الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرَادَ إِنَّهُ مَنْ يَدْخُلْ، أَيْ إِنَّ الْأَمْرَ هذا، وهو أَنَّ الْمُجْرِمَ يَدْخُلُ النَّارَ، وَالْمُؤْمِنَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. وَالْمُجْرِمُ الْكَافِرُ. وَقِيلَ: الَّذِي يَقْتَرِفُ الْمَعَاصِيَ وَيَكْتَسِبُهَا. والأول أشبه لقوله تعالى: (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) 20: 74 وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ الْمُكَذِّبِ الْجَاحِدِ- عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ (النِّسَاءِ)«1» وَغَيْرِهَا- فَلَا يَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَرِيحُ بِمَوْتِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا مَنْ لِنَفْسٍ لَا تَمُوتُ فَيَنْقَضِي
…
شَقَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاةً لَهَا طَعْمُ
وَقِيلَ: نَفْسُ الكافر معلقة في حنجرته أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَمُوتُ بِفِرَاقِهَا، ولا يحيا باستقرارها. وَمَعْنَى. (مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) 20: 74 مَنْ يَأْتِ موعد ربه. ومعنى (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) 20: 75 أَيْ يَمُتْ عَلَيْهِ وَيُوَافِيهِ مصدقا به. (قَدْ عَمِلَ) أَيْ وَقَدْ عَمِلَ" الصَّالِحاتِ" أَيِ الطَّاعَاتِ وَمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ. (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) 20: 75 أَيِ الرَّفِيعَةُ الَّتِي قَصُرَتْ دُونَهَا الصِّفَاتُ. وَدَلَّ قَوْلُهُ:" وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً 20: 75" عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْرِمِ الْمُشْرِكُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بَيَانٌ لِلدَّرَجَاتِ وَبَدَلٌ مِنْهَا، وَالْعَدْنُ الْإِقَامَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «2» بَيَانُهُ. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أَيْ مِنْ تَحْتِ غُرَفِهَا وَسُرُرِهَا (الْأَنْهارُ) مِنَ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَالْمَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. (خالِدِينَ فِيها) أَيْ مَاكِثِينَ دَائِمِينَ. (وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) 20: 76 أَيْ مَنْ تَطَهَّرَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. وَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ قَوْلِ السَّحَرَةِ قَالَ: لَعَلَّ السَّحَرَةَ سَمِعُوهُ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ كَانَ فِيهِمْ بِمِصْرَ أَقْوَامٌ، وَكَانَ فِيهِمْ أَيْضًا الْمُؤْمِنُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلْهَامًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ أَنْطَقَهُمْ بذلك لما آمنوا، والله أعلم.
[سورة طه (20): الآيات 77 الى 79]
وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) 20: 77 تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى. (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) 20: 77 أَيْ يَابِسًا لَا طِينَ فِيهِ ولا ماء. وقد مضى في (البقرة)«3»
(1). راجع ج 5 ص 253.
(2)
. راجع ج 10 ص 396.
(3)
. راجع ج 1 ص 389 فما بعد.
ضَرْبُ مُوسَى الْبَحْرَ وَكُنْيَتُهُ إِيَّاهُ وَإِغْرَاقُ فِرْعَوْنَ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. (لَا تَخافُ دَرَكاً) 20: 77 أَيْ لِحَاقًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ." وَلَا تَخْشَى" قَالَ ابن جريج قال أصحاب موسى [له «1»]: هَذَا فِرْعَوْنُ قَدْ أَدْرَكَنَا، وَهَذَا الْبَحْرُ قَدْ غَشِيَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى 20: 77" أَيْ لَا تَخَافُ دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَلَا تَخْشَى غَرَقًا مِنَ الْبَحْرِ أَنْ يَمَسَّكَ إِنْ غَشِيَكَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ" لَا تَخَفْ" عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ. التَّقْدِيرُ إِنْ تَضْرِبْ لهم طريقا في البحر لا تخف. و" لا تَخْشى 20: 77" مُسْتَأْنَفٌ عَلَى تَقْدِيرِ: وَلَا أَنْتَ تَخْشَى. أَوْ يَكُونُ مَجْزُومًا وَالْأَلِفُ مُشَبَّعَةٌ مِنْ فَتْحَةٍ، كقوله:" فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا"«2» [الأحزاب: 67] أو يكون على حد قول الشاعر: «3»
كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَا
عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْحَرَكَةِ كَمَا تُحْذَفُ حَرَكَةُ الصَّحِيحِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ آخَرُ:
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا
…
مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تهجو ولم تدع
وَقَالَ آخَرُ «4» :
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي
…
بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْغَلَطِ أَنْ يُحْمَلَ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل عَلَى الشُّذُوذِ مِنَ الشِّعْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ الشِّعْرِ لَا يُشْبِهُ مِنَ الْآيَةِ شَيْئًا، لِأَنَّ الْيَاءَ وَالْوَاوَ مُخَالِفَتَانِ لِلْأَلِفِ، لِأَنَّهُمَا تَتَحَرَّكَانِ وَالْأَلِفُ لَا تَتَحَرَّكُ، وَلِلشَّاعِرِ إِذَا اضْطُرَّ أَنْ يُقَدِّرَهُمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ تُحْذَفُ الْحَرَكَةُ لِلْجَزْمِ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي الْأَلِفِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَبْيَنُ لِأَنَّ بَعْدَهُ" وَلا تَخْشى 20: 77" مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِلَا جَزْمٍ، وَفِيهَا ثَلَاثُ تَقْدِيرَاتٍ: الْأَوَّلُ- أَنْ يَكُونَ" لَا تَخافُ 20: 77" فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمُخَاطَبِ، التَّقْدِيرُ: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا غَيْرَ خَائِفٍ وَلَا خَاشٍ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ لِلطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَبَسٍ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا تَخَافُ فِيهِ، فَحَذَفَ الرَّاجِعَ مِنَ الصِّفَةِ. وَالثَّالِثُ- أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا خَبَرَ ابتداء محذوف تقديره: وأنت لا تخاف.
(1). من ب وج وز وط وك وى.
(2)
. راجع ج 14 ص 249.
(3)
. هو عبد يغوث بن وقاص من شعراء الجاهلية. وصدر البيت:
وتضحك مني شيخة عبشمية
(4)
. البيت من أبيات لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي وكان قد نشأت بينه وبين الربيع بن زياد شحناء في شأن درع فاستاق إبل الربيع وباعها بمكة من عبد الله بن جدعان القرشي.