذلك كقوله تعالى: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الْقَصَصِ: 86] بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي جاء بها جبريل
(1) مسند أحمد 3/ 153.
(2)
في المسند: «بتقواكم» .
(3)
تفسير الطبري 4/ 374.
إِلَى مَرْيَمَ، فَنَفْخَ فِيهَا بِإِذْنِ اللَّهِ فَكَانَ عِيسَى عليه السلام. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «1» : حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عمير بن هانئ، حدثنا جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حُقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى ما كان من العمل» . وقال الْوَلِيدُ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ جُنَادَةَ زاد «من أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ بِهِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ «وَرُوحٌ مِنْهُ» كَقَوْلِهِ: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الْجَاثِيَةِ: 13] أَيْ مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ- بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ في قوله: وَرُوحٌ مِنْهُ أي ورسوله مِنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ وهو أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ وَأُضِيفَتِ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالْبَيْتُ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ [الأعراف: 73] وفي قوله: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج: 26] وكما روي فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي فِي داره» أضافها إليه إضافة تشريف، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبِيلٍ وَاحِدٍ وَنَمَطٍ وَاحِدٍ.
وقوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الأعراف: 158] أَيْ فَصَدِّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ، لَا ولد له ولا صاحبة، وَاعْلَمُوا وَتَيَقَّنُوا بِأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ولهذا قال تعالى: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ أَيْ لَا تَجْعَلُوا عِيسَى وَأُمَّهُ مَعَ اللَّهِ شَرِيكَيْنِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذلك علوا كبيرا، وهذه الآية كالتي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ [الْمَائِدَةِ: 73] وَكَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي [الْمَائِدَةِ: 116]، وَقَالَ فِي أَوَّلِهَا لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 17] ، - فالنصارى عليهم لعائن اللَّهِ- مِنْ جَهْلِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ ضَابِطٌ، وَلَا لِكُفْرِهِمْ حَدٌّ، بَلْ أَقْوَالُهُمْ وَضَلَالُهُمْ مُنْتَشِرٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ إِلَهًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ شَرِيكًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَلَدًا، وَهُمْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ لَهُمْ آرَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَقْوَالٌ غَيْرُ مُؤْتَلِفَةٍ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ النَّصَارَى لَافْتَرَقُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قولا.
(1) صحيح البخاري (أنبياء باب 1) .